ننتظر تسجيلك هـنـا

 

.
::أدعوك إلهي ربِّ اجعل قلبي بِحبكَ موصول فَ هب لي رضاك ::  
❆رمضان يجمعنا ❆
                    .


آخر 10 مشاركات حكاية غرباء و شجن       أهلا بك يا مطر أنرت المدائن ياصانع ذكريات       شَهادة : ما مسّنا سوءه .       أحببتها برغم من كل شئ       مداديـــــــات       شرح وضع ملاحظة عامة في واجهة المنتدى       رساله لك       عيون تبحث عن الشمس ....2......       عندما يهبط طائر الحرف       مناخ خالي من المشاعر الدافئة      
روابط تهمك القرآن الكـريم الصوتيات الفلاشـات الالعاب أُلَفٌوٌتِوُشِوٌبِ اليوتيوب الزخرفـة قروب الطقس مركز التحميل لا باب يحجبنا عنك تنسيق البيانات
العودة   منتديات مدائن البوح > المدائن الأدبية > قناديـلُ الحكايــــا

قناديـلُ الحكايــــا

يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..

( يمنع المنقول )



"صداع بالقلب" .. رواية قصيرة

يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..

( يمنع المنقول )


إضافة رد
قديم 05-08-2023, 11:21 AM   #11


الصورة الرمزية أحمد عدوان
أحمد عدوان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 99
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : 03-17-2024 (01:45 PM)
 المشاركات : 15,145 [ + ]
 التقييم :  36645
 SMS ~

لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة



الفصل الثاني


01 نوفمبر 2018
لم يكن سالم ينشغل بالأعياد الوطنية إلا لكونها إجازة رسمية ، صباح ذلك اليوم ، الموافق لعيد الثورة الجزائرية ، ظلّ سالم نائما ، إلى حدود منتصف النهار ، تلك الاحتفالات التي تجري بالشوارع ، وتلك التي ينقلها التلفزيون ترف زائد لا يستهويه ، وفخ تستخدمه الأنظمة جميعها لإحكام قبضتها على وعي الجماهير ، هكذا كان رأي سالم ، رغم أنه بعيد عن السياسة ، ولا يروقه الخوض فيها ، حينما أيقظته الحجة زينب ، كان الغداء جاهزا ، ربع ساعة تماما وكان سالم يجلس إلى المائدة ، تناول الغداء وهو ينظر إلى وجه والدته الذي يبدو على غير عادته ، شاحبا ، بلون أصفر قليلا ، طمأنته : لا شيء يا بني ، دوخة خفيفة منذ الصباح . أحضر لها دواء مناسبا لوجع الرأس من غرفته ، ولم يدعها إلا وهي على السرير . قرر ألا يغادر البيت تلك الأمسية، وجلس بغرفته ، يتفقّد والدته كل ساعة ، كانت تبدو نائمة ، عندما سمع سالم آذان العصر دخل ليوقظها ، من عادتها أنّ نومها خفيف وتحس بكل من يدخل غرفتها ، ولكن مع نداءات سالم ، لم تستيقظ ، هرع سالم بخوف نحوها وأزاح اللحاف عنها ، وضع يده على رقبتها ، كان النبض خفيفا ، يبدو أنّها فقدت وعيها ، اتصل بسرعة بالحماية المدنية ، التي حضرت على الفور ، وتم نقلها إلى المستشفى ، كان سالم أخوف ما يكون بشر على أمه ، وما كان ينقصه لحظتها إلا البكاء لكي يكتمل مشهد الحزن عليها ،، دخلت الوالدة قسم الاستعجالات الطبية ، بقي سالم بالممر المؤدي إلى القسم ، لم يدر ما يفعل ، اتصل بزياد واستقدمه، فكر بالاتصال بخلود ، ثم تراجع مخافة أن يودي بها وهو يعلم مدى تعلّقها بأمّها ، بقي الاثنان ينتظران ، مرّت ساعة كاملة ، وحينها خرجت الطبيبة التي استقبلها سالم بمخاوفه وتساؤلاته ، الطبيبة حاولت طمأنته : والدتك حدث لها هبوط حاد بالسكّر ، ترافق ذلك بهبوط آخر في الدورة الدموية ، لقد أفاقت الآن ، يمكنك رؤيتها ، ولكنها ستبقى معنا لفترة تحت الرعاية . دخل سالم وزياد ، كانت الحجة زينب قد استعادت وعيها ، وقبل أن يتحدّث أي منهما ، بادرتهما بالسؤال عن الساعة ، أخبرها سالم أنّها السادسة والربع مساء ، مدّت يدها نحو سالم إيماءً أنها تنوي الوقوف، عرف سالم ما تريد ، وعرف أنه لن يتمكن من إقناعها بالبقاء بالسرير، سأل زياد : إلى أين يا حجة ؟ أجابه سالم : سأدخلها إلى الحمام المرفق بالغرفة لتتوضأ ثم تصلي العصر . نظر الرجلان إلى بعضهما ، تلك النظرة التي لا أحد يفهمها سواهما . توضأت الحجة زينب وصلّت على مهل ، وعادت لسريرها ، وطمأنت سالم أنها بخير ، وطلبت منه ألا يخبر خلود .
قوانين المستشفى تقتضي منهما المغادرة خصوصا أن حالة المريضة لا تستدعي بقاء أيّ منهما. وقبل أن يغادر سالم ، قالت له والدته أن الأكل بالثلاجة وما عليه إلا تسخينه .
حتى وهي على فراش المرض لم تنس واجبها تجاه خالقها ولم تنس واجبها تجاه سالم . كذا كان سالم يفكر في طريق عودته إلى البيت " . يا لجمال الأمهات ، وطيبتهن ، ياللجنة التي وضعها العزيز الحكيم تحت أقدامهن ، يا لصبرهن ، ومعاناتهن ، وقدرتهن على التحمل . يتذكر سالم كل ما مر به خلال الفترة الأخيرة مع أمه ، إلحاحها عليه للزواج ، أتراه ذلك الهم المكتوم بداخلها من جعل ضغطها ينخفض ؟ أيكون هو سبب ما جرى لها ؟ كان سالم يود لو أن الطريق من المستشفى إلى البيت يطول كثيرًا ، هو لا يودّ العودة إلى بيت لا يجد فيه أمه . بقي يجوب الشوارع إلى أن سمع آذان العشاء ، فتذكّر أنه قد ضيَّع صلاة المغرب ، فدخل أقرب مسجد وتوضأ وصلّى ، وفتح مصحفا وجلس يقرا وختم قراءته بالدعاء لوالدته .
عاد أخيرًا للبيت ، كان يبدو موحشا ، كجبّانة في ليلة عاصفة ، " الأمهات فقط من يُضِئنَ البيوت"
دخل غرفتها ، كانت سبحتها في مكانها المعتاد ، بجانب المصحف الكبير الذي أحضرته معها من المدينة المنورة ، كانت تعتز به كثيرا، ولا أحد غيرها يلمسه ، لقد كان هدية من عجوز مغربية التقت بها في روضة المصطفى ، حينما رأتها تجتهد بالدعاء ، ومعها مصحف أصغر قد أرهق عيونها ، فكان هدية مقابل دعاء مخصوص لابنتها أن يُنعم الله عليها بالذرية الصالحة . على اليمين صورة كبيرة لوالده باللباس البدوي ، سجّادة الصلاة في موضعها ، أعواد بخور، خمار أبيض للصلاة وآخر أسود للخروج ، جلس سالم على سريرها وحمل المصحف الكبير ، وفتحه على الصفحة التي وضعت عندها الحجة زينب العلامة فوقعت عيناه على آية " وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ، إن الله لغفور رحيم" ، صدق الله العظيم ، أنت يا أماه وحدكِ نعمة لا يمكنني إحصاؤها ولا تمام شكرها ، فما أحس إلا ودموعه تنزل ، كذا كان يبكي سالم ، تنزل دموعه دون استئذان ، دون شهقة أو صوت ، انتبه سالم لنفسه ، فمسح دموعه ، وقام نحو غرفته . الحجة زينب كانت ترفض الهاتف ، ولطالما ألحّ عليها سالم ، بل وإنه اشترى لها هاتفا بسيطا ، وسهل الاستعمال ، ولكنها لم تعبأ به ، وقالت له أنها لا تحتاجه أبدا ، حتى في اتصالاتها مع خلود كانت تستخدم هاتف البيت فقط ، وكذلك كان سالم يتصل بها بنفس الطريقة ، الآن ما أحوجه إلى هاتف يطمئن به عليها . على كل حال هو ترك رقم هاتفه بالمستشفى كما تقتضي الإجراءات .
في الغد وعند موعد الزيارة كان سالم وزياد وزهراء عند الحجة زينب التي تم نقلها إلى خارج قسم الاستعجالات بغرفة في الطابق الثاني ، كان سالم يحمل معه كل ما تحتاجه أمه ، هو يعرف دون أن تطلب منه ، المصحف الكبير ، السبحة ، مياه معدنية ، خمار الصلاة ، كأس ، وكذا أحضر لها عنبا أصفر ، كانت الفاكهة الوحيدة التي لا تقاومها أمه . كانت مبتسمة وتقول أنها بأفضل حال ولا تدري لم يحتجزونها .
بقي زياد وزهراء برفقة الحجة زينب ، وانطلق سالم يبحث عن الطبيبة شهرزاد أخصائية الأمراض الداخلية بالمستشفى ، لقد قرأ اسمها في الملف الطبي لأمه والذي كان معلقا بطرف السرير ، لحسن الحظ كان مكتبها قريبا ، استأذن ودخل ، وكانت تتذكره : أنت ابن الحجة زينب. لقد حدثتني عنك .
ـ تمام ، وأريد أن أعرف حالتها بالضبط .
ـ اسمع ، نسبة السكر بالدم لديها غير مستقرة ، أمس كانت منخفضة ، واليوم ارتفعت فوق المعدل الطبيعي ، بالنسبة لضغط الدم تمكنا من ضبطه وهو الآن ممتاز . أنا أنتظر التحاليل الخاصة بها ، هذا سيبين لنا تماما إن كانت تعاني من السكري من الدرجة الأولى ، أم الثانية .
ـ هذا يعني أن لديها سكري ؟
ـ أكيد، لكن لا تخف، سيكون الأمر تحت السيطرة. هذا مرض عادي كأي مرض آخر، المهم أن يلتزم المريض بنظام غذائي خاص، وعلاج منتظم.
تذكر سالم أنه أحضر لها العنب الفاخر، حبة واحدة منه كفيلة برفع السكر إلى أعلى مستوياته.
أخبر الطبيبة بذلك ، وأخبرته ألا يدعها تتناول أكثر من حبتين أو ثلاثة .
ـ متى يمكنها أن تغادر المستشفى ؟
ـ لا يمكن حاليا ، وضعها غير مستقر ، حتى اللحظة لا يمكننا كتابة علاج محدد ، بعد تشخيص نوع السكري ، سنبدأ معها العلاج هنا ، وإذا استقر وضعها ستواصل العلاج بالبيت ،
لا تخف ، هي هنا تحت الرعاية الكاملة .
كانت الطبيبة تتحدث وصوت المسنجر من هاتفها يقاطعها ، فتلتفت إليه وتكتب قليلا ، وتعود للحديث وقالت بلهجة الشرق الجزائري " عندي ثلاث شهور ما شفت دارنا "
أجابها "الله يكون بالعون" ، وأردفت : "ميرسي" .. "معلش راني نحكي مع ماما"
عرف سالم أنها تريد أن تنفرد بهاتفها، خرج نحو والدته، جلس برفقتها إلى نهاية الوقت المحدد للزيارات ،
غادر الثلاثة ، أوصل سالم زياد وزوجته إلى بيتهما ، واتجه نحو بيته ، كان يريد أن يغفو قليلا ، ليلة البارحة كان نومه متقطعا ، كيف ينام ، وأمه تئن على سرير المرض . قبل المغرب بقليل، أحس بالجوع الشديد، خرج وأحضر عشاء جاهزا من مطعم قريب. بقي وحيدا تلك الليلة يسمع أم كلثوم إلى أن استغرق بالنوم. في الغد بموعد الزيارة كان حاضرا، وكانت الحجة زينب على أحسن ما تكون ، ولحسن حظه وجد الطبيبة معها ، يبدو أن علاقتهما توطدت ، أخبرته الطبيبة أن يمر عليها بمكتبها عند إنهاء زيارته .. جلس سالم رفقة والدته تحكي له عن شهرزاد ، وكيف أن المسكينة تفتقد والدتها كثيرًا ، ولم تزرها منذ أشهر كثيرة ، وأنها تعمل بالمستشفى منذ تخرجها قبل عام كامل ، زارت أهلها بقسنطينة مرتين فقط ، لأنها الوحيدة بتخصصها هنا .
يبدو أن الحجة زينب أحضرت تقريرا كاملا عنها ، هكذا قال سالم في نفسه ، هل ستضمها إلى قائمة الخيارات التي طرحتها عليه منذ فترة ؟ الله أعلم ، المهم أنهما على وفاق تام . في الممر الذي يؤدي من غرفة والدته إلى مكتب الطبيبة كان سالم يقول سبحان الله ، دائما يسخر الله لأمه أناسا طيبين وقت حاجتها ، دخل مكتب الطبيبة التي استقبلته بابتسامتها ، " الحجة زينب تعتبرك طفلا على ما يبدو ، كلّ همها أنت .. لم يجد سالم ردا على هذه الورطة ، " الله يسامحك يا أمي " ابتسم وجلس ، وبدأت الطبيبة تحدثه عن السكري من النوع الأول ، كيف يظهر خلال فترة زمنية قصيرة ، كيف يتم علاجه بالأنسولين، طبيعة النظام الغذائي الواجب إتباعه ، ومواقيته ، المهم أن سالم أخذ فكرة عامة حول هذا المرض أو بالأحرى حول حالة أمه .
ـ ستبقى والدتك معنا لمدة أسبوعين وسنبدأ العلاج ونرى مستويات السكر لديها .
ظل سالم صامتا، ويكتفي بهزّ رأسه دليلا على الموافقة أو الاستيعاب . حينما همّ بالمغادرة ، فاجأها بطلب غريب :
ـ هل يمكن أن أضيفك على الفيسبوك لأطمئن منك على أمي ؟
نظرت نحوه الطبيبة باستغراب ، نظرة لم يستطع سالم تفسيرها ، مرت لحظتان طويلتان ، ثم أومأت له بالموافقة ، فتح هاتفه ، وحسابه المهجور على الفيسبوك ، وأضافها .. وغادر المكان .
ليلا ، أسند سالم رأسه على الكنبة ودفتره الأسود بين يديه وبدأ يكتب :
" تلك المرأة المأهولة بكل هذا الحب ، كان حظها من الحياة أشبه بأمنية تحملها الريح من شجرة إلى أخرى ، وذلك الرجل الذي يعشقها ، كان يدرك تماما أنه سيقضي بقية أعوامه على ذمه ذلك الحب ، يراود الحياة عن نفسها ، فتأخذه صوب شجرة الأمنيات تلك ، يراها ولا يحظى بها .
كنت تقولين لي هل تعرف حقا مكان الحزن يا صديقي ؟ أيكون القلب كما يقولون ؟ فأجيبك : ماذا لو أن ذلك القلب ممتلئ عن آخره بحبك يا لولا ، كيف استطاع الحزن أن يجد لنفسه موطئ قدم هناك ؟ أيتزاحم حب وحزن أم أنهما يتبادلان الحضور والغياب في مواقيت محددة ؟ أيتقاسمان المكان ذاته والسرير نفسه ؟ أم هما على ضفتي نقيض لا يجتمعان ، وربما لا يفترقان ؟
هل يمكنني الآن أن أقول إنني نسيتك ؟ لا . الأمر ليس كذلك أبدا.
تجاوزتك ؟ ربما هو ذاك ، ولكن ليس الوصف دقيقا بما يكفي
أتعايش معك كما لو كنت قدرا لا فكاك منه ولا فرار ؟ أجل ، أنا بتلك المرحلة تماما ، أقوم بتسيير رحيلك في داخلي على ذلك النحو الذي لا يضيرني أكثر ، أتذكرك فأكتب عنك ، يوجعني قلبي ، وربما أبكي ، يجتاحني الحنين إلى لحظاتنا العتيقة ، فلا أجد أفضل من قراءة رسائلك وكلماتك وسماع أغانيك.
لماذا جئنا متشابهين هكذا يا لولا ؟ لماذا كنا نسير على نسق واحد ، نعشق نفس القصائد لنزار ودرويش ، كنت تقولين للغياب نقصتني ، وأنا أقول لقد حضرتُ لأكملك ، لماذا نسمع نفس الأغاني لحليم وفيروز ؟ لماذا نقرأ نفس الكتابات لعلوان وجويدة والأعرج وأحلام والرافعي و كويلو وشافاق ؟ لماذا ندَّخر الحزن ذاته لأوقات خلواتنا كي نفسح له مجالا لنهش ما تبقى في دواخلنا ؟ لماذا كانت أحلامنا متشابهة ، وأمنياتنا ولهفتنا وأشواقنا وكل ما مرّ بنا وكأنه مقسوم على شطرين ، بيني وبينك ؟
ثم لماذا جئت في طرف الدنيا وجئت أنا في طرفها الثاني بيننا آلاف الأميال ، وآلاف الذكريات ؟


 
 توقيع : أحمد عدوان

حسابي على تويتر


التعديل الأخير تم بواسطة أحمد عدوان ; 05-08-2023 الساعة 11:26 AM

رد مع اقتباس
قديم 05-13-2023, 09:09 AM   #12


الصورة الرمزية إلهام
إلهام غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 419
 تاريخ التسجيل :  Jun 2021
 أخر زيارة : 11-16-2023 (05:00 PM)
 المشاركات : 64,379 [ + ]
 التقييم :  449420
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Black


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة




إلا الغياب، لم يتشابهان بالتعامل معه
الكاتب القدير: أتمنى ألا تطيل بالأجزاء


 

رد مع اقتباس
قديم 05-13-2023, 11:21 AM   #13


الصورة الرمزية فاطمة
فاطمة متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 595
 تاريخ التسجيل :  Feb 2022
 أخر زيارة : 03-25-2024 (12:58 AM)
 المشاركات : 47,883 [ + ]
 التقييم :  85013
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Chocolate


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة



بإذن الله سأتابعك
وأعاود القراءة حتى تكتمل
ريحانة تليق


 
 توقيع : فاطمة

اللهم بلغنا رمضان


رد مع اقتباس
قديم 05-14-2023, 11:33 AM   #14


الصورة الرمزية أحمد عدوان
أحمد عدوان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 99
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : 03-17-2024 (01:45 PM)
 المشاركات : 15,145 [ + ]
 التقييم :  36645
 SMS ~

لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة





أحس سالم بالتعب من الكتابة ، أغلق دفتره وفتح هاتفه ، وحسابه على تويتر ، يطالع التغريدات ، لا رغبة لديه بنشر أي شيء ، حتى مرت أمامه تغريدة لواسيني تقول :
"يجب أن تعرفوا أني منهك ومنتهك وحزين ومتوحد مثل الكآبة" ، شعر أنها تعبّر عن حالته فقام بمشاركتها على حسابه ، كانت الساعة تجاوزت العاشرة والثلث ، أغلق تويتر وفتح الفيسبوك ، ألقى نظرة على قائمة المتواجدين ، لمح الطبيبة متصلة ، فخطر له أن يسألها عن والدته ، أخبرته أنها أخذت حقنة الأنسولين وأنها نائمة حاليا . وقالت أنها على وشك المغادرة الآن ، وستعاود المستشفى غدا صباحا، شكرها سالم وأغلق نافذة المحادثة ، وخطر له أن يُلقي نظرة على صفحتها ومنشوراتها .
تسمّر من الدهشة ، تلك الطبيبة التي قضت سنوات دراستها مع الأمراض والأدوية ، وتقضي الآن معظم أوقاتها مع المرضى ، والحالات المستعجلة ، تنشر مقتطفات مما كتب واسيني ، وروضة الحاج ، وشمس التبريزي والقصيبي ونزار ودنقل . جميل والله . فكّر قليلا ، ونشر على حائطه العبارة التالية :
في الحقيقة أنا لا أمارس رياضة المشي ، ولا أهتم مطلقا بما تقوله المجلات الطبية ، أنا أمشي كل صباح ومساء لسبب آخر تماما ، إنني أحاول قتل الفراغ الذي خلّفته لي .
أطفأ مصباح غرفته واستسلم للنعاس .
صباحا ، حينما استيقظ سالم ، وجد أن الطبيبة قد تركت له تعليقا على عبارته تلك :
" من هذه اللحظة يا صديقي ، عليك أن تهتمّ بما تقوله المجلات الطبية ، كثيرًا "
جلس يخمن ما تقصده تلك الطبيبة بقولها ذاك ، ربما كانت تعني أن والدته مريضة ، وعليه أن يقرأ المجلات الطبية ليتمكن من مساعدتها . أحضر فنجان قهوته ، كان آخر يوم من تلك الإجازة ، وكان الجو بمدينته قد بدأ ينقلب فجأة ، من حرارة متقدة إلى برد ورياح . استخرج معطفا أسود اللون ووضعه بجانبه ، وبقي عالقا بذلك التعليق ، يفكر في ردّ مناسب عليه ،
كتب لها : "يبدو أنني سأطلّق المجلات الأدبية ، وأتجه نحو الطبية " وأرفق عبارته تلك بوجه يبتسم .
بعد الظهر اتجه سالم لزيارة والدته كالعادة ، أخذ معه بعض الحاجيات اطمأن عليها وكان وضعها يستقر ، وبدأت تستعيد عافيتها ، ويبدو أنها تريد أن تغادر سريعا ، كان كل همها سالم ، أين يأكل ؟ وماذا يأكل ّ من يلبي طلباته ؟ ملابسه ؟ قال لها : "اطمئني ، أنا بخير ولا ينقصني إلا أنت " ، ثم أخبرها أنه سيهاتف أخته خلود ويخبرها ، وربما تأتي معه في الغد . وبالفعل بمجرد مغادرته باب المستشفى أخبرها ، وطمأنها عشر مرات أنها بخير ، وبقيت تستفسر ، كان يعلم أنه سيسمع منها هذا الحديث : "علاش يا سالم علاش ما خبرتني من أول يوم .. وش تستني ؟ حتى تموت ؟" حاول سالم إيقافها بكل السبل وما استطاع ، تركها أخرجت كل ما بقلبها ، ثم اتفقا أن يتغدى عندها في الغد ويصطحبها لزيارة والدتها .
مساءً اتصل سالم بزياد ليطمئن على حاله ، خصوصا أن حمل زهراء دخل شهره التاسع منذ أسبوعين ، كان كل شيء يسير عاديا ، كانا ينتظران بنتا ، وقد وقع اختيارهما على اسم بلقيس ، لا يدري أكانت ملكة سبأ ، أم زوجة نزار ، لا يهم ، المهم أن تأتي ، هكذا قال زياد .
لازال يستعيد كل ليلة ذكرياته رفقة لؤلؤة ، كان مفعما بالتفاصيل التي لا تُنسى ، كانت أغنية حليم " نبتدي منين الحكاية" تصدح ، وكان سالم غارقا خارج الوقت ، قبل أربعة أعوام بالضبط ، حينما أخبره زياد بأحد أيام نوفمبر أنه كتب اسميهما بقوائم الرحلات التي تنظمها لجنة الخدمات خلال إجازة الشتاء ، كانت رحلات بنصف التكلفة إلى مصر وتركيا ، ودبي ، لمدة عشرة أيام ..
ـ وأين سنذهب يا فالح ؟ قال سالم .
ــ مصر طبعا .
ـ ولماذا مصر ، تركيا تبدو وجهة أفضل .
نظر زياد إلى عيني سالم ، تلك النظرة التي يحفظها سالم ، فانفجر الأخير ضاحكا ، وقال له :
ـ لو أنها كانت لغير مصر ، ما كنت لأوافق .
ـ أحفظك يا صديقي ، فلا داعي للؤم معي .
كان يتذكر تلك الأيام جيدا ، كانت سعادته غامرة ، يرسم الخطط ، أربعة أيام بالقاهرة ، سوف لن يفارق لولا ، سينفصل عن الفوج السياحي ، يدّعي المرض أو يخرج باكرا من الفندق ، سيجد طريقة ليذهب إليها ، سوف لن يخبرها أبدا أنه بالقاهرة ، بدأ بتجهيز كل ما يحتاجه .. حصل من لولا على اسم الشركة التي تشتغل بها دون أن تشعر ، بحث عنها ، حصل على عنوانها بوسط القاهرة بالمقطم ، شارع 9 هكذا يٌسمى ، حصل على صورة لسيارتها ، وبالتأكيد كان لديه رقم هاتفها ويعرف تماما مواعيد دوامها .
في الغد ، سارت الأمور وفق ما يريد سالم ، تناول الغداء مع معتز وخلود ، ثم ترافق الثلاثة إلى مستشفى المدينة سيرًا على الأقدام ، منزل معتز كان محاذيا للمستشفى ، بالممر المؤدي إلى المستشفى لمح سالم الطبيبة تدخل إلى إحدى غرف المرضى ، أوصل شقيقته ومعتز إلى غرفة أمه وبقي خارجا ينتظرها ، وما لبثت أن خرجت وجدته بوجهها ، سلّم عليها وتبعها إلى مكتبها ، حيث سألها عن والدته ، وقالت له :
ـ متقلقش روحك ، راها مليحة ، ممكن يومين ثلاثة وتخرج .
خبر كهذا يسعده بكل تأكيد ، شكر الطبيبة كثيرًا ، وقبل خروجه قال لها :
ـ مكنتش نظن طبيبة كيما نتي تهتم بالشعر والأدب .
وأجابته أنها منذ صغرها تهتم وتعشق الروايات والأشعار ، فأخبرها سالم أنه كذلك ، بل وأحيانا يكتب .
في الأخير اتفقا أن يرسل لها بعضا مما يكتب .
توجهه سالم نحو والدته ، واطمأن عليها ، كانت خلود تمسك بيدها ، وتتحدث بشغف كبير ، أما معتز ، فمال إلى سالم وهمس له يسأل عن تلك الجميلة التي كان معها ، ابتسم سالم ، ورد عليه : خطيبتي .
اللئيم معتز ضحك بصوت عال وقال :
ـ علاش يا الحاجة ما خبرتونا أن سالم خطب طبيبة ؟
وهنا نظر الجميع إلى بعضهم باندهاش .. سالم والحجة زينب وخلود . ولكن معتز كان مستغرقا بنوبة ضحك ، سالم كان وجهه محمرا لا يدري ما يقول سوى أن توجه لخلود بقوله : راجلك راه يخرف . كان معتزا من ذلك النوع الذي يحب المزح والسخرية ويعشق المقالب ، ويمكن أن يورطك بأي شي ، رغم طيبته المفرطة ، لذلك لم يغضب منه سالم ، ومرّت المزحة بسلام .

**
" ذلك العمود المقابل لبيتي ، لا يزال يتذكر أنه كان شجرة ، لا يزال يحن إلى الماء وأعشاش الطيور ، مثلي تماما ، لازال بذاكرتي ذلك العاشق الذي كنته يوما ، تلك الوردة بالمزهرية ، لا تزال تحن إلى الحديقة تتذكر يوم أن كانت تتباهى على جاراتها ، تستطيل بنظرها على بقية الزهر ، وتخبرهم أنها الأجمل ، ذلك الجمال الذي أودى بها إلى قاع مزهرية ببيت أحدهم ، تلك الوردة مثلي تماما ، لازال ذلك الحنين يلازمني إليك يا لولا ، ذلك المساء ، وذلك الوجد ، وكل التفاصيل الصغيرة التي لا يلتفت لها سوى قلب كقلبي وقلبك لازالت تجثو على ركبتيها عند باب الأرق ، تنتحب من فرط الحنين إلى تلك الأوقات التي مضت ، وما انقضت . ثمة شعور يمر بك تعجز عن وصفه ، الشعور الذي يتداخل فيه الحزن والشجن والحنين والارتباك والرغبة في احتضان أحدهم رغم المسافة ومسح دموعه ، ثم الخوف من أن كل ذلك قد يُفاقم مواجعك وأحزانه ، شيء أشبه بلُغم جاء أحدهم وسحب صمام أمانه ثم دحرجه صوب قلبك ، أتدرين يا حبيبتي البعيدة ،، كل ذلك يسكنني كتعاويذ معلقة بصدري كلما مشيت أو تحركت أحدثت بداخلي جلبة لا يسمعها سواي ، أنا فقط من أعيش تلك الحياة الخفيّة التي أواريها عن أعين الحاضرين خشية أن يلمحوك في عيوني ، بل أن يلمحوا خيبتي فيك ولو من خلف ألف ستار وجدار .
تذكرين يا لولا ، يوم أن أرسلتِ لي معزوفة ياني ، ودعوتني إلى رقصة سماوية أخرجها الخيال كما يشتهي القلب ، يوم أن سألتني لماذا أحبّك ؟ وقلت "لأنك قدري" ، ويومها قلتِ لي : "أنا لستُ قدَرَك ، أنا حُلمُك لا أكثر" .. حورانا يومها كان ولا زال راسخا بتفاصيله، قلت وقتها :
ــ اسمع يا سالم، نحن نصنع أقدارنا بأيدينا ، نحن فقط نرمي ما نصنعه ونقترفه ونخفق فيه على ظهر القدر ، الأقدار تكون كالموت الذي اختطف أبي وأمي دون أن يكون لأي أحد يد لتغيير ذلك ، أما ما نجنيه بأيدينا وقلوبنا ، فنحن من نقرر مصيره . ونحن من نتحمل أجره أو وزره .
كان وقتها حديثكِ واضحا، أنا فقط من كان لا يلق بالا لما تقصدين، كل يوم يمر أكتشف أنني لم أفهمك كما ينبغي ، بل إنني فهمتك دائما كما أشتهي"
أقفل سالم دفتره ، وألقاه على سطح مكتبه ، أمسك هاتفه ليراسل شهرزاد ، كان يود أن يرسل لها بعض ما كتبه ، كما وعدها ، ولكنه احتار ماذا يرسل وماذا يترك ، هل يبعث لها بعضا مما كتب على دفتره الأسود ؟ .. لا ، هذا تاريخ مروي لا أحد يملك حق قراءته قبل لولا .
قرر أن يكتب لها ارتجالا، على نافذة المحادثة، فبدأ يكتب :
"ها قد عدنا كما بدأنا .. غريبين تنكرنا الأماكن والذاكرة ، ويعرفنا الجحود والهجران ، يحفظنا الغياب عن ظهر قلب ، تمر بنا النهايات التي لا تكترث للحب تصطحبنا إلى ذلك الطريق المسدود الذي روته قارئة الفنجان تجعلنا نتخذه مزارا نكتب عليه تفاصيل الحكاية ،الموج الأزرق ، القصر المرصود والشعر الغجري ، وسماء ممطرة تعيد ترتيب الحكاية : أنت بعيدة بمقدار حزنين ، وأنا بعيد بمقدار انتظارين ، وبيننا تتناسل تلك الغربة.
ها قد عدنا غريبين تكتظ بنا الطرقات الفارغة إلا من عطرك ونداءاتي ، مساء الورد التي كنا نتبادلها كل ليلة ،ذهبت مع الريح ، رسائلنا جرفها الجو الماطر والإعصار ، ضحكاتنا اختفت ، أحاديثنا اختطفها الصمت ، لا شيء من ذلك الماضي الجميل ظل على حاله ، فقط صدف عابرة تبث في قلبي وقلبك ومضة عشق ليتها كانت عابرة أيضا ... ها قد عدنا غريبين كما كنا ، نسلك دربين مختلفين ونردد في دواخلنا :
مقدورك أن تمضي أبدا
في بحر الحب بغير قلوع"
ضغط على زر الإرسال ، وبذات اللحظة ، شاهدت شهرزاد ما كتبه سالم . سألته : أنت كتبت هذا ؟
فأجابها سالم بأنه من فعل ، فكان أن قالت له ، الآن سأناديك الأستاذ سالم ، من يكتب بهذا القدر من الإحساس والبلاغة يستحق لقب أستاذ . ابتسم سالم ، ورد عليها ، أنه يفضّل أن تناديه سالم دون ألقاب ، طالبته بالمزيد ، فأخبرها أنه كتب هذا للتوّ ، فطلبت منه أن يكتب ، وكان سالم ليلتها يحس برغبة شديدة بالانهمار ، كتب لها :
"لقاء المرة الأولى، ذلك الذي تتعثر فيه الكلمات، وتصبح فيه للعيون شفاه تحكي، لقاء الدهشة الأولى، لقاء البسمة الأولى، والنبضة الأولى، غالبا ما يكون فخا محكما يودي براحة البال "
أجابته شهرزاد : ليس دائما يا سالم ، هناك لقاءات تفتح أبواب السعادة أنت تُغالي بكلامك .
ــ وما الأدب إلا مبالغة ومغالاة و تكثيف ، لا تنسي أنني قلت غالبا وليس دائما .
وكتب لها أيضا :
"ابتسامتك كفيلة بأن تجعل شجرة تبتسم" فأرسلت له ضحكة طويلة ، أردف سالم : هكذا ضحكة تجعل الغابة كلها مبتسمة . قالت له ما أجمل كلماتك .. أنت ساحر إذن . ثم عرض عليها أن تسمع معه أغنية، وافقت شهرزاد وكان سالم يستمع لحظتها إلى وردة ــ العيون السود ــ فأرسلها لها، ليس غريبا أن تقول له أنها تعشقها ، سالم كان يحس أنّ كل ما يحدث قد حدث معه سابقا ، بكلماته ونقاطه وفواصله .


 
 توقيع : أحمد عدوان

حسابي على تويتر



رد مع اقتباس
قديم 05-15-2023, 10:31 AM   #15


الصورة الرمزية هادي علي مدخلي
هادي علي مدخلي متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : اليوم (04:47 AM)
 المشاركات : 163,360 [ + ]
 التقييم :  1000288
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة



الكبار يأتون بكامل الأناقة
وكم حظُ المدائن بك عظيم
بزوغ فجر الرواية
على يديك في المدائن
سأكون من المتابعين
لكل أطرافُ الرواية
وسيكون لي تعقيب
يليق بك أخي الحبيب
أحمد أبن عدوان


 
 توقيع : هادي علي مدخلي











رد مع اقتباس
قديم 05-15-2023, 10:43 AM   #16


الصورة الرمزية أحمد عدوان
أحمد عدوان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 99
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : 03-17-2024 (01:45 PM)
 المشاركات : 15,145 [ + ]
 التقييم :  36645
 SMS ~

لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة






صباحا بالدوام ، كان زياد يبدو متعبا ، كأنه لم يتم ليلته ، أحس سالم أن خطبًا ما يمر به زياد ، ولكنه حينما استفسر منه عن الأمر ، أخبره أنه مجرد أرق عابر أخذ أكثر من نصف ليلته .
بعد الظهر ، كعادته توجه سالم إلى والدته ، وكانت قد سبقته خلود وزوجها ، يبدو أن موعد خروجها قد اقترب ، الطبيبة أخبرته يومها أنها بالغد ستكتب لها إذن خروج ، وجلست مع سالم مطولا ، كانت تحدثه عن مواعيد الدواء ، عن النظام الغذائي ، والأهم أن تبتعد عن الإجهاد الكبير ، عن المشاكل وكل ما يرفع ضغطها ، وختمت حديثها : "أهم شي يا سالم ، لازم تسمع كلامها بكل شي" ، سألها سالم : هذا جزء من العلاج ؟ ـ
ــ ايه ، العلاج كله أنك ما تزعلها .
ــ إن شاء الله . المهم ترضى .
أخبرته أنها بالغد ستكتب له وصفة الدواء صالحة لمدة ثلاثة أشهر ، وأن يعاود بعدها لإجراء تحاليل جديدة ، ووصفة أخرى . وكان سالم يحدق بها ، كانت تبدو جميلة جدا ، متأنقة أكثر من أي يوم آخر ، حتى رائحة العطر تنبعث منها بقوة .
بالغد حضر سالم وزياد ومعتز ، وكذا خلود ، لمرافقة الحجة زينب إلى بيتها بعد غياب دام أسبوعين كاملين ،كان سالم خلالهما كاليتيم الذي فقد كل سند ، كانت شهرزاد في وداعها ، الغريب أنها بالممر ، المؤدي إلى المصعد ، لحقت بهم الطبيبة من أجل تقبيل الحجة زينب ، وناولت سالم وصفة الدواء ،
طوال الطريق كانت الحجة زينب تشيد بشهرزاد ، وكان سالم يبتسم ، ويحاول ألا يدع أحدا يلحظ ابتسامته تلك ، لأنه بدأ يدرك يقينا ما ترمي إليه والدته ، ولكن ما المانع ؟ شهرزاد جميلة جدا ، ومناسبة تماما ، مثقفة ، وتميل للأدب ، وذات مركز مرموق . طيب وما أدراك أنت أنّ قلبها فاضي ؟
انتهى حواره الداخلي مع وصولهما إلى البيت ، نزل الجميع وجهّزت لهم خلود قهوة وعصير وبقلاوة ،
رنَ هاتف زياد ، فجأة وقف من مكانه ، يبدو أن زهراء على وشك الولادة ، انطلق رفقة سالم مجددا إلى البيت ثم المستشفى ، نحو قسم الأمومة ، لم يطل انتظارهما ، نصف ساعة لا غير ، وحلّت بلقيس ضيفة عزيزة على قلبه وقلب والدته ، كانت فرحتهما تلك تعويضا مناسبا عن ذلك الفقد الذي حلّ بهما قبل ستة أشهر ، حضر جميع أفراد أسرة زهراء ، والدتها ووالدها ، أخواتها الثلاث ، وأخوها الأصغر ، كان سالم يكيل التهاني لزياد وزوجته ، وفي قرارة نفسه يدعو الله أن يؤلّف بين قلبيهما وينزع ما بينهما من خلاف ومن همّ .
عاد سالم إلى والدته بعد يوم حافل ، كانت المغرب تماما ، وجد والدته تعدّ وجبة العشاء ، بادرها سالم ألا تتعب نفسها كثيرًا ، لكن الحجة لا تفوّت فرصة كهذه :
ــ لو كان جيت تخمم عليا لو كان تزوجت .
كتم سالم ضحكنه وقال لها :
ــ كاش ما عندك عروسة غير الي نعرفهم ؟
ــ ايه كاين ، شهرزاد .
كان سالم يستدرج أمه لتحكي له كل شيء .. ولكنها فتاة غريبة لا نعرف عنها شيء ، ولا نعرف أهلها ، ربما هي مخطوبة أو تنوي الزواج من شخص آخر ؟
ــ والو مكانش ، راني عارفة ، هي قالتلي ، وباينة بنت حلال .
صمت سالم بعد أن عرف ما كان يريده ، وقام بتغيير الموضوع : المغرب أذّن يا أمي ، رايح أصلي .
خرج سالم للجامع القريب ، صلّى وعاد إلى غرفته ، يفكر بكلام أمه ، بدأت شهرزاد تستحوذ على جزء من تفكيره ، مع أنه كان دائما يستبعد الفكرة من رأسه ، فتح صفحة الفيسبوك ، وكتب عليها :
" السّلام على الذين لا يتوقعون شيئا من أحد، الذين لا يفرطون في حسن ظنهم ولا سوئه، الذين لا يثقون ولا يتوجسون، السلام على الذين ظلوا دائما خارج السرب "
كتبت له شهرزاد : السلام على قلبك يا سالم ، أنت خارج السرب دائما .
أسعده ذلك الرّد كثيرًا ، جميلٌ أن تراه خارج السّرب، أن تراه مختلفا ، لحظتها كان صوت أمه يناديه للعشاء ، قبل العشاء كانت للحجة زينب تجربتها الأول مع حقنة الأنسولين ، الأمر بسيط جدا ، تأخذين القلم ، تُديرين إلى الرقم عشرة تنظفين مكان الحقن بهذا الكحول ثم تحقنين نفسك . نجحت التجربة الأولى وبدأت الحجة زينب تعتاد على الأمر .. في السهرة بعدما اطمأن سالم أن والدته قد نامت فتح حسابه ليرد على شهرزاد ، كانت متصلة ، كتب لها على نافذة المسنجر:
ــ السلام على قلبك أيضا . ،
ــ وعليك السلام .. طمني كيف الوالدة .
ــ الحمد لله بخير . نامت من شوي .
ــ لله الحمد والشكر ،
دقيقة وأرسلت له أغنية "أنا بستناك" لنجاة ، وقالت ، كنت أسمعها وأحببت أن أشاركها معك .
ــ جميلة جدا .. غناها الكثير هذه الأغنية.
ــ لكني أحبها بصوت نجاة .
بقي سالم مدة طويلة يتحدث معها حول الأغاني، ويتبادلانها إلى أن أخبرته أن دوامها صباحا ولابد أن تنام .
أخرج سالم دفتره الأسود وشرع يكتب :
" ماذا لو أنها فرصتك الأخيرة لتقول لي شيئا وأفلتَّها ؟ ، ماذا لو كان بمقدورك أن تُقيم روحي التي تتداعى وأدرتَ ظهرك لها ؟ ، ثمَّ ماذا لو أنّك أردت أن تفعلَ كلَّ ذلك ووجدتَ أن الحياة قد أخذت تلك الفرصة منك ومنحتها لغيرك ؟ " .. هل تكون شهرزاد هي صاحبة الفرصة التي أهدرتها لولا ؟
في الغد ، لم يحضر زياد إلى الدوام ، اتصل به سالم ، وعرف منه أن بلقيس ليست على ما يرام ، باتت ليلتها الأولى داخل الحضَّانة ، يقول أن لديها ضيق بالتنفس ، ويجب أن تبقى هناك ليومين أيضا ، بعد الزوال ، توجه الصديقان إلى المستشفى ، وبالصدفة لمح شهرزاد ، ذهب للسلام عليها ، واستفسرت عن سبب وجوده ، ولما علمت بالموضوع ، رافقتهما إلى قسم الأمومة واطلعت على حالة بلقيس، وأخبرتهما أن كل شيء سيكون على ما يرام ، ولا داعي للقلق . كان زياد متوجسا فوق الحدّ ، زهراء أيضا ، ليس سهلا عليهما ما مرّ بهما طيلة الفترة الماضية ، والآن هذه بلقيس لم تجتز أول ليلة لها كما يجب .
أسند سالم رأسه على وسادة ، وأفكار عديدة تتصارع برأسه ، يشعر الليلة أنه مشتت ، كأنه ببحر هائج ، ماضٍ يطارده ، ويخرج له في كل مرة من حيث لا يحتسب ، و حاضر ضاغط على أعصابه ، وعلى خياراته ، وعُمر ينفلت من بين يديه كلما مرَّ يوم جديد ، مستقبل في كنف الغيب ، لا يظهر منه ما يطمئن .
ذاكرته الآن تستقر بذلك اليوم الذي حمل به جواز سفره و تكاليف الرحلة وأعطاهما لزياد لكي يقوم بكل ما يلزم ، عشرة أيام فقط ، ويكون بقلب القاهرة ،ليرى حبَّه الموعود ، لقد تدبّر سالم أمر والدته ، خلود ومعتز ، سوف يقيمان معها طيلة تلك الأيام ، هو يعلم جيدا أن والدته لا تحب أن تترك بيتها ، لقد اتفق معهما على ذلك ، وأخبر والدته برحلته تلك ، وطلب منها أن تجزل له من دعواتها . وقتها ، زهراء ذهبت إلى بيت أهلها ، كانت حاملا في شهرها السابع .
في اليوم الموعود حمل حقيبته الصغيرة ، واتصل بزياد ، قبّل جبين والدته ، وانطلق ، كانت الحافلة تنتظرهما ، بعد ساعات سيكونان بالجزائر العاصمة ، ومع الظهر ستنطلق الطائرة إلى القاهرة ، كان إحساسه لحظتها عجيبا ، لا يمكن وصفه ، كمن يتجه للقاء قدره ، كمن ينتظر نتيجة اختبار يتوقف عليه مصيره كاملا ، كمن ينبثق من رحم حياة ويدخل أخرى ، حينما ارتفعت الطائرة ، ألقى نظرة على مدينة الجزائر وكأنه يودّعها بلا رجعة ،كانت السماء صافية تماما ، والرؤية واضحة تماما .. كما بذهنه ، كان متيقنا مما يريده، ومما سيفعله. أربع ساعات أو أقل بقليل ، كانت مدة الرحلة ، ها هي القاهرة وذي أنوراها تملأ المدى ، كان الساعة قد تجاوزت الثامنة حينما خرج الجميع إلى الفندق . "يا الله .. أنا ولؤلؤة تضمنا مدينة واحدة لأول مرة ، " كان حدثا لا يمكن لذاكرته أن تتجاوزه ، تلك الذاكرة التي يمتلكها دائما تنحاز إلى لولا ، هي حبّ الذاكرة بلا ريب .
فجأة قفز سالم من قارب ذاكرته تلك، وأسرع إلى غرفة والدته، كان الضوء الخافت مشتعلا، أطل عليها، فوجد أنها مستغرقة بنوم عميق، عاد مجددا إلى غرفته ، فتح حسابه على تويتر وكتب عبارة لمحمود درويش : "هل بوسعي أن أختار أحلامي ، لئلا أحلم بما لا يتحقق"
ليتنا نستطيع أن نفعل، ربما كنا مددنا لحاف أحلامنا على قدر أرجلنا لا أكثر لئلا نتعثر ونقع .

**
يومان فقط وغادرت زهراء إلى بيت أهلها ، ومعها طير صغير من الجنة ،، تلك الطفلة جاءت بوقتها تماما ، كي تزيح من على كاهل زهراء ذلك الحزن الكبير ، كان زياد يزورها هناك كل يوم ، بعد أن تنتهي مواعيد عمله . وكان سالم لا يتوقف عن السؤال عنهم ،
يوما بعد يوم ، توطدت علاقة سلام بشهرزاد ، كانت المسافة بينهما تضيق ، وكان سالم يشعر بأنها تتسلل نحو قلبه ، تتسلل رغم أنّ عشقه القديم مازال راسخا بذلك القلب ، وذاك ما كان يفكر به على الدوام ، هل يمكن لقلب واحد أن يسع حُبّين ؟ ربما ليس حبًّا ؟ أنا فقط أحتاج من يملأ هذا الفراغ الذي خلّفته لولا. هو لا يجرؤ أن يقول أنه محتاج لمن يصلح هذا الخراب الذي خلّفته لولا بقلبه ، ظل ذاك الصراع ينمو ويكبر إلى أن ظهر بدفتره الأسود، حينما كتب ذات مساء :
"ما أشد حيرتي بينما أريد ، وما أستطيع" ذاك ما كتبه نجيب محفوظ في روايته حضرة المحترم ، وأنا الآن محتار بين ما أريد ، وما لا أستطيع ، ذلك المستحيل الذي أطارده ، وربما يطاردني ، صار يلتهم أيامي ، وينهش أعوامي ، ويحيلني ببطء إلى رجل مرهون بالكامل إلى قصة عشق أوصدت الحياة أبوابها جميعا ، وتركت منها بابا واحدا يتسلل إلى قلبه ، ذلك الباب الذي تسدّه لولا بكل ما أوتيت من دهشة. كما لو كنت مستعجلا ، وأقفلت أزرار قميصك وأنت نازلا على السلالم ، لتكتشف لاحقا أنك أخطأت بأول زر ، أو ينبهك أحدهم بمنتصف اللقاء للأمر ، تماما هكذا حينما تضطرك الحياة للاعتراف أن الخطأ كان استعجالك من البداية ، الأخطاء واردة ، حتى القلوب تخطئُ ، بل وكثيرًا ما تفعل ، وقد تخونها المشاعر ، ويُخلفها الحدس ، وأنا رجل مشنوقٌ من قلبه ، لكنه لم يمت ، بقي ينازع ، ويدعو من فعل ذلك أن يكمل المهمة "
بعد أسبوعين ، حضرت خلود لزيارة والدتها وأخيها ، كانت السعادة تتراقص بعينيها ، أخبرتهما أنها ستتوجه في الغد مع معتز إلى الجزائر ، لإجراء عملية تلقيح داخل الرحم ، الأمر بالنسبة لها مبعث فرح لا يوصف ، تمنى لها سالم النجاح ، وهو يقبّل نبراس حينا ، ويحادث شهرزاد حينا آخر ، أخبرها بتفاصيل حياته ، وبقصة أخته خلود ، كما حدّثته طويلا عن أهلها ، والدتها فطيمة التي تنحدر من وهران، ووالدها أحمد المتقاعد الذي كان يشتغل بمصفاة النفط بأرزيو ، أخوتها ، سيف الدين ، وكمال ، وشيماء آخر العنقود . حدّثته عن حياتها كلها ، عن دراستها ، .. وحتى عن قلبها الذي يتوق للحب الذي لم تعشه يومًا، تلك الجميلة التي بلغت من العمر ثمانية وعشرين عاما أقفلت قلبها تماما إلى أن أنهت دراستها وتوظفت وكما ينص قانون الخدمة المدنية فإنها كطبيبة ملزمة على العمل لسنوات في مناطق الجنوب والهضاب قبل أن تتمكن من العودة للعمل بمقر إقامتها . كان سالم قد بدأ يناديها شهرة، بدلا من شهرزاد، وهذا المتداول هنا ، أغلب الأسماء يتم تحويرها بما يناسب الدلال أو خفة النطق وسهولته ،


 
 توقيع : أحمد عدوان

حسابي على تويتر



رد مع اقتباس
قديم 05-17-2023, 12:20 PM   #17


الصورة الرمزية أحمد عدوان
أحمد عدوان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 99
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : 03-17-2024 (01:45 PM)
 المشاركات : 15,145 [ + ]
 التقييم :  36645
 SMS ~

لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة





شهرة الآن تقيم بإحدى السكنات الوظيفية التابعة للمستشفى مع ثلاث طبيبات أخريات ، تشتغل بمعدل خمسة أيام أسبوعيا ، ويتم استدعاؤها للحالات الطارئة خلال يومي الإجازة . يبدو أنها بدأت تتعلّق بسالم، وتراسله أكثر الوقت، تعلق على منشوراته ، وتحدثت معه هاتفيا لمرتين ، و مرة مع والدته . تحدثت معه كيف رفضت خطيبين من أبناء عمومتها رغم ضغوطات والدها ، قالت أنها لا تريد أن تدفن نفسها حيّة ، لقد قضيت كل عمري أدرس ، "لا أريد أن أتزوج دون حب" ،
ــ الحب وحده لا يكفي يا شهرة ، هكذا ردّ سالم .
ــ ومن قال لك أنه يأتي وحده ، نحن لا نحب إلا أشباهنا يا سالم ، دعك من الفقر والغنى ، دعك من المراكز والمواقع ، أتحدث عن شبيه لك بروحه وقلبه ، وطبائعه ، نظير لأحلامك وأمنياتك ، يرى الحياة كما تراها أنت ، توأم لك ، لا تدفعه المصلحة ، ولا تثنيه العقبات .
لحظتها كان شهرة تتحدث وسالم يُسقط تلك المواصفات على نفسه ، ويرى مدى نجاحه أو رسوبه في أي يكون حبيبا لها .. يا لقلبك يا سالم ، ذاك القلب الذي ظننته لا يسع غير لولا ، ها هو الآن ينشطر إلى قسمين ، تماما كما درس عن الانقسام الخلوي ، بأيام مراهقته ، شطر يحتفظ بلولا كاملا ، دون أن يمسها فيه نقصان أو نسيان ، وشطر آخر يوشك أن يضم شهرة بكل تفاصيلها ، وصوت ما بداخله يتعاظم ، ويقول له : " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" .. ولكن الرحمن الرحيم ما قال أنه ما جعل لرجل منا حبّين في قلبه .
كيف تغير سالم في ثلاثين يوما ؟ الآن يتحدث عن حبّين في قلب واحد ، وهو الذي أوقف ستة أعوام من عمره على حب لولا ، الآن فقط ، صار مؤمنا بالتعدد في الحب قبل الزواج ، صار يعتقد أن الرجل بإمكانه أن يعشق امرأتين بوقت واحد ، حتى قبل أن يتيقن من شعوره تجاه شهرة . صار في شرعه أن الجمع بين لولا وشهرة جائز حلال .
مرّ شهر كامل على ولادة زهراء ، ولازال زياد وحيدا ، زهراء لم تعد بعد ، "هي ترفض العودة ، وتختلق الأعذار الواهية يا سالم" ، كان زياد يتحدث بحسرة وألم مع سالم ، "يبدو أن ذلك الحب انطفأ بقلبها" وكان سالم يخفف من وطأة الأحكام التي يصدرها صاحبه على زوجته .. لقد أصبحت عصبية جدا ، بل وإنها في إحدى لحظات الغضب قد طلبت الطلاق .
ــ هي تحبّك يا زياد لا تنس ذلك ، اصبر عليها قليلا ، النساء لا يمكن فهمهن يا صاحبي ، يريدون الشيء ونقيضه ، يطلبن الطلاق وفي أعماقهن يريدون أن يلمسوا تمسك الرجل ورفضه وإصراره على البقاء .
يستغرب لسالم ، كيف لقصص الحب التي تحيط به أن تتعثر ، وكيف للارتباط الذي نشأ دون حب أن يعمّر وينجح ، حبه مع لولا أخفق قبل ارتباطهما ، وهاهي منذ أربعة أعوام أو يزيد تتزوج دون حب وتنجح بذلك ، زياد وزهراء على وشك التعثّر رغم ذلك الحب بينهما ، خلود ومعتز ينجحان ويجتازان الصعوبات رغم أنها زواجهما كان دون حب .
هل قدر قصص الحب أن تكون جميلة وناجحة ووردية فقط قبل الارتباط ؟ وكيف لارتباط نشأ من زواج تقليدي أن يغلب الظروف وتطول أيامه ؟
مساء أحضر سالم دفتره وشرع يكتب :
المفزع يا حبيبتي ليس الموت ، بل أن نموت بالتقسيط ، أن تموت ابتسامتك أولا ، أن يموت شغفك بالحياة ، أن تموت أحلامك وتموت أمانيك ، أن يموت فرحك ، وقلبك ، ثم تظل حيّا تكابد العيش، مرغما على ذلك ، الموت كثيرٌ يا لولا ، الغياب موتٌ صغير ، والخذلان موتٌ صغير ، والفقد موتٌ صغير والخيبة موتٌ صغير ، وقد يجتمع كل هؤلاء بصدر رجل واحد .
يشهد الله أني سلكت كل الدروب إليك ووجدتها مقطوعة بالجفاء ، يشهد الله أني قعدت على ناصية الطريق وانتظرتك حتى آخر الصبر وما أتيت . يبدو أنك لن تفهم أبدا ماذا يعنيه أن أحبك كل هذا الحب ، وأن تكافئني بكل هذا الخذلان ، ذاك وجع أبعده الله عنك بفضله .. وأوقعه بي بحكمته .
**
(لا
لستُ أسألُك البقاءْ
كلُّ الحكايةِ أنَّنا
سنُعيدُ ترتيبَ الحكايةِ مرةً أخرى
ونبتكرُ النهاياتِ الشجاعةَ مثلَ أي محاربَيْن
نختارُ موتاً لائقاً بنجاتِنا
حين انتصرنا ذات بيَنْ
بعضُ الهزائم طعمُها كالنصرِ فارحلْ
ربما سنكونُ أنبلَ خاسرَيْن
الموتُ يحدثُ مرةً في عمرنا
لا مرّتين )
قرأ سالم تغريدة روضة الحاج بشغف كبير ،. فوجد نفسه يكتب : "تعالي يا لولا ، نختار موتا لائقا لقصّتنا "

**
الحجة زينب ، كانت استعادت عافيتها كاملة ، وكانت ملتزمة تماما بنصائح الطبيبة وتعليماتها وبمواقيت الدواء . فتحت غرفة سالم ، كان لا يزال على السرير ، والساعة تجاوزت التاسعة ،
جلست على طرف السرير وأيقظته : قوم يا ابني ، زياد برا .
سالم نسي الموعد بينهما ، كان اتفاقهما أن يخرجا للشواء في الغابة التي لا تبعد عن المدينة سوى بخمسة كيلومترات .. أعد سالم كل احتياجاته ، كبريت وماء وملح وحصير وسكين ،ومشبك حديدي مخصص للشواء ، وصحن كبير ، كل شيء جاهز ، بقي اللحم والعصائر والخبز والفواكه ، كل هذا سيأخذانه من السوق . زياد عرض على الحجة زينب أن تذهب معهما ، لكنها قالت له : "روحو أنتم ، الله يوفقكم " ، كان يوما مميزا ، سالم تكفل بجمع الحطب والأغصان اليابسة والقش ، وزياد خبير الشواء ، والتتبيل ، بعد الغداء ، جلس الاثنان يرتشفان عصيرا على مهل ، وفجأة سألم سأل :
ــ قل لي يا زياد ، هل يمكن للقلب أن يعشق أكثر من امرأة ؟
ــ لا أدري ، ولكن إباحة التعدّد ، توحي بذلك ، هل يتزوج الرجل ثانية وثالثة ورابعة دون حب مثلا ؟
ــ صدقت، حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب كل زوجاته أكيد ليس بنفس القدر ، فلا عدل في الحب .
ــ قل لي يا سالم ، هل تفكر جديّا بشهرزاد ؟
ــ آآآه يا زياد .. ذاك ما يؤرقني حاليا ، إنها تتسلل من باب خلفي بقلبي ، لا أدري من أي فجوة بدأت تدخل وتنمو وتتبرعم ، برفق دون جلبة ، ودون بهرجة ، كل يوم تكسب مساحة أكبر ، تعلقت بها ، وأظنها كذلك ، ولا أدري ، أهكذا يكون الحب في بداياته ، أم أنها مجرد نزوة عابرة .
ــ لا تستعجل ، دع مشاعرك تجاهها تنضج ، لا تقفل بابك ، ولا تندفع ، كن متوازنا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .
قبل أن يكتمل الحوار ، كان هاتف سالم يرن ، نظر سالم مستغربا ، عمي صالح ، ليس من عادته أن يكلمني إلا لأمر مهم .
ــ ألو ، مرحبا عمي صالح ، هذي غيبة . كيف أحوالكم ؟
تواصلت المكالمة : نعم ، نعم ، إن شاء الله ، تبقى على خير .
ــ كان عمي ، يريدني الليلة في بيته ، لأمر لا أعلم ما يكون .

بعد صلاة العشاء، توجه سالم نحو بيت عمه صالح، الذي كان بانتظاره، ووجد عمّه حمزة هناك،
ــ سالم، أرض جدّك التي تعرف، لقد قررنا بيعها،
ــ تعرفون رأيي، أنا طالبت بهذا منذ زمن.
ــ المهم الآن ثمنها ارتفع كثيرا ، خصوصا بعد شق طريق بجانبها ،
ــ على بركة الله، ما عندي اعتراض
ــ الحقيقة لقد حصلنا على عرض مناسب من إحدى الشركات الخاصة : 2.5 مليار سنتيم .
فتح سالم فمه مندهشا .. هذا مبلغ ضخم جدا : قلت 2.5 مليار ؟
ـ نعم ، لا تنس أن الأرض مساحتها 75 هكتارا .
ــ من الغد سنباشر الإجراءات يا سالم ، المهم أنت وأختك ووالدتك تبصمون على العقود فيما بعد وتستلمون نصيبكم كاملا .
افترق الجميع على هذا ، وخرج سالم غير مصدق لما سمع .
عاد سالم إلى والدته وحكي لها الموضوع ، قالت :
ــ الحمد لله الذي وهبنا من فضله . والدك يا سالم، كان يحب هذه الأرض .
ــ الآن يا أمي نحن لا نستفيد منها بأي شيء، وأخشى أن يموت أحد أعمامي وتحصل مشاكل في تقسيمها نحن في غنى عنها.
ــ الله يقدر الخير ويرضينا به .
أبلغ سالم أخته أيضا ، فقالت له الرأي رأيك يا سالم .. أنا لا دخل لي بهذه الأمور .

،،

حينما اختلى سالم بنفسه ، وفتح هاتفه ، وكانت شهرة تنتظره ،
ــ سالم أنت غائب اليوم، أريد تقريرا مفصلا عن يومك .
ابتسم سالم ، وأخبرها بكل ما حدث .قالت له :
ــ ربي يباركلك في رزقك ويهنيك .
ثم قالت : سالم ، منذ أيام لم تكتب أي شيء على صفحتك ، لماذا أنت بخيل هكذا ؟
ـــ طيب ، سأكتب الآن ،
" أنا أقولُ صديقتِي ، وأعني بها حبيبتي ، وأنتِ تفهمينها على النحوِّ الذي أشتهي ، لكنَّنا نتبادلُ الجحود بكاملِ النكران "
كتب عبارته تلك وألقاها على شكل لغم بوجه شهرة ، ابتسمت ، وقالت له : يبدو أنّك تحب .
أجابها سالم :
ــ قد يكون ذلك ، وما المانع أن نحب ،
ــ لا مانع يا صديق ، الحب خطوة أولى في مسيرة ألف ميل .
ــ لا طاقة لقلبي بألف ميل يا شهرة ، بمجرد أن أحب سأقيم حفل الزفاف .
ــ الألف ميل إذن ستكون بعد الزواج .
مرّ أسبوعان آخران ، لازالت زهراء ترفض العودة إلى زياد ، بل وتزداد تصميما على ذلك ، هي تحمّله مسؤولية موت وليد ، لكن لماذا انتظرت كل هذا حتى تطلب الطلاق يا زياد ؟
ــ لا أعلم ـ، ذهني متوفق عن الاستيعاب ، والتفكير .
ــ وماذا تنوي أن تفعل ؟
ــ سأنفذ لها رغبتها ، لا طاقة لي بتحمل حياة كهذه .
كان حديثا في بيت سالم ، ذات مساء ، وهما يرتشفان القهوة ، وبتلك اللحظة اتصلت خلود ، كانت تبشّر سالم وأمها بحملها الثاني ، وانهمرت التهاني من الجميع ، كانت لحظة سعادة طرقت باب القلب دون سابق موعد .
مساء دخل سالم لمحادثة شهرة ، بعد فترة وجيزة قال لها :
ــ شهرة ، أريدك بموضوع مهم .
ــ اوك . تحدث يا سالم .
ــ لا .. الموضوع يحتاج مقابلة وجها لوجه .
ــ ممم ،غدا بالوقت المخصص للزيارات يمكنك أن تجدني بمكتبي .
ــ إلى الغد إذن .


 
 توقيع : أحمد عدوان

حسابي على تويتر


التعديل الأخير تم بواسطة أحمد عدوان ; 05-17-2023 الساعة 12:23 PM

رد مع اقتباس
قديم 05-21-2023, 11:26 AM   #18


الصورة الرمزية أحمد عدوان
أحمد عدوان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 99
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : 03-17-2024 (01:45 PM)
 المشاركات : 15,145 [ + ]
 التقييم :  36645
 SMS ~

لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة






الفصل الثالث








القاهرة
23 ديسمبر 2014

كانت ليلة حافلة بالأحلام ، تلك التي قضاها سالم تحت سماء القاهرة ، ليلة ينظر فيها من شرفة غرفته مع زياد بفندق الماسة، فيرى تلك المدينة الساحرة التي لا تنام ، صباحا ، خرج سالم بمفرده ، الساعة تشير إلى الثامنة تماما ، كان يريد أن يستطلع المكان ، ميدان التحرير كان قريبا جدا ، مع أنه مغلق ، سار مع شارع طلعت حرب ، ثم قابلته الجامعة الأمريكية ، كل تلك الأسماء كانت تحفل بها نشرات الأخبار ، والأفلام ، وليست غريبة على سمعه ، ثم مجمع التحرير ، ثم انعطف مع شارع عبد القادر حمزة فمسجد عمر مكرم ،كانت الحياة صاخبة جدا بتلك المنطقة المكتظة بالبشر ، " لؤلؤة تعرف كلّ هذه الأماكن ، لقد مرّت من هنا عشرات المرات ،وربما كل يوم تسلك هذه الطرقات المليئة بالمركبات ، كان الوقت يمر سريعا ، وكان سالم قد اقترب من كورنيش النيل، لحظتها أوقف تاكسي ، وطلب منه بلهجة مصرية أن يأخذه إلى المقطم ، تطلّب الأمر أكثر من نصف ساعة ، كان الزحام خانقا ، يُخيّل له أن لن يستطيع العيش بمدينة مثل القاهرة من فرط هذا المدّ البشري الهائل ، ، حينما وصل إلى المقطم ، نزل بشارع 9 ، تماما كما خطط لذلك ، وكما طلب من سائق التاكسي ، حبيبته بلا شك تسلك هذا الطريق كل يوم ، سار قليلا وبدأ يسأل عن بنك فيصل ، إلى أن وصل هناك ، مكتب الدراسات الذي تشتغل به لولا ، يقع على بعد 100 متر من هذا البنك ، ليس أكثر من ربع ساعة ووصل سالم إلى المبنى المقصود ،، أول ما كان يريد رؤيته ، هو سيارتها التي كانت مركونة رفقة خمسين سيارة أخرى أو يزيد . بالجهة المقابلة ، كافيتيريا ، جلس سالم ، يشرب فنجان قهوة ، منتظرًا نهاية الدوام ، الساعة الثانية تماما ، بدأت السيارات تتحرك من موضعها مغادرة المكان، أسرع سالم نحو سيارة لولا ، ووقف عندها تماما ، الجو كان معتدلا تماما على عكس ما تركه بالجزائر ، حيث البرودة والمطر ، مرت دقائق كان قلب سالم يخفق فيها بشدة ، أغلب السيارات كانت قد غادرت ، حتى ظهرت فتاة محجبة تغطي رأسها بخمار بني اللون ، وتحته يظهر بنطلون من الجينز الأسود ، تقدمت بخطوات مسرعة نحو السيارة ، كان قلب سالم يوشك أن يخرج من بين ضلعين وينطلق قبل أن تصل ، حينما وصلت ، نظرت إليه ، ثم انتزعت نظارتها السوداء وأعادت النظر مجددا : إنت مين ؟ ابتسم سالم وقال .. حسبتك تعرفيني من أول نظرة .. فبادرته : سالم ؟
ــ أيوا أنا سالم ، بقيت مندهشة غير مصدقة ، دقيقة مرّت وهي لا تنطق بكلمة ، كانت وكأنها عمر كامل للأحلام والأمنيات ، والشوق واللهفة والشغف وكل الأشياء التي تتحقّق بغفلة من الحزن .
ــ انت فعلا سالم؟
ــ والله أنا سالم ، ووصلت امبارح بس من الجزائر .
مدّت يدها لمصافحته ، كان سالم يشعر وكأنه يلمس سعادته، وليس فقط كفّ لولا ، كان يستشعر دقات قلبها من يدها ، وكانت دقات قلبه تجعل يده ترتعش ، مصافحة لم تخطر على باله حتى بتلك الأحلام التي أودعها في عهدة دعاء في آخر ركعاته بصلاة العشاء . لحظتها اكتشف ألا أجمل من عيني لولا ، ولا أغزر منهما فرحا ، وحزنا ، وكان يستغرب كيف يجتمع فرح وحزن إلى أن رآها .
ـــ ممكن أقلك وحشتني أوي أوي أوي
ــ هذا زمن القول يا لولا .. قولي زي ما انت عاوزة .
ــ طب اطلع الأول .
ركب سالم مع لولا سيارتها ،
ــ يا مجنون ،، انت ازاي جيت هنا ؟
ــ جئت عشانك ،
ــ طبعا انت لسه ماتغديتش .
ــ أيوا .
ــ أنا هغديك بمكان ولا ممكن تتخيله ، ولا حتى تنساه .
ــ المهم اننا نكون سوا .
لحظتها بدأت لولا بتشغيل الأغاني ، بقيت تبحث وتغير حتى وجدت أغنية وحشتني لسعاد محمد ، فأطلقت لها العنان ، كان سالم لا يتوقف عن النظر لتلك الحبيبة التي جاء لأجلها . ولولا كانت تختلس النظر ، رغم الزحام المروري الكبير ، استغرق الأمر أربعين دقيقة أو أكثر إلى أن ركنت لولا سيارتها وقالت لسالم : احنا وصلنا .
نزل سالم وقال لها : هذا برج القاهرة .
ــ ضحكت لولا وقال : انت مزاكر كويس ، احنا حنطلع أعلى البرج ونتغدى هناك .
كان يبدو أن لولا تعرف المكان جيدا ، لم يستغرق الأمر إلا دقائق قليلا حتى وجدنا أنفسنا بمطعم خيالي دوّار ، منه يمكن أن ترى كلّ القاهرة بتفاصيلها وقفت لولا تصف لسالم معالم القاهرة :
هذه الأهرامات، وهذا مبنى التلفزيون، وذاك أبو الهول، وذاك النيل، أما هذه فهي قلعة صلاح الدين ، ومن هناك يظهر الأزهر ،
قال سالم : وهذه لؤلؤة ، أنت كمان أحد معالم القاهرة بالنسبالي ،
ضحكت لؤلؤة طويلا وطلبت غداء فاخرا . أكل سالم حتى شبع ، ولكن شغفه بلولا لا ينتهي ، كانت الساعة تجاوزت الرابعة مساء ، أخبرته أنها يجب أن تغادر ، و أنها بالغد ستكون معه صباحا ..
ــ المهم انت نازل فين .؟
ــ فندق الماسة ، قريب من ميدان التحرير .
ــ طيب ، لا تتحرك من هناك حتى أمر عليك عند الثامنة .
أخذته لولا إلى الفندق و غادرت ، كان لحظات لا تزال مطبوعة بالذاكرة ،أن تلتقي شخصا أحببته بتلك الطريقة ، وتجده كما تخيلت ، أمر مفرط بتلك المشاعر الجميلة التي لا تتكرر أبدا ، وكأنك تنقل ذلك الحلم من أروقة الخيال إلى شوارع القاهرة وفنادقها وأبراجها .
كان الفوج السياحي المرافق له ، لم يعد بعد من جولته ، استلقى على سريرة بالغرفة ، ولم يشعر إلا بزياد يوقظه لتناول العشاء بمطعم الفندق . صلى المغرب ، ونزل ، كان زياد يحجز له كرسيا بجانبه .
ــ كيف كان يومك ؟
ــ سأحكي لك فيما بعد .
في السهرة جلس سالم وزياد وقصّ على صديقه كل ما وقع بتفاصيله الصغيرة ، كان يتحدث عن لولا بشغف لا مثيل له ، رقتها ، وجمالها ، وحبّها الذي كان سالم يستشعره حتى عندما كان بينهما ألف ميل وأكثر ، أما الآن وكفّه بكفّها ، فكان الحب يتسرب من قلب لقلب ومن روح نحو روح دون مسافات ولا حواجز . استغرق سالم ساعة وهو يتحدث ، وزياد ينظر لصاحبه ، وكأنه شخص آخر تماما ، ــ سبحان الله ، أنت الآن سالم المصري . قلي علاش تحكي معايا بالمصري ؟
ضحك سالم طويلا ، وقال : والله ماني عارف .

،،

الجلفة
17 يناير 2019
صباحا استيقظ سالم ، كانت لا تزال بضع ساعات على موعده مع شهرزاد ، استحم جيدا ، ولبس أفضل ما لديه ، تناول الغداء رفقة والدته ، حمل هاتفه وانطلق إلى المستشفى ، دخل وصعد إلى الطابق الثاني ، كان يعرف طريقه جيدا ، دقّ بابها ، ودخل ، كان يمسك هاتفه بيده ، سلم على شهرة واطمأن عليها ، وبادرته بالسؤال عن الحجة زينب ومعدلات السكر لديها ، فجأة تنبيه المسنجر ينطلق من هاتفها على المكتب ، أمسكته ونظرت إليه ، كانت رسالة من سالم الجالس أمامها بكلمة واحدة لا أكثر : "أحبّك"
احمرّ وجه شهرزاد خجلا ، وبدا عليها الارتباك والدهشة ، ثم قالت له :
ــ هذا الموضوع لي جيت على جالو؟
ــ نعم ، هذا هو
ــ وعلى المسنجر ؟ كان ممكن توفر على نفسك هذا المشوار .
ــ أردت أن أرى تفاصيل وجهك ، لمعة عيونك ، ردة فعلك ، التفاصيل يا شهرة هي الأهم .
ــ وأنا كأنني لم أقرأ . علاش جيت يا سالم ، قلي الموضوع المهم .
ــ " نبغيك "
ــ وماذا بعد يا سالم ؟
ــ أحبك ..
ــ وماذا بعد الحب ؟
ــ الحب يا شهرة ، بعده الحزن ، لا تسألي عما بعده ، لأنه إن دخل قلب سالم ، فلن يفارق ، أنا أعرض عليك حبُّا وارتباطا ، إن كان بقلبك مثل ما بقلبي .
ــ بتلك اللحظة كانت شهرة تنظر لهاتفها، يبدو أنها كتبت له شيئا :
" وأنا أحبك أيضا "
كان جوابا كافيا لسالم ، ابتسم ، لأنها تحبه ، ولأنها تتطبع بطباعه ، وتفعل مثله ، حتى بالتفاصيل الصغيرة ،
سالم قال لها .. وكأنني لم أقرأ شيئا .. ما هو ردك يا شهرة ؟
ــ تريد إحراجي يا سالم .. لن أقول لك شيئا ..
كان الوقت قد سرقهما ، وكان أكثر من شخص ينتظر بالباب للدخول عند الطبيبة .

غادر سالم وسعادة غامرة تملؤه ، اتجه إلى الحجة زينب ، جلس معها بعد العصر ، وبينهما برّاد القهوة ، وقال لها :
ــ يبدو أن الله قد استجاب لدعواتك .
ــ خير يا ابني بشّرني .
ــ قريبا ستسمعين خبرا سعيدا .. نويت أتزوج .
ــ زغردت الحجة زينب من فرحتها ، وسالم يضحك ، يا أمي مش كيما هاك ، سيأتي الجيران للسؤال .. قلت لك أنا أفكر بالموضوع فقط، عندما توافق شهرة .
ــ شهرة الطبيبة ؟
ــ نعم ، الطبيبة ، عرضت عليها الموضوع .
ــ الله يجعلها من نصيبك يا ابني .
سعادة الحجة زينب كانت أضعاف ما كان يحس به سالم ، كانت تريد أن يمتلأ عليها البيت بأطفال سالم ، وكان سالم يرفض مطلقا الموضوع ، حتى تجاوز من العمر ست وثلاثين عاما ، والآن يلين عناده ، ويقترب رويدا من تحقيق حلم والدته .


 
 توقيع : أحمد عدوان

حسابي على تويتر



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 03:28 PM

أقسام المنتدى

المدائن الدينية والاجتماعية | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | أرواح أنارت مدائن البوح | الصحة والجمال،وغراس الحياة | المدائن الأدبية | سحرُ المدائن | قبس من نور | المكتبة الأدبية ونبراس العلم | بوح الأرواح | المدائن العامة | مقهى المدائن | ظِلال وارفة | المدائن المضيئة | شغب ريشة وفكر منتج | المدائن الإدارية | حُلة العيد | أبواب المدائن ( نقطة تواصل ) | محطة للنسيان | ملتقى الإدارة | معا نحلق في فضاء الحرف | مدائن الكمبيوتر والجوال وتطوير المنتديات | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | قناديـلُ الحكايــــا | قـطـاف الـسـنابل | المدائن الرمضانية | المنافسات الرمضانية | نفحات رمضانية | "بقعة ضوء" | رسائل أدبية وثنائيات من نور | إليكم نسابق الوفاء.. | الديوان الشعبي | أحاسيس ممزوجة |



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
مجتمع ريلاكس
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas