قناديـلُ الحكايــــا يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح.. ( يمنع المنقول ) |
يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
فُتــــــــــــــون
فتـــــــون ــــــ حامد كبها ترعى وتعال نفطر . تحت شجرة معمرة من أشجار الوادي المتفرقة جلس كل من : ( حامد ) ، وابنة عمه ( فاطم ) يتناولان فطورهما . كانت تلك البرية في ذلك الصباح الجميل أشبه بجنة دنيوية بهية ، اكتست أرضها باخضرار العشب والنباتات البرية فارتدت بحسنها بردة مخملية حسناء ، الهواء اللطيف يوزع نفحات تلك النباتات عن طيب خاطر ويعطر بها أنفاس الفضاء ، مأمآت صغار الغنم وقفزاتها تملأ المحيط عفوية طبيعية ، ونسمات أبت إلا أن تشاغل فاطم بمداعبة خصلة تمردت على ذلك ( المِصَر ) الذي كانت تعصب به شعر رأسها . كان حامد يتابع تحركات تلك الخصلة ولا يستطيع تفسير مكنونات تحتدم في داخله ، بينما انشغلت فاطم بمتابعة اللقيمات التي تلامس شفتي ابن عمها ولا تدرك تلك القوى الخفية التي تدفعها لذلك ، رغم أنهما لم يتجاوزا الثاني عشر من العمر . ـــــ الله يا فاطم .. مدري لمه أحس الدنيا اليوم مختلفة ! ــــــ كيف يعنى ؟ ــــــ مدري .. لكني أحس إني مبسوط بالمرة . ـــــ بكرة تخلص الإجازة ونرجع المدارس يا حامد .. وننحرم من ذا كله . ــــــ لا تذكِّريني أرجوك . مرت الأيام وكبر الاثنان ، فازدادت فاطم جمالا فوق جمالها حتى غدت حورية من أجمل فتيات القرية ، وأمست حديث سكانها ، وأمنيات شبابها ، وأطلقت عليها أسرتها لقلب ( فتون ) ، وأما حامد فقد نما عوده وأصبح فتى جميل الوصف يشار إليه بالبنان ، وتتصارع حوله قلوب العذارى وآمالهن . أصبح الاثنان يلتقيان عبر الزيارات العائلية المتبادلة في فترات متقطعة ، يتشاركان المشاعر الصامتة ، ويسترقان النظر إلى بعضهما ، وتحت ظلال ذات الشجرة جلسا ذات نهار : ـــــ الله يا فتون .. أعني يافاطم .. شوفي الأيام كيف تمر بسرعة ! ـــــ صدقت يا نور عيني . ــــــ باقي شهرين يا قلبي ونخلِّص الثانوية . ـــــ أيوه .. ونفترق عن بعض . ــــــ لن يفرقنا إلا الموت . ــــــ كيف .. وأنت رايح تدرس الجامعة في مدينة بعيدة .. وأنا رايحة أجلس هنا وحيدة .. الموت أهون علي من هذا الفراق . ــــــ لهذي الدرجة تحبيني يا فتون ! ــــــ وأكثر .. وأكبر من هذي الدنيا وما فيها . تخرج حامد من الثانوية العامة والتحق بإحدى الجامعات في إحدى المدن الكبيرة خارج المنطقة ، ومرت الأيام على فتون كالجحيم ، وتقدم لها الكثير من شباب القرية لكنها رفضت الكل من أجل عيون حامد ، ولم تنقطع الرسائل بينهما حتى تخرج من الجامعة . يوم وصول حامد حاملا معه الشهادة الجامعية كان عيدا متفردا في حياة فتون ، كانت تنظر إلى الدنيا بعيون الحب ، وبشائر الأنس ، ونفحات الأمل ، وأحلام الحاضر ، وأمنيات المستقبل ، تمنت أن تتوج هذه الفرحة الكبرى بتقدم حامد لخطبتها ، صُدمت عفويتها بلهجة ابن عمها الجديدة ، كانت المسكينة نهرا متدفقا من الأحاسيس الجياشة ، وكان هو طوفانا من الفلسفة التي لم تألفها منه ، يتحدث عن الدراسات العليا ، عن المناصب المرموقة ، عن العالم الخارجي والدول المتحضِّرة ، عن الانفتاح ، ثم قرر حامد تسديد طعنة قاتلة إلى قلبها بتأجيل كل شيء في حياته ، ومواصلة دراساته العليا خارج الوطن ، بينما قررت فتون مواصلة تضحياتها ، والصبر على الفراق مرة أخرى ، والانتظار على رمضاء ساخنة . كان يوم وصول حامد ـــــ هذه المرة ـــــ وهو يحمل الماجستير ملحمة مختلفة الأبعاد من الأمل والابتهاج العارم في صدرها ، دفعاها لحمل أهلها على مرافقتها لاستقباله في مطار المدينة ، ومن بوابة صالة القدوم ظهر حامد في أبهى تجلياته وهو يتأبط فتاة أجنبية من ذوات الشعر الأشقر . *** الغيث حصري لمدائن البوح للمزيد من مواضيعي
آخر تعديل الغيث يوم
07-11-2021 في 12:16 AM.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|