سحرُ المدائن شهدٌ مستفيضٌ من أقداح القلب نثراً وشعراً فصيحًا ( يمنع المنقول ) |
شهدٌ مستفيضٌ من أقداح القلب نثراً وشعراً فصيحًا
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
هذيان الأنا والقلم جَنى !
ويأتي المساء ، وتفترش النجوم بساط السماء ، ويُطِلُّ القمرُ من عليائه ، يعلو ويخبو نورُهُ ، ويشتدُّ كُحْلُ السّماءْ . وأنا أجلسُ على شرفتي ، على يميني كتُبي والأقلام ، وعلى يساري أوراقي وعلبة الألوان ، وأمامي حديقةٌ غنّاءُ تزهو بالألوان ، إلّا أنّ الّليلَ صبَغَها بِلَون أهدابهِ ، حتى فراشاتها والأطيارُ والحَمام . وأُمِسكُ بقلمي ، فَيفِرُّ من بين أصابعي ، وريشتهُ صمّاءُ ولسانُ حاله يقولُ دَعكِ عنّي ، دعيني في حيرتي أتَبَعثَرُ وأُبحِرُ في المَجهول ، فلَكَم دَقَّتْ فَوقَ رأسي طبول ، وما زِلتُ أجهَلُ عن حيرتي وإسرافي في أمري مَن المسؤول . وأحارُ في أمره ، وقد سكَنَ مِنّي قَلبَ أفكاري وجَبهَتي ، وكُلُّ ما أقولُ كانَ في قاموسه مَسموع . فلطالَما أبكَيتُهُ وغاضَ بين الدموع ، وتراقَصَ مِدادُهُ على لَحنِ آهاتي ، وعزَفَتْ قِيانُ الضّلوع . واليومَ ما بالُهُ إذا ما أسمَعتُهُ لَحنَ أفكاري ، يَشيحُ بِوَجهِه عَنّي ، ويفِرُّ من بين أصابعي ، ويسكُنُ صَدْرَ أوراقي ؟ فماذا عساه يترجِم القلم وقد أثقلَته الهمومُ وتياراتُ الأفكار ، وما نضَب منه المداد ، إنّما ألَحّت عليه أوجاعُه ، ونزَفَ مِدادُه ، وحينها غصّ به القلمُ وتبعثرت حروفه . وأنظر إلى القمر وقد تحلّقت حوله النجوم ، يُسامرها وتُسامرُه ، ويشاكسها وتشاكسه ، فيضيع الهم والضجر والمشاعر الأُخَر ، ورقّ لهم المدار ، فلا عواصف ولا أنواء . وأنظر وقلمي ينظر معي ، ولا يقوى على الحراك ولا حتى بإيماءة من رأسه القاسي كالفولاذ ، وعيناه جاحظتان كما لو أنْ مسّه دُوار ، أو لعَلّ به جِنَّةٌ ، أو أصابه شعورٌ باغتراب . وأتساءلُ : القمر ما كُنهُه ، ما لونُه ، ما شكلهُ ؟ هل فيه أنهارٌ من عسل ، أو ماءٌ أو لبن ؟ وهل يعيش فيه الطيرُ و يتنفس الشّجرُ ، والفراشاتُ والنحلُ والحورُ والمَها والغادات الأُخَر ؟ وأتساءلُ و يُصغي لصَوت التساؤلات ، لكن كما العودُ حين يَرِقّ فيه الوتَر . واعتكف القلمُ بعد أن أغطَشَ اللسان ، فلم يعُد لديه مَيلٌ للجِدال ونظرتُ إلى الأفق البعيد ، وتساءلتُ هل يعرف أهل القمر العيد ؟ وهل ساكنيه سعيدةٌ وسعيد ؟ أم حالُهم كحالنا ننسى الشقاء بشَقاءٍ جديد ، ونُداوي كُل جَرح بِجَرحٍ جَديد ؟! وأرنو إلى القمر وقد أضاء شرفات السهر ، وروحي تُسِرُّ له النّجوى وتتساءلُ : يا ساكن السماء ، في بيتك في العلياء يصلك الخبر ، ففي جعبتك أخبار وصور .. وحكايا عن البشر .. وهمس النسيم للنخيل .. وأعراس العنادل فوق الشجر .. ما كُنهك ؟ ما لونك ؟ ووجهك ما شكله؟ أضاحِكٌ أم عابِسٌ ؟ أم بدرٌ مُصوّر ؟ سُبحان مَن صَوَّر ! وبدأت الرسم بريشة الخيال وإبداع الفنان ، ليكون بالإمكان أفضل مما كان ، فالقمر معشوقٌ والعاشق فنان .. وشراعي الوحي والإلهام والجمال هو القبطان . وأخذت أرسم القمر وفي خيالي له صور ، بيت وحِجارةٌ حمراء ، وأبوابه مشرّعَةٌ للشمس والهواء .. وزقزقة عصافير .. وخرير ماء .. وموقد .. ونار ودلّة قهوة ترحب بالزوار . ويُحَدِّقُ في الرّسم القلم ، ويقول يا للعجب ! أرض جرداء .. حجارة صمّاء .. زَرعُ مَوتٍ .. وحصادُ صَمتٍ .. وخيبةُ آمال .. وفي عيونكِ حدائق غنّاء ! فعالمك يعُجُّ بالألوان . ولا أرى الألوان إلّا دواءً و صَبرًا على مُر الزمان . ولكن لم يكُن بالحسبان ، وأنت أميرتي وملهمتي ، تتساوى في قاموسكِ أُطُر الحقيقة والخيال ، بل وينصهران في لوحة تَجريدية مُكتملة الأركان . فأمسكت بالقلم ، وهَدهَدتُهُ وقلتُ : يا صديقي القلمُ ، حتى الشهد في أوانيه يُخالِط حُلوَه المَرارُ .. فكل نفسٍ تأبى الإنكسار ، وتبني حولها شرنقةً من وَحي الخيال ، وهواجس الأماني وحجم الأحلام حتى لا يضيع العقل ، ويقذف بنا إلى غياهبِ الذهولِ الزمانُ .. فصعبٌ لِمنْ وقع في الجُبِّ أن يُغادِره دون أن يمُر عليه الرّكبان وتأخذه معها حيث الأمان . فما الخيال إلا صمام الأمان حين تحاصرنا الأهواء والأفكار ، ويستعصي علينا القرار ، حتى الكلام . وما بين الحقيقة والخيال ، يمضي بنا الترحال ، وتُزهر فينا آمال ، وتموت آمال .. وهكذا دواليك إلى أن تلفظ أنفاسها شعلة الحياة . وقاطعني القلم وقال : إذا ما انقشع عن سمائي الضباب والعُقاب ، وما عادت الشمس يحجبها سحُبٌ ولا أمطار ، فلا تحلَمي أن أكُفَّ عن الجلجَلَة والهذيان . فكيف يُمسي الحاضر والماضي سيان ، وبَقايا سطور في كتاب الزمان لِمَن يُعمِل ذِهنَه ويُميّز الألوان ؟! . فقلت وفي عيوني تتراقص عرائس الليل والأقمار .. و ما أجمل الليل إذا كان القلم والريشة والأفكار والأوراقُ والألوان والأوتارُ له عيونٌ وسُمّار . ويأتي المساء .. وكما بدأْنا نعودُ .. ولمْ تَزَلْ النجومُ تفترش بساطَ السّماء .. وعيوني تُناظرُها .. وتُناظرُني السّماء .. والقلمُ ما بيننا في حالةِ ترقُّبٍ وهَذَيان . للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح |
02-10-2024, 07:50 PM | #2 |
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
واعتكف القلمُ بعد أن أغطَشَ اللسان، فلم يعُد لديه مَيلٌ للجِدال ونظرتُ إلى الأفق البعيد، وتساءلتُ هل يعرف أهل القمر العيد؟ وهل ساكنيه سعيدةٌ وسعيد؟ أم حالُهم كحالنا ننسى الشقاء بشَقاءٍ جديد، ونُداوي كُل جَرح بِجَرحٍ جَديد؟! الاقتراب أكثر فأكثر من مصدر ألمنا الحقيقي وجذر المشكلة وقضاء وقت أكبر معها والاستماع إليها ما نحن مجبولون عليه كبشر النهوض بالنفس لما هو أسمى من المعاني الروحية والترفع فوق كل ما هو زائل وكل مظهر زائف الدانة تقديري لنبْضكِ ..وتحيّة لحرفكِ الأنيق للختم وللنشر ومنح مكافأة المنتدى
|
|
02-10-2024, 09:46 PM | #3 |
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
فقلت وفي عيوني تتراقص عرائس الليل والأقمار ..
و ما أجمل الليل إذا كان القلم والريشة والأفكار والأوراقُ والألوان والأوتارُ له عيونٌ وسُمّار . ويأتي المساء .. وكما بدأْنا نعودُ .. ولمْ تَزَلْ النجومُ تفترش بساطَ السّماء .. وعيوني تُناظرُها .. وتُناظرُني السّماء )؛ وكالعادة صاحبة النصوص المنمقة والجميلة الدّانة .. تهدينا الأجمل بعطاء سخي لامثيل له.. الود والتقدير |
.
|
02-11-2024, 12:43 AM | #4 |
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
يا الله يا الله
من لكِ كل هذا السحر وأي روح عظيمة سكنتكِ وأنت تنظمين هذه اللآلئ لقد أدهشتني الدانة وهي تتكفل بكل المشاعر دفعة واحدة شهقة تتلوها أخرى سامحكِ الله عبث بنا هذا الجمال الأدبي والذي لم أشاهد مثله إلا في أوراق الورد للرافعي والعبرات للمنفلوطي كنتِ وافرة العطاء والسخاء والمدائن تستحق والله وكم أشعر بنشوة وأنا أشاهد مثل هذه النصوص فلديها بريق يضئ كل الدروب |
|
02-11-2024, 05:11 AM | #5 |
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
،،
،، ، جعاب الأنا وخواء المحابر وصرير قلم نهذي في صمت السكون ليستشعر القلم همهمات النفس وتأوهات الرئة ترقص الأنامل على فحيح الأوراق المتناثرة نعيش اللحظات التي تسافر بنا نحو آفاق الكون المتسعة حالمين بأمنيات جزيلة الحضور فيجني القلم ثمار أفكارنا ،، ، الدانة تصوير خيالي عشنا تفاصيل اللحظة من شرفتك المُطلة إلى هذيان محبرتك خالص التقدير ،، ، |
|
02-11-2024, 08:03 AM | #6 |
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
وترسمين أفقاً
بكلمات وألوان من دماء وأوردة وفي ذوات الإنسان كانت تلك الحكاية عمق لغة وصهيل غيم ولا عجب هي الدانة |
الخبرة مدرسة جيدة، لكن مصروفاتها باهظة. هاينرش هاينه |
02-11-2024, 09:59 AM | #7 |
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
لا أبالغ إذا قلتُ لك
هذه قطعة فاخرة ومعزوفة خالدة من الزمن الجميل جميلة هي تلك التحولات بين ثنايا النص قلم هو موج هادر استمتعنا به وعادت الدانة بكل شموخ |
الحمد لله رب العالمين
|
02-11-2024, 12:38 PM | #8 |
ماهر الحربي
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
إن كان هذا هذياناً فلتكثري منها يا دانة
بارعة و ماتعة ما أجمل حرفك وما أبهاه |
ورثت الصبر ميراث طفلٍ سقاه الدهر دمعاً فكفاه فباغتته السنين في عجلٍ وكأن ما كان بالأمس رآه 🌹أوراق كادح🌹 |
02-11-2024, 05:34 PM | #9 |
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
ويأتي المساء .. وكما بدأْنا نعودُ .. ولمْ تَزَلْ
النجومُ تفترش بساطَ السّماء .. وعيوني تُناظرُها .. وتُناظرُني السّماء .. والقلمُ ما بيننا في حالةِ ترقُّبٍ وهَذَيان . الكاتبة الغالية الدانة دخلت وانا أشاهد بدهشة هذة المقطوعة الفريدة وليست غريبة على ماسة الإبداع كأنني أقراء أسطورة بداية من السماء وما فيها من نجوم على بساط السماء ياااه القلم هنا يتحدث والقلب يعطي مجال للتعمق فيما حولنا ونأمل أنهم سيتأثرون لفقدنا هي رغبة في الامتداد عبر الآخرين. قضية هنا لا نستطيع أن نقول عبرة وتنفس بل هذيان عاش من الداخل ولانستطيع أن نخرج الشهيق بحرية . كثيرا مانجد أنفسنا أمام أحد الخيارين هي الحياة في الزمن الكسيح حرف مشرق صادق العمق راق لي حرفك يالغلا شكرًا لروحك الجميلة هنا |
هَاتِ القَوَافِيْ ، فَهٰذِيْ المَرْأَةُ الأَسْمَىٰ أَزَاحَ رَبِّيْ بِهَا ، عَنْ مُهْجَتِيْ الهَمَّا فِيْهَا مِنَ الحُبِّ مَا لَا شَيْءَ يَحْمِلُهُ وَمِنْ يَدَيْهَا اِجْتَنَيْتُ الأَمْنَ ، وَالحُلْمَ شكرآ أمير الشعراء وسيف المدائن,, |
02-11-2024, 05:53 PM | #10 |
|
رد: هذيان الأنا والقلم جَنى !
من أجمل نصوصك القديرة دانة
ماشاء الله كنت رائعة في السرد نص اكتمل الشروط ويستحق أن يكون من الخواطر المميزة |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأنا الخائنة | فتحي عيسي | سحرُ المدائن | 10 | 09-30-2023 11:47 PM |
الآنا المتعجرفة | فتحي عيسي | قبس من نور | 10 | 06-26-2023 03:51 PM |
أنا والقلم | فتحي عيسي | سحرُ المدائن | 24 | 05-18-2023 10:56 PM |