منتديات مدائن البوح - •• أواخـرٌ ديسمْبَــــر ••

منتديات مدائن البوح (https://www.boohalharf.com/vb/index.php)

- سحرُ المدائن (https://www.boohalharf.com/vb/forumdisplay.php?f=7)

- - •• أواخـرٌ ديسمْبَــــر •• (https://www.boohalharf.com/vb/showthread.php?t=1808)

•• أواخـرٌ ديسمْبَــــر ••

عام آخر يسقط من العمر تباعا ، ينقضي بعيدا عنك ، وعن أخبارك ، عام يوشك أن ينصرف وأنت بعيد ، وذكراك قريبة يانعة ، تجول بكامل الجبروت في داخلي ، تمنع عني راحة البال ، وتأخذ من يقيني بوعودك ما تيسر ، عام يمر بمرّه وعسره على قلب لازال يتشبث بما بقي من الآمال الباهتة فلا يجد غير البقاء راسخا على عهده بالوفاء لك ، عام يمضي ويأخذ في طريقه كثيرا من الأمنيات التي بنيناها سويا ويرمي بها في غياهب النسيان ، فقط أنت من بقي صامدا يجول بخاطري ، وبقلبي ، كساقية ماء لا تكف عن الدوران ،
عام يتأبط كل أيامه الثكلى ويمضي ، ولا خبر عنك أو منك .. لا شيء بالمطلق ، وكأنك اخترت أن تلوذ بالكتمان ، وأن يلوذ بك النسيان ، كأنها رسائلك لي ألا أنتظر ، ولا تدري كم مرة باليوم أتعثر بك وبأشيائك ، يخال لي أنك مدسوس بكل الأيام والساعات والدقائق ، بكل الأشياء ، بالكلمات وبالرسائل والأغنيات ، عام آخر ينسحب تماما كما فعلت أنت ذات رحيل مقيت ، بكامل الصمت والتّشظّي ، بل بكامل العنفوان والتصميم ألا تعود ، عام باهت يترجل من العمر الذي قارب على الانقضاء ، لم يكن فيه لقلبي نصيب منك ، أو حظ فيك ، عام مر بقحطه وصمته تماما كما مرت أعوام خمس قبله ، لا شيء أبدا سوى قلب يرفض التوبة عنك أو منك ، ويصر أن ينتحب سرا كلما مر اسمك بين عينيه أو مر طيفك بين يديه . تراك قد عقدت صفقة مع السنين ، أن تأخذك برفقتها ، وتحجبك عن الحضور ، وتبقيك بعيدا عن متناول العين ، عام وأي عام ذاك الذي طواك بيمينه وأخفاك بشماله ، حتى تشققت أقدام الانتظار على الأرصفة الباردة ،
ها أنت تقف على طرف تلك الدنيا ولا تلتفت ، تمضي وتأبى أن تستمع ، وأقف أنا مجبرا على انتعال الحياة وحيدًا ، مضطرًا على التشبّث بفكرة أنّك عائد يوما ما ، تلك الفكرة الصغيرة التي تنبت كل صباح برأسي لتقول لي أنّ قلبك الذي أعرف لا ينسى ، لا يستطيع أن ينسى ، بل إن قلبّك الذي أحب لا يمكنه أن ينسى، أتراك كذلك ؟ أتمنى أن تكون كذلك ،
هذه أواخر ديسمبر ، كلما جاءت ، تشتدّ وحدتي ، ويزيد افتقادي لك ، بهذه الأيام تحديدا أكون أحوج ما أكون لك ، لكلماتك ورسائلك وهمساتك وضحكاتك ، لقربك الذي حيل ما بيني وبينه ، لقلبك الذي تمادى بالجفاء ، لعينيك الباهرتين ، لكل أشيائك وتفاصيلك ، لحزنك الشجيّ البهيّ ، ولي أنا ، تلك الأنا التي كانت بك أحلى وأجمل ، وفي قربك أسمى وأوسم . أجل إنها أواخر ديسمبر ، تلك الأيام الصعبة الثقيلة التي تحدّثني عنك ، قطع الثلج الببضاء التي تتراكم عند شرفتي ، قطرات المطر التي تتساقط برفق ، صوت الريح حينما يشتدّ بعد منتصف الليل ، الغيوم الداكنة ، الأشجار العارية ، البرد القاسي ، ثم الليالي الطويلة الحافلة بالأرق ، كلها تجبرني على استدعائك ، أيها الدفء المغادر ، لقد ظننت ان الحياة لا تتوقف لأجل أحد يغادر ، ولكنها توقفت ، وإن تحركت ذات مرة فإنها والله تعود للخلف ، ذلك الخلف الذي غادرته أنت وتركته لي . فالسلام عليك بعيدا ترفل في نعمائك ، والسلام على قلبك حبيبا وصديقا ، والسلام علي يوم أحببتك ، ويوم رحلت وحدك وأياما طوالا فيها انتظرتك .