منتديات مدائن البوح

منتديات مدائن البوح (https://www.boohalharf.com/vb/index.php)
-   سحرُ المدائن (https://www.boohalharf.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   ‏يوم فقدوا متاعهم .... (https://www.boohalharf.com/vb/showthread.php?t=7785)

جابر محمد مدخلي 01-14-2022 07:58 AM

‏يوم فقدوا متاعهم ....
 
يتصور المرء دومًا أنّ رحلته ستستمر وفق الطول الذي رسمه في مخيلته لخريطة حياته، وأنّ مساره الذي جاء ليسلكه مؤبد فيه، وأنه له ولن يتوقف عضو فيه إلا عند نهاية مساره الذي خططه.
الحياة أعجوبة، وأحيانًا غادرة بأحلامها الباهتة مهما تجمّلت. أعجوبة بجمالياتها ورواجها داخل الأسواق، والمتاجر. الحياة التي تسلك بنا طريقًا متعرّجًا ثم فجأةً يستوي هذا الطريق بأعيننا لتخضّ صدورنا بين الفجأة والأخرى خيفة طارئة، وفقد جارف، وحزنٌ جبّار، وحنين دائم. الحياة التي تأخذ ولا تعطي، وتبتسم ابتسامةٌ بلا فم، وتبكي بلا أعين ولا دمع، وتصفّر للرياح الآتية من باطنها لتبتلع كل أمطارنا التي قضينا ليالٍ نصلي لأجلها استسقاءات كثيرة.. كيف يمكننا التمسك بها وهي تأخذ أرزاقنا، وترسلها لبطنها الكبير؟ كيف بإمكاننا البقاء فوقها دون حذر، والسماح لأنفسنا بالتماهي معها دون أعمالٍ سريّةٍ خاصةٍ لا تُكشف ولا تُعرف إلا لرب السماء؟
‏كيف لنا أن نستوعب أنها لن تبتلعنا لترسلنا إلى قيد شبرٍ لا نسمع بعده إلا قرع نعالٍ لحبيبٍ، أو ابنٍ، أو صديقٍ، أو قريب؟.
ما أقسانا على مصائرنا، وما أجزعنا عند قصورنا، وما أضعفنا عند خطايانا. نحن كالنحلة التي تتصرف في بستانٍ كبيرٍ من الورود دون استئذان .. حتى لو استأذنت فلن يؤذن لها مهما كان النصيب عسلًا؛ لأن الناس لا تحبّ أن تفقد شيئًا من أملاكها إلا بمقابل؛ ولأنّ النحل يتصرف وفق أسراب مّدببة انتقامية حين يُعتدى عليه فيبقى صاحب بستان الورد-هذا الذي سطت عليه- بعيدًا حتى لا يلسعه غضبها. هكذا أرى الحياة وتحديدًا حين نسمح لأنفسنا بالدخول إلى بساتينها، وأحيانًا بطمعٍ كبيرٍ ولا نتذكر الحواجز، والموانع إلا عند أسوار المقابر، أو أخبار الموتى!. تعطينا منها العسل بيدٍ وتلسعنا بالأخرى!.
‏ولا نكفّ ، أو نستشعر ما قد تؤذينا به بعد أحايين كثيرةٍ من مواقف مكرورة لا نرى فيها إلا تكرار أحلامنا، وأمنياتنا، ومشاعرنا، وسقوطنا كل حين .. نحن بشرٌ لا نستوعب إلا بعدما تُدفن رؤوسنا وينقطع عندنا التنفس تمامًا ، أو تتحول فيه رئتنا إلى بالون لحمي نائم ممدد كقرطاس ثلجٍ ذائب.
‏وكلما تخيلنا هذه الصورة ونحن بلا رئة، ولا أعناق، ولا استنشاق نتأثر ونردد أنّنا سنصلح كل شيء، وسنسعى لإبقاء أرصدتنا آمنةً حتى آخر رمق فينا .. ولكننا نخلق لنا مسارات أكثر اتساعًا .. فيها نصلي وبعدها نعفو ونصفح عن كل الذين آذونا، ثم حين نختلي بالشيطان نسبّهم ونلعن وجودهم ، ونفكر كيف نعيد لهم كيل الإيذاء من جديد! -هكذا فعلًا- إنها ممارسة إنسانية وحشية تكفل بها شيطان ناريّ بائس .. نحن من فتح له الباب، وأغلق لأجله على صدورنا بملء ما فيها من بياض ، وبراءة ، ونوايا حسنة لنبقيه أمير رحلتنا وحياتنا حتى استيقاظ آخر نطرده بعده أو نجدد عقد بقائه فينا.
‏عزازيل: فيل أنه اسم إبليس الأكبر قبل طرده من السماء.. وعلينا ألا نملك حياله غير أن نُصدر له أوامرنا بالانصراف عن حياتنا الجميلة بدونه كل يوم، نطرده كلما استيقظنا؛ لنحيا يومًا هانئًا، وإلا فلن نصل لمنتصف يومنا إلا وقد انسحبت من أرصدتنا ما ظللنا نغالبه في جمعها، ونستغفله في ملء حصالاتنا بعيدًا عنه، وبضغط كبيرٍ من طهارتنا، وقداستنا التي تجيء سريعًا وتمضي أسرع.
‏الحياة أفضل بكثير كلما جعلناها حياة ، وكلما أعطيناها لغيرنا -مالم يكن مستحقًا لها- فستكون أثقل، أوجع، أألم، أكثر مصيرًا، أسوأ في مفاجآتها لنا، ومباغتتنا بكل ما نستاء، أو نتوجع ، أو نفقد معه متاعنا كما فقد إخوة يوسف ذلك المتاع الذي أعادهم إلى ما فقدوه أولًا ليعوضهم عمّا عاشوه من جوعٍ وفاقةٍ وتيهٍ وعناء. وإن لم يكن حظّنا من حياتنا هذا التعويض أو شبيهه أو جزء من مثله فلا قيمة لباقي الأمتعة، ولا حاجة لنا إليها...
أخيرًا: استعدوا معي لهذه العبارة التي سيتلوها الناس عنّا عندما يوارونا الثرى -إن كنّا- قد أسهمنا في ترسيخها لديهم بسوء أخلاقنا وتصرفاتنا: مسكين هذا الميّت لقد فقد متاعه في عز حاجته إليه ...

هادي علي مدخلي 01-14-2022 08:02 AM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 
الله الله
للختم والتنبيه ومكافأة المنتدى
ولي عودة تليق بك ياصديقي

الفيصل 01-14-2022 08:31 AM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 
عندما نموت نفقد حتى أسماؤنا ونُلقب ب "الجثة" ,
تأمُلات بعيدة المدى قصيرة الحضور,
رائع ممتع حبينا الغالي ,

وسم 01-14-2022 11:24 AM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 
)




نشاء أمر بل أمور
والله يفعل مايشاء ..
لاخطط ناجحه دائماً
ولا رسمه مكتمله ..
لابد من ثغرة تأتي من
يمين أويسار ..
ويبقى الرضا / الحل الوحيد..



:

كلاس أدبي
شرفني حضوره
لك كل الود والتقدير / استاذي ..

علي آل طلال 01-14-2022 12:46 PM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 
لابد أن نطلب ود الحياة، لنتماشى معها وتهدينا شيئاً مختلفاً عن المعتاد،
ولابد أن نصنع أثراً دون التفكير بأن الحياة ستنتهي ويبقى هذا النقش بعدنا يشير إلينا..
‏أن نحقق أحلاماً تكفينا لعمرين،
‏لحياتين
‏ولوقت آخر،
فكرة الموت تبقينا بين خيارين لاثالث لهما..تزملنا بالقلق والجزع واتخاذ سبيل واحد قبل اللجوء لمحطة انتظار شيء نجهل أوانه..
‏"إلا من أتى الله بقلب سليم"
‏سنقابل الله بقلوبنا،
‏فلنعتنِ بها أولا وأخيرا..
..
في كل مرة ياجابر الحبيب تبهرنا سطورك وكأنها أول مرة
لا جف لك مداد أيها العذب

نبيل محمد 01-14-2022 02:04 PM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 
في الواقع فإن الأمر
لا يتطلّب فقط أن تبذل كل ما يمكن من الجهد
والوقت والصبر لكي تمتلك مكانك في هذا العالم
لكنه يتطلّب أيضا أن تفعل ذلك بدرجة من الرضا
العالم مكان قاسٍ
يحيا فيه الإنسان بقلب شبيه بآلة موسيقية جوفاء لا تُصدر ألحانا
إلا إذا تغنت الروح في نضالها من أجل البقاء
حنى تمتلئ بألحان جياشة لا تنضب موسيقاها العذبة
في القلب طالما لم يتوقف عن الخفقان
والتي تُمثّل ربما "المكوّن السحري" لرحلة قاطبة
تقديريflll:

أحمد عدوان 01-14-2022 02:06 PM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 


ما أشدّ غفلتنا نحن الذين نركض خلف قلوبنا يا صاح .. وقلوبنا تركض خلف أهوائها الباطلة !
ما أشدّ نكبتنا نحن الذين نتعامى عن الدروب التي تأخذنا إلى الحياة الحقّة ، ونلهث بقية أعمارنا في دهاليز الحياة الفانية !

اللهم لا تجعلنا من الذين يقولون يوم لا ينفع الندم : "يا ليتني قدمتُ لحياتي" واجعلنا من الذين يقال لهم : "ادخلوها بسلام آمنين"

اخي جابر ..
كلمات كانت للموعظة والاعتبار ، جعلها الله يميزان حسناتك وبارك الله فيك .

صقر 01-14-2022 02:43 PM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 
قراءة مقترنة بالاستمتاع
جميل جدا

إلهام 01-14-2022 03:28 PM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 

تختبر الحياة الكثير من صبرنا وتحملنا
نسأل الله السلام وحسن الخاتمة

السرد أكثر من رائع قرأته مرتين وثلاث
أبدعت، دمت بخير

البنفسج 01-14-2022 07:25 PM

رد: ‏يوم فقدوا متاعهم ....
 
عندما صاحبني الفقد
قلت لست حزينة
لكني أصبحت آلة حزن
تنسج خيوط الآهات والوجع
وتحيك إزار الآلام والفواجع
الفقد جعل لي القدرة على تطريز البكاء
على الأكمام والأفئدة
لستُ هشة ولكني عجزت
عن إغلاق أقواس عيني
مقيدة بسلاسل السكون
قلبي عاطلا عن النبض

إغتسلت بوداعهم
وارتديت حقيقة غيابهم الأبدي
وآه ياجابر

لن يكون ردي هنا بكمية الحزن المتراكمة داخلي
ولكني سأعود لك حتى أعطي هذه الشاهقة حقها
لأن حروفك هنا تجبر كل كسر في البنفسج

flll:flll:


الساعة الآن 02:45 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
مجتمع ريلاكس

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas
دعم وتطوير نواف كلك غلا

1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47