الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد ) - الصفحة 42 - منتديات مدائن البوح
أنت غير مسجل في منتديات مدائن البوح . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

 ننتظر تسجيلك هـنـا


❆ جدائل الغيم ❆
                        .

.....
» يومٌ من عمري «  
     
 


آخر 10 مشاركات أتيت نحوكِ       قصيــدي       اسمها يافا       .. دردشة ( مدائن البوح ) ..       كيف تشعر في هذه اللحظة ..!!       مساحة خصوصية ...بقلم عطاف المالكي       دعواتكم لأميمة..       ماذا يقول لها , , ماذا تقول له       أغراب ..       حتمًا ولا بُد ..      
روابط تهمك القرآن الكريم الصوتيات الفلاشات الألعاب الفوتوشوب اليوتيوب الزخرفة قروب الطقس مــركز التحميل لا باب يحجبنا عنك تنسيق البيانات
العودة   منتديات مدائن البوح > المدائن الدينية والاجتماعية > الكلِم الطيب (درر إسلامية)

الكلِم الطيب (درر إسلامية)

رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا



الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )

رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-02-2024, 02:37 PM   #411


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



تابع – السكينة

السكينة في الكتاب والسنة وأقوال السلف والعلماء
ب- السَّكينةُ في السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ
- عن أبى هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إذا أُقيمَت الصَّلاةُ فلا تأتوها تَسْعَون، وأْتُوها تمشُون، وعليكم السَّكينةُ، فما أدرَكْتُم فصَلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)) .
السَّكينةُ: التَّأنِّي في الحرَكاتِ، واجتنابُ العَبَثِ ونحوِ ذلك .
و(فيه: النَّدبُ الأكيدُ إلى إتيانِ الصَّلاةِ بسَكينةٍ ووقارٍ، والنَّهيُ عن إتيانِها سعيًا، سواءٌ فيه صلاةُ الجُمُعةِ وغيرُها، سواءٌ خاف فوتَ تكبيرةِ الإحرامِ أم لا. والمرادُ بقولِ اللهِ تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] الذَّهابُ، يقالُ: سعَيتُ في كذا أو إلى كذا: إذا ذهَبْتَ إليه وعَمِلْتَ فيه) .
- وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه دفع مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ عَرَفةَ، فسَمِع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وراءَه زَجرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبلِ، فأشار بسَوطِه إليهم، وقال: أيُّها النَّاسُ، عليكم بالسَّكينةِ)) .
(«عليكم بالسَّكينةِ» أي: لازِموا الطُّمَأنينةَ والرِّفقَ، وعَدَمَ المزاحمةِ في السَّيرِ) .
-وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أتاكم أهلُ اليَمَنِ، هم أرَقُّ أفئدةً وأليَنُ قُلوبًا، الإيمانُ يمانٍ، والحِكمةُ يمانيَةٌ، والفَخرُ والخُيَلاءُ في أصحابِ الإبِلِ، والسَّكينةُ والوَقارُ في أهلِ الغَنَمِ)) .
قال القاضي عِياضٌ: (قولُه: ((والسَّكينةُ والوقارُ في أهلِ الغَنَمِ)): السَّكينةُ: السُّكونُ والطُّمَأنينةُ والوَقارُ) .
ويؤخَذُ من الحديثِ: مَدحُ السَّكينةِ والوقارِ، ولِينِ القلوبِ ورِقَّةِ الأفئدةِ، وفَضلُ وَسيلةِ الرِّزقِ التي تؤدِّي إلى السَّكينةِ والوَقارِ ورِقَّةِ القَلبِ .
-وعن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تقوموا حتى تَرَوني، وعليكم السَّكينةُ)) .
قال ابنُ رَجَبٍ: (المرادُ بهذا البابِ: النَّهيُ عن القيامِ إلى الصَّلاةِ عندَ رُؤيةِ الإمامِ، باستعجالٍ في القيامِ، والأمرِ بالقيامِ برِفقٍ وتُؤَدةٍ، وعليكم السَّكينةُ والوَقارُ) .
-وعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، وسَكِّنوا ولا تُنَفِّروا)) .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (معناه: سَكِّنوا المُنزَعِجين عندَ مقارفتِهم شيئًا من الزَّلَلِ، فإنَّ نفسَ انزعاجِهم له بشر؛ ولذلك سَكِّنوا الخائِفين فإنَّه لا خوفَ على مؤمِنٍ باللهِ، وسَكِّنوا الفِتَنَ مهما استطَعْتُم، فلا توقِظوا منها نائمًا، ولا تُنَفِّروا منها كامِنًا، حتَّى إنَّ مِن ذلك أنْ لو تلاحَا رجلانِ فقصَد منكم إصلاحَ ما بينهما، فينبغي ألَّا يَنطِقَ بكَلِمةٍ حتَّى يراها مُسَكِّنةً للنُّفرةِ) .

ج- السَّكينةُ في أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ
- قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (تعَلَّموا العِلمَ، وعَلِّموه النَّاسَ، وتعَلَّموا له الوَقارَ والسَّكينةَ) .
-وقال ابنُ مَسعودٍ: (السَّكينةُ مَغنَمٌ وتَرْكُها مَغْرَمٌ) .
-وقال مالِكٌ: (حَقٌّ على من طَلَب العِلمَ أن يكونَ له وَقارٌ وسَكينةٌ وخشيةٌ) .
-وقال وَهبُ بنُ مُنَبِّهٍ: (المؤمِنُ مُفَكِّرٌ مُذَكرٌ مُزدَجَرٌ؛ تفَكَّرَ فعَلَتْه السَّكينةُ، وتذَكَّر فوصَل القُربةَ، وازدَجَر فبايَنَ الحَوبةَ) .
-وقال أبو إدريسَ الخَوْلانيُّ: (ما تقَلَّد امرؤٌ قِلادةً أفضَلَ من سكينةٍ، وما زاد اللهُ عبدًا قَطُّ فِقهًا إلَّا زاده اللهُ قَصدًا) .
-وقال حمزةُ النَّيسابوريُّ: (إنَّ صاحِبَ الدِّينِ يُفَكِّرُ فعَلَتْه السَّكينةُ، ورَضِيَ فلم يهتَمَّ، وخلَّى الدُّنيا فنجا من الشَّرِّ، وانفرد فكُفِيَ، وترك الشَّهَواتِ فصار حُرًّا، وتَرَك الحسَدَ فظَهَرت له المحبَّةُ، وسَلَب نَفسَه عن كُلِّ فانٍ فاستكملَ العَقلَ) .
- وقال ابنُ القَيِّمِ: (السَّكينةُ إذا نزلت على القَلبِ اطمأَنَّ بها، وسكَنَت إليها الجوارحُ وخَشَعت، واكتَسَبت الوَقارَ، وأنطَقَت اللِّسانَ بالصَّوابِ والحِكمةِ، وحالت بينه وبَينَ قولِ الخَنَا والفُحشِ، واللَّغوِ والهُجرِ وكُلِّ باطلٍ. وفي صِفةِ رَسولِ اللهِ في الكُتُبِ المتقَدِّمةِ: إني باعِثٌ نَبيًّا أُمِّيًّا، ليس بفَظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخَّابٍ في الأسواقِ، ولا مُتزَيِّنٍ بالفُحشِ، ولا قَوَّالٍ للخَنَا. أسَدِّدُه لكلِّ جميلٍ، وأهَبُ له كُلَّ خُلُقٍ كريمٍ، ثمَّ أجعَلُ السَّكينةَ لِباسَه، والبِرَّ شِعارَه، والتَّقوى ضَميرَه، والحِكمةَ مَعقولَه، والصِّدقَ والوفاءَ طبيعتَه، والعَفوَ والمعروفَ خُلُقَه، والعَدلَ سِيرتَه، والحَقَّ شريعتَه، والهُدى إمامَه، والإسلامَ مِلَّتَه، وأحمدَ اسمَه) .
-وذكَر بكر أبو زيد آدابَ طالِبِ العِلمِ في نفسِه، ومنها: (التحَلِّي بـرَونَقِ العِلمِ: حُسنِ السَّمتِ، والهَديِ الصَّالحِ من دوامِ السَّكينةِ والوَقارِ، والخُشوعِ والتَّواضُعِ، ولُزومِ المحَجَّةِ، بعِمارةِ الظَّاهِرِ والباطِنِ، والتَّخَلِّي عن نواقِضِها) .
- وقال عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ: (السَّكينةُ من تمامِ نِعمةِ اللهِ على العبدِ في أوقاتِ الشَّدائِدِ والمخاوِفِ التي تطيشُ بها الأفئدةُ، وأنَّها تكونُ على حَسَبِ معرفةِ العَبدِ برَبِّه، وثِقَتِه بوَعدِه الصَّادقِ، وبحَسَبِ إيمانِه وشجاعتِه) .


( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-02-2024, 02:42 PM   #412


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



تابع – السكينة

فوائِدُ السَّكينةِ
للتحَلِّي بهذه الصِّفةِ فوائِدُ وآثارٌ طَيِّبةٌ، تخُصُّ الفردَ المتحَلِّيَ بها، وتعُمُّ المجتَمَعَ من حَولِه.
قال ابنُ عُثَيمين: (السَّكينةُ هي: عدَمُ الحركةِ الكثيرةِ، وعدَمُ الطَّيشِ، بل يكونُ ساكنًا في قلبِه، وفي جوارحِه، وفي مقالِه، ولا شَكَّ أنَّ هذين الوصفينِ -الوقارُ والسَّكينةُ- من خيرِ الخصالِ التي يمُنُّ اللهُ بها على العبدِ؛ لأنَّ ضِدَّ ذلك: أن يكونَ الإنسانُ لا شخصيَّةَ له ولا هيبةَ له، وليس وقورًا ذا هيبةٍ، بل هو مَهِينٌ، قد وضَع نفسَه ونزَّلها، وكذلك السَّكينةُ ضِدُّها أن يكونَ الإنسانُ كثيرَ الحرَكاتِ، كثيرَ التَّلفُّتِ، لا يُــرى عليه أثَرُ سكينةِ قَلبِه، ولا قولِه ولا فِعلِه، فإذا مَنَّ اللهُ على العبدِ بذلك فإنَّه ينالُ بذلك خُلُقينِ كريمينِ) .
ومن فوائِدِ السَّكينةِ ما يلي:
1- السَّكينةُ رداءٌ يَنزِلُ فيُثَبِّتُ القلوبَ الطَّائرةَ، ويُهَدِّئُ الانفعالاتِ الثَّائرةَ.
2- أنَّ المتحَلِّيَ بها يمتَثِلُ لأمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((السَّكينةَ السَّكينةَ)) .
3- متى نزَلَت على العبدِ السَّكينةُ استقام، وصلحَت أحوالُه، وصلَح بالُه، وإذا ترحَّلت عنه السَّكينةُ ترحَّل عنه السُّرورُ والأمنُ والدَّعَةُ والرَّاحةُ وطِيبُ العَيشِ، فمن أعظَمِ نِعَمِ اللهِ على عبدِه تـنَـُّزلُ السَّكينةِ عليه، ومن أعظَمِ أسبابِها: الرِّضا عنه .
4- المتحَلِّي بالسَّكينةِ يخشَعُ في صلاتِه.
5- السَّكينةُ علامةٌ من علاماتِ رِضا اللهِ عزَّ وجَلَّ.
6- أنَّ من ثمارِها محبَّةَ اللهِ للعبدِ، ومِن ثَمَّ محبةُ النَّاسِ له.
7- تجعَلُ العبدَ قادِرًا على تحمُّلِ المصيبةِ إذا نزلت.
8- تجعَلُ العبدَ قادِرًا على ضبطِ نفسِه عندَ الغَضَبِ.
9- تثبيتُ القلوبِ وتسكينُ النُّفوسِ وَقتَ الشَّدائِدِ.
10- الرِّضا بالمقسومِ، وحصولُ القناعةِ به.
11- حُسنُ التَّصرُّفِ في المواقِفِ الصَّعبةِ.
12- تُنطِقُ اللِّسانَ بالصَّوابِ والحِكمةِ.
13- تحولُ بَينَ اللِّسانِ وبَينَ قولِ الفُحشِ، واللَّغوِ وكُلِّ باطلٍ وقبيحٍ.

أقسامُ السَّكينةِ
1- عامَّةٌ: وهي التي تخُصُّ عامَّةَ الخَلقِ، وهي التي يجِدُها العبدُ عند القيامِ بوظائِفِ العبوديَّةِ، وهي التي تورِثُ الخُشوعَ والخُضوعَ، وجمعيَّةَ القَلبِ على اللهِ، بحيث يؤدِّي عبوديَّتَه بقَلبِه وبَدَنِه قانتًا للهِ عزَّ وجَلَّ .
2- خاصَّةٌ: وهي التي تخُصُّ أتباعَ الرُّسُلِ بحسَبِ متابعتِهم، وهي سكينةُ الإيمانِ، وهي سكينةٌ تُسَكِّنُ القُلوبَ عن الرَّيبِ والشَّكِّ؛ ولهذا أنزلها اللهُ على المؤمنينَ في أصعَبِ المواطِنِ أحوَجَ ما كانوا إليها، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح: 4] . فذَكَر نِعمَتَه عليهم بالجنودِ الخارِجةِ عنهم، والجنودِ الدَّاخلةِ فيهم، وهي السَّكينةُ عندَ القَلَقِ والاضطِرابِ .
أعلى مَراتِبِها وأخَصُّ أقسامِها:
أعلى مراتِبِ السَّكينةِ وأخَصُّ أقسامِها هي: سكينةُ الأنبياءِ، وقد ذَكَر ذلك ابنُ القَيِّمِ، وأورد لها أمثلةً، فقال: ومِن أمثلتِها:
- السَّكينةُ التي حصلت لإبراهيمَ الخليلِ، وقد أُلقِيَ في المَنجَنيقِ مُسافِرًا إلى ما أضرَمَ له أعداءُ اللهِ من النَّارِ، فلله تلك السَّكينةُ التي كانت في قلبِه حينَ ذلك السَّفَرِ!
- السَّكينةُ التي حصلت لموسى، وقد غَشِيَه فِرعَونُ وجُنودُه من ورائِهم، والبَحرُ أمامَهم، وقد استغاث بنو إسرائيلَ: يا موسى إلى أين تذهَبُ بنا؟! هذا البَحرُ أمامَنا، وهذا فِرعَونُ خَلْفَنا!
- وكذلك السَّكينةُ التي حصلت له وقتَ تكليمِ اللهِ له نداءً ونجاءً، كلامًا حقيقةً، سمِعَه حقيقةً بأُذُنِه!
- وكذلك السَّكينةُ التي حصلت له، وقد رأى العصا ثعبانًا مُبينًا.
- وكذلك السَّكينةُ التي نزلت عليه، وقد رأى حبالَ القومِ وعِصِيَّهم كأنَّها تسعى، فأوجَسَ في نفسِه خيفةً.
- وكذلك السَّكينةُ التي حصلت لنبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد أشرف عليه وعلى صاحِبِه عَدُوُّهما، وهما في الغارِ، فلو نظر أحدُهم إلى تحتِ قَدَميه لرآهما.
- وكذلك السَّكينةُ التي نزلت عليه في مواقِفِه العظيمةِ، وأعداءُ اللهِ قد أحاطوا به، كيومِ بَدرٍ، ويومِ حُنَينٍ، ويومِ الخندَقِ وغيرِه.
فهذه السَّكينةُ أمرٌ فوقَ عُقولِ البَشَرِ، وهي من أعظَمِ مُعجزاتِه عندَ أربابِ البصائرِ؛ فإنَّ الكذَّابَ -ولا سيَّما على اللهِ- أقلَقُ ما يكونُ، وأخوَفُ ما يكونُ، وأشَدُّه اضطرابًا في مِثلِ هذه المواطِنِ، فلو لم يكُنْ للرُّسُلِ صلَواتُ اللهِ وسلامُه عليهم من الآياتِ إلَّا هذه وَحدَها، لكفَتْهم .

دَرَجاتُ السَّكينةِ
قال صاحِبُ المنازِلِ: السَّكينةُ: اسمٌ لثلاثةِ أشياءَ: أوَّلُها: سكينةُ بني إسرائيلَ التي أُعطوها في التَّابوتِ. السَّكينةُ الثَّانيةُ: هي التي تَنطِقُ على لسانِ المحَدَّثين، ليست هي شيئًا يُملَكُ، إنَّما هي شيءٌ من لطائِفِ صُنعِ الحَقِّ، تُلقى على لسانِ المحَدَّثِ الحِكمةُ كما يُلقي الملَكُ الوَحيَ على قُلوبِ الأنبياءِ، وتَنطِقُ بنُكَتِ الحقائِقِ مع ترويحِ الأسرارِ، وكَشْفِ الشُّبَهِ.
السَّكينةُ الثَّالثةُ: هي التي نزلت على قَلبِ النَّبيِّ وقلوبِ المؤمنينَ، وهي شيءٌ يجمَعُ قُوَّةً ورَوحًا، يَسكُنُ إليه الخائِفُ، ويتسَلَّى به الحزينُ والضَّجِرُ، ويَسكُنُ إليه العَصِيُّ والجَريءُ والأَبيُّ. وأمَّا سكينةُ الوَقارِ التي نزَّلها نعتًا لأربابِها فإنَّها ضياءُ تلك السَّكينةِ الثَّالثةِ التي ذكَرْناها، وهي على ثلاثِ دَرَجاتٍ:
الدَّرَجةُ الأولى: سكينةُ الخُشوعِ عندَ القيامِ للخِدمةِ؛ رعايةً وتعظيمًا وحضورًا.
الدَّرَجةُ الثَّانيةُ: السَّكينةُ عندَ المعاملةِ بمحاسبةِ النُّفوسِ، وملاطفةِ الخَلقِ، ومراقبةِ الحَقِّ.
الدَّرَجةُ الثَّالثةُ: السَّكينةُ التي تُثبِت الرِّضا بالقَسْمِ، وتمنَعُ من الشَّطحِ الفاحِشِ، وتُوقِفُ صاحِبَها على حَدِّ الرُّتبةِ، والسَّكينةُ لا تَنزِلُ إلَّا في قلِب نبيٍّ أو وَليٍّ .

( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-02-2024, 02:43 PM   #413


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



تابع – السكينة

مظاهِرُ وصُوَرُ السَّكينةِ
1- السَّكينةُ في المشيِ إلى الصَّلاةِ؛ فينبغي للماشي إلى الصَّلاةِ أن يمشيَ وعليه السَّكينةُ والوَقارُ، وألَّا يُسرِعَ في مشيِه.
عن أبي قتادةَ، قال: ((بينما نحن نصَلِّي مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ سمع جَلَبةَ رجالٍ، فلمَّا صلَّى قال: ما شأنُكم؟ قالوا: استعجَلْنا إلى الصَّلاةِ؟ قال: فلا تفعَلوا، إذا أتيتُم الصَّلاةَ فعليكم بالسَّكينةِ، فما أدركْتُم فصَلُّوا وما فاتكم فأتِمُّوا)) .
2- السَّكينةُ عندَ القيامِ إلى الصَّلاةِ؛ عن أبي قتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تقوموا حتى تَرَوني، وعليكم السَّكينةُ)) .
3- السَّكينةُ في الصِّيامِ؛ فإنَّ الصَّائِمَ يلزَمُ السَّكينةَ، فلا يصخَبُ ولا يفسُقُ ولا يجهَلُ، ولا يقابِلُ السَّيِّئةَ بمِثْلِها.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، يقولُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ له إلَّا الصِّيامَ؛ فإنَّه لي وأنا أجزي به، والصِّيامُ جُنَّةٌ، وإذا كان يومُ صَومِ أحَدِكم فلا يَرفُثْ ولا يصخَبْ، فإن سابَّه أحَدٌ أو قاتَلَه، فليَقُلْ إنِّي امرؤٌ صائِمٌ)) .
4- السَّكينةُ في المشيِ بَينَ النَّاسِ هَوْنًا بخَفضِ الجَناحِ وتَركِ الكِبرِ، وهي صفةٌ من صفاتِ عبادِ الرَّحمنِ.
قال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] .
قال مجاهِدٌ: (بالوَقارُ والسَّكينةِ) .
5- السَّكينةُ عندَ ذِكرِ اللهِ سُبحانَه، وعندَ تِلاوةِ القرآنِ؛ فإنَّ ذِكرَ اللهِ سُبحانَه يبعَثُ على الطُّمَأنينةِ، وهي جالِبةٌ للسَّكينةِ.
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] .
(وفى قَولِه تعالى: وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ إشارةٌ إلى أنَّ من علاماتِ أهلِ الإيمانِ أنَّهم إذا ذكَروا اللهَ أو ذُكِّروا به، اطمأَنَّت قلوبُهم، واشتَمَلت عليهم السَّكينةُ، وغَشِيَهم الأمنُ والسَّلامُ) .
وعن الأغرِّ أبي مسلمٍ، ((أنَّه قال: أشهَدُ على أبي هُرَيرةَ وأبي سعيدٍ الخُدْريِّ أنهما شَهِدا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: لا يقعُدُ قومٌ يَذكُرون اللهَ عزَّ وجَلَّ إلَّا حفَّتْهم الملائكةُ، وغَشِيَتهم الرَّحمةُ، ونزلت عليهم السَّكينةُ، وذكَرَهم اللهُ فيمن عِندَه)) .
6- السَّكينةُ في الجهادِ؛ فهي تطرَحُ عن العبدِ انزعاجَه في أشَدِّ المواقِفِ صعوبةً، وحين التِحامِ الصُّفوفِ، وتكسوه يقينًا وثباتًا.
ففي حُنَينٍ حينَ وَلَّوا مُدبِرين من شِدَّةِ بأسِ الكُفَّارِ، لا يلوي أحدٌ منهم على أحَدٍ؛ أنزل اللهُ سكينتَه عليهم؛ تثبيتًا لقلوبِهم، وذَهابًا لقَلَقِها، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [التوبة: 25 - 26] .
وفي الحُدَيبيَةِ حينَ اضطَرَبت قلوبُهم من تحكُّمِ الكُفَّارِ عليهم، ودخُولِهم تحتَ شروطِهم التي لا تحمِلُها النُّفوسُ، يقولُ عزَّ وجَلَّ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: 4] ، فمِن نعمةِ اللهِ على عَبدِه في هذه الحالِ أن يُثَبِّتَه، ويربِطَ على قَلبِه، ويُنزِلَ عليه السَّكينةَ؛ ليتلقَّى هذه المشقَّاتِ بقَلبٍ ثابتٍ، ونفسٍ مُطمَئِنَّةٍ.
7- السَّكينةُ عندَ حُلولِ المصيبةِ، أو عندَ اشتدادِ الكَربِ، وذلك باللُّجوءِ إلى اللهِ سُبحانَه، وسؤالِه تفريجَ الكَربِ وإزالةَ الهَمِّ؛ فإنَّ هذه الأدعيةَ مزيلةٌ للهَمِّ، جالبةٌ للسَّكينةِ.
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعو عندَ الكَربِ يقولُ: ((لا إلهَ إلَّا اللهُ العظيمُ الحَليمُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَواتِ والأرضِ، ورَبُّ العرشِ العظيمِ)) .

موانِعُ اكتسابِ السَّكينةِ
1- العجَلةُ في الأمورِ، والخِفَّةُ والطَّيشُ، التي تمنعُ العبدَ من التَّثبُّتِ والتَّأنِّي والسَّكينةِ.
2- الإلحاحُ في طلَبِ الأمورِ؛ فإنَّ المُلِحَّ في سؤالِه يَقِلُّ وَقارُه، وتذهَبُ سكينةُ نفسِه.
3- كثرةُ الهَزْلِ؛ فالسَّكينةُ قرينُ الجِدِّ.
4- الجِدالُ؛ لأنَّه يُذْكي العداوةَ ويورِثُ الشِّقاقَ.
5- الكِبرُ، فهو قَرينُ الطَّيشِ.
6- بذاءةُ اللِّسانِ والفُحشُ في القَولِ.
7- الثَّرثَرةُ؛ فكثرةُ الكلامِ بلا فائدةٍ تمنَعُ النَّفسَ من السَّكينةِ، وتوقِعُها فيما يوجِبُ النَّدمَ.
8- الغِلظةُ في الخِطابِ؛ فالغِلظةُ من صفاتِ الجُفاةِ.
9- الإكثارُ من الحرَكاتِ والتَّلفُّتِ .

الوسائِلُ المعينةُ على التَّخلُّقِ بخُلُقِ السَّكينةِ
1- الامتِثالُ لقَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عليكم بالسَّكينةِ)) .
2- مصاحَبةُ ذوي الطَّبعِ الهادئِ، وأصحابِ السَّكينةِ؛ فـــ ((المرءُ على دينِ خليلِه)) .
3- مُطالعةُ السِّيرةِ النَّبَويَّةِ وسِيَرِ الصَّالِحين.
4- معرفةُ فوائدِ وآثارِ السَّكينةِ.
5- التَّحَلِّي بالصَّبرِ:
فالصَّبرُ من الفضائِلِ الخُلُقيَّةِ التي تُعَوِّدُ الإنسانَ السَّكينةَ والاطمِئنانَ، وتكونُ بَلْسَمًا لجِراحِه، ودواءً لِمَرَضِه وبلائِه؛ فالصَّابرُ يتلقَّى المكارِهَ بالقبولِ، فيَحبِسُ نفسَه عن السَّخَطِ، فيتحَلَّى بالسَّكينةِ والوَقارِ .
6- العِلمُ النَّافِعُ؛ فهو من الأسبابِ التي تجلِبُ لأصحابِها السَّكينةَ.
قال ابنُ رجَبٍ: (العِلمُ النَّافِعُ هو ما باشَر القُلوبَ فأوجب لها السَّكينةَ والخَشيةَ، والإخباتَ للهِ والتَّواضُعَ والانكسارَ له، وإذا لم يباشِرِ القُلوبَ ذلك من العِلمِ، وإنَّما كان على اللِّسانِ؛ فهو حُجَّةُ اللهِ على ابنِ آدمَ، تقومُ على صاحبِه وغيرِه) .
7- تحقيقُ التَّوكُّلِ على اللهِ سُبحانَه؛ فبالتَّوكُّلِ يشعُرُ المؤمِنُ بالأمنِ والسَّكينةِ إذا اضطَرب النَّاسُ.
8- الشُّعورُ بمعيَّةِ اللهِ سُبحانَه، فإنَّ من استشعر معيَّةَ اللهِ سُبحانَه اطمأَنَّ قلبُه، وسكَنَت نفسُه.
9- إجلالُ اللهِ سُبحانَه، فهو يُثمِرُ المهابةَ، وبالمهابةِ تحصُلُ السَّكينةُ.
10- الحِكمةُ؛ فهي تمنَعُ صاحِبَها من أخلاقِ الأراذِلِ.
11- الصَّمتُ إلَّا من الخيرِ، فإنَّ اعتيادَ الصَّمتِ يَكسِبُ السَّكينةَ.
12- التَّواضُعُ؛ فهو قرينُ السَّكينةِ؛ فإذا تواضَع القلبُ خشَعَت الجوارحُ وسكنَت .

( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-02-2024, 02:47 PM   #414


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



تابع – السكينة

نماذج من السكينة
أ- السَّكينةُ عندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ
- سكينةُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ في حوارِه مع أبيه:
قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 41 - 47] .
- سكينةُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ في محاجَّةِ قومِه حتَّى ألقَوه في النَّارِ:
قال تعالى في ذِكرِ ما كان بَينَ إبراهيمَ وقومِه ومحاجَّتِهم بالحَقِّ: قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [الأنبياء: 66 - 70] .
وعن ابنِ عَبَّاسٍ: (حَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، قالها إبراهيمُ عليه السَّلامُ حينَ ألقِيَ في النَّارِ، وقالها محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] ) .
يقولُ ابنِ القَيِّمِ في أثناءِ الكلامِ عن مراتبِ السَّكينةِ: (فسكينةُ الأنبياءِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أخَصُّ مراتِبِها وأعلى أقسامِها؛ كالسَّكينةِ التي حصلت لإبراهيمَ الخليلِ، وقد أُلقِيَ في المَنجَنيقِ مُسافِرًا إلى ما أضرَمَ له أعداءُ اللهِ من النَّارِ، فلِلَّهِ تلك السَّكينةُ التي كانت في قلبِه حينَ ذلك السَّفَرِ) .
- سكينةُ موسى عليه السَّلامُ:
يقولُ ابنُ القَيِّمِ: (وكذلك السَّكينةُ التي حصلت لموسى، وقد غَشِيَه فِرعَونُ وجُنودُه من ورائِهم، والبَحرُ أمامَهم، وقد استغاث بنو إسرائيلَ: يا موسى إلى أين تذهَبُ بنا؟! هذا البَحرُ أمامَنا، وهذا فِرعَونُ خَلْفَنا! وكذلك السَّكينةُ التي حصلت له وقتَ تكليمِ اللهِ له نداءً ونجاءً، كلامًا حقيقةً، سمِعَه حقيقةً بأُذُنِه! وكذلك السَّكينةُ التي حصلت له، وقد رأى العصا ثعبانًا مُبينًا. وكذلك السَّكينةُ التي نزلت عليه، وقد رأى حبالَ القومِ وعِصِيَّهم كأنَّها تسعى، فأوجَسَ في نفسِه خيفةً) .

ب- نماذِجُ من السَّكينةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
من أوصافِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّكينةُ الباعثةُ على الهَيبةِ والتَّعظيمِ، الدَّاعيةُ إلى التَّقديمِ والتَّسليمِ، وكان أعظَمَ مَهيبٍ في النُّفوسِ، حتى ارتاعت رُسُلُ كِسرى من هَيبتِه حين أتَوه، مع ارتياضِهم بصَولةِ الأكاسِرةِ، ومكاثَرةِ المُلوكِ الجبابرةِ؛ فكان في نفوسِهم أهيَبَ، وفي أعيُنِهم أعظَمَ، وإنْ لم يتعاظَمْ بأُبَّهةٍ، ولم يتطاوَلْ بسَطوةٍ، بل كان بالتَّواضُعِ مَوصوفًا، وبالوِطاءِ مَعروفًا .
- سكينتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ فَزِع النَّاسُ:
عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ، وأجوَدَ النَّاسِ، وأشجَعَ النَّاسِ، ولقد فَزِع أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ، فانطلق النَّاسُ قِبَلَ الصَّوتِ، فاستقبَلَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد سَبَق النَّاسَ إلى الصَّوتِ! وهو يقولُ: لن تُراعُوا، لن تُراعُوا! وهو على فَرَسٍ لأبي طَلحةَ عُرْيٍ ما عليه سَرْجٌ! في عُنُقِه سَيفٌ، فقال: لقد وجَدْتُه بحرًا، أو: إنَّه لبَحرٌ)) .
(«لن تُراعوا» معناه: لا فَزَعَ ولا رَوعَ؛ فاسْكُنوا) .
- سكينتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتثبيتُه لصاحبِه أبي بكرٍ في الغارِ وقد حاصَرَهما الكُفَّارُ:
عن أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا في الغارِ: لو أنَّ أحَدَهم نظَر تحتَ قَدَميه لأبصَرَنا، فقال: ما ظَنُّك يا أبا بكرٍ باثنينِ اللهُ ثالِثُهما؟!)) .
- سكينتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مواجَهةِ ما تَعرَّض له من صُنوفِ الأذى:
عن عُروةَ، أنَّ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، زَوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حدَّثَتْه أنَّها قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هل أتى عليكَ يومٌ كان أشَدَّ من يومِ أُحُدٍ؟ فقال: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يَومَ العَقَبَةِ؛ إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي على ابنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أرَدْتُ، فانطَلَقْتُ وأنا مَهمومٌ على وَجْهي، فلم أسْتَفِقْ إلَّا بقَرنِ الثَّعَالِبِ، فرَفَعْتُ رَأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظَلَّتنِي، فنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك ملَكَ الجِبالِ لتَأمُرَه بما شِئتَ فيهم، قال: فناداني مَلَكُ الجِبالِ وسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وأنا مَلَكُ الجِبالِ وقد بعثَني ربُّك إليكَ لتَأمُرَني بأمْرِك، فما شِئتَ، إنْ شِئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) .
ويقولُ ابنُ القَيِّمِ في وَصفِ سكينتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (وكذلك السَّكينةُ التي حصلت لنبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد أشرف عليه وعلى صاحِبِه عَدُوُّهما، وهما في الغارِ، فلو نظر أحدُهم إلى تحتِ قَدَميه لرآهما. وكذلك السَّكينةُ التي نزلت عليه في مواقِفِه العظيمةِ، وأعداءُ اللهِ قد أحاطوا به، كيومِ بَدرٍ، ويومِ حُنَينٍ، ويومِ الخندَقِ وغيرِه. فهذه السَّكينةُ أمرٌ فوقَ عُقولِ البَشَرِ، وهي من أعظَمِ مُعجزاتِه عندَ أربابِ البصائرِ) .

( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-02-2024, 02:48 PM   #415


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



تابع – السكينة

نماذج من السكينة
ج- نماذِجُ من السَّكينةِ عندَ الصَّحابةِ
- سكينةُ فاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عنها:
عن عائِشةَ أمِّ المؤمِنين رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ سَمتًا ودلًّا وهَدْيًا برَسولِ اللهِ في قيامِها وقُعودِها من فاطِمةَ بنتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
قال القاريُّ: (سَمتًا) أي: هَيئةً وطريقةً كانت عليها من السَّكينةِ والوقارِ. والمرادُ به هيئةُ أهلِ الخيرِ والتَّزَيِّي بزِيِّ الصَّالحينَ (وهَدْيًا) أي: سيرةً وطريقةً. (ودَلًّا) بفتحِ دالٍ وتشديدِ لامٍ، فسَّرَه الرَّاغبُ بحُسنِ الشَّمائِلِ، وأصلُه مِن دَلِّ المرأةِ، وهو شَكلُها وما يُستحسَنُ منها .
وقال التَّورِبِشتيُّ: (كأنَّها أشارت بالسَّمتِ إلى ما يُرى على الإنسانِ من الخُشوعِ والتَّواضُعِ للهِ، وبالهَدْيِ: إلى ما يتحَلَّى به من السَّكينةِ والوقارِ، وإلى ما يَسلُكُه من المنهَجِ المَرضيِّ، وبالدَّلِّ: إلى دَماثةِ الخُلُقِ وحُسنِ الحديثِ) .
- السَّكينةُ على لسانِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه:
قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (وما نُبعِدُ أنَّ السَّكينةَ تَنطِقُ على لسانِ عُمَرَ) .
- عليُّ بنُ أبي طالبٍ يأمُرُ بالسَّكينةِ ويحُثُّ عليها أصحابَه يومَ صِفِّينَ:
- قال عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: (معاشِرَ المُسلِمين استَشْعِروا الخَشيةَ، وغُضُّوا الأصواتَ، وتجَلْبَبوا السَّكينةَ ...) .
- السَّكينةُ تنزِلُ على رجُلٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرَأُ القرآنَ:
عن البراءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بينما رجلٌ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرَأُ وفرَسٌ له مربوطٌ في الدَّارِ، فجَعَل يَنفِرُ، فخرج الرَّجلُ فنظَرَ فلم يَرَ شيئًا، وجعَل يَنفِرُ، فلمَّا أصبح ذكَرَ ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: السَّكينةُ تنَزَّلت بالقُرآنِ)) .
قال النَّوويُّ: (قيل في معنى السَّكينةِ هنا أشياءُ، المختارُ منها أنَّها شيءٌ من مخلوقاتِ اللهِ تعالى فيه طُمَأنينةٌ ورحمةٌ) .
- سكينةُ خُبَيبِ بنِ عَدِيٍّ الأنصاريِّ حينَ أحاط به المُشرِكون لقَتْلِه:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (بعث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشَرةً، منهم خُبَيبٌ الأنصاريُّ، فأخبرني عبيدُ اللهِ بنُ عِياضٍ أنَّ ابنةَ الحارِثِ أخبَرَتْه أنَّهم حين اجتَمَعوا استعار منها موسى يستَحِدُّ بها، فلمَّا خرجوا من الحَرَمِ لِيَقتُلوه، قال خُبَيبٌ الأنصاريُّ:
ولستُ أبالي حينَ أقتَلُ مُسلِمًا
على أيِّ شِقٍّ كان للهِ مَصْرَعي
وذلك في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ
يبارِكْ على أوصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ)
فقَتَله ابنُ الحارِثِ، فأخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه خبَرَهم يومَ أُصيبوا) .
- سكينةُ الصَّحابةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن أُسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأصحابُه عندَه كأنَّما على رُؤوسِهم الطَّيرُ) .
قال السِّنديُّ: (قولُه: كأنَّما على رُؤوسِهم الطَّيرُ، كنايةٌ عن سُكونِهم ووقارِهم في حَضرتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ الطَّيرَ لا تكادُ تَقَعُ إلَّا على شيءٍ ساكِنٍ) .

د- نماذِجُ من السَّكينةِ عندَ السَّلَفِ
سكينةُ السَّلَفِ في الجنائِزِ:
عن أيُّوبَ السَّختيانيُّ، عن أبي قِلابةَ أنَّه سمع قاصًّا رافعًا صوتَه في جِنازةٍ، فقال: (إن كانوا لَيُعَظِّمون الموتَ بالسَّكينةِ) .
وكان الميِّتُ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخرُجُ به الرِّجالُ يحمِلونه إلى المَقبرةِ لا يُسرِعون ولا يُبطِئون، بل عليهم السَّكينةُ، لا نساءَ معهم، ولا يرفعون أصواتَهم لا بقراءةٍ ولا غيرِها، وهذه هي السُّنَّةُ باتِّفاقِ المُسلِمين .
الشَّعبيُّ:
عن محمَّدِ بنِ عِمرانَ، قال: (قال رجُلٌ للشَّعبيِّ: إنَّ فلانًا عالمٌ، قال: ما رأيتُ عليه بهاءَ العِلمِ! قيل: وما بهاؤه؟ قال: السَّكينةُ، إذا عَلَّم لا يُعَنِّفُ، وإذا عُلِّمَ لا يأنَفُ) .
لُزومُ القَنَّادِ ما كان من المجالِسِ فيه سَكينةٌ:
عن محمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ القَنَّادِ، قال: (حضَرْتُ مجلِسَ سُفيانَ الثَّوريِّ، فكان الوَقارُ والسَّكينةُ والعِلمُ فيه؛ فلَزِمتُه) .
أحمدُ بنُ حَنبَلٍ:
عن المَرُّوذيِّ، قال: (لم أرَ الفقيرَ في مجلِسٍ أعَزَّ منه في مجلِسِ أحمَدَ؛ كان مائِلًا إليهم، مُقصِرًا عن أهلِ الدُّنيا، وكان فيه حِلمٌ، ولم يكُنْ بالعَجولِ، وكان كثيرَ التَّواضُعِ، تعلوه السَّكينةُ والوقارُ، وإذا جلَس في مجلِسِه بعدَ العَصرِ للفُتيا لا يتكَلَّمُ حتَّى يُسأَلَ، وإذا خرج إلى مسجدِه لم يتصَدَّرْ) .


( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-02-2024, 02:53 PM   #416


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



تابع – السكينة

نماذج من السكينة
هـ- نماذِجُ من السَّكينةِ عندَ العُلَماءِ
- زينُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ أبي بكرٍ الكَركيُّ الحنَفيُّ:
جاء في ترجمتِه (بَرَع في مذهَبِ أبي حنيفةَ، وأُذِن له في الإفتاءِ، ودَأَب وحصَّل وتفنَّن في العُلومِ، وتصَدَّر للإفتاءِ والتَّدريسِ، وكتَب على الفتاوى كثيرًا، وانتفع النَّاسُ به واشتغل عليه الطَّلَبةُ، وكان من أهلِ العِلمِ، وعليه السَّكينةُ والوقارُ، والنَّاسُ سالِمون من يَدِه ولِسانِه) .
- القاضي جلالُ الدِّينِ محمَّدُ بنُ عَليٍّ الدِّمَشقيُّ:
قال نجم الدِّينِ الغَزِّيُّ: (واستمَرَّ الشَّيخُ جلالُ الدِّينِ يخطُبُ في الأُمَويِّ نيابةً، ثمَّ استقلالًا، إلى أن مات، وكانت لخطبتِه وقعةٌ في القلوبِ، لم يخرُجْ بصوتِه عن طريقةِ خُطبةِ أبناءِ العَرَبِ لا يراعي في الخطبةِ تنغيمًا ولا إطرابًا، بل يخطُبُ وعليه السَّكينةُ والوَقارُ، بحيث تخشَعُ لخطبتِه القُلوبُ، وتَذرِفُ منها العُيونُ) .
- الحافِظُ شرَفُ الدِّينِ اليُونينيُّ:
قال البِرْزاليُّ في ذِكرِ بَعضِ مناقِبِ اليُونينيِّ: (كان شيخًا جليلًا، حَسَنَ الوَجهِ، بهيَّ المنظَرِ، له سمتٌ حَسَنٌ، وعليه سكينةٌ، ولديه فضلٌ كثيرٌ، فصيحُ العبارةِ، حَسَنُ الكلامِ، له قَبولٌ من النَّاسِ، وهو كثيرُ التَّودُّدِ إليهم، قاضٍ للحُقوقِ) .
- ابنُ بازٍ:
يقول محمَّد موسى واصفًا ما كان عليه ابنُ بازٍ من سكينةٍ وحِلمٍ: (أمَّا حِلمُه وسكينتُه؛ فلا يكادُ يُصَدِّقُ بها إلَّا مَن رآها بأمِّ عينِه؛ لأنَّك إذا سمِعْتَ عنه ذلك ربَّما تظُنُّ أنَّه من نَسجِ الخيالِ، وما هو من نَسجِ الخيالِ، وإنَّما هو جِبِلَّةٌ جُبِل عليها، فريدُ دَهرِه، ونَسيجُ وَحدِه) .

مسائِلُ مُتفَرِّقةٌ
المواطِنُ التي تُطلَبُ عندَها السَّكينةُ:
(والمقصودُ أنَّ العبدَ محتاجٌ إلى السَّكينةِ عندَ الوَساوِسِ المعتَرِضةِ في أصلِ الإيمانِ؛ ليَثبُتَ قَلبُه ولا يزيغَ، وعندَ الوساوِسِ والخَطَراتِ القادحةِ في أعمالِ الإيمانِ؛ لئلَّا تقوى وتصيرَ هُمومًا وغمومًا، وإراداتٍ ينقُصُ بها إيمانُه، وعندَ أسبابِ المخاوفِ على اختلافِها؛ ليَثبُتَ قَلبُه ويَسكُنَ جأشُه، وعندَ أسبابِ الفَرَحِ؛ لئلَّا يطمَحَ به مَركَبُه، فيجاوِزَ الحَدَّ الذي لا يُعبَرُ، فينقَلِبَ تَرَحًا وحُزنًا، وكم ممَّن أنعم اللهُ عليه بما يُفرِحُه، فجَمَح به مركَبُ الفَرَحِ، وتجاوَز الحَدَّ؛ فانقلب تَرَحًا عاجِلًا!
ولو أُعينَ بسكينةٍ تَعدِلُ فَرَحَه، لأُريدَ به الخيرُ، وباللهِ التَّوفيقُ.
وعندَ هُجومِ الأسبابِ المؤلِمةِ على اختِلافِها: الظَّاهرةِ والباطنةِ، فما أحوَجَه إلى السَّكينةِ حينَئذٍ، وما أنفَعَها له وأجداها عليه، وأحسَنَ عاقِبَتَها!
والسَّكينةُ في هذه المواطِنِ علامةٌ على الظَّفَرِ، وحصولِ المحبوبِ، واندفاعِ المكروهِ، وفَقْدُها علامةٌ على ضِدِّ ذلك، لا يخطِئُ هذا ولا هذا. واللهُ المُستعانُ) .
وسطيَّةُ السَّكينةِ:
قال الماوَرْديُّ: (قالت الحُكماءُ: الفضائِلُ هيئاتٌ متوَسِّطةٌ بَينَ خَلَّتينِ ناقصِتَينِ، وأفعالُ الخيرِ تتوسَّطُ بَينَ رذيلتينِ؛ فالحِكمةُ واسِطةٌ بَينَ الشَّرِّ والجهالةِ. والشَّجاعةُ واسِطةٌ بَينَ التَّقحُّمِ والجُبنِ. والعِفَّةُ واسطةٌ بَينَ الشَّرَهِ وضعَفِ الشَّهوةِ. والسَّكينةُ واسِطةٌ بَينَ السَّخَطِ وضَعفِ الغَضَبِ) .
آياتُ السَّكينةِ
قال ابنُ القَيِّمِ: (كان شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رَحمه اللهُ إذا اشتدَّت عليه الأمورُ، قرأ آياتِ السَّكينةِ ، وسمِعْتُه يقولُ في واقعةٍ عظيمةٍ جرت له في مرَضَهِ تعجِزُ العقولُ عن حَملِها من محاربةِ أرواحٍ شَيطانيَّةٍ ظهرت له إذ ذاك في حالِ ضَعفِ القُوَّةِ، قال: فلمَّا اشتدَّ عليَّ الأمرُ قُلتُ لأقاربي ومَن حولي: اقرَؤوا آياتِ السَّكينةِ. قال: ثمَّ أقلع عنيِّ ذلك الحالُ، وجلَسْتُ وما بي قَلَبةٌ .
وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (قد جرَّبْتُ أنا أيضًا قراءةَ هذه الآياتِ عندَ اضطرابِ القلبِ ممَّا يَرِدُ عليه؛ فرأيتُ لها تأثيرًا عظيمًا في سُكونِه وطُمَأنينتِه) .

السكينة في واحة الأدب
مِن الأمثالِ والحِكَمِ
1-كأنَّ على رُؤوسِهم الطَّيرَ.
يُضرَبُ مَثَلًا في الرَّزانةِ والحِلمِ والرَّكانةِ، وقِلَّةِ الطَّيشِ والعَجَلةِ، حتَّى كأنَّ على الرُّؤوسِ طَيرًا يخافُ أصحابُها طيرانَها، فهم سُكونٌ لا يتحَرَّكون .
2-إنَّه لواقِعُ الطَّائِرِ.
مَثَلٌ للرَّجُلِ السَّاكِنِ الأمورِ، وهو في الأصلِ إمَّا مُشَبَّهٌ بالبعيرِ يقَعُ عليه الطَّائِرُ وينزِعُ ما عليه من القُرادِ، فيَسكُنُ البعيرُ استِلذاذًا لذلك، ولا يتحرَّكُ لئلَّا ينفِرَ الطَّائِرُ فيطيرَ عنه، وإمَّا مُشبَّهٌ بالطَّائِرِ الواقِعِ في سُكونِه على ضَربٍ من التَّجريدِ، كما في "ساكِنِ الرِّيحِ" .
3- تحتَ طِرِّيقَتِه عِنداوةٌ.
الطِّرِّيقةُ: الاسترخاءُ، مأخوذٌ من الإطراقِ، والطِّرِّيقةُ بوَزنِ سِكِّينةٍ، لغةٌ فيها، والعِنْداوةُ: العَسَرُ والالتِواءُ، يُضرَبُ لِمن يُريك السُّكونَ والوَقارَ وهو ذو نَزوةٍ وطِماحٍ.
والمعنى: أنَّ سُكونَه ورَخاوتَه قد يكونُ معه أحيانًا عَسَرةٌ وشَراسةٌ .

( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-02-2024, 02:53 PM   #417


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



تابع – السكينة

السكينة في واحة الأدب
مِنَ الشِّعرِ

1- عن البراءِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الخَندَقِ وهو ينقُلُ التُّرابَ حتَّى وارى التُّرابُ شَعرَ صَدْرِه، وكان رجلًا كثيرَ الشَّعرِ، وهو يرتجِزُ برَجَزِ عبدِ اللهِ:
واللهِ لولا اللهُ ما اهتدَينا
ولا تصدَّقْنا ولا صَلَّينا
فأنزِلَنْ سكينةً علينا
وثَبِّتِ الأقدامَ إنْ لاقَينا
إنَّ الأُلى قد بَغَوا علينا
إذا أرادوا فِتنةً أَبَينا
2- وقال ابنُ المبارَكِ في مِسعَرِ بنِ كِدامٍ:
من كان ملتَمِسًا جليسًا صالحًا
فليأتِ حَلقةَ مِسعَرِ بنِ كِدامِ
فيها السَّكينةُ والوقارُ، وأهلُها
أهلُ العفافِ وعِليةُ الأقوامِ
3- وقال أيضًا لَمَّا سُئِل عن صِفةِ الخائفينَ:
إذا ما اللَّيلُ أظلَم كابَدوه
فيُسفِرُ عنهم وهمُ رُكوعُ
أطار الخَوفُ نومَهمُ فقالوا
وأهلُ الأمنِ في الدُّنيا هُجوعُ
لهم تحتَ الظَّلامِ وهم سُجودٌ
أنينٌ منه تنفَرِجُ الضُّلوعُ
وخُرسٌ بالنَّهارِ لطُولِ صَمتٍ
عليهم من سكينتِهم خُشوعُ
4- وقال الشَّاعِرُ:
أهلًا بقومٍ صالحين ذوي تُقًى
خيرِ الرِّجالِ وزَينِ مَلاءِ
يسعَون في طَلَبِ الحديثِ بعِفَّةٍ
وتوقُّرٍ وسكينةٍ وحياءِ
لهم المهابةُ والجلالةُ والتُّقى
وفضائِلٌ جَلَّت عن الإحصاءِ
5- وقال الصَّرصَريُّ يمدَحُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
حُلَلُ السَّكينةِ والثَّباتِ لِباسُه
والبِرُّ والإخلاصُ فيه شِعارُه
وضَميرُه التَّقوى وأُوتيَ حِكمةً
فازداد منها عَقْلُه ووقارُه
والصِّدقُ منه والوَفاءُ طَبيعةٌ
والعَفوُ والصَّفحُ الجَميلُ دِثارُه .


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-02-2024, 03:02 PM   #418


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( سلامة الصدر )

وسوف أتناول من خلاله المحاور التالية ان شاء الله

أوَّلًا: معنى سلامةِ الصَّدرِ لغةً واصطِلاحًا
ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ سلامةِ الصَّدرِ والبَلَهِ والتَّغفُّلِ
ثالثًا: التَّرغيبُ في سلامةِ الصَّدرِ
رابعًا: فوائِدُ سلامةِ الصَّدرِ
خامسًا: صُوَرُ سَلامةِ الصَّدرِ
سادسًا: موانِعُ اكتِسابِ سَلامةِ الصَّدرِ
سابعًا: الوسائِلُ المُعينةُ على سلامةِ الصَّدرِ
ثامنًا: نماذِجُ لسَلامةِ الصَّدرِ
تاسعًا: أخطاءٌ شائِعةٌ
عاشِرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ
حادِيَ عَشَرَ: سلامةُ الصَّدرِ في واحةِ الأدَبِ


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-03-2024, 12:24 AM   #419


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



سلامة الصدر

حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع . ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:103].
بل امتن على نبيه صلَى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62، 63].
وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد.
والحديث عن هذه القضية وهذا الخلق حديث مهم وتذكير لابد منه في وقت انشغل أكثر الناس بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن والقلوب مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88، 89].
والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة.
ثم إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" [البخاري].

فضل سلامة الصدر ومنزلتها عند الله تعالى:
يا صاحب القلب السليم أنت من صفوة الله المختارة
فقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".
ثم نقول: إن سلامة الصدر سببٌ من أعظم أسباب قبول الأعمال الصالحة
قال صلى الله عليه وسلم:
"تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والحسد والغل؟!!

سلامة الصدر طريق إلى الجنة:
فأول زمرة تدخل الجنة: "...لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد.." [البخاري].
وقصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" معروفة فقد عاشره عبد الله ثلاث ليال فلم يجده كثير التطوع بالصلاة أو الصيام فسأله عن حاله فقال الرجل: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ولا أحسُد أحدًا على خير أعطاه الله إياه".
فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :هذه التي بلغت بك...
وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال:
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [لأعراف:43]. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].

الله يمدحهم:
( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:9، 10].
فهيا إخواني وأخواتي نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة.. لكنهم تحابوا في الله، وتصافوا..
فهلا سلمت صدورنا للمسلمين وصفت؟

أثرها على الفرد والمجتمع:
يفوز صاحب الصدر السليم بكل الفضائل التي سبق الحديث عنها والنتيجة المباشرة هي:
• راحة البال والبعد عن الهموم والغموم.
• اتقاء العداوات.
أما بالنسبة للمجتمع فإنه يكون مجتمعًا متماسكًا متراصًا متكاتفًا ترفرف عليه رايات المحبة والإخاء ويصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى". [صحيح مسلم].
أنا أريد أن تتأمل معي هاتين الآيتين لتعرف قيمة سلامة الصدر بالنسبة للمجتمع: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120]، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) [الأنفال:46].
فأعداء الأمة لن ينالوا منها مايريدون طالما ظل أبناؤها متحابين متماسكين سليمي الصدور غير متنازعين.


( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 12-03-2024, 12:26 AM   #420


الصورة الرمزية البراء
البراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : يوم أمس (08:48 PM)
 المشاركات : 31,566 [ + ]
 التقييم :  37419
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )



تابع – سلامة الصدر

أمثلة من حياة الصالحين:
هذا سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه على وجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطق مهمومًا، وإذا هو بسحابة قد أظلته فيها جبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [جبلا مكة] فقال صاحب الصدر السليم صَلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".
فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!.
ثم تأمل حاله صَلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه (أسالوا دمه) فمسح الدم وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
واستحضر معي حالة المشركين معه صلى الله عليه وسلم في مكة وقد آذوه وسعوا في قتله حتى خرج من بين أظهرهم وكان الأمر كما أخبر الله عز وجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال0)
فلما مكن الله له ودخل مكة فاتحا ما انتقم ولا آذى بل قال لقومه:
"لا تثريب عليكم اليوم".
والأمثلة من حياته صَلى الله عليه وسلم كثيرة، ننصح بقراءة سيرته.

نبي الله يوسف عليه السلام:
وقصته مع إخوته أنموذج رائع لسلامة الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا:
(تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ). فما كان منه إلا أن قَال: ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). ما حمل غلا.
ثم لما جاء أبوه مع اخوته: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)
فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).

ثم تأمل معي موقف الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - مع مسطح بن أثاثة
إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح ممن خاضوا فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)
فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح.

وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش
يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم.

ثم استمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول :
"إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".

أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين".

أماعُلبة بن زيد
فإنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى وقال: "اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أين المتصدق بعرضه البارحة؟" فقام عُلبة رَضي الله عنه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : "أبشر فوالذي نفسُ محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة".

وانظر إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يُضرب ويُعذَّب على يد المعتصم، وحين أخذوه لمعالجته بعد وفاة المعتصم وأحسَّ بألمٍ في جسده قال: "اللهم اغفر للمعتصم".
سبحان الله!! يستغفر لمن كان سببًا في ألمه. إنه منطق عظيم لا تعرفه إلا الصدور التي حملت قلوبًا كبيرة عنوانها: **سلامة الصدر.***
وهل أتاك نبأ الشيخ ابن باز - رحمه الله - مع ذلك الرجل من الخرج؟
فقد تولى الشيخ القضاء في مدينة الخرج وجاءه رجل في قضية فسب الرجل الإمام ابن باز رحمه الله،وشاع الخبر في المدينة وخرج الشيخ إلى الحج ،وبينما كان الشيخ في الحج مرض الرجل ومات، فلما قُدِّم الرجل ليُصلَّى عليه، أبى الإمام الصلاة عليه بسبب سبه للشيخ ابن باز، وصلَّى غيره، فلما رجع الشيخ وأُخبر الخبر عاتب الإمام جدًّا على فعله، ولم يرض ما صنع، ثم إنه سأل عن قبر الرجل فأتاه وصلَّى عليه ودعا له.

( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 42 ( الأعضاء 0 والزوار 42)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد ) البراء الكلِم الطيب (درر إسلامية) 352 11-17-2024 10:26 PM
الأخلاق أرزاق فاطمة الكلِم الطيب (درر إسلامية) 14 07-16-2024 05:02 PM
الأخلاق وهائب….!!!! النقاء الكلِم الطيب (درر إسلامية) 12 02-25-2024 02:59 PM
ربيع الأخلاق بُشْرَى الصحة والجمال،وغراس الحياة 4 05-15-2023 12:50 PM
الأخلاق وهائب المهرة الكلِم الطيب (درر إسلامية) 5 03-16-2021 10:07 PM

Bookmark and Share


الساعة الآن 09:31 PM

أقسام المنتدى

المدائن الدينية والاجتماعية | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | أرواح أنارت مدائن البوح | الصحة والجمال،وغراس الحياة | المدائن الأدبية | سحرُ المدائن | قبس من نور | المكتبة الأدبية ونبراس العلم | بوح الأرواح | المدائن العامة | مقهى المدائن | ظِلال وارفة | المدائن المضيئة | شغب ريشة وفكر منتج | المدائن الإدارية | حُلة العيد | أبواب المدائن ( نقطة تواصل ) | محطة للنسيان | ملتقى الإدارة | معا نحلق في فضاء الحرف | مدائن الكمبيوتر والجوال وتطوير المنتديات | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | قناديـلُ الحكايــــا | قـطـاف الـسـنابل | المدائن الرمضانية | المنافسات الرمضانية | نفحات رمضانية | "بقعة ضوء" | رسائل أدبية وثنائيات من نور | إليكم نسابق الوفاء.. | الديوان الشعبي | أحاسيس ممزوجة | ميدان عكاظ |



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.
 المنتدى حاصل على تصريح مدى الحياه
 دعم وتطوير الكثيري نت
مجتمع ريلاكس
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas