قِصة سمعتها من حفيد صاحب الشأن _ ضربني وبكى _ بِتَصَرف .
حصل بالأمس موقف جعلني أقلب تلك التجارب والمواقف ، التي مرت على أولئك الذين نالت قلوبهم السكينة ، فجعلوا من الإساءة تمر عليهم بردا وسلاما ، لم تضرهم بشيء ، بل كان لها الأثر في قلب حال ذلكَ المسيء ، إذ قوبل ذلكَ التعدي بالإحسان ، فما كان من حال المعتدي إلا أن صار ولي حميم ، هو منهج القرآن من تمسك به وجعله دستور حياة غنم ونعم براحة البال ، ونام قرير العين هانيها ، " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " . لم يعمدوا للإنتقام ، بل غيروا بذلك مجرى الحياة لأولئك المعادون ، الذين كان يجري الحقد والحسد في دواخلهم ، كما يجري الدم في العروق ! حينها تذكرت تلك القصة التي قصها علي أحد الأساتذة الفضلاء عن جده ، وهو من علماء أهل عمان النجباء ، يَحكي عن جده أن كان يٌعاديه أحد أقرانه من العلماء ، وكان يشكوه لإمام ذلكَ الزمان ، يكيل له التهم ويلفقها له ، لتكون صورة ذلك العالم العامل مشوهة عند الإمام ، حتى أمر له الامام بالسجن ، مع يقين الامام باستقامة ذاك العَالم ، إلا انها كانت غاية في نفس الامام لم يُبدها له . فما كان من الأخير إلا الاحتساب والصبر ، مرت الأيام وهو في السجن ، وعنده خروجه ... انقطعت عن ذلكَ العَالم الصابر أخبار من كان يكيد له ، ويحيك له الدسائس ، فأخبر أبناءه إني اشتاق لرؤية فلان ! تعجب الأبناء من أمره وقالوا : أتشتاق لمن يشوه صورتك ، ويتربص بك الدوائر ؟! قال : لنذهب لزيارته في بيته ، فعندما وصلوا عند باب بيته طرقوا الباب ، فلما فتح لهم قال العالم : هل الشيخ فلان موجود ؟ قال من فتح الباب : لا سيعود بعد قليل ؟ قال العالم : إذا أخبره بأن فلان ينتظره في المسجد _ كان قريباً من بيته ذلك المسجد _ ، وعند عودت ذلكَ الشيخ لبيته ،أخبره ابنه بأن رجلا سأل عنه ، وسماه بإسمه ، وهو ينتظرك في المسجد ، حينها نزلت عليه تلك الزيارة كالصاعقة ، فتمثلت تلك الحيل ، والتهم أمامه ، تسير كشريط الذكريات ، فما كان منه إلا أن جاء بحبل ولفه على عنقه ، فقال لإبنه : خذني إلى المسجد ، وأنت تجرني كما تجر الشاة ، فعندما رأى العالم الصابر انكب يقبل رأسه ، ويستسمح منه على ما بدر منه ، وناله من شر ، ومن يومها ، سار سيرة حسنه ، ليكون " ولياً حميما " لذلك العَالم العامل . الدروس المستفادة من تلكم القصة ؛ _ للنجاح والتفوق ضريبة وضريبته ظهور الحاسدين ؛ والحاقدين ، والمثبطين ، والمفتربن . - الحقد والحسد لا يستثني الحلول في أي أحد ، حتى ولو كان ذلكَ الشخص من العلماء أو النساك . - لا يتورع الحاسد من إتيان أي افتراء ، أو اتهام ولو كان فيه نهاية أجل ذلكَ المحسود . - الحاسد لا يجعل لنفسه ساعة مراجعة ، ومحاسبة بل يكون مشغول البال برسم الخطط الجديدة ، لينال من الخصوم . - لا يذكر ولا يحاول تذكر المخاصم الحسنات ، أو الإيجابيات لذلك الخصم ، وكأنه بذلك يحاول تجريده من المعطيات ، التي قد تشفع له عند ذلكَ المخاصم . - في شأن ذلكَ العالم الصابر ؛ فقد جعل من نجاحه وقاية من هجوم الخصوم ، فقلبه مطمئن بالإيمان . - نزع من قلبه ونفسه شهوة الإنتقام ، والرغبة في التشفي ، والرد بالمثل . - تشرب قلبه بالإيمان وأخذ معالجة الأمر من صيدلية القرآن . جعل من أخلاقه وسيرته الحسنة ، هي من تدافع عنه عند غيابه . - عندما غاب عنه ذلكَ المعتدي عليه ، وجدها فرصة كي يغير عقلية ، ونفسية ذلكَ المعتدي ، فكانت الزيارة هي القاضية ، التي تقضي على ذلكَ الحاجز ، الذي شيده ليكون حائلا يعيق التواصل ، والتوصل لقبول الآخر . - ما كان من ذلكَ المعتدي عند سماعه لمقدم ذلكَ العالم ، إلا الرجوع للحق ، والإعتراف بالخطأ _ هنا تُحسب له _ . في المحصلة : " أن الإنسان عليه أن يعامل الناس بأخلاقه هو ، لا بتصرفات وأفعال غيره ، وليكون له منهجٌ واضح ، ليكون له ميزان ، يَزِن به الأمور " . مُهاجر |
رد: قِصة سمعتها من حفيد صاحب الشأن _ ضربني وبكى _ بِتَصَرف .
.
. تروق لي الكتابات المتأملة ذات معنى .. شكرا لخلاصتك وإجمال المستفاد هنا رائع بكل المقاييس الأدبية لا تنطق إلا بما يؤكد أدبيات الأديب مكافأة تستحقها ... شكرا ليراعك |
رد: قِصة سمعتها من حفيد صاحب الشأن _ ضربني وبكى _ بِتَصَرف .
أن الإنسان عليه أن يعامل الناس بأخلاقه هو ،
لا بتصرفات وأفعال غيره ، وليكون له منهجٌ واضح ، ليكون له ميزان ، يَزِن به الأمور " . هنا وكفى درر للمعنى وللحياة والواقع رائع بكل المعاني يامهاجر الفكر شكرًا لروحك الجميلة |
رد: قِصة سمعتها من حفيد صاحب الشأن _ ضربني وبكى _ بِتَصَرف .
سطور زاهية بالمعرفة طرح يزيدنا ألقا ريحانة لقلبك |
الساعة الآن 11:51 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
مجتمع ريلاكس