قناديـلُ الحكايــــا يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح.. ( يمنع المنقول ) |
يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قاتل يتألم / بقلمي
وشكت الشمس ان تغرب من احدى قرى العراق ..في يوم من أيام نيسان كل شيء هادئ في هذه القرية ،
بين آوانه وأخرى يسمع نباح كلب أو نهيق حمار أو صفير العسس وفي بعض الأحيان يصادف أن تجمع هذه الأصوات فتشكل ضوضاء هادئة في صميم الليل الساكن! في إحدى الازقة الضيقة حانة صغيرة يلتجئ إليها في الليالي الممطرة الباردة بعض الحوذية والحمالين ..وعلى نور المصباح الزيتي الأحمر كان جماعة من الصعاليك يلعبون القمار فكانت خيالاتهم وخيالات مقاعدهم تقع مكبرة على الحائط من جراء النور المرتعش .. دخل الحانة رجل متوسط القامة متدثر بعباءة سوداء فلم يثر دخوله أي اهتمام ، كان كهلا غير أن ملامح وجهه كانت تدل على انه أكبر سنا ، جلس الرجل في إحدى زوايا الحانة وطلب شايا فبانت عيناه الغائرتان في وجهه المغضن الأسمر .. اشعل الرجل لفافته وكان يرفعها إلى شفتيه بيده المرتعشة ويمتصها بشدة ثم ينظر الى الدخان وهو يتلاشى في فضاء الحانة.. دفعني الفضول ان أسأله بعد ان كنت اراقبه منذ دخوله لمعرفة أمرة ..فسألته وهو يجلس بجانبي " يظهر أنك غريب ياصاحبي وحزين أيضاً" فأجابني الرجل بعد أن القى اللفافة من فمه : "نعم إنني غريب وحزين أيضاً كما قلت؟" . قال ذلك ثم أتكأ على المقعد كأنه يستعد لسرد قصة ثم أستأنف كلامه بعد ما افرغ فمه من الدخان وتأوه : "قصتي طويلة وحياتي برمتها مأساة ، نعم قصة حياتي التي مر عليها الآن 25 سنة نغصت عيشتي بل سممتها تسميما فمنذ ذلك اليوم لم يزر الكرى عيني ولم أذق طعم الراحة بل بقيت معذباً تطاردني صور واشباح مخيمة أولدها فكري المضطرب المريض قال ذلك ثم توقف قليلا كأنه يتذكر الماضي ثم أستأنف كلامه بعد أن رأى انتباها كلياً مني : ولدت في قرية ريفية ونشأت هناك وكان لي أخوان وأخت، وكنا نعيش مع والدينا بسعة بالنسبة الى باقي الفلاحين سمعت يوما أخواي يتكلمان عن محاولة قتل أختي فتلصصت لأسمع الخبر ، وليتني لم اسمع .. فمنذ ذلك اليوم بدأت مأساتي نعم منذ ذلك اليوم جعلت الاشباح تطاردني " قال ذلك بشده وجعل يدير عينيه الدامعتين في المكان " سمعت أخي الأكبر يقول: لقد رآها جارنا جاسم تقبله ، ولا شك في ذلك فقد أصبحت قصة غرامها حديث أهل القرية ، فأجابه أخي الأوسط : سأقتلها الساعة فالموت وحده يكفينا شر الفضيحة ! قال ذلك وهم بالذهاب فسحبه أخي الأكبر من ملابسه قائلاً : أجلس لا تكن متهورا ، لقد فكرت في الامر مليا فرأيت أن نكمن لها عندما تكون ذاهبة لجلب الماء ثم نقتلها ونطرح جثتها في النهر .. ولما هم أخواي بالذهاب خرجت من مخبأي وجاهرت بمشاركتهم فلم يمانعا ... مرت الأيام وانا اتشوق الى اليوم الذي نقتل فيه اختنا كما فعل أحد رجال قرية قريبة منا منذ سنة. خرجنا من البيت أحد أيام الربيع وكانت الشمس تظهر بين آونه وأخرى من بين الغيوم المنتشرة في عرض السماء .. وكان النسيم يهب مشبعاً برائحة التراب التي أحدثها نزول قطرات المطر الكبيرة .. كان يومًا جميلًا يبعث النشاط في النفوس..فالنسيم البارد ورائحة الازهار والتراب والغيوم والشمس كل هذا ترك أثره في نفس، وكانت تسري فيَّ رعشة قوية يمازجها الخوف عندما كان الهواء يلامس جسمي شان كل أنسان عندما يقدم على أمر خطير ..مشينا قليلا ، وكانت العصافير تتطاير حولنا مذعوره والحشائش تتمايل لهبوب النسيم وقطرات المطر تلمع في الهواء وعلى المروج الخضراء في ضوء الشمس الدافئ.. كان أخي الأكبر كئيباً ولم ينبس ببنت شفة كل الطريق غير أنه كان لاينفك ينظر الى كل شيءكأنه كان يريد ان يخفف الحزن عن قلبه الحزين المنسحق الذي كان مسرحًا يتصارع فيه حبه لأخته وخوفه من الراي العام.. وكان الغضب باديا والقسوة متجسمة في عيني اخي الأوسط اللتين أنقلب بياضهما حماراً ، وكان يلتفت بين آن وأخر ويلقى حوله نظره جافة خاصة به.. " أتت !! قال احد اخوتي فانتبهت وجعل قلبي يدق بسرعة فائقة ، سمعت صوتا ضعيفا يأتي من بعيد وهو صوتها الشجي الحنون الذي كنت أرتاح لسماعة دائما ، هي تغنى احدى اغنية الحصاد التي هي كسائر الاغاني العربية محزنة ، امتلأ قلبي حزنا وشعرت وأنا أتنفس الهواء الذي جلب الي صوتها ،أن كل شيء حزين .. أختفينا بين الحشائش وعندما شعرنا باقترابها انقضضنا عليها ثلاثتنا كل يريد ان يبتدئ ، وقعت أختي على الأرض تتخبط وتخرج أصواتا كالشاة المذبوحة ولما رأتني ابتسمت بشجاعة وقالت "انت حسن أيضا ؟ هذه كانت كلماتها الأخيرة..؟! برزت الشمس من وراء الغيوم والقت اشعتها على الكون فارتسمت خيالاتنا من جديد على العشب ، وأهتزت الأشجار وأبتسم كل شيء ، حولت نظري فرأيت أختي منطرحة على الأرض لا روح فيها ، حينئذ بكيت ! رفعها أخي الأكبر ثم وقف على جرف النهر يريد رميها فلم يستطع وبقى هكذا قليلا ثم استجمع قواه وأرخى يديه فهوت .. ولا زِلتُ أذكرها وهي هابطة والدم يصبغ جثتها فوقفت هناك بعد أن ذهب اخوتي أرقب جثتها وهي تنحدر مع الماء الجاري ، صارت الجثة تغطس شيئاً فشيئاً فهرولت لأراها لآخر مرة ثم غطست بين أمواج النهر كان الهواء قد بدأ يداعب وجهها تاركًا دمًا طافيا فوق الماء.. كأنه بقى ليشهد على سافكيه . هرولت بعد ذلك الى البيت وأخبرت والديّ فبكيا على اختي التي رأيا جثتها طافية فوق الماء بعد أيام في مكان بعيد .. أما اخوتي فلم يعثر لهما على اثر فمنهم من قال سافروا ومنهم من قال انتحروا !! أما أنا فسجنت ستة اشهر وبعد ان خرجت من السجن وجدت ابي وامي قد لحقا أختي .. فسافرت وها أني قد رجعت بعد سفر 25 عاما ، ولكن مشاهد المأساة لاتزال تلاحقني فاذا أختليت ظهرت امامي بقعة الدم الطافية وخرج منها وجه أختي ضاحكا مستهزئا مذعورا.. 25 سنة ما انفكت الاشباح تطاردني فيها وتتراءى لي في يقظتي ومنامي .. ولكم رأيت في أحلامي أنني نائم الى جنب جثة أختي فأهب من نومي مذعورا وأفتش الغرفه فلا أرى شيئاً فأهيم على وجهي بعيدا عن الناس الذين كنت أخاف نظراتهم .. وكثيرا ماكان يجول بخاطري أن أقتل نفسي وأضع حدا لعذابي لكني لا أعلم ماكان يردعني عن تنفيذ فكرتي هذه.. قال الرجل ذلك ثم توقف وجعل ينظر خارج الحانة فقال الاخر في نفسة لعله يرى اشباح أخته !! انتهت . للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح
آخر تعديل صقر يوم
01-16-2022 في 08:15 PM.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قاتل الله الغياب ( دفتر لتفقد الأعضاء ) | هادي علي مدخلي | مقهى المدائن | 1741 | اليوم 06:00 PM |
درس !!!!! بقلمي | almehdi shaban | ظِلال وارفة | 2 | 08-08-2021 12:27 AM |
خاب ظني !!!!!!! بقلمي | almehdi shaban | سحرُ المدائن | 28 | 08-02-2021 10:23 AM |
قاتل فرح | تيم الله | قناديـلُ الحكايــــا | 5 | 03-23-2021 08:17 PM |
غير قابل للنشر | مسك الخواطر | سحرُ المدائن | 9 | 02-27-2021 01:12 AM |