منتديات مدائن البوح - داسة أدبية في الأدب الشعبي 5

يسمى هذا الشعر في بعض النواحي بالشعر الشعبي التهامي ، وفي نواح أخرى بــــ ( الشامي ) نسبة إلى المناطق الشمالية من تهامة المخلاف ، أما في تهامة ( جازان ) ــــ حاليا ــــ فيطلق عليه شعر الردود أو الطارق برغم الخلط والتباين في الآراء حول تلك التسميات ، ويستأثر شعر الطارق بالنصيب الأكبر منه ، كذلك تأخذ أشعار الزيفة نفس منحاه إذ يسمى مطلع البدء بــــ ( المرسَم ) والمطلع الثاني بــــ ( الرد ) ، وقد نجده مجسدا ـــــ أيضا ـــــ في أناشيد الحداء ، وأناشيد الحماس الزراعي ( في الحرث والبذر والحصاد والصريب ) ، والمناسبات الخاصة ، ومناسبات الفرح .
ويشتهر بقول هذا الشعر وغنائه أبناء النواحي التهامية سواء في اليمن ، أو في منطقة المخلاف السليماني ـــــ التي أصبحت جزءا من المملكة العربية السعودية فيما بعد ـــــ والتي كانت تمتد ـــــ تقريبا ـــــ حتى حلي بن يعقوب ، غير أن لفظة ( الشامي ) ـــــ حسب ما وجدته في دراسة الباحث ( الجيلاني ) ــــــ التي تطلق على هذا الشعر تتوقف عند حدود صامطة وما حولها ، أما العمق التهامي كأبي عريش ، وصبيا ، وجيزان ، وضمد ، وبيش ، والقحمة ، وحلي بن يعقوب ، وما حول تلك النواحي فلا يطلق عليه إلا طارقا ، وقد أرجع الباحث اليمني (علوان الجيلاني ) ذلك إلى الشاعر : ( محمد مسير المباركي ) وأرجع التأكيد إلى الشاعر : (معبِّر النهاري ) ، وتأكيد كل ذلك إلى ما أورده الأديب الباحث والمؤرخ الأستاذ : ( محمد بن أحمد عيسى العقيلي ) في كتابه : ( الأدب الشعبي في الجنوب ) .
والمعروف أن الطارق فن غنائي شعبي يؤدى في أوقات السمر ليلا ، يقوم بأدائه من يشتهر بصوت عذب وأداء غنائي منغَّم وجميل ، ويتميز بأن الجزء الأخير من مقطوعاته الشعرية الإنشادية تسمى ( التوليشة ) التي تكون لها إيقاعها العاطفي الذي يذكي أحاسيس النفوس وكثيرا ما يرد السامعون بعدها بـــ ( أوووه ) وهو ما يعرف بالوالش ، وقد يشارك في ذلك المزمار البلدي ؛ ليزيد هذا اللون بعدا جماليا آخر وسحرا أخاذا يعشقه المتلقي ، وهذا النوع من الشعر الشعبي يقال في الإشادة والتمجيد ومناقب القبيلة وغيرها ، وبما أن الطارق يستأثر بالنصيب الأكبر من شعر الردود ـــــ كما ذكرنا سابقا ــــ فإنه لا غرو أن يكون من أجمل الفنون الشعبية التي تؤدى في نواحي المخلاف ( قديما ) وفي محافظات منطقة جازان بعد ذلك .
وقد تناول هذا النوع من الشعر بعض الكتاب والمفكرين والباحثين في دراسات أو مقالات أو أطروحات سواء كانت في منطقة جازان ، أو في جمهورية اليمن الشقيقة مثل : الأديب والمؤرخ ( محمد بن أحمد عيسى العقيلي ) في كتابه ( الأدب الشعبي في الجنوب ، والأستاذ ( عبد الرحمن محمد رفاعي ) في بعض مؤلفاته ، والأستاذ ( معبر النهاري ) ، والأستاذ ( أحمد السيد عطيف ) ، أما من اليمن الشقيق فقد تناول ذلك كل من : الدكتور ( عبد العزيز المقالح ) في بحثه المعنون بـــ ( الجناس الشامي في الشعر التهامي ) وهو ضمن كتابه ( شعراء العامية في اليمن ) ، و الأديب ( عبد الله البردوني ) في كتابه ( فنون الأدب الشعبي في اليمن ) ، و الباحث ( عبد الله خادم العمري ) في كتابه ( الشعر الشعبي المغنى في تهامة ) ، والباحث الأستاذ ( علوان مهدي الجيلاني ) في عدة مؤلفات منها الدراسة التي أشرنا إليها ـــــ سابقا ـــــ في قصة الراعي وابن مجثل .
ولعلي أعرج ـــــ هنا ـــــ إلى ما قاله أستاذنا : ( محمد بن أحمد العقيلي ) ـــــ يرحمه الله ــــ في هذا الجانب إذ يقول :" غناء الطارق في تهامة وعسير يقابل ( العتابا ) و ( الميجانا ) في سورية ولبنان ، و (الموال ) في بعض الأقطار الشقيقة ، و ( المجرور ) في الحجاز ، وهو في باديتنا نشيد الغناء والمسامرة ، فيخرج الفتيان إلى خارج القرية ويعتلون إحدى الروابي ويوعزون إلى أحسنهم صوتا أن يرفع عقيرته بــــ ( ألا ) وهي النوتة المختصة بهذا الغناء الجميل ، ويسري صوت ذلك المغني ( المُطْرِق ) يشق سكون الليل الساجي في نغم ساحر ولحن طبيعي خلاب يطرب النفس ويبهج القلب ، ويجدد في السامع نشوة غامرة ، ويساوق المغني صوت المزمار البلدي فيزيده فتنة وإبداعا ، وفي آخر كل مقطع يصيح الفتيان بأعلى أصواتهم ( آه ) وهو ما يسمى بالوالش" .
ثم يمضي أستاذنا العقيلي في حديثه عن الطارق فيقول : "وشعر هذا الغناء تسمى القطعة الأولى منه ( المرسم ) والثانية ( الرد ) وكلها مغشاة بالرمزية موشاة بالتورية والجناس والأولى إنشائية والثانية خبرية على مصطلح البيانيين إن صح أنه ينطبق عليه أو يجوز أن نطبق عليه ذلك ولو ( مجازا ) ، ويكون آخر كل شطر كلمة تحمل معنى ويقابلها في الردود الكلمة نفسها ولكن بمعنى آخر" .
ثم يواصل العقيلي حديثه عن الطارق فيقول : "وغالبا ما يكون شعر الطارق من الشعر الذي يحتفل بنظمه الشاعر ويتأنق في صياغته ويسبغ عليه مسحة من الترف في نطاق ( عاميته الشعبية ) . ولهذه العناية اللفظية ، وما يعبر عنه ذلك الشعر من أحاسيس وجدانية ــــــ في الغالب الأعم ـــــ موجودة في طبيعة البشر لا يحتاج صاحب البادية في فطرته الصافية إلى تعمق في تفهمها أو شرح لمعانيها ، برغم ذلك الغشاء الشفيف من الرمزية ، بل إنه يشعر في ذلك الغموض النسبي بلذة التمعن المحبب واستظهار المتواري المحتجب وراء سجف الكتابة ، وغشاء الرمزية وراء كلمات هذا الشعر الشعبي التي تنساب مفاهيمها إلى ذهن المواطن في سهولة ويسر ، ويحيى مع تجربة الشاعر . فإذا اجتمع له سحر الكلمة وفتنة الغناء كان له الأثر المضاعف في مخيلته الفطرية ومداركه البيسطة . وكل تلك الكنايات لا تبعد عن مألوفه في بيئته الطبيعية التي يتمثلها في معيشته وحياته وعمله" .
***
>::>::>::
..........................................
= تطلق هذه التسمية ( الشامي ) على اعتبار أن تلك النواحي من تهامة اليمن هي في الجهة الشمالية لليمن ، فهناك يقال شامي لمن في شماله ، ويماني لمن في جنوبه ، وشرقي لمن في شرقه ، وبحري لمن في غربه .
= انظر محمد بن أحمد العقيلي ، الأدب الشعبي في الجنوب ج1 ، ط2 ، ص 241 ــــــــ 242 .
= المرجع السابق .
= المرجع السابق .