من تقابله بعد عام وأكثر ليس هو الشخص الذي كنت تعرفه، الناس تتغير بسرعة نتيجة تحولات الحياة الاجتماعية، والتي قد تتمثل في بيئة جديدة أو حوادث مر بها الشخص،
أو تطورات دراسية وعملية يراد لها شخصية تتناسب مع هذا الدور، كل ذلك يمثل دافعية لأن يغير الشخص من نمط سلوكه الذي عهدته عليه.

كذلك فإن أهم ما قد يلقي بظلاله على شخصية الإنسان وتصرفاته وأفكاره هو عامل التقدم بالعمر، فمعه تنضج التجربة ويتخلى الإنسان عن كثير من السلوكيات والقناعات.

قبل سنوات كنت على معرفة بأحد الأشخاص وكان بطبعه مرحاً، ويلقي النكات بمناسبة ومن دون مناسبة، مضت سنوات ثم قابلته صدفة ذات مساء، وقد تحلّق حوله مجموعة
من الأشخاص، بدا جاداً ورسمياً، لم أنتبه لذلك، فبادرت بالسلام مخاطباً إياه بكنيته التي اعتدنا مناداته بها، فصحح لي من هم حوله.. أستاذ فلان..، لم يعرني ذلك الاهتمام،
عندها انسحبت بهدوء، لأكتشف لاحقاً أنه بات تاجراً يملك سلسلة محلات ناجحة.

يقول رينيه موتوس، عالم نفس في جامعة أدنبرة: "الخلاصة تتمثل تحديداً في أننا لن نبقى الشخص نفسه طيلة حياتنا".

معرفة طبيعة البشر والتغيرات التي قد تعتريهم تعطياننا ميزة استباقية في كيفية بناء العلاقات معهم، والتعاطي وفق منهج يضع في الاعتبار هذه المتغيرات.

الأمر الآخر هو ضرورة معرفة الشخص بطبيعة التغيرات التي طرأت عليه بفعل التراكمات الفكرية والثقافية وغيرهما، حتى لا يؤرقه ماضيه ولا يغره حاضره.

عندما تقابل شخصاً فأنت تقابل "التحديث اللحظي"، والرجل الذي لا يحسن التعامل مع تراكماته يظهر مشوهاً في نسخته الأخيرة.

كتب: جميل البلوي