الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||
|
||||||||||
شرح حديث (ما ذئبان جائعان)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد.. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ، بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ»[1]. هذا الحديث الشريف شرحه الحافظ ابن رجب في رسالة لطيفة بعنوان (ذم المال والجاه)، وقد نقلت من كلامه ما تيسر لي في هذه الكلمة. فهذا مثل عظيم جدًّا ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لفساد دين المؤمن بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغنم بذئبين ضاريين باتا في الغنم قد غاب عنها رعاتها ليلًا، فهما يأكلان الغنم ويفترسانها، ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين والحالة هذه قليل. فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا. والحرص على المال نوعان: أحدهما: شدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه المباحة، والمبالغة في طلبه، والجد في تحصيله واكتسابه من وجوهه مع الجهد والمشقة، فالحريص يضيع زمانه الشريف، ويخاطر بنفسه في الأسفار وركوب الأخطار لجمع مال ينتفع به غيره، ويبقى حسابه عليه، فيجمع لمن لا يحمده، ويقدم على من لا يعذره، قال الشاعر: وَمَنْ يُنْفِقِ الأَيَّامَ فِي جَمْعِ مَالِهِ مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الفَقْرُ وَلَا تَحْسَبَنَّ الفَقْرَ فَقْراً مِنَ الغِنَى وَلَكِنَّ فَقْرَ الدِّينِ مِنْ أَعْظَمِ الفَقْرِ النوع الثاني من الحرص على المال: أن يزيد على ما سبق ذكره في النوع الأول، حتى يطلب المال من الوجوه المحرمة، ويمنع الحقوق الواجبة، فهذا من الشح المذموم، قال تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ [الحشر:9]. وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا»[2]. قال طائفة من العلماء: الشح هو الحرص الشديد الذي يحمل صاحبه على أن يأخذ الأشياء من غير حلها، ويمنعها حقوقها، وحقيقته أن تتشوف النفس إلى ما حرم الله، ومنع منه، وأن لا يقنع الإنسان بما أحل الله له من مال، أو فرج، أو غيرهما. وأما حرص المرء على الشرف، فهو أشد هلاكًا من الحرص على المال، فإن طلب شرف الدنيا والرفعة فيها، والرياسة على الناس، والعلو في الأرض، أضر على العبد من طلب المال وضرره أعظم، والزهد فيه أصعب، فإن المال يبذل في طلب الرياسة والشرف، وهو قسمان: أحدهما: طلب الشرف بالولاية، والسلطان، والمال، وهذا خطر جدًّا، وهو في الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها، وكرامتها، وعزها، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾ [القصص:83]. وقل من حرص على رياسة الدنيا بطلب الولايات أن يوفق، بل يوكل إلى نفسه كما قال النبي صلى الله عليه وسلـم لعبد الرحمن بن سمرة: «لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا»[3]. والحرص على الشرف بطلب الولايات يستلزم ضررًا عظيمًا قبل وقوعه في السعي في أسبابه، وبعد وقوعه بالخطر العظيم الذي يقع فيه صاحب الولاية من الظلم والتكبر.. وغير ذلك من المفاسد، ومن هذا الباب أيضًا أن يحب ذو الشرف والولاية أن يُحمد على أفعاله ويُثني عليها، ويطلب من الناس ذلك ويتسبب في أذى من لا يجيبه إليه، وربما أظهر أمرًا حسنًا في الظاهر وأحب المدح عليه، وقصد به في الباطن شرًّا. النوع الثاني: من الحرص على الجاه: طلب الشرف والعلو على الناس بالأمور الدينية كالعلم، والعمل، والزهد، فهذا أفحش من الأول وأقبح وأشد فسادًا وخطرًا، فإن العلم والعمل والزهد إنما يُطلب بها ما عند الله من الدرجات العلى والنعيم المقيم، والقرب منه، والزلفى لديه. قال الثوري: إنما فضل العلم لأنه يُتقى به الله، وإلا كان كسائر الأشياء. وطلب العلم للدنيا على نوعين: فإذا طلب بشيء من هذا عرض الدنيا الفاني، فهو أيضًا نوعان أحدهما: الأول: أن يطلب به المال، فهذا من نوع الحرص على المال وطلبه بالأسباب المحرمة. روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - يَعْنِي رِيحَهَا -»[4]. الثاني: من يطلب بالعمل، والعلم، والزهد، الرئاسة على الخلق والتعاظم عليهم، وأن ينقاد الخلق ويخضعوا له ويصرفوا وجوههم إليه، وأن يظهر للناس زيادة علمه على العلماء، أو ليعلوا به عليهم ونحو ذلك، فهذا وعيده النار لأن قصده التكبر على الخلق في نفسه محرم، فإذا استعمل فيه آلة الآخرة، كان أقبح وأفحش من أن يستعمل فيه آلات الدنيا من المال والسلطان. روى الترمذي في سننه من حديث كعب بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ»[5]. ومن هذا الباب كراهة أن يشعر الإنسان بالعلم، والزهد، والدين، أو بإظهار الأعمال والأقوال حتى يراد وتلتمس بركته ودعاؤه وتقبَّل يده، وهو محب لذلك ويقيم عليه ويفرح به ويسعى في أسبابه، ومن هنا كان السلف الصالح يكرهون الشهرة غاية الكراهة، منهم: أيوب، والنخعي، وسفيان وأحمد،.. وغيرهم، كان أويس وغيره من الزهاد إذا عُرفوا في مكان ارتحلوا عنه، وكان خالد بن معدان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة، وقال الإمام أحمد بن حنبل: أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أُعرف قد بليت بالشهرة، وكان كثير منهم يكره أن يُطلب منه الدعاء ويقول لمن يسأله الدعاء: أي شيء أنا؟ وكتب رجل إلى أحمد يسأله الدعاء، فقال أحمد: إذا دعونا نحن لهذا، فمن يدعو لنا». وأما تسابق وتنافس بعض الناس على الظهور الإعلامي سواء كان في القنوات، أو شبكات التواصل، أو غيرها من الوسائل وحب التكاثر في أعداد المتابعين والحرص على ذلك، فإنه يخشى على صاحبه مما سبق ذكره عن السلف. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] (25 /62) برقم 15784، وقال محققوه: إسناده صحيح. [2] برقم 1698، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1 /318) برقم 1489. [3] صحيح البخاري برقم 6622، وصحيح مسلم برقم 1652. [4] برقم (3664)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2 /697) برقم (3112). [5] برقم 2654، وحسنه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح (1 /77) برقم 225. د. أمين بن عبدالله الشقاوي للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح |
05-30-2021, 10:16 AM | #2 |
|
رد: شرح حديث (ما ذئبان جائعان)
طرح في غاية الروعة بارك الله فيك جزاك الله خيـــر على الطرح القيم وجعله الله في ميزان حسناتك وان يرزقك الفردووس الاعلى من الجنه الله لايحرمنا من جديــدك |
سَلَيْدا تُبْدعُ الإخْراجَ فَنًّا...عَلَى يَدِها الجَمالُ زَها وناما شكرا لشاعرنا الفاضل والغالي / محمد القصاب على هالاهداء |
05-30-2021, 11:57 AM | #3 |
|
رد: شرح حديث (ما ذئبان جائعان)
جزاك الله خير وأثابك
شكرا على ذوقك الراقي وطرحك القيم لروحك الجنة وماقرب اليها من قول وعمل .. مع صادق ودي |
|
05-31-2021, 03:58 PM | #5 |
|
رد: شرح حديث (ما ذئبان جائعان)
جزاك الله خير الجزاء
وجعل يومگ نورا وسرورا وجبالا من الحسنات تعانقها بحورا وجعلها الله في ميزان حسناتك دام لنا عطائگ ودمت بحفظ الرحمن |
|
06-03-2021, 07:20 PM | #6 |
|
رد: شرح حديث (ما ذئبان جائعان)
جُزيت خيرا
طرح راقي وثري وجهد مميز سلمت الايادي سوسنتي الحلوة احمد الحلو |
|
06-03-2021, 11:13 PM | #7 |
|
رد: شرح حديث (ما ذئبان جائعان)
.
. بورك العطاء الوثير جزيت الخير . في ميزان حسناتك بإذن الله |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|