عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
01-01-2024, 04:55 PM
|
#152
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
01-04-2024, 09:59 AM
|
#153
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
02-18-2024, 12:35 PM
|
#154
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
06-12-2024, 11:33 PM
|
#155
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
06-18-2024, 11:36 PM
|
#156
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
06-30-2024, 07:21 PM
|
#157
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
06-30-2024, 11:42 PM
|
#158
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
07-13-2024, 03:42 PM
|
#159
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
رد: كتبنا وما كتبنا...
اقتباس:
علي آل طلال:
سامحك الله يا عزيز القلب!
أكتب هنا, حيث لردي صبغة قد لا تناسب " قبس من ضوء", فقد أثرت بحرفك ذاكرتي و ما أكثر ما فيها من ورق و حكايا!
--------------
سقى الله أيام الطفولة, حين كان أهلي لا يجدون عناءً في البحث عني عند اختفائي من حولهم, فمخبأي معروف, حيث كنت أهرول مستغلاً انشغالهم عني لأرتمي على الأرض أمام مكتبة أبي, و أخرج ما تقع عليه عيني من الكتب و أفرشها أمامي و أنا أتأملها, فمن ماكبث إلى هامليت إلى أوتيللو إلى إلى تاجر البندقة إلى الملك لير إلى عمدة كاستربريدج إلى الكوميديا الإلهية إلى سكارليت ليتر إلى الحرب و السلام إلى الجريمة و العقاب إلى قصص تشيخوف مروراً بثلاثية نجيب محفوظ تعريجاً على تاريخ الأدب العربي..
طفلاً بالكاد بلغ العاشرة من عمره, و قد قرأ بنهم من الكتب ما يتجاوز عدد سنين عمره بأضعاف مضاعفة, وجدت في الورق ملاذاً يغني عن الساحات و اللعب, و كلما وقعت عيني على كتاب بورق يميل للصفرة, كان يراودني السؤال:
كم يداً لامست الكتاب و كم عيناً تصفحته و كم قلباً قرأه!
أيام الدراسة الجامعية, كان سوق الأحد في المدينة يعج بكبار السن ممن ضاقت بهم الحال _بعد انهيار الاتحاد السوفياتي_ فكانوا يضطرون لبيع مقتنياتهم الثمينة سداً لحاجاتهم, و كنت أدخل السوق من حيث كان يجلس باعة الكتب.
ذات يوم_ و كعادتي_ دخلت إلى السوق فاستوقفني مشهدٌ لا يفارق مخيلتي, حيث كان رجلٌ بملامح يعلوها الوقار و النعمة, يجلس مطأطئاً رأسه محدقاً فيما اصطف أمامه من الكتب التي يعرضها للبيع, اقتربت منه و ألقيت التحية و سألته إن كان لا يمانع من الجلوس بالقرب, فرحب بغير أن ينظر إليّ..
جلست بقربه و أنا أتأمله تارةً, و تارةً أتأمل تلك الكتب بعناوينها العظيمة و صفرة ورقها التي تدل على أنها كنز عظيم, يصعب الحصول عليه في كل آن, و بقيت أكثر من خمس دقائق متأملاً و هو صامت لا يعيرني أي اهتمام..
لم تبيع هذه النفائس يا عم؟
لم يجبني, بل أخرج من جيبه علبة سجائر و أشعل واحدة, و راح ينفث دخانها و كأنه ينفث جوابه على سؤالي مصحوباً بشرود العينين و صمت السنين..
أدركت _ هنا_ حماقة سؤالي و حلم هذا الرجل, فسارعت معتذراً محاولاً الإيضاح, أني إنما سألت عن السبب لكونها من النفائس و التي لربما لن يقدرها مرتادو سوق كهذا, و إن كان لابد من بيعها ففي مكان آخر, حيث من يدرك قيمتها!
ابتسم الرجل, و نظر إلي _للمرة الأولى_ بعد انقضاء ما يزيد على عشر دقائق من جلوسي بقربه و ثرثرتي؛ تلك الأماكن يا بني مخصصة لطبقة معينة من الناس, هم كالطبل المجوف, تغلفهم ألوانهم, فلا أنا مرحب بي و لا هم عندي بمرحب بهم, أفترش الأرض_ هنا_ فيأتيني رزقي بما تيسر بما يكفي لصون قيمتي الإنسانية, أو بالأحرى ما تبقى منها..
لم أستطع الرد, فقد شعرت بما كان من مرارة في حديث الرجل و اكتفيت بالصمت, حيث وقعت عيني على مجموعة شعرية لبوشكين, فسألته إن كان بإمكاني شراءها, فأشار إلي بيده نحو الكتاب بما يعني أن خذه..
هممت لأدفع له الثمن فرفض!
لا أقبل يا عم, فلو أن كل عابر أخذ كتاباً و مضى لعدت إلى بيتك بغير كتب و بغير رزق!
يا بني, خذ الكتاب, و لكني سأشترط عليك أن:
لا تفتحه في اليوم الأول مهما دفعك الفضول إلى ذلك, بل أبقه مغلقاً و تأمله فحسب ثم لك أن تشتم رائحة ورقه, و حاول أن تحاور تلك الرائحة التي ستخبرك عمّا كان من أمرها و عين قارئ و فضولي سواء..
لك في اليوم الثاني أن تقرأ الكتاب, شريطة ألا تقرأ أكثر من عشر ورقات في اليوم..
حين تنتهي من الكتاب, عد إلي؛ فلدي سؤال لك, سألقيه عليك في وقته.
كان الرجل وقوراً بما يكفي ليجعلني أبتلع لساني دون أدنى محاولة مني للنقاش مسلماً بما قال.
مضت الأيام, و قد نفذت تعاليم الرجل كما أملاها عليّ, فعدت إليه بشغف لأعرف ما يخبئه لي من سؤال.
بعد إلقاء التحية, و بينما أهم بالحديث, عاجلني بقوله:
كن صبوراً, فما استعجل إلا خائب, و أشعل لفافة تبغ و هو يرمقني بعين ثاقبة لا يرف لها جفن, حتى تملكني شيء من القلق, فقد كان مهيب الملامح و النظرات و أنا شابٌ لم يتجاوز العشرين من عمره..
قل لي بصدق, الآن و بعد أن قرأت الكتاب, فهل تجد في نفسك حاجة للرجوع إليه؟
هنا, بدأت أتلمس ملامح الطريق إلى ما كان يرمي إليه الرجل من تعاليم فيما يخص الكتاب:
يا عم, نشأت في بيت لرائحة الورق فيه غلبة على كل الروائح, فهو عطر الصباح و المساء, و لم أكمل العاشرة من عمري حتى قرأت لتولستوي و تشيخوف و غوركي!
نشأت علاقة صداقة بيني و بين الرجل, و دعاني إلى بيته و أطلعني على مكتبته التي لا أجد وصفاً يليق بأصالتها و غناها, حتى فاجأني يوماً بقوله:
أريد أن أئتمنك على حياتي؟
فزعت لقوله, مسارعاً مجيباً:
ما الخطب يا عم, هل أنت مريض أو هناك ما يؤرقك؟
إنما حياتي بين هذه الأوراق يا بني, جمعت هذه الكتب بشغف كبير, و لا أريدها أن تضيع في يد غير مؤتمنة, و قد وجدت في يدك مأمنا لها, فهي هدية لك بعد موتي و قد أوصيت بها لك!
تملكني شعور مفزع مفرح, فهو يجمع بين الدهشة و الألم و السعادة, شعور يجعل الدمعة تتجمد في العين, لا تدري أمن حزن تسيل أم من عاطفة صرفة أم من فرح!
بعد تأمل لم يدم طويلاً:
اعذرني يا عم, لا أستطيع قبول وصيتك, فبيتك بها أولى, و لا أريد لحياتك الورقية أن تغترب عنك, فمآلي إلى بلادي البعيدة, و الورق يحن لأهليه, و لا أريد له أن يتجرع مرارة الفقد مرتين, مرة برحيلك و أخرى برحيله عن بيت لك في كل زاوية فيه ذكرى و بقايا من الأنفاس.
توفي الرجل بعد ما يقارب السنة, و بقيت أتردد إلى منزله, حيث زوجته و ثلاثة من أبنائه, أحبس الدمعة في قلبي قبل عيني كلما حاولت أن تزور بلحظها تلك المكتبة.
أكثر ما يؤلمني, أن مكتبة أبي و ما زدت عليها من كتب, باتت في ذمة التاريخ, حيث أعملت " داعش" فيها فساداً و حرقاً و تمزيقا!
و تبقى الكتب في الصدور بما سلبوا الورق.
لهذا السبب أحب أن أقرأ للحبيب زهير..
أي شيء يكتبه..لأنه يعرف مايكتب، وكيف ومتى يدخل القلب دون استئذان بشعور الواثق بأنه مرحب به..لأنه عزيز جدا..
يهبنا مجموعة مشاعر جمالها في تناقضاتها"حزن، أمل يأس، فرح، شوق، وامتنان"
يختفي ويجيء ..وهو يدرك جيدا أن غيابه لن يُنقص شيء من حضوره الثمين..
|
|
Twitter
أنا مَنْ تَمَنّى العشقَ راحةَ مؤمنٍ
فأتى هواهُ كما ذنــــوبِ الملّحــدِ
ع. آل طلال
شكرا عطاف المالكي
|
07-15-2024, 07:38 PM
|
#160
|
عَلا علُوّا..فهو عَليّ..
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
| | | | | | | | | |