الموضوع: رسيس :
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2020, 04:29 PM   #2
مبتدئ .


الصورة الرمزية عبدالعزيز
عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 176
 تاريخ التسجيل :  Nov 2020
 أخر زيارة : 05-22-2024 (08:45 PM)
 المشاركات : 26,121 [ + ]
 التقييم :  72983
 SMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي أبَنْتُكِ ثـلاثاً :




في الثامنة من عمره كان يلهو ويلعب ببعض ألعابه فأتى إليه أخوه الأكبر وأهداه كتاباً وطلب منه قراءته ففرح به ووعده بذلك وانهمك بقراءة الكتاب بشغف بالغ ولما رأى أخوه ذلك منه بدأ بين آونة وأخرى يهديه بعض الكتب فينسجم في قراءتها ويسلو عن اللعب مع أترابه .
أُلف عنه هذا وأُثر فلم يعد أحد يعجب منه إن رآه ممسكاً بكتاب يقرؤه وشغف بكتب الأدب وأكثر من اقتنائها وقراءتها فكان يقضي الساعات الطويلة في مسامرتها - تتجاوز في بعض أيام الإجازة ثلاث عشرة ساعة - وزهد في النُّزه والرحلات الخلوية من أجلها فنادراً ما يخرج وهام باللغة العربية أشد هيام فمحضها وده وإخلاصه فركب بحرها وتسلق وعرها وكرع من نهرها ولا يزداد مع انقضاء الساعات إلا ولعاً بها وشغفاً رغم تقريع من حوله وسخريتهم اللاذعة منه فلم يكن يأبه بهم أو يحفل حتى لحب له السبيل ففوِّق للغفلة سهم الحقيقة فصدع قلبها وقدَّ كبدها فانجلت الغشاوة وزال الرين فأيقن أنه يسعى خلف سرابٍ خادعٍ فكتب هذه الكلمات : اغربي عن وجهي وغادري حياتي غير مأسوفٍ عليكِ فقد أَبَنْتُكِ ثلاثاً وثلاثاً وواحدة وعشراً بعدد أعوام هيامي بكِ وشغفي(بل بعدد سنيني العجاف التي قضيتها سعياً خلف الوهم والسراب) فلم أعد أرنو إلى قصوركِ الشماء وبساتينكِ الفيحاء ورياضكِ النضرة وجداولكِ النميرة وأنهاركِ الرقراقة فما أنتِ إلا روضة غرني بواكير ربيعها فأممتها صامّاً أذني عن الإصاخة للنصح والعذل وهمتُ بها مدة سبعة عشر عاماً غير ما سلف من التجول بين أقاحيها حتى انجلى الرَّين فألفيتُ ربيعكِ خريفاً مليئاً بالزوابع ورياضكِ مفاوز قاحلة وقصركِ أطلالاً موحشة ونسماتكِ إعصاراً مُدمِّراً فثنيتُ عنان جوادي وعدتُ أدراجي أحمل بين يدي خفي حنينٍ مخلِّفاً ورائي عمراً ذهب أدراج الرياح بين غمرات آل ودركات هجير ومستقبلاً أفل نوره وتوارى بين طيات السنين الغابرة فليتني اعتبرتُ بقول ذلك الذي قال لي : (إنك لن تجني من هذا السبيل الذي أممته سوى النصب) فما عذيري مما مضى من عمري .
أيتها المرأة أَبَنْتُكِ وَأَبَنْتُ كل ما يتعلق بكِ من قلمٍ ومَحْبَرةٍ وطَرْسٍ فغادري حياتي مشيَّعةً بالمقتِ والغضبِ والندمِ الذي لا يضرُّكِ ولا يُفيدني .
وهذه نهاية التطواف ومحطُّ عصا التِّسْيار لرحلةٍ مرمضةٍ أربتْ على ربع قرنٍ أختمها بالنقطة التي أضعها بعد آخر كلمة في هذا النص .
ثم زهد بها وبكل ما يتعلق بها وهجرها إلى غير رجعة عاضَّاً أصابع الندم على سلوكه هذا السبيل الذي أضاع لأجله مستقبله وأفنى به صدراً من شبابه .


 
 توقيع : عبدالعزيز




آيات الشكر والعرفان ، المضمخة بالمسك والريحان ، الموشاة باللؤلؤ والزبرجد والعقيان للمصممة المتفردة ودق الحروف على هذا التصميم الذي لا يُسامى !

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالعزيز ; 11-28-2020 الساعة 08:45 AM

رد مع اقتباس
 
1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47