كم نحن بحاجة للصمت

كم نحن بحاجة للصمت

بسم الله الرحمن الرحيم
كان معنا أستاذ فرنسي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة يدرّس اللغة الفرنسية، وقبل حضوره لجدة، كان في ماليزيا، يعمل أستاذاً للغة الفرنسية، وظل هناك بضع سنوات، ومن قصصه الطريفة أنه حين أوشك على المغادرة طلبوا منه محاضرةً وداعية، فاختار أن يتكلم عن سني مقامه بينهم، ويقول: إنه اختار أن يكون صريحاً وصادقاً في كشف انطباعاته، وربما أخذه هاجس السرد والتفنن في القص فمالت محاضرته لصراحة تفوق الحد، ونقد الحياة الاجتماعية ونظام السلوك ولم يجامل، بل بالغ في رسم صور ساخرة دفعه لها إغراء القول أو فتنة القول حسب مصطلح الجاحظ، وكان على استعداد لتقبل ردود فعلهم مهما كانت وربما رغب برد فعل غاضب بما أنه اتخذ قرار المصارحة، ولكن الذي حدث كان مفاجأةً صادمةً له، وهو أن رئيس الجلسة حين فتح باب النقاش حول حديث الأستاذ الفرنسي تحولت القاعة لصمت مطبق، ولم يتقدم أحد للكلام ولم ترتفع أي يد لطلب التعليق وظل هو يقلب وجهه في وجوه الحاضرين وكأنه يستشفعهم بأن يتحدثوا أو يصرخوا في وجهه أو يشتموه أو يطردوه أو في الأقل يعاتبوه، ولكن الصمت عم، فأخذ الفرنسي يلملم أوراقه ويلملم خيبته وسوء طالعه.
كان يروي لنا القصة، ويقول إن ذلك أخطر رد فعل تعرض له في حياته، وإنه تلقى درساً مرعباً في فن التوبيخ والثأر من سلاطة لسانه، وقد تبدى عليه التوتر وهو يروي القصة رغم مرور سنين على وقوعها وكيف أنه أحس بالوجع النفسي وخيبة الشعور الذي ظل مغروساً في نفسه.
هنا يتبين دور الصمت إذا جاء في وقته وكيف يصبح أبلغَ من كل صيغ القول وفنون التلفظ. على أن دلالات الصمت وقوة فاعليتها لا تقف عند مثل هذه المواقف مع عظمتها وقوة دلالتها، لكننا حقاً نحتاج الصمت في مواقف كثيرةٍ في حياتنا، حيث إن الضجيج هو الأغلب في زمننا الحديث، حتى كتابة «تغريدة» في «تويتر» تتحول لضجيج رغم عدم بروز الأصوات، ورسالة على الـ«واتس» أصبحت بمثابة جرس إنذار يكسر هدوءنا وكأنه يختار توقيتات نكون فيها في شغل ذاتي مع نفوسنا، فيكسر تجلياتنا الذاتية ويفرض علينا العودة للواقع الصاخب حسب حال الرسالة الواردة، وهذا يشير لحاجتنا للصمت ليس صمتنا فقط، بل صمت «كل ما حولنا»، وذلك مذ أصبح الضجيج هو كل شيء .. حتى في المنام.
لقد نسيت أجسادنا النوم الصامت وصرنا ندخل في نوم صاخب في الأقل صوت المكيف الذي تعودنا عليه لدرجة أنه لو سكت تيقظنا طلباً لعودة ضجيجه فوق رؤوسنا، ومثله الضجيج عبر أجهزة صغيرة نضعها في جيوبنا انتظاراً لصراخها فينا سواء كنا في صلاة أو ممشى أو في حديث مع غيرنا، وحين يأتي صوتها يتوقف الكل حتى من هم معك ليمنحوك مجالاً لتنشغل بالضجيج الذي صرخ بك.
نحتاج لابتكار خلوات نلجأ إليها لكي ترتاح أرواحنا من الضجيج، والمثال الماليزي مع الفرنسي سيأتي ليكون مثالاً لنجاح الصمت في فعل ما لا يفعله الصوت مهما مهر الصوت في التعبير.
وفي الختام يقول أبو نواس:
‏مُتْ بِداءِ الصمتِ خيرٌ ... لكَ من داء الكلام
‏إنما السالِمُ مَن ألــ ... جَمَ فاه بلِجام
عبدالله الغذامي

للمزيد من مواضيعي

 

نقل رائع من القدير الفيصل
ثم من قال أن الصمت خنوع واستسلام
قد يكون فعلاً تحقيراً للمتحدث الذي يريد
الانتقاص من الحضور ...وهذا الذي حصل
من المحاضر وكما يقال (جاء ليكحلها فعماها )
فكانت صراحته وقاحة وليس إنصافاً
ومكاشفة صادقة بل تحاملاً ورؤية شخصية
لاتمت للحقيقة الصادقة
فكان الصمت هو الرادع له ولأمثاله
فالصمت أحياناً قوة ورصاصة قاتلة وانتصاراً
تغني عن ألف صراخ وضجيج ؟!!

الفيصل ,النقاء ,بُشْرَى معجبون بهذا

.
.

مقال فيه الدرر
سلمت الذائقة أيها الأنيق
دمت بكل خير

الفيصل ,عطاف المالكي ,النقاء معجبون بهذا

لقد نسيت أجسادنا النوم الصامت وصرنا ندخل في نوم صاخب في الأقل صوت المكيف الذي تعودنا عليه لدرجة أنه لو سكت تيقظنا طلباً لعودة ضجيجه فوق رؤوسنا، ومثله الضجيج عبر أجهزة صغيرة نضعها في جيوبنا انتظاراً لصراخها فينا سواء كنا في صلاة أو ممشى أو في حديث مع غيرنا، وحين يأتي صوتها يتوقف الكل حتى من هم معك ليمنحوك مجالاً لتنشغل بالضجيج الذي صرخ بك.
نحتاج لابتكار خلوات نلجأ إليها لكي ترتاح أرواحنا من الضجيج، والمثال الماليزي مع الفرنسي سيأتي ليكون مثالاً لنجاح الصمت في فعل ما لا يفعله الصوت مهما مهر الصوت في التعبير.


الله يالفيصل
وقفت كثيرًا هنا وقطفت فعلًا وواقع نعيشه
وانا منهم تعودنا على أمور حولنا حتى لو يتخللها ضجيج

ولكن الصمت شيء مهم في زمان كثر فيه الكذب والسب والحديث بالغير
بما ليس فيه وأصابع الاتهام الخاطئة حولك

مقال كبير وجميل ونقل منك يا جميل الفكر أسعدنا

يسعدك يا الفيصل ولا يحرمنا من طلتك ووجودك وجهودك يا اوفى ماعرفت

شكرًا لروحك الجميلة هنا

الفيصل معجب بهذا

يا حظ المدائن بفكرك
الانتقاء في القمة
لا عدمناك
ريحانة لقلبك

النقاء ,الفيصل معجبون بهذا

شكرًا لهذا الحضور الممتع والراقي
شكرًا,,

النقاء معجب بهذا

الجمال لايأتي الا بالجمال

الفيصل معجب بهذا

صدقت حبيبنا الغالي الفيصل
الصمت أبلغ من كل الكلام ولكن في وقته
وإن كان في بعض الأوقات مضر بل ظالم ومؤذي
ووجوب الكلام وأخذ الحق وتبيان ردة الفعل بحزم
أحييك أخي الرائع الفيصل على طرحك القيم
وإسلوبك الأكثر من رائع
سلم القلم والبنان
مودتي وإحترامي

الفيصل معجب بهذا

هنا يتبين دور الصمت إذا جاء في وقته وكيف يصبح أبلغَ من كل صيغ القول وفنون التلفظ. على أن دلالات الصمت وقوة فاعليتها لا تقف عند مثل هذه المواقف مع عظمتها وقوة دلالتها، لكننا حقاً نحتاج الصمت في مواقف كثيرةٍ في حياتنا، حيث إن الضجيج هو الأغلب في زمننا الحديث، حتى كتابة «تغريدة» في «تويتر» تتحول لضجيج رغم عدم بروز الأصوات، ورسالة على الـ«واتس» أصبحت بمثابة جرس إنذار يكسر هدوءنا وكأنه يختار توقيتات نكون فيها في شغل ذاتي مع نفوسنا، فيكسر تجلياتنا الذاتية ويفرض علينا العودة للواقع الصاخب حسب حال الرسالة الواردة، وهذا يشير لحاجتنا للصمت ليس صمتنا فقط، بل صمت «كل ما حولنا»، وذلك مذ أصبح الضجيج هو كل شيء .. حتى في المنام.

ذكرت قصة جميلة جداً وتعبر عن الواقع .
تقبل احترامي

الفيصل معجب بهذا

هلا بالحبايب هلا