صمود

صمود

يا امرأة لم تقف على هذه الأحرف غير عامٍ واحدٍ ، يا من تفتت الكلمات طوافًا وسعيًا إليها ، ألم يئن لك أن تعودين إلى جملتك الأولى، وحلمنا الصغير الذي تيتّم في غيابك حتى الآن أكثر من يتم: يتم نسيانك لرضاعته وابقاء فمه جافًا من كثرة الصراخ، لولا أن تداركته رحمة ربه بمرضعة عابرة حنّت عليه، ورقّت لحاله لكان في عداد الموتى تعيث به الديدان ، وتأكل الطير من بقايا فخذيه اللتان زحف بهما في مفرشه دون أن يحبو ولو لميل واحد ليجدك في آخره!. كل شيء من بعدك، وحتى الآن .. مجرد صمود.
صمود والأشياء نفس الأشياء .. حتى ملامح الفجيعة والفقد ذاتها ، حتى أولى بوادر حَمل الرجل ومخاضه ذاتها.
يا مرأة نسخت روحها في قُبلةٍ إلكترونية ومضت مستعجلةً للحاق برحلتها ، وقطار قلبها الملغوم بوداعٍ أخيرٍ عجزت فيه عن مصارحتي بوقوفه في حياته .. ولولا أنّه مرسوم على وجهها لما اكتشفتُ ذلك.
يا مرأة أنبتّها في أوردتي ، وصبغت باسمها شهادة ميلاد حياتي، وأحلامي السريرية الملهوفة.
أيتها الوقت الذي لم يبق منه إلا أحجار قلمٍ فرغت في الشهر الأول من انتظاري لردّها على رسُلي إليها.
يا من أوقفتُ كل رغباتي ، وأجّلت شراء قُمصاني ، وغيرت مكان إقامتي لأوفر لليلة ميلادها هدية ثمينة حين رأتها قالت: " ما أثمنها .. ولم تقل ما أثمنك ! بل ارتجفت من المفاجأة سائلةً: لماذا اخترت صدري لتعلّق عليه هديتك .. ولم تختر أناملي؟"
جوابي الذي بعثته إليها -وبعده- أغلقت هاتفها لتقول لصديقاتها اللاتي احتفلن معها بذات الذهول الذي خلقته من هدية: " لا أهدي لأناملك التي سأتزوجها .. أنا أهدي لصدرك الذي سيفي لي طول العُمر، أو يخذلني باقيه ... "
- والآن وبعد كل الذي كان ، والذي لم يكن ، والذي سيكون .. لم يبق شيء غير صمودنا ، غير ذاكرتنا المتسولة ، وأحلامنا السجينة ، وليالينا المتورطة ، ومشاعرنا المتعطشة ، ولهفاتنا المتآكلة .. لا شيء غير صمود أمام ذات الأشياء منذ ساعة رحيلك حتى لحظة الآن ، وما بعدها ...
__________________

للمزيد من مواضيعي