الجرب كان في ضيافتي

الجرب كان في ضيافتي

بعد أن اطمأننتُ بأنه لم يصبنا أذى من تلك الأعراض التي داهمت مجموعة الدجاج التي ذكرتها في المقال السابق ، عاودتني الهواية والإدمان مرة أخرى ، لكن في هذه المرة كانت تربية الأغنام مرة أخرى ، والمشكلة في تجدد تلك الهوايات ـــــ في كل مرة ـــــ هو ذهابي المتكرر إلى ثلوث ( صبيا ) وربوع ( أبو عريش ) ، وهناك يغريني منظر الأغنام وأشكالها الجميلة على العودة إلى ممارسة هذه الهواية .
في إحدى الصباحات الجميلة من صيف عام 1428ه ذهبتُ إلى سوق ( صبيا ) الشعبي ، وبعد أن تجولت خلاله توقفتُ عند حلقة بيع الأغنام ، أغراني منظرها الجميل وأشكالها البديعة فاشتريتُ ( عنزتين ) وتيسا وعدتُ بهم إلى منزلي ، ورغم الخلاف الذي وقع بيني وبين زوجتي ؛ لما سوف تسببه تلك الأغنام من انبعاث الروائح الكريهة وانتشارها في فضاء المنزل ككل مرة ، وأنها قد لا تخلو من الأمراض التي ربما أصابتنا بعدوى قاتلة ، إلا أنني قللتُ من تلك المخاوف لاعتبار أن تلك الأغنام ستكون خلف المنزل وبعيدة عن أقسام المبنى .
مرت أيام من التربية والعناية بتلك الأغنام ، وأثناء ذلك بدأتُ ألاحظ على إحدى العنزتين أعراضا غريبة ، حيث بدأتْ تلك العنز بهرش جسدها من أسفل البطن وأسفل الرجلين الأماميتين ، حتى أتت على جميع الشعر المغطي لتلك المناطق ، هنا دق ناقوس الخطر لدي ، وتوقعتُ أنها تعاني من داء ربما يكون ( الجرب ) ، وفعلا ذهبتُ إلى الصيدلية البيطرية الواقعة على الخط النازل من أبي عريش إلى الظبية وقبل مفرق الخضراء الجنوبية في الجهة المقابلة للمفرق ، قابلتُ الصيدلي السوداني الذي كان يتصف بالتواضع والدعابة ، وعندما شرحتُ له الأمر وأخبرته عن توقعاتي ضحك وقال : (( يازول أنت دكتور بيطري )) وأكد لي توقعاتي بأنه الجرب بشحمه ولحمه ، وقال لي يجب أن تقوم بعلاج تلك العنز حتى لا تنتقل العدوى إلى البقية ، أو إلى أحد أفراد الأسرة لا سمح الله ، ثم ناولني زجاجة بنية اللون وبداخلها ( مضاد حيوي ) مع ثلاثين حُقنة ( سرنجة ) ، وعلمني كيف أقوم بتعبئة السرنجة بالمقدار المحدد ، وأغرزها في عضلات رقبة العنز ، وقال يجب أن يستمر هذا العلاج لمدة أسبوعين صباحا ومساء ، وأن لا تفوت أي سرنجة من الثلاثين لكي لا أضطر إلى إعادة الكورس مرة أخرى .
عدتُ إلى داري مهموما متوجسا من ذلك الجرب اللعين ، ودون أن يعلم أحد من الأسرة توكلتُ على الله وبدأتُ في مباشرة علاج تلك العنز كل يوم مرتين صباحا ومساء لمدة أسبوعين ، وما أن انتهت المدة حتى تماثلتْ تلك العنز للشفاء ، وعادت جميلة نظرة كما كانت عليه في بداية شرائي لها .
حملتُ تلك العنز مع رفيقتها وتيسهما وذهبتُ بهم إلى نفس السوق الذي اشتريتهم منه ، وما أن وصلتُ إلى السوق حتى شرعتُ في البحث عن ذلك البائع ، وعندما وجدته أخبرته بأنها لوثت المكان ، وأن الأغنام تحتاج إلى مكان ترابي وليس حوش المنزل ، ثم دفعتُ إليه بتلك الأغنام وأغريته بالسعر لاستردادها ، وفي كل مرة أكون أنا الخاسر ، وضاعت فلوسك يا الغيث .
***

للمزيد من مواضيعي