منتديات مدائن البوح

منتديات مدائن البوح (https://www.boohalharf.com/vb/index.php)
-   المكتبة الأدبية ونبراس العلم (https://www.boohalharf.com/vb/forumdisplay.php?f=10)
-   -   بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما (https://www.boohalharf.com/vb/showthread.php?t=10518)

بُشْرَى 08-27-2022 11:53 AM

بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
.
.

https://up.boohalharf.com/uploads/166159039185411.png

يحدث بقي بن مخلد بقصته فيقول :
رحلتُ ماشياً على قدمي من بلدي الأندلس ( تدعى اليوم أسبانيا ) فذهبتُ إلى مكة ثم إلى بغداد -
الطائرة تحتاج إلى ست ساعات حتى تقطع هذه المسافة ، فكم من الشهور مشى بقي بن مخلد
حتى يقطع هذه المسافة ؟!
كان همي و بغيتي ملاقاة أحمد بن حنبل ، فلما دخلتُ بغداد بلغتني محنة الإمام أحمد ، وما حلّ به ،
وأنه ممنوع من ملاقاة الناس ، فاغتممت غماً شديداً .

لقد سُجن الإمام أحمد سنتين وأربعة أشهر في مسألة خلق القرآن ، ورفض موافقة الخليفة المأمون
ومن بعده الخليفة المعتصم على القول بأن القرآن مخلوق ، فسجنه وعذبه.

وفي هذا يقول الإمام أحمد بن حنبل :" لما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم ، وقال : ائتوني بغيرها ،
ثم قال للجلادين : تقدموا ، فجعل يتقدم إليَّ الرجل فيضربني سوطين ، فيقول له : شد قطع الله يدك ،
ثم يتنحى ، ويقوم آخر ، فيضربني سوطين ، وهو يقول في كل لك :"شد ، قطع الله يدك " ،
فلما ضُرِبتُ تسعة عشر سوطاً قام إليَّ، وقال : يا أحمد علامَ تقتل نفسكَ؟ إني والله عليك لشفيق ،
أتريد أن تغلب هؤلاء؟
وجعل بعضهم يقول : ويلك الخليفة على رأسك قائم.
وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين ، دمه في عنقي ، اقتله .
فقال المعتصم : ويحك يا أحمد ، ما تقول .
فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول به .
فرجع المعتصم وجلس ، وقال للجلاد : تقدم وأوجع ، قطع الله يدك .
ثم قام المعتصم الثانية ، فجعل يقول : ويحك يا أحمد أجبني .
فجعل الناس يقبلون عليَّ ويقولون : يا أحمد ، إمامك على رأسك قائم.
وجعل المعتصم يقول : ويحك أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك يدي.
فقلت : يا أمير المؤمنين ، أعطوني شيئاً من كتاب الله .
فيرجع ، ويقول للجلادين : " تقدموا " ، فجعل الجلاد يتقدم ويضربني سوطين ويتنحى.
قال أحمد : فذهب عقلي .

قال أحمد بن داود أبو سعيد الواسطي : دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب ،
فقلت له في بعض كلامي : يا أبا عبدالله ، عليك عيال ولك صبيان ، وأنت معذور - كأني أسهل عليه الإجابة
- فقال لي أحمد : إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد ، فقد استرحتَ.

وبعد الضرب الشديد والسجن، خاف المعتصم أن يموت الإمام أحمد ، فيثور الناس عليه ،
فرفع عنه الضرب وسلمه إلى أهله ، فبقي مختفياً طوال مدة خلافة المعتصم والواثق .
اشتد الواثق في مسألة خلق القرآن كثيراً ، وساعده على ذلك وزيره أحمد بن أبي دؤاد ، الذي استولى
على الواثق وحمله على التشدد في المحنة ، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن ، استمر الواثق على
ذلك حتى ملّ المحنة وسئمتها نفسه فرجع عنها في آخر عمره .

هذا أبو عبدالرحمن بن محمد الآذرمي شيخ أبو داود والنسائي يحمل مكبلاً بالحديد من بلاده إلى الواثق ،
فسأله ابن ابي دؤاد في مجلس الواثق عن قوله في القرآن .
فقال له الشيخ : هذا الذي تقلوله يابن دؤاد من خلق القرآن شيء علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأبوبكر وعمر وعثمان وعلي أم جهلوه ؟
قال ابن أبي دؤاد : بل علموه .
قال الشيخ : فهل دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت أو سكتوا ؟
فقال : بل سكتوا .
قال الشيخ : فهلا وسعك ما وسعهم من السكوت ؟
فبهتوا وضحك الواثق ، وقام قابضاً على فمه وهو يقول : هلا وسعك ما وسعهم ويكررها ، ثم أمر أن ي
ُعطى الرجل ثلاثمائة دينار ويُرد إلى بلده ، ولم يمتحن أحد بعدها ، وسخط على ابن أبي دؤاد من يومئذ .

ويتابع بقي حديثه فيقول :
أجَّرتُ بيتاً أنام فيه تلك الليلة ، وفي فجر اليوم التالي دخلتُ المسجد فإذا برجل يتكلم في الرجال -
أن أنه يتكلم عن علم الرجال، وهو العلم الذي يهتم بحال الرجال ، ويحدد أمانتهم وصدقهم وقوة حفظهم
، فقول عن هذا ثقة ، وعن آخر ضعيف ، وآخر كذاب ، وهذا صدوق ، وهذا ينسى .. وهكذا .
فقيل لي عن الرجل الذي يتحدث في المسجد ويتكلم عن حال الرجال : أنه يحيى بن معين ،
صاحب الإمام أحمد ورفيقه في طلب العلم ، فأحببتُ أن أسأله عن بعض الرجال فحاولت أن أقترب منه
ففرجت لي فرجة ، فدنوتُ منه وقمت إليه ،
فقلت له : يا أبا زكريا، رحمك الله رجلٌ غريبٌ بعيدٌ عن وطنه ، يحب السؤال ولدي أسئلة كثيرة فاصبر عليَّ .
فقال : قل ، فسألت عن بعض من لقيته من الرجال، فبعضاً زكى وأثنى عليهم وبعضاً جرح وبيَّن سوء
حالهم في حديث ، فسألته عن هشام بن عمار ، فقال لي : أبو الوليد صاحب الصلاة دمش ، ثقة ،
وفوق الثقة ، لو كان تحت رادئه كبرٌ أو متقلداً كبر اما ضره شيءٌ لخيرة وفضله .
فصاح أصحاب الحلقة تلاميذ يحيى بن معين : يكفيك - رحمك الله - غيرك له سؤال ،
فقلت : لم يبق لي إلا سؤال عن ورجل واحد ، أحمد بن حنبل ، فنظر إليَّ يحيى كالمتعجب ،
فقال لي : ومثلنا نحن نكشف عن أحمد ؟ ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم .

فخرجت من المسجد من فوري أستدل على منزل أحمد بن حنبل ، فدُللت عليه ، فقرعت بابه ،
فخرج إليَّ.فقلت : يا أبا عبدالله ، رجل غريب بعيد عن بلده ، هذا أول دخولي هذا البلد ،
وآنا طالب حديث ومقيّد سُنّة ، ولم تكن رحلتي إلا إليك لأتعلم منك .
فقال لي : وأين موضوعك؟
قلت : المغرب الأقصى .
فقال : إفريقية ؟
قلت : أبعد من إفريقيه ، أجور من بلدي البحر إلى أفريقيه ، بدلي الأندلس.
قال : إن موضوعك لبعيد ، وما كان شي أحب إليَّ من أن أحسن عون مثلك وأبذل لك كل ما أستطيع ،
غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك ، وآنا الآن لا يُسمح لي بملاقاة الناس والتحدث إليهم ، إني مسجون في بيتي .
فقلت : لقد بلغني ما أنت فيه ، وهذا أول دخولي بلدكم ، وآنا مجهول العين عندكم ، لا يعرفني أحد ،
فإذا أذنت لي أن آتي كل يوم في ثياب الفقراء ، فأقول عند بابك ما يقوله الفقراء والشحاذون ،
فتخرج إليَّ عند بابك ، فلو لم تحدثني كل يوم إلا حديث واحد لكان لي فيه كفايه .
فقال لي : نعم على شرط الأ تظهر في الناس ولا يتعرف عليك أحد ولا تذهب إلى مجالس المُحدثين .
فقلت : لك شرطك ، فكنت آخذ عصاً بيدي ، وألف رأسي بخرقة متسخة وأجعل أوراقي في كمي ،
وآتي بابه ، فأصيح : الأجر – رحمك الله – وهذا ما ينادي به الشحاذون في بغداد ،
فيخرج أحمد إليَّ ويدخلني بيته ويغلق بابه دوني ، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر ،

فالتزمت ذلك حتى مات الخليفة الممتحنِ له الخليفة الواثق .
وَوُليَّ بعده من كان على مذهب السنه الخليفة المتوكل ، فقد أظهر ميلاً عظيماً إلى السنه ، فرفع المحنه
وكتب بذلك إلى الآفاق واستقدم المحدثين إلى " سامرا " وأجزل عطاياهم وأكرمهم ، وتوفر دعاء الخلق
للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه وتعظيمه ، حتى قيل الخلفة ثلاثة أبو بكر الصديق في قتل أهل رده ،
وعمر بن عبد العزيز في رد الظالم ، والمتوكل في إحياء السنه .
فقد نصر أحمد ونكّل بأعدائه ، فظهر أحمد وعلت إمامته ، وكانت تُضرب إليه آباط الإبل ،
حتى بلغ منزلة لم يبلغها ملك ولا قائد ولا أمير.

لم ينس الإمام أحمد معناتي معه في طلب العلم فكان يعرف لي حق صبري ، فكنت إذا أتيت حلقته العظيمة ،
وهو بين تلاميذه ، فسّح لي وأوسع لبي مجلسه ، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه ،
فكان يقرأ عليَّ الحديث وأقرأه عليه .
ومرت الأيام وآنا على تلك المكانه عند أحمد ، حتى أصابني مرض فأرقدني في سريري ،
ففقدني من مجلسه فسأل عني ، فأُعلم بعلتي ، فقام من فوره مقبلاً عليَّ عائداَ لي بمن معه ،
وآنا مضطبجع في البيت الذي كنت قدّ أجّرت ، وكسائي عليَّ وكتبي عند رأسي ، فسمعت الفندق قد ارتج بأهله
، وآنا أسمعهم : هو ذاك أبصروه ، وهذا إمام المسلمين مقبلاً .
فأسرع إليّ صاحب الفندق قائلاً : يا بقي هذا أحمد بن حنبل إمام المسلمين مقبلاً عليك ، عائداً لك ،
فدخل فجلس عند رأسي ، وقد امتلآ الفندق من أصحابه فلم يسعهم ، حتى صارت فرقة منهم في دار
وقوفاً وأقلامهم بأيديهم ، فما زادني على هذه الكلمات .
فقال لي : يا أبا عبدالرحمن أبشر بثواب الله ، أيام الصحة لا سقم فيها ، وأيام السقم لا صحة فيها ،
أعلاك الله إلى العافيه ، ومسح عنك بيمينه الشافيه ، فرأيت الأقلام تكتب لفظه ، ثم خرج عني ،
فأتاني أهل الفندق يلطفون بس ويخدمونني ، فواحد يأتي بفراش ، وآخر بلحاف ، وبأطايب الأغذيه ،
وكانوا في تمريضي أكثر من تمريض أهلي لو كنتُ بين أظهرهم .

قام بقي بن مخلد القرطبي الأندلسي برحلتين إلى مصر والشام والحجاز وبغداد طلباً للعلم ،
أمتدت الرحله الأولى أربعة عشر عاماً ، والثانيه عشرين عاماً .
ولقد كان ارتحاله كله من الأندلس وعلى قديمه
نعم والله عليه قدميه !!.

منقول ..flll:

سنابل البوح 08-28-2022 07:25 PM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
شكرا بشرى لجهودك
أضاميد تقدير

نجـ سهيل ـم 08-28-2022 09:55 PM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
ختمت يومي بشي مفيد بعد قرائتي لهذا...
شكرا لك اختي بشرى..

النقاء 08-28-2022 11:36 PM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
رائعه الانتقاء والموضوع المثمر
جميل ماطرح هنا

شكرا لروحك الجميلة

ندى الحروف 08-28-2022 11:55 PM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
بغداد والقاهرة منارتا العلم منذُ الازل
...
اختي الحبيبة بُشرى
ترتيب انيق وتسلسل سلس
استمتعتُ بالقراءة هنا
شكرًا جزيلا ابنة الضاد

بُشْرَى 08-30-2022 07:04 PM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سنابل البوح (المشاركة 250806)
شكرا بشرى لجهودك
أضاميد تقدير

.
.

سلمت روحك وأكثر
تقديريflll:

بُشْرَى 08-30-2022 07:05 PM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجـ سهيل ـم (المشاركة 250816)
ختمت يومي بشي مفيد بعد قرائتي لهذا...
شكرا لك اختي بشرى..

.
.

سلمت روحك وأكثر
تقديري
flll:

بُشْرَى 08-30-2022 07:07 PM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة النقاء (المشاركة 250863)
رائعه الانتقاء والموضوع المثمر
جميل ماطرح هنا

شكرا لروحك الجميلة

.
.

سلمت روحك نقاوة
تقديري
flll:

بُشْرَى 08-30-2022 07:07 PM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى الحروف (المشاركة 250878)
بغداد والقاهرة منارتا العلم منذُ الازل
...
اختي الحبيبة بُشرى
ترتيب انيق وتسلسل سلس
استمتعتُ بالقراءة هنا
شكرًا جزيلا ابنة الضاد

.
.


الله يسعد قلبك وروحك
حياكflll:

الدّانة 09-02-2022 10:00 AM

رد: بقي بن مخلد الأندلسي كيف أصبح عظيما
 
طبتِ يا بشرى البشرى ونبض المعرفة
وطاب صباحكِ والخيرات وإشراقة الحياة


الساعة الآن 01:56 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
مجتمع ريلاكس

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas
دعم وتطوير نواف كلك غلا

1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47