الغيث
07-07-2021, 11:01 PM
واااحر قلبي عليك قصة قصيرة
هِشْ هِشْ .. عِرْ عِرْ .. وااا ( عثمان ) :
ـ تعالى عاونِّي نِرَجِّعْ امهوش لمزريبه .
كانت تقولها ( عائشة ) وهي تقترب من دارها عائدة من رعي أغنامها خارج القرية ؛ حيث تبكر بها مع أول إطلالة لكل صبح جميل ، بعد أن تتناول مع شريك حياتها أولى وجبات النهار ؛ وهي معدة من الحلوى ( المسمَّنة ) مع القهوة المرة . تسوق أغنامها نحو تلك الأراضي غير المأهولة والمليئة بالحشائش الخضراء وبعض النباتات البرية التي تنبت بعد سقوط الأمطار المتكررة على المنطقة ، تتوسط أغنامها وتتركها تأكل من رزق الله تعالى متكئة على عصاتها المتعرجة ، حامدة الله على هذه النعمة ، داعية أن يبارك لها في هذه الثروة التي رزقها بها ، وأن يمد في عمرها ويمتعها بالصحة والعافية ؛ كي تبذل كل ما في وسعها لإسعاد زوجها وأبنائها .
في أغلب الأحيان تعود من الرعي مبكرة ؛ لتشرع ـــــ فورا ــــ في إعداد وجبة الإفطار والتي ــــ غالبا ـــــ ما تكون من خمير الذرة وإدام الطماطم والبامية بجانب الحقنة ، وما أن تنتهي من تناولها مع زوجها حتى تستعد لتنظيف المنزل وترتيبه ؛ استعدادا لعودة أبنائها من مدارسهم .
تقضي ( عائشة ) ما تبقى من وقت الصباح في تبادل الأحاديث مع زوجها ـــــــ على تلك القعادة العتيقة ــــــــ وتناول القهوة الحلوة وتبادل إيماءات العواطف والحنان ، والتخطيط لمستقبل الأبناء : أحمد وحسين ومريم وعامر ، ثم تُغطِّي قدميه بالحناء في جو من المداعبة والأشواق .
تذكر المهندس ( عامر ) تلك المواقف والأيام الجميلة وهو ينظر إلى الدكتور ( مراد ) متأملا تلك المسكينة التي قام بفحصها للتو مطلقا آهة حزن وأسى وهو يقول :
ــــــ والدتك حالتها صعبة يا عامر ! ولا أريد أن أسبق الأحداث ، لكنها معرضة لجلطة في الدماغ ! ألا ترى هذا الاحمرار الشديد في عينها ، هو مؤشر على تفجر بعض الشعيرات الدموية في العينين نتيجة لضغط الدم الذي تجاوز حده ، ولا تنس أنها فوق الخمسين .
ــــــ والعمل يا دكتور ؟
ــــــ كل شيء بيد الله تعالى ، ستدخل العناية المركزة الآن وستبقى تحت الملاحظة الطبية الفائقة .
ـــــــ الأمر لله من قبل ومن بعد .
بعد أسبوعين ــــ تقريبا ــــ تحسنت حالة ( عائشة ) قليلا وتم نقلها إلى التنويم الطبيعي .. لكنها أصبحت فاقدة الحركة والبصر ، وبعد استقرار حالتها لم يكن أمام ابنها المهندس ( عامر ) إلا طلب خروجها من المستشفى ، وهناك في المنزل سخر كل إمكانياته لها .
بكل طمأنينة وإيمان كامل بالقدر خيره وشره أصبحت ( عائشة ) تقضي ليلها ونهارها مستلقية على ذلك الفِراش المائي ، وابناها ( عامر ) و ( مريم ) يقومان برعايتها بكل تفان وهي منهمكة بين الدعاء والرجاء والحزن والألم والسكون ، لا يقطع ذلك إلا عبرات تنهمر على وجنتيها كلما نادت : واااا عثمان ! وااا حسين ! وااا أحمد !
فأما حسين وأحمد فقد غيبتهما ظروف العمل خارج المنطقة ، وأما زوجها عثمان فقد غيبته ظروف أخرى ، وأما عامر وأخته مريم فهما بجوارها تعصف بهما رياح الحيرة ؛ فهما يدركان ما تعانيه أمهما وتفكر فيه ولا يستطيعان أن يفعلا شيئا ، ويعلمان كم تنكر والدهما لهذه المخلصة ، فمنذ أن بدأت تتقدم في العمر قليلا بدأ هو في البحث عن فتاة تعيد له الخريف ربيعا . !
وكلما صاحت : "واااا عثمان .. فيَّانك يا روح روحي .. وااا حَرَّ قلبي عليك"
لا يملكان إلا مشاركتها بالدموع ، ولا يستطيعان أن يقولا لها : إن والدهما لم يعد يأتي منذ أن مرضت ، وأن ابن الخامسة والستين غارق في أحضان ابنة العشرين . !
***
الغيث
حصري للمدائن
هِشْ هِشْ .. عِرْ عِرْ .. وااا ( عثمان ) :
ـ تعالى عاونِّي نِرَجِّعْ امهوش لمزريبه .
كانت تقولها ( عائشة ) وهي تقترب من دارها عائدة من رعي أغنامها خارج القرية ؛ حيث تبكر بها مع أول إطلالة لكل صبح جميل ، بعد أن تتناول مع شريك حياتها أولى وجبات النهار ؛ وهي معدة من الحلوى ( المسمَّنة ) مع القهوة المرة . تسوق أغنامها نحو تلك الأراضي غير المأهولة والمليئة بالحشائش الخضراء وبعض النباتات البرية التي تنبت بعد سقوط الأمطار المتكررة على المنطقة ، تتوسط أغنامها وتتركها تأكل من رزق الله تعالى متكئة على عصاتها المتعرجة ، حامدة الله على هذه النعمة ، داعية أن يبارك لها في هذه الثروة التي رزقها بها ، وأن يمد في عمرها ويمتعها بالصحة والعافية ؛ كي تبذل كل ما في وسعها لإسعاد زوجها وأبنائها .
في أغلب الأحيان تعود من الرعي مبكرة ؛ لتشرع ـــــ فورا ــــ في إعداد وجبة الإفطار والتي ــــ غالبا ـــــ ما تكون من خمير الذرة وإدام الطماطم والبامية بجانب الحقنة ، وما أن تنتهي من تناولها مع زوجها حتى تستعد لتنظيف المنزل وترتيبه ؛ استعدادا لعودة أبنائها من مدارسهم .
تقضي ( عائشة ) ما تبقى من وقت الصباح في تبادل الأحاديث مع زوجها ـــــــ على تلك القعادة العتيقة ــــــــ وتناول القهوة الحلوة وتبادل إيماءات العواطف والحنان ، والتخطيط لمستقبل الأبناء : أحمد وحسين ومريم وعامر ، ثم تُغطِّي قدميه بالحناء في جو من المداعبة والأشواق .
تذكر المهندس ( عامر ) تلك المواقف والأيام الجميلة وهو ينظر إلى الدكتور ( مراد ) متأملا تلك المسكينة التي قام بفحصها للتو مطلقا آهة حزن وأسى وهو يقول :
ــــــ والدتك حالتها صعبة يا عامر ! ولا أريد أن أسبق الأحداث ، لكنها معرضة لجلطة في الدماغ ! ألا ترى هذا الاحمرار الشديد في عينها ، هو مؤشر على تفجر بعض الشعيرات الدموية في العينين نتيجة لضغط الدم الذي تجاوز حده ، ولا تنس أنها فوق الخمسين .
ــــــ والعمل يا دكتور ؟
ــــــ كل شيء بيد الله تعالى ، ستدخل العناية المركزة الآن وستبقى تحت الملاحظة الطبية الفائقة .
ـــــــ الأمر لله من قبل ومن بعد .
بعد أسبوعين ــــ تقريبا ــــ تحسنت حالة ( عائشة ) قليلا وتم نقلها إلى التنويم الطبيعي .. لكنها أصبحت فاقدة الحركة والبصر ، وبعد استقرار حالتها لم يكن أمام ابنها المهندس ( عامر ) إلا طلب خروجها من المستشفى ، وهناك في المنزل سخر كل إمكانياته لها .
بكل طمأنينة وإيمان كامل بالقدر خيره وشره أصبحت ( عائشة ) تقضي ليلها ونهارها مستلقية على ذلك الفِراش المائي ، وابناها ( عامر ) و ( مريم ) يقومان برعايتها بكل تفان وهي منهمكة بين الدعاء والرجاء والحزن والألم والسكون ، لا يقطع ذلك إلا عبرات تنهمر على وجنتيها كلما نادت : واااا عثمان ! وااا حسين ! وااا أحمد !
فأما حسين وأحمد فقد غيبتهما ظروف العمل خارج المنطقة ، وأما زوجها عثمان فقد غيبته ظروف أخرى ، وأما عامر وأخته مريم فهما بجوارها تعصف بهما رياح الحيرة ؛ فهما يدركان ما تعانيه أمهما وتفكر فيه ولا يستطيعان أن يفعلا شيئا ، ويعلمان كم تنكر والدهما لهذه المخلصة ، فمنذ أن بدأت تتقدم في العمر قليلا بدأ هو في البحث عن فتاة تعيد له الخريف ربيعا . !
وكلما صاحت : "واااا عثمان .. فيَّانك يا روح روحي .. وااا حَرَّ قلبي عليك"
لا يملكان إلا مشاركتها بالدموع ، ولا يستطيعان أن يقولا لها : إن والدهما لم يعد يأتي منذ أن مرضت ، وأن ابن الخامسة والستين غارق في أحضان ابنة العشرين . !
***
الغيث
حصري للمدائن