سيقولون لك يا فتى أنت لا تنتمي إلى هُنا
فلماذا تتمسك بالبقاء هُنا؟
سيلعنونك في كل تضحية تقدمها
ويدمرونك في كل كتاب تكتبه
وفي كل قصيدة ألقيتها يصمون آذانهم ويستغشوا ثيابهم
ويزلزلون أرضك لو استطاعوا
لأنك لا تشبههم ولأنك لست مثلهم
سيتمنون لو أن طيناً من السماء يملأُ أحشاءَك
ولو أن بارود الأرض الخامد في قعرها قبرٌ لك
لسانك يجلدهم وقلمك الحر يقذفهم بسهام موجعة
***
صوت جاء من وسط ذلك الرُّكام الصامت
لينتبه من غفلة اللاشعور السَّابح في بحر القلق
والله يا سيدي لا أستطيع القول أو الإجابة
ولعله سؤال استباقي لا يشبهني ولا أشبهه
صفرٌ يا سيدي ... أنا الذي كان لا شيء حتى ساعات الأمس القريب
أرسم أحلامي على جدران غرفتي أشجار بلا ورق
وأروي ظمئي من ماء تلك الترعة المحفورة في قلبي
وبينما أغوص حتى يجذبني القاع لا أرتوي
أنا الصِّدِّيقُ وتلك صدِّيقَتي
من فرط سعادتي كانت رؤيتها لقلبي لحن وموسيقى
أنا المشَّاءُ يا عاذري لو كان سؤالك مُجرداً
وتلك الجالسة في طرفها الخفيِّ جذبتني
ابنٌ ميِّت لسيِّدة أنجبتني كما اختلافها عن كل أم قبلها
في يومٍ قائظ من أيام تموز الجافّة
ألقتني على حجر قابلة لم تستقبل من قريتي طفل من بعدي
من خرج بالأمس ولا حاجة لي من الدنيا
وقبل أن يعلن النهار هجرانه
كانت تلك الجالسة خلف غمام الأمنيات تملكني
جئتُها من أقصى مكانٍ من أبعد قعر بمحيط التوقُّع
فكانت هي من زلزلت ذلك المتقوقع على صدفته
وبحجم فجاءة السؤال كانت براكين تتفجَّر في هذا الداخل
شخصٌ لا يملك خبرات حياتية ولا تجارب غرامية
ثم يجد نفسه وقد وقف على قارعة طريق لا تلوح له بداية
ولا تتضح منه غاية وبكل سرداب ألف ابن آوى ينتظر
لينظر في سماء الأمل فلا يجد إلا غرابين البعد تحلق
فاردة أجنحة التشاؤم على غصن مضيء
صدقاً لا أعلم عن أنا ولكن هذا يا سيدي حدثوني عنه بالكثير
فأختر أيهم يحدثك عني كما شئت
من هذه التي تجلس هناك محاطة بالترف
تلك القاتلة يا سيدي بلا عمد
وأما أنا فقط محمد حجر عائلتي معروفة
نجير الضعيف وننصف المظلوم ونعطي كل ذي حق حقه بلا نقصان
شابٌّ في مثل عمري أو يكبرني بشهور قليلات
لست أدري بالتحديد ولست على دراية أيُّنا اخترق قلب الآخر أولاً
الشاب من القرية ومع ذلك هذا هو لقائي الأول به
هل عرفتني يا سيدي قال نعم ومن يجهل عائلتك يا بن الأكرمين
ويتحدث الشاب عن نفسه أنا فلان بن فلان
وهذا بيت عمنا المهاجر منذ سنين
جئنا لقضاء اجازة الصيف أنا وأمي وأبي وإخوتي وأخواتي الصغار
وتلك التي تنظر إليها كما ألاحظ
أختي الوسطى ولا أدري لماذا تغير حالها اليوم عن الأمس؟
قلت لعله خير ربما جو القرية لم يعجبها
ثم يسألني هل فلان بن عمك أم تشابه أسماء
قلت هو كذلك وكل من ينتهي اسمه بحجر في تلك القرية
قال هو صديقي القديم وسآتي لزيارتكم حتما في أسرع وقت
ومن ثم هي فرصة كي نتعارف ونتآلف أكثر وأكثر
وتأكل فول مدمس صنعته أمي اليوم على الفرن الفلاحي
يستجيب الفتى لدعوة هذا الغريب
ومن ثم يمضي بصحبته تاركاً تلك اللفتة السريعة
وربما تطور جديد وهجوم مباغت من هذا الأخ الغريب
هجمة مرتدة صنعها باحترافية
نحو غارة جديدة ينتظرها ذو الوجد المشبوب
كمن تسجَّى على فُرُشٍ من الضباب يوم عيد