رد: ما بين "ربّما" و التّفاصيل
الزمان 2007
المكان أحد المقهى في مدينة كراسنادار.
كان بصحبة الأصدقاء يترددون على أحد المقاهي, يتسامرون ممضين من الوقت ما يجعلهم على قيد الشباب و أحلامه, و كان ممن يملكون هواية غناء " الكاراوكي" مع قدرته على تغيير صوته بما يتماشى مع صوت المغني, حتى أن صديقه_ مالك المقهى_ كان يرفض السماح له بالجلوس قبل أن يقطع له وعداً بغناء أغنيته المفضلة, و كان يفعل.
ذات أمسية حاشدة؛ و كعادتهم تحلقوا حول طاولتهم المفضلة, و بدأت الأغاني تتوالى من قبل الحضور وسط تشجيع البقية, حتى جاءه صديقه_ صاحب المقهى_ وهو يرمقه ليذكره بحصته, فابتسم ملبياً, و نهض إلى منتصف المقهى ممسكاً بلفافة تبغٍ في إحدى يديه, و " المايكروفون" في اليد الأخرى, و الجميع ينظر إلى ما يكون من أمر هذا العربي, و لم يكمل الجملة الأولى حتى احتدم التصفيق, فاستمهل منتظراً حتى عاد الهدوء, ليعود من حيث البداية, أدى الأغنية كعادته, و حالما انتهى متجهاً تحو الطاولة أحسّ بيدٍ تمسك به, التفت فإذا بوجهٍ أنثوي جمع في تفاصيله حسن الأولين و اللاحقين, التصقت به و هي تمسك " مايكروفون" , و قد همست له: أتهديني أغنيتي المفضلة؟
لم يكن يعرفها, بل كانت المرة الأولى التي يراها في المكان, و كيف أفعل؟
سألها مبتسما, فأجابت؛ أن تشاركني الأغنية_ و من باب الصدفة كانت الأغنية من الأغاني التي كان يطلبها من صديقه " المغني" في أحد المقاهي, حيث كان يبدأ بأدائها بمجرد دخوله المقهى و جلوسه خلف الطاولة, فقد كان لها ذكرى خاصة في وجدانه_ رحب بها, و دون سابق تنسيق بدأ الثنائي بالغناء, و كأنما تدربا على هذا الثنائي لشهور طويلة, و بدأ الأمر بأغنية مشتركة ليتحول إلى أنفاسٍ تشق طريقها بغير إذن نحو تلك البقعة الصغيرة حجما و العظيمة أثرا, إنها حجرة القلب المخفية الواقعة على الحد الفاصل بين حجرات القلب الأربع, و هي حجرة بغير مكان, تدرك إحساساً دون العثور عليها, يسكنها الأوفياء عبوراً و إقامة سواء.
يمر بنا أناس, لا نملك حين هبوب نسيم عطر ذكراهم إلا أن نبتسم بامتداد رئة الأمس شهيق امتنانٍ و اتساع رئة الغد زفير وعدٍ بلقاءٍ .. و إن بعد حين ..
|