ذبحت ولدي وأكلته
راودتني نفسي ــــــ للمرة الثالثة ــــــ أن أعيد تجربتي مع تربية الأغنام ، خاصة وأن المخاوف من ذلك الجرب اللعين الذي أصاب إحدى أغنامي قد تبددت ، فقدت مرت عليها أربع سنوات بسلام ، ولم أستطع مقاومة تلك الرغبة الجامحة خاصة وأنا أداوم بابنتي ـــــ يوميا ــــــ إلى قرية الخضراء الجنوبية ؛ بسبب تعيينها معلمة للغة الإنجليزية ـــــ هناك ـــــ مما أتاح لي المرور كل أربعاء على سوق الغنم في أبي عريش الواقع على طريق مشواري ، والاستمتاع بحركة البيع والشراء في ذلك السوق حتى التاسعة صباحا ، وكنتُ كلما أعجبتني إحدى الأغنام اشتريتها ووضعتها في ( الزريبة ) التي أنشأتها خلف منزلنا الجديد ، حتى أصبح لدي أحد عشر رأسا من الأغنام ، أقوم بتربيتها والعناية بها ، وقضاء أوقات فراغي معها ، جالبا لها أفضل أنواع البرسيم ، وقصب الذرة ( الوجيم= ) ، والخبز الجاف ، حتى استوتْ وسمنت ، وبدأتْ في التكاثر ذات أربعاء من عام 1432ه مررتُ على ذلك السوق ، وأثناء تجوالي بين الباعة لفتت نظري إحدى تلك الأغنام من نوع ( الماعز ) بشكلها الجذاب ، وتلك البقع السوداء التي تنتشر على مساحة جلدها الأبيض ، وبطنها الممتلئ الذي ينبئك بأن داخله اثنان من صغار المعز ، فاصلتُ صاحبها ( البائع ) في السعر فاستغل لهفتي عليها رافعا سعرها إلى ثمانمائة ريال ، لكني اشتريتها ، وعدتُ بها إلى منزلي ، ثم وضعتها بين بقية أغنامي ، وأوليتها عناية خاصة ، وعندما أحسستُ بقرب وضاعها عزلتها عن البقية في مكان خاص ؛ حتى لا تتعرض للنطح الجائر فيموت ما في بطنها أو تتعرض للتعسر .
اكتملتْ الأيام ، وبدأتْ لحظات الوِضاع ، لكني لاحظتُ أنها متعسرة ؛ إذ تقدمتْ رجلا الصغير خروجا من الفرج ، وهذا دليل على تعسر يجعلها تطلق أنين الاستغاثة ، عزمتُ على مساعدتها ؛ كي لا تنفق ، ألبستُ يديَّ بقفازين ( جاونتي ) وتدخلتُ حتى ولدتْ بسلام ، لكن الغريب أنها ولدت صغيرا واحدا فقط ( سخلة = ) ، وكنتُ حين اشتريتها أعتقد أنها ستلد اثنين أو أكثر . خرج ذلك الصغير إلى الحياة بنبيبه اللطيف ( مأمآته ) ، وقمتُ بإرضاعه عن طريق ( الرضَّاعة ) الصناعية بالحليب المتوفر لدينا في المنزل ( نيدو ) لمدة أربع وعشرين ساعة ؛ ريثما ينزل حليب الأم إلى ضِرعها ، تربى ذلك الصغير حتى أصبح ( جديا ) لطيفا ، حاملا أوصاف أمه في اللون والشكل والجمال . المشكلة أن ذلك الجدي ألفني وتعلق بي أكثر من أمه ، فكنتُ كلما دخلتُ إلى المنزل أجده في وجهي هاشا باشا مرحبا بصوته الصغير الجميل ( مااااااء ) ، وإن جلستُ على سريري في فضاء الحوش يأتي ؛ كي يشتمُّ رائحتي ثم يصعد على ذلك السرير ويتكئ بجانبي ، وإن ذهبتُ لغرفتي في الدور الأرضي ذهب ورائي ، وإن صعدتُ إلى الدور العلوي صعد خلفي حتى ضاقت به زوجتي ذرعا ، ولا أخفيكم بأنني أحببتُ هذا الجدي وجعلته مثل ابن لي ؛ خاصة وأني لم أرزق بأبناء من الذكور ، بل وأسميته ( زكيا ) ، ثم واصلتُ تربيته والعناية به حتى أصبح ( تيسا ) رشيقا جميلا ذا حركات بهلوانية ممتعة . في أحد الأيام من تلك الفترة قدم إلينا أحد الضيوف الأعزاء من مدينة جدة ، فلم يكن أمامي إلا أن أتحول إلى حاتم جازان الطائي وأقدم ولدي ( زكيا ) تكريما لذلك الضيف ، نعم ذبحتُ ولدي ( زكي ) وأكلتُ لحمه مع المدعوِّين ، وأحسن الله عزاءك يالغيث . وسلامتكم *** >::>::>:: ........................................... = سيقان الذرة التي تكون في حالة متوسطة بين الاخضرار والاصفرار . = صغير العنز ذكرا كان أم أنثى ، وفي منطقتنا نطلق على صغير النعجة سخلة وهو خطأ شائع . |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
من الألف إلى الياء
سرد .. تشويق .. مفارقات .. ابتسامة وتحيّة لقلمك والفكر . طاب نبضكَ والقلم أيها الغيث النبيل |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
حفظ الله لك
كل أفراد أسرتك ورزق برهم في الدنيا والأخرة وقمت بواجب الضيافة على أكملها لأنك منبع الكرم والجود للختم والتنبيه ومكافأة المنتدى |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
مقالٌ إبداعيُّ شاركْـتَنا به موافقَك الرائعةَ
المنكَّهةَ بطعمِ الفُكاهةِ شدَّتني بدايةُ المقالِ الى تلكِ الرحمةِ الانسانيةِ المتمثّلةِ باعتناءِك الرحومِ بهذا الجدي الصغيرِ الذي تعّلقتْ روحُه برداءِ روحِك السمحاءِ لأنها تبقى أرواحٌ خلقَها اللهُ عزّ وجلّ وان ميزَّنا اللهُ بالعقلِ والتفكيرِ ثُمَّ صدمَـتْني نهايةُ المقالِ حتّى أن حرفي ترقرقَ دمعُه فمسحتُ أدمعَه على ذبحِ ذلك الجدي الوديعِ ولا عجبَ من تأثُّرِك بتلك الروحِ البريئةِ فهكذا هي الأرواحُ الطـيّـبةُ تجرحُها نسمةٌ وترفقُ بكلِّ مخلوقاتِ اللهِ العزاءُ للقلوبِ الشفيفةِ الرحيمةِ أخي الاديب الـغيث سلمْتَ ونقاءَ القلبِ ودامَ الفكرُ نيرًا |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
اقتباس:
ودام هذا الحرف معتقا بالبخور العدني شكرا لردكِ الأنيق >::>:: |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
اقتباس:
وتظل ردودك قلائد على خاصرة الجمال مهما غبنا وابتعدنا لأنني أشتم فيها ضوع المسك المعطِّر لقلب صاحبها بوركت يا أبا علي ودام نبضك الوفي >::>:: |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
اقتباس:
الذي يتوج أركان المنتدى بالنور والبهاء حتى وإن غبنا سيلاحقنا هذا الضوء المبارك أنى ذهبنا أما قلبك الرحيم الذي تأثر بذبح الجدي فهو حكاية أخرى من لما تحملينه من قلب طيب وروح شفافة بريئة لا تغيرها ظروف الحياة وجبروتها شكرا من القلب أيتها السامقة ولا غنى لي عن حروفك المشعة بالإخاء التي تشبه الدرر أتمنى لك التوفيق الدائم وبارك الله كل خطواتك >::>:: |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
طيب كيف طلعت لحمة الجدي خلاص انذبح وراح فيها زكريا
بس لاتسولف في السوق انك ذبحت زكريا راح تدخل في تحقيق وكيف تثبت وزكريا قد اكلته ولا في تيس بجيك بعد ذبح خويهم |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
اقتباس:
والله طلعت حنيذ على كيفك هههههه لكن للأسف حنيذ من لحم ولدي شكرا لهذه الروعة والطرافة في ردك الجميل لا حرمنا الله من لطفك يسعدك ربي يا سمو >::>:: |
رد: ذبحت ولدي وأكلته
لهد تحنذ اولادك خل عندك رحمه اقصد التيوس اما اللي في البيت
محشومين |
الساعة الآن 02:27 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
مجتمع ريلاكس