ننتظر تسجيلك هـنـا


❆ جدائل الغيم ❆
                        .


آخر 10 مشاركات لسعة..       وجوه المجهول .:       يا عازفَ الناي       مجاراة الأديبة القديرة أحلام المصري (رجل لايفهم في الشعر) إمرأة لاتفهم في الحب       تتأملنِي كلُّ صباح (حصري)       حبك نهاية أفقي وكل مداراتي ..       ،، جولة في مدائن المستشار / فتحي عيسى ،،       يا سيدة القلب ....باسمك ختمت القصيدة ...       ريـاح الـحـب       اِتِّهــامٌ و بـــراءةُ..      
روابط تهمك القرآن الكـريم الصوتيات الفلاشـات الالعاب أُلَفٌوٌتِوُشِوٌبِ اليوتيوب الزخرفـة قروب الطقس مركز التحميل لا باب يحجبنا عنك تنسيق البيانات
العودة   منتديات مدائن البوح > المدائن الأدبية > قناديـلُ الحكايــــا

قناديـلُ الحكايــــا

يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..

( يمنع المنقول )



الكرسوع ( رواية )

يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..

( يمنع المنقول )


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-07-2021, 05:53 PM   #21


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جاي في السريع مشاهدة المشاركة
عنتر شايل سيفه
سأكون متابع لكل الحلقات
وسوف ارد عليك
هُنا تميز خاص جداً
ورواية تحتاج إلى تأمل

شكرا أخي العزيز جاي في السريع
وأنا سأسعد بمتابعتك
كل التقدير وخاص الود


 

رد مع اقتباس
قديم 08-07-2021, 06:28 PM   #22


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )






*
الكرسوع




الفصل الثاني


أشرقت الشمس في ذلك الصباح الجميل ومعها أشرقت كل الابتسامات البريئة على محيا الطيبين ، وعلى دروب الصفاء تفتحت الزهور البيضاء في نفوس وقلوب الملتحفين بالطهر والنقاء ، وانتشر الكل ساعين إلى رزق الله وفضله ، كان الفتى ( محمود ) يتهيأ لذلك السعي وهو يسمع من خلف جدار منزله همهمات التحايا الصباحية المفعمة بالود والرضا ، تصاحبها أصداء وقع أقدام المنتشرين نحو مبتغياتهم :

يا فتَّاح يا عليم يا رزَّاق يا كريم

يالله على بابك يا كريم

خرج محمود مع انطلاق صياح الديكة ــــ قبل الأخير ـــــ معلنة بداية المعترك الحياتي اليومي لخلق الله جميعا ، وفي طريقه كان يشاهد بعض العُمَّال وقد حملوا أدواتهم على أكتافهم متجهين نحو دروب الكفاح ، وفي زقاق آخر شاهد البعض يحمل بين يديه زنبيلا منسوجا من السعف ؛ ليجلب فيه إفطار أسرته ، مناظر كانت ترتسم على صفحات روحه كلوحات سريالية ، ألوانها الصدق والأمانة ، وعناوينها الإخاء ، وهنا التقى بالحدَّاد ( عاكف ) :
ـــــ صباح الخير يا عم عاكف .
ـــــ يسعد صباحك ياولدي .. ويمن عليك بالزرق الحلال .
كان محمود يقترب من أطراف السوق الرئيسي للمدينة وبين يديه إناء معدني صغير متجها نحو العم ( هجري ) الذي كان يقف خلف جرته المليئة بالفول المطشوش وهو يحرك مغرفته ذات الذراع الطويل داخل تلك الجرة ذهابا وإيابا ليملأ تلك الآنية الصغيرة ــــ التي يُحضرها المشترون ـــــ بالفول المميز ، وعلى الجانبين أسفل الجرة تتنافس بعض الآنية متوسطة الحجم في تقديم التوابل والطحينة السائلة ومسحوق البسباس الأحمر ؛ ليأخذ منها الفوال ( هجري ) قدرا مناسبا يضيفه على ذلك الفول الذي أفرغه في تلك الآنية ليضفي عليه نكهة رائعة ، وفي زاوية مقابلة يقف السيد ( قاسم ) بائع الخبز المشهور وقد امتدت حواليه طاولات خشبية ملأى بأنواع الخبز المحلي : ( الصامولي ، المدور ، الشامي ، الشريك ) وغيرها ، وقد اشتهر ذلك البائع منذ القدم بسماحته مع الفقراء والمساكين ، فكثيرا ما كان يمنحهم الخبز بأقل من ثمنه ، ولربما منحهم إياه مجانا لذلك تجد ربحه مباركا على الدوام .
عاد محمود إلى داره حاملا ( صينية ) الفول وناولها لوالدته ، ثم خرج ميمما نحو الساحل ؛ لشراء بعض السمك ؛ لإكمال وجبة الفطور التي تتفنن فيها والدته ، وعند وصوله للساحل كان على موعد مع الألق والجمال الآسر المتجلي على تلك الشواطئ الجميلة الحالمة والمتكئة على وسائد الطبيعة البكر ، كانت صفحة البحر رقراقة صافية وقد اكتست بلون زئبقي نتيجة لانعكاس السحب الملبدة في أجواء المدينة عليها ، كان الصباح رائعا والمنظر يأخذ بالألباب ، لكن المراسي الطبيعية كانت خالية من القوارب إلا ماكان مُعدًّا منها للصيانة .
هنا بادر بإلقاء التحية على العم ( شوران ) صانع القوارب :
ــــــ كيفك يا عم شوران .
ـــــ أهلا بك يا محمود .. بخير والحمد لله .
ـــــ أشوف المكان فاضي !
ـــــ نعم .. فقد بكَّر الصيادون بعد صلاة الفجر ؛ لطلب أرزاقهم في أعماق البحر وحول الجزر القريبة من المدينة .
ـــــ طيب والعمل.. نبغى سمك للفطور !
ـــــ انتظر يا محمود .. بعد قليل يأتي السمك مع أهل ( الدُّوْل ) والمبكرين من الصيادين الهواة ، فإن مع العسر يسرا .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن






 

رد مع اقتباس
قديم 08-07-2021, 06:36 PM   #23


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )






*
الكرسوع






أومأ محمود برأسه وهو يعرف أن بعض الهواة يمتطون ( أرماصَهم ) الخشبية أو تلك المصنوعة من الفلين ــــ بعد الفجر ـــــ ويذهبون إلى أطراف المياه العميقة ليمارسوا هوايتهم في فترة صيد سريعة تنتهي باصطياد بعض أسماك الشعور والكِشْرَة والناقم والشُّون والحباري ، أضف إلى ذلك ما يجمعه أصحاب الشِّباك مما علق في شباكهم من أسماك العربي الصغيرة والقزامي ، كل ذلك المحصول يعرض للبيع على الساحل مبكرا ؛ لتعد منه الأسر الجيزانية وجبة الإفطار .
وفي هذه الأثناء ظهر أحد جيران محمود :
ــــــ هلا صلاح .. ليش متأخر عن موعدك اليوم ؟
ــــــ والله يا محمود ذهبت ( للميدان ) أبغى ( حبحب صغير ) للوالدة وأعجبني المنظر هناك وقعدت أتْفَرَّج .
ربَّت محمود على كتف جاره صلاح وهو يعرف تلك المساحة المكانية الجميلة التي تسمى بــــ ( الميدان ) حيث يتجسد على جوانبها ذلك المشهد الرائع لحركة البيع والشراء للمنتجات الجازانية ، فهناك الأواني الفخارية والأدوات الخشبية والحجرية والمنتجات السعفية المحلية يدوية الصنع ، وهناك بائعو المواشي والدجاج والبيض البلدي ، وهناك بائعو المنتجات الزراعية المحلية ، وكذلك بائعو ( القَصَب ) المستخدم علفا للمواشي ، وكثيرا ما يكتظ ذلك المكان بالحركة وتختلط في أجوائه هتافات الباعة بأصوات الأغنام ورغاء الجمال الجاثية بعد أن أنزلت حمولتها التي قدمت بها من القرى المحيطة بالمدينة .
بعد أن تناول محمود إفطاره حمل بضاعته المتواضعة متجها نحو السوق الرئيسي للمدينة ، والذي يجثو بعراقته وأصالته وطيبة أهله على كفيها الحالمتين ، وقد بدأت بعض الدكاكين تفتح أبوابها للمبكرين في الشراء حيث شرع بائعو الأقمشة بعرض بضائعهم في زوايا دكاكينهم بطريقة خاصة تجذب المشترين ، وفي زاوية من وسط ذلك السوق جلس محمود في مكانه المعتاد عارضا أمامه عددا من المقاعد الخشبية ( الأرضية ) وبعضا من الطاولات الشعبية ( التُّخُت ) انتظارا لفرج الله أن يسوق له بعض المشترين ليكسب منهم بعض النقود ينفقها على نفسه ووالدته ، تلك المهنة التي اكتسبها ( محمود ) من والده الراحل لا تكاد تكون مربحة إلا أنها تسد شيئا يسيرا من الحاجة إذ ليس له مصدر آخر من الدخل غيرها ، خاصة وأنه انقطع عن التعليم وخرج منه مبكرا .
هنا يمر من أمامه ( عايش ) المحلوي وقد ملأ قيروانته بأصناف من الخبز الصغير المدور والمحلى بالسكر وأنواع أخرى من المخبوزات العسلية ( المغمورة بالشيرة ) ، وعندما اشتاق ( محمود ) لشيء منها لم يجد لديه إلا القليل من النقود اشترى بها ما تيسر من ذلك المحلوي ، ثم أخذ يتأمل حركة السوق ويوزع نظراته بين زواياه وهو يشاهد ذلك الرجل العجوز ( دفَّاش الغيدي ) بائع المتروكات القديمة وقد تربع في زاوية من دكانه العتيق ، هذا الرجل الذي اشتهر ـــــ بجانب بيع المتروكات ـــــ ببيع القاز الصافي الذي كان يُطلَق عليه ( قاز ولايتي ) والذي كان يأتي في صفائح ( تنك ) من الصاج اللامع ، وكان يبيعه لزبائنه بالمكيال الذي هو عبارة عن علبة معدنية من الفوارغ مثبتة في ذراع معدني أو خشبي طويل يستطيع الوصول إلى أعماق تنكة القاز ، وكان هذا القاز يأتي عن طريق بعض دول الخليج التي بدورها تستورده من بعض بلدان العالم التي تنتجه ، وفي الجزء الشمالي من السوق ترتص مكائن الخياطين على جانبي ما يعرف بــــ ( زقاق الخياطين ) ، حيث حضر العم ( أمان ) مبكرا في صبيحة ذلك اليوم ، وما إن هم بمزاولة مهنته حتى لاحظ بقعة ضوء في منتصف موقع مكينته ، مكتشفا أن سببها فتحة بسيطة في سقف المكان تتسلل منها أشعة الشمس ، فكر قليلا ثم بحث عن قطعة من الكرتون بين مخلفات الدكاكين ، ثم صعد إلى السقف ؛ ليغطي تلك الفتحة ولم ينتبه لوجود فتحة أخرى متسعة ــــ نسبيا ــــ هي الأخرى مغطاة بالكرتون ،


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن






 

رد مع اقتباس
قديم 08-07-2021, 07:07 PM   #24


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )






*
الكرسوع






وما إن داس بقدميه على مكان تلك الفتحة المغطاة بالكرتون حتى سقط إلى الأسفل ، ولفطنته فَرَدَ ذراعيه بصورة متعامدة مع السقف ؛ لتمنع سقوطه كاملا إلى أرضية السوق ، ليبقى جزؤه السفلي متدليا للأسفل والآخر في الأعلى ثم أخذ يستنجد بالحاضرين ، وما إن وصل صوته مستنجدا حتى هب الجميع لنجدته ، صعد الفتى ( محمود ) ورجلان آخران إلى أعلى السقف وأخرجوه من وضعية السقوط وهو يكاد يغمى عليه من شدة ارتطام ذراعيه بخشب السقف ، ثم أنزلوه إلى أرضية السوق وأفاضوا عليه شيئا من الماء ، طلب الفتى محمود من أحد الحاضرين مساعدته في حمل العم ( أمان ) إلى منزله مستندا على كتفيهما ، ولم يكتف محمود بذلك بل ذهب يبحث عن الغمَّاز ( علاَّن ) المشهور بالغميز ؛ ليقوم بما يتطلبه الأمر نحو العم أمان ؛ حيث قام ( علاَّن ) بتدليك جسد العم ( أمان ) وفحص الأجزاء المتضررة منه مستخدما في ذلك خبرته وشيئا من زيت السمسم الساخن ، ثم طلب من أهله عمل لبخة من الزيت والدقيق والكركم ( الهُرْد ) على النار وهو ما يسمى محليا بــــ ( المِسَبَّخ ) ؛ كي يدهن بها تلك الأجزاء المصابة ، ثم يلف عليها بشيء من القماش القطني لمدة ثلاثة أيام ؛ لتمتص أي تجمع دموي أو كدمات سبَّبها ذلك السقوط ، بعد أن غادر ( علاَّن ) منزل العم ( أمان ) عاد الفتى ( محمود ) إلى زاويته في السوق الرئيسي ، حيث فتحت جميع المحلات التجارية أبوابها للمشترين ، وعمَّت الحركة الأرجاء ، وفي طرقات السوق بدأت العربات التي تجرها الحمير في نقل البضائع بين تجار الجملة ودكاكين التجزئة وأصحابها يسيسونها ما بين لطف وعنف ، فهذا صاحب حمار قد شرع يكيل السباب واللعنات على حماره وقد حَرَن معاندا من ثقل الحمل الذي يعلو عربته ، وذاك حمار قد رفع عقريته بالنهيق حينما اشتم رائحة أنثى من جنسه تمر بالقرب منه ، وهناك الصبيان بائعو الماء البارد يجوبون طرقات السوق وقد أمسك كل منهم بــــ ( بِتِرمِسِه ) الذي يحفظ فيه ماءه البارد وأخذ يصيح :
ـــــ برِّد .. برَّد .. الكأس بقرش .. برَّد .. برَّد .. الكأس بقرش .
في الناحية اليمنى من السوق جلس تاجر الجملة الكبير ( با صَدِّيق ) على مقعده الخاص في منتصف متجره ، وقد شرع يباشر البيع لزبائنه من التجار الصغار وأصحاب دكاكين التجزئة ، حيث يبيع عليهم المفروشات وأغطية السرر و ( الحِيَك ) والمصانف وبعض الكماليات المنزلية ، يقوم على خدمته وخدمة زبائنه طول النهار عامله ( عرَّاش اليماني ) حيث يجلب له الإفطار من المنزل ، ثم يقدم الماء والشاي والقهوة له ولمن يحضر إليه من المشترين ، وذاك ( حامد القمَّاش ) قد فتح دكانه الذي يبيع فيه مستلزمات صناعة وصيانة القوارب مثل : فتايل القطن التي تستخدم لحشو الفراغات بين فتحات الأخشاب في القوارب ، ومسامير ( البروما ) السوداء ذات الرأس الدائري والمستخدمة في تثبيت ألواح القوارب الجديدة ، كذلك الشحم المستخدم في طلاء القوارب من الخارج ؛ لحفظ هيكلها من عوامل تعرية الماء ، وعلى مقربة من القمَّاش كان العم ( عبد الله مهربِج ) في دكانه وقد شرع ببيع المواد الغدائية مثل : الأرز ، السكر ، الشاي ، السمن البلدي والسمن الخشبي ، العسل ، وبعض المعلبات ، في جانب آخر يعلو صوت شجار بين بائع الذهب ( يوسف النوحي ) وأحد المشترين ، ذلك الشجار الذي يكاد يشتعل يوميا مع بعض الزبائن بسبب عصبية البائع الزائدة ، والذي كاد أن يتحول لعراك في ذلك اليوم لولا تدخل كل من : ( حمدان البَو ) بائع الحبال بالسوق ، و ( إبراهيم ظامي ) بائع الأخشاب ، و ( سراج عشوي ) بائع الكتب ، وكلما تقدم النهار قليلا ازدادت حركة البيع والشراء


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن






 

رد مع اقتباس
قديم 08-07-2021, 07:10 PM   #25


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )






*
الكرسوع






وهنا يظهر الدَّلال الشهير ( علي النُّونو ) وهو يتردد بين تلك الدكاكين ؛ ليعرض ما لديه من صكوك أراض ودور وأشياء أخرى كلفه أصحابها ببيعها بسبب حاجتهم للمال ، كما يظهر في ذلك التوقيت رجل يدعى ( عبده أنتَل ) لعرض خدماته على أصحاب الدكاكين : كتوصيل مستلزماتهم إلى دورهم أو جلب ما يريدون منها ، أو توزيع الطرود والإرساليات الخاصة بهم إلى ( المُخَرِّجين ) نيابة عنهم مقابل أجر بسيط يحصل عليه ينفقه على نفسه وأسرته ، وأول ما يفعله ( عبده أنتل ) عند حضوره إلى السوق هو الجلوس عند بائع الشاي ، ذلك الرجل القصير الذي يدعى ( كعبوش ) ليرتشف برَّادا صغيرا من الشاي المميز ذي النكهة الخاصة التي يجيدها ذلك البائع ، والذي يستخدم لصنعه أجود أنواع أوراق الشاي والماء النظيف ، بعد أن يقوم بغليه في براده المعدني الكبير على ذلك ( الدافور ) الذي يعمل بالقاز ، ثم يقوم بصنع الشاي في براريد صغيرة من الخزف المنقوش ويقدمه لزبائنه من أصحاب الدكاكين ، وممن يريد من المشترين ، هذه النكهة المميزة التي اكتسبها ( كعبوش ) هي نتاج لعدد من السنوات التي قضاها في عمل الشاي في دكانه الصغير الواقع وسط السوق ، بعدما يرتشف ( عبده أنتل ) برَّاده الصغير ينسج على مسامع ( كعبوش ) كذبة طازجة مدعيا فيها عدم وجود نقود لديه ، وأن حاله لا يسر حبيب ولا عدو ؛ ليذهب الحساب أدراج الرياح ، في هذه الأثناء تكون قوافل الجمال القادمة من قرى المنطقة قد بدأت ترد إلى المدينة ، فبعضها قد أناخ بحمله باكرا في ساحة الميدان ، وأما البعض الآخر فيأخذ طريقه إلى السوق الرئيسي مخترقا شارع ( الجمَّالة ) ، تنقسم القافلة إلى جزءين : الجمال المُحمَّلة بالموز البلدي و ( الفِرْكِس ) و ( البَرقوق ) و ( الترنج ) والعنب و ( الشفلَّح ) تنحدر نحو الغرب ؛ لتصل إلى مقر بيع الخضروات والثمار المحلية عبر بوابة السوق الشرقية ، حيث يُفرِغ الجمالون حمولتها من كراتين الثمار بعد أن يتعاهدوا ما لحق ببضاعتهم من أذى ؛ نتيجة لتعرضها لهجوم بعض الشباب الأشقياء ، الذين يخرجون عليهم من بين الأزقة المتقاطعة مع شارع الجمالة ليبطشوا من تلك الكراتين ما تيسر من الثمار ، يوقَّتون لذلك بعد فراغهم من مضايقة بائعات اللبن ( التواجِر ) والتحرش بهن ، ويفعلون كل ذلك ظنا منهم أن ذلك يدخل ضمن الشيطنة والشقاوة والفتوة ، ولا يدركون أن أفعالهم تلك تسبب الأذى لغيرهم وتكتب أوزارا عليهم ، وأما الجمال المحمَّلة بأنواع الحبوب فتواصل مسيرها جنوبا إلى محطتها الأخيرة ( المحناط ) حيث تفرغ حمولتها هناك .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن






 

رد مع اقتباس
قديم 08-07-2021, 07:14 PM   #26


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )






*
الكرسوع






قبل أذان الظهر بقليل يقوم بائع الشاي ( كعبوش ) بتركيب براده المعدني الكبير على ذلك الدافور ؛ ليُسخَّن الماء لإعداد الشاي كمرحلة أخيرة يختتم بها ذلك النهار قبل أن يعود إلى داره ، وحين تحريك البرَّاد انكفأ جالون القاز بالقرب من لهب الدافور فشبَّت النار في أجزاء من دكانه الصغير ، وحينما شاهده الفتى ( محمود ) الذي كان يجلس قريبا منه هب فورا لمساعدته حتى أطفأ تلك النيران ، ثم عاد إلى مكانه وحمل بضاعته عائدا بها إلى منزله دون أن يبيع شيئا منها .
عاد محمود مكسور الخاطر ، ساخطا على حظه العاثر وقلة حيلته ، عاد وهو يتمتم في نفسه :
ـــــ كيف أهُبُّ لمساعدة الكل دوما ولا أجد زبونا واحدا يشتري مني ؟ يجب أن أبحث عن عمل آخر .
وفي أثناء عودته ببضاعته إلى منزله وعند الأطراف الشمالية للسوق لمحه الأستاذ ( أمين الحجازي ) مدير إحدى المصالح الحكومية فنادى عليه ، وطلب منه شراء طاولتين من بضاعته وفاصله في الثمن ، فما كان من ( محمود ) إلا أن شكى إليه حاله وبؤسه وحاجته إلى النقود ، وهنا ابتسم الأستاذ ( أمين ) وقال لمحمود :
ــــــ بكم حددت سعر الطاولتين ؟
ـــــ كل واحدة بنصف ريال .
ـــــ طيب إيش رأيك لو أعطيك ريالين عن كل طاولة ؟
ـــــ بالله .. يا سلام عليك .. الله يطوِّل عمرك .. أنا مش مصدق !!
وأخذ محمود يكيل الثناء والشكر والدعاء للأستاذ ( أمين ) الذي فاجأه بقوله :
ـــــ ما رأيك يا .... لو تركت هذه الشَّغلة وعملت عندي صبيا ، وسوف أعطيك مائة ريال في الشهر؟
ـــــ اسمي محمود .. خلاص أنا موافق .
ويمضي النهار على هذه الإيقاعات الجميلة ، وينطلق صوت المؤذن ( أحمد المطوِّع ) من المسجد القريب للسوق رافعا أذان الظهر ، وبعد الصلاة يعود القليل من البائعين إلى دكاكينهم ، ويخلد الأغلب إلى الراحة في منازلهم انتظارا لوجبة الغذاء .



يتبع ........ الفصل الثالث

***

الغيث
حصري للمدائن






 

رد مع اقتباس
قديم 08-09-2021, 11:33 AM   #27


الصورة الرمزية مسك الخواطر
مسك الخواطر متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 135
 تاريخ التسجيل :  Oct 2020
 أخر زيارة : 04-09-2024 (07:36 PM)
 المشاركات : 56,051 [ + ]
 التقييم :  144371
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )



حظي سعيد هذا الصباح
وأنا أمر على قسم القوافل
وصف دقيق
خفيف الدم رائع حتى
هنا في كلماتك الجميلة
التي بثت ابتسامة للنفس هذا الصباح الجميل
سأكون متابعة لكل التفاصيل
ولي عودة مع آخر ثلاث حلقات


 

رد مع اقتباس
قديم 08-10-2021, 02:43 AM   #28


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسك الخواطر مشاهدة المشاركة
حظي سعيد هذا الصباح
وأنا أمر على قسم القوافل
وصف دقيق
خفيف الدم رائع حتى
هنا في كلماتك الجميلة
التي بثت ابتسامة للنفس هذا الصباح الجميل
سأكون متابعة لكل التفاصيل
ولي عودة مع آخر ثلاث حلقات

كلي سعادة بمتابعتك لحلقات الكرسوع
وأرجو أن تنال رضاكم
بارك الله في حضورك الدائم والجميل
ولك تحياتي وتقديري
يا اختاه


 

رد مع اقتباس
قديم 08-11-2021, 09:26 PM   #29


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )






*
الكرسوع




الفصل الثالث


على ذلك ( الكرويت ) الخشبي المفروش ببقايا كراتين البضائع والواقع خلف المسجد من جهة المحراب في ذلك الزقاق الفاصل بين حارتي ( البوري والساحل ) ، اعتاد نفر من رجال الحارتين الجلوس عليه في تجمع أخوي للتسامر وتبادل الآراء والأحاديث حول شؤون حياتهم اليومية ، واستعراض ما يجري على مسرح الأحداث في تلك الفترة الزمنية التي امتدت من أيام الحرب العالمية الثانية ( بداية الستينات الهجرية ) إلى ما بعد أحداث اليمن ( التسعينات الهجرية ) ، وإن كان مقر ذلك التجمع قد مرَّ بالكثير من التحولات بفعل مرور السنين ؛ كالوفيات والهجرة والانتقال بسبب ظروف العمل ، إلا أن بعض الشخصيات فيه قد حافظت على ثبات مكانتها وقوة تأثيرها في الآخرين ومنهم عمدة الجلسة ( حامد القمَّاش ) .
كان ذلك التجمع يضم الكثير من الأطياف والمشارب ، منهم أصحاب الفهم والدراية ، ومنهم أصحاب الرويَّة والحكمة ، وكذلك أصحاب الطرفة وسرعة البديهة ، وأيضا المتسرعون في الحكم والمحبون لنقل الإشاعات والأخبار دون تيقن ، وبعض الخارجين عن المألوف ، وكذا أصحاب الغيبة والنميمة ، وغيرهم ، النخبة من هؤلاء كانوا يتجمعون بعد صلاة المغرب من كل يوم لدى التاجر الكبير ( باصدِّيق ) الذي كان يمتلك مذياعا كبير الحجم من النوع القديم ( أبو حمامة ) والذي يعتمد في استقبال الإشارات الإذاعية عن طريق نظام ( الترانزستور ) القديم بمساعدة سلك ( أنتل ) يثبت به ويرمى بطرفه الثاني أعلى المبنى حيث يثبت على عصا خشبية أو معدنية ، كانت أخبار الحرب محتدمة بين الحلفاء ودول المحور ، والتاجر يتنقل بهم بين إذاعة لندن ، مونت كارلو ، صوت ألمانيا ، صوت العرب وغيرها ، يستمعون للأخبار ثم يتناقشون حولها في جلستهم المعتادة على ذلك الكرويت بعد صلاة العشاء ، تلك المجموعة الكثير منهم على دراية ، وإن كان حظهم من التعليم لم يتعد الكتاتيب ، إلا أنهم اكتسبوا الكثير من الخبرات والمعارف من خلال تجاربهم في الحياة .
هناك عدد من المجالس الاجتماعية تتناثر بين الحارات القديمة لمدينة جيزان سواء كانت داخل بعض المنازل أم خارجها ، وهذه المجالس يرتادها عدد من الساكنين في تلك الحارات مثل : كرويت حارة الجبل في الطرف الجنوبي منها ، ( دكة ) في شمال المسطاح ، كرويت في أطراف الميدان وغيرها ، لكن أبرزها كان ذلك الكرويت الواقع في الزقاق الفاصل بين حارتي ( البوري والساحل ) بسبب تفرده بوقائعه المثيرة للجدل في معظم الأحيان ، والتي ربما وصلت إلى حد الخصام والقطيعة ، ففي هذا المجلس يكثر الجدال ويسخن الحوار ويتصاعد التنافس والعناد ويحتدم التحدِّي ، فكل يرى تفسيره للأمور هو الأصح والأدق ، أضف إلى ذلك وجود بعض الشخصيات التي اشتهرت بالمقالب القاسية ، والتي ربما تتجاوز كل الخطوط في بعض الأحيان لذا تجد الكثير من الناس يحلو له الحضور إلى هذا المجلس للتسلية وتمضية الوقت .
تلك هي منصة الكرويت التي تضم بين ظهرانيها وجوه وشخصيات متباينة في التجارب والخبرات والدراية :
ـــــ ( أحمد المُطوِّع ) وهو مؤذن المسجد الواقع جوار ذلك الكرويت ، عُرف بالحكمة والرويَّة والإنصاف والوعظ والمسارعة إلى فعل الخير والجلد في إظهار كلمة الحق .
ـــــ ( حامد القمَّاش ) عميد الجلسة ، يتصف بالخبرة الواسعة والدراية وفنون القص والأساطير ، كما يتميز بتحليلاته الرائعة للمواقف والأحداث .
ـــــ ( يوسف النوحي ) بائع الذهب ، محاور جميل لكنه سريع الغضب .
ــــ ( حمدان البو ) تاجر الحبال .
ـــــ ( إبراهيم ظامي ) تاجر الأخشاب .
ـــــ ( سراج عشوي ) بائع الكتب .
ـــــ ( علي النونو ) الدلال الشهير ، وهو يستغل كل اجتماع في تسويق بضاعته .
ـــــ ( عبده أنتل ) وهو فاكهة الجلسة ويسمونه بــــ ( الزَّلاَّخ ) ؛ لكثرة كذبه وحيله واختلاق الوقائع وتلفيق الأخبار وخلق الإشاعات .
وغير هؤلاء هناك الكثير ممن يكون حضورهم غير منتظم .

يتبع ....







 
 توقيع : الغيث

علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان

التعديل الأخير تم بواسطة الغيث ; 08-11-2021 الساعة 09:33 PM

رد مع اقتباس
قديم 08-11-2021, 09:33 PM   #30


الصورة الرمزية الغيث
الغيث متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : يوم أمس (07:43 PM)
 المشاركات : 313,583 [ + ]
 التقييم :  819463
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الكرسوع ( رواية )






*
الكرسوع






في العيادة أحس العم ( محمود ) بضغط البول على مثانته يدعوه لسرعة الإفراغ فخرج من هواجسه وهو يقول للممرضة :
ــــــ لا مؤاخذة يا بنتي .. فين الحمام ؟ الله يقطع مرض السكر هذا اللي ما يخلِّي الواحد يصبر شوية على نفسه .. إيييه والله عاشوا أهلنا لا يعرفوا سكر ولا ضغط ولا كل البلاوي الجديدة حقت اليوم .
أثناء ذهابه إلى دورة المياه كان يسمع صوت آلة حفر الأسنان من داخل العيادة فتتقطَّب ملامحه ، بعد فراغه من قضاء حاجته عاد لاسترخائه مجددا :
ــــــ ههههه .. شوي شوي يا أمي !
ـــــ أقعد .. مالَك كذا تتضاحك وتِتنَقَّز .. أقول لك قر واهجد .
ـــــ أصل المويا باردة يا أمي .. أحسها تلسع لسع !
ـــــ أصبر خُزْري .
لقد تداعت هنا هواجس العم ( محمود ) عائدة به إلى أيام الصغر ، حيث تربى في كنف والدته ( جميلة ) التي حملت على عاتقها مسألة تنشئته ورعايته بعد رحيل والده عن الدنيا ، كافحت من أجله وعانت كثيرا في تربيته ، عملت في المنازل بأجر زهيد تطحن حبوب الذرة الرفيعة وتغسل الملابس المتسخة لساكني تلك المنازل ، أدخلته المدرسة وأنفقت على تعليمه ، كانت تحرِم نفسها مما ترغبه لتوفر ثمنه لابنها ( محمود ) ، وكلما مرض أو أصابه مكروه مرضت معه وتكدرت نفسها ولا يهنأ لها عيش حتى تراه وقد استرد عافيته ، ففور ظهور أي عوارض غريبة عليه تذهب به إلى الحكماء أو ما يعرف بـــ ( السَّادة ) ومفردها ( سَيِّد ) ؛ لطلب العلاج ، شأنها في ذلك شأن بقية النساء في تلك الفترة الزمنية ، حيث كن يلجأن لهؤلاء السادة جهلا منهن ، ويعتقدن أنهم أناس مقدسون قد أودع الله فيهم البركة ، وقد جعلهن ذلك الجهل يمارسن بعض الأعمال الشركية التي ورثنها عن أمهاتهن وجداتهن قولا وفعلا دون إدراك أو وعي بأن ذلك محرم ، والواقع أن هؤلاء السادة بشر عاديون ورثوا مهنة الطبابة الشعبية عن آبائهم وأجدادهم بجانب ما يستنبطونه من كتب الطب الشعبي القديمة ، أضف إلى ذلك أن بعضهم يستخدم الجن والشعوذة في علاجه وهو ما يخالف مسار العقيدة .
كان ( محمود ) كثيرا ما يظهر على جلده بعض الطفح ( حبيبات وبثور ) ، وكان الاعتقاد السائد عند بعض القدماء أن ذلك لا يخرج عن كونه أحد أنواع المس الشيطاني ، ويسمونه ( طَيْرا ) فيقال : أن فلان به ( طَيْر ) ، وعندما يظهر ذلك على محمود تذهب به والدته إلى مكان في بداية البحر يقال له ( حفرة الأميني ) وهي عبارة عن حفرة غير عميقة تتوسط الشعاب المرجانية يقال أن السيد أو الولي ( المُحِب الأميني ) كان يغتسل فيها ، ولذلك اتخذ هذا المكان ؛ للتبرك وطلب الشفاء ، وبحول الله تعالى تذهب تلك الحبيبات عن الجسد ربما لوجود بعض الأملاح النافعة في ماء البحر فيعتقدون أن بركة المكان هي التي أذهبت ذلك العارض ، كانت والدة محمود عندما ترشه بالماء تردد بعض العبارات الجاهلية ، أما ( محمود ) فكان لا يحب تلك الأعمال التي تسبب له الضيق والحَرَج ، كما أنه يستحيي أن يقف عاريا في وسط تلك الحفرة ولذا تصدر منه بعض الحركات والانفعالات التي تجسد تمرده الخفي على ذلك ، فتارة يضحك ويكركِر وأخرى يتقافز هنا وهناك محاولا إنهاء ذلك الفعل ، وعندما تنهره والدته يدَّعي بأن الماء بارد وأنه يحس بوقع برودته على جسده .
ورث محمود عن والده بعض الصفات الجسدية كقِصَر القامة وبنية الجسد وبروز العضلات ، كما ورث بعض الصفات الانفعالية ؛ كالعصبية والغضب لأتفه الأسباب ، وكذلك جملة من الصفات الخُلقية كالكرم واحترام الكبار ومساعدة الضعفاء والمساكين ، والإقدام والشجاعة ، وكانت هذه العلامات تتجلى عليه منذ نعومة أظفاره ، غير أن حب والدته المفرط له وتدليلها الزائد اختلط مع الصفات الأولى فنشأت عن ذلك شخصية غريبة الأطوار عجيبة التصرف تختلط وتحتدم فيها الصفات الحسنة بجانب الكراهية والعِداء والعناد والمراوغة ، حتى غدا المُتفحِّص لشخصيته لا يستطيع أن يتنبأ بالتصرف الذي سيقوم به ، كذلك محمود نفسه أصبح لا يستطيع أن يحدد مساره فهو يفعل الخير والشر في آن واحد .
من المناسبات الجميلة في مدينة جيزان ـــــ قديما ـــــ يوم ( الكرَامة ) وهو اليوم الأخير من شعبان ، حيث يخرج فيه الصبية والصبايا مصطحبين أدوات منازلهم من الفرش والأواني والمنسوجات السعفية ، وكذلك الأغنام التي يربونها في المنازل ، حيث يقومون بغسل أدواتهم وأغنامهم تلك بماء البحر في احتفالية جميلة ترحيبا بمقدم شهر رمضان الكريم ، وأثناء تواجدهم في البحر تردد الصيحات والأهازيج ثم يقومون بالتراشق بالماء ورش بعضهم البعض في كرنفال رائع وجميل وهم يرددون :

اليومَ الكَرَامَه
وبُكْرَهْ فِدامَه

يشترك في ذلك الكرنفال معظم الصغار والفِتيان وبعض الأهالي ممن يحضر مع أبنائه ، وكان ( محمود ) وصديقه ( محبوب ) دائما ما يكونان ضمن الحاضرين لذلك الاحتفال ، وعندما يحين موعد التراشق بالماء تحدث بعض المشاجرات بين محمود وبعض الفتيان والفتيات هناك ، وبعد انتهاء الاحتفالية يسأل نفسه : لماذا تشاجر معهم ؟ .
ذات يوم شاهدته والدته مغموما وعندما سألته عن السبب قال لها :
ـــــ اليوم سويت حاجة مش كويِّسة يا أمي .
ـــــ إيش سويت ؟
ـــــ ضايقت ( حُسينة ) المسكينة وقمت أعايرها وأقول لها :

يا عَجامَه يا عجامَه
شُلِّي راعِةْ امقُمامَه

ـــــ وليش سويت كذا يا محمود ؟ وأنت تعرف إن حسينة حرمة مسكينة .. ما معاها حد ولا عندها فلوس .. وهي تشتغل هذي الشغلانة عشان تعيش بالفلوس القليلة اللي تحصلها من الناس .
ـــــ والله يا أمي مش عارف أنا ليش سويت كذا .. يمكن لأني شفت بعض الأولاد يؤذونها ويرمونها بالحصي .. لكني دحين ندمان على فعلتي والله .

يتبع .....






 
 توقيع : الغيث

علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

« مشهد | ميوع »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 36 ( الأعضاء 0 والزوار 36)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share


الساعة الآن 04:52 PM

أقسام المنتدى

المدائن الدينية والاجتماعية | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | أرواح أنارت مدائن البوح | الصحة والجمال،وغراس الحياة | المدائن الأدبية | سحرُ المدائن | قبس من نور | المكتبة الأدبية ونبراس العلم | بوح الأرواح | المدائن العامة | مقهى المدائن | ظِلال وارفة | المدائن المضيئة | شغب ريشة وفكر منتج | المدائن الإدارية | حُلة العيد | أبواب المدائن ( نقطة تواصل ) | محطة للنسيان | ملتقى الإدارة | معا نحلق في فضاء الحرف | مدائن الكمبيوتر والجوال وتطوير المنتديات | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | قناديـلُ الحكايــــا | قـطـاف الـسـنابل | المدائن الرمضانية | المنافسات الرمضانية | نفحات رمضانية | "بقعة ضوء" | رسائل أدبية وثنائيات من نور | إليكم نسابق الوفاء.. | الديوان الشعبي | أحاسيس ممزوجة |



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
مجتمع ريلاكس
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas