منتديات مدائن البوح

منتديات مدائن البوح (https://www.boohalharf.com/vb/index.php)
-   قناديـلُ الحكايــــا (https://www.boohalharf.com/vb/forumdisplay.php?f=31)
-   -   الكرسوع ( رواية ) (https://www.boohalharf.com/vb/showthread.php?t=5374)

الغيث 08-05-2021 12:42 AM

الكرسوع ( رواية )
 
أحبتي أعضاء منتديات المدائن
يطيب لي نشر روايتي الأولى ( الكرسوع ) ــــ هنا ــــ على حلقات
وأرجو أن تنال استحسانكم .
تابعوني .......


الغيث

الغيث 08-05-2021 12:45 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


الإهداء

إلى تلك الأرواح البريئة التي احتضنتها تربة الأرض
بعد أن دفعت حياتها ثمنا لحرية الآخرين .

الغيث
>::






هادي علي مدخلي 08-05-2021 12:58 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
يبدو اننا على موعد
مع الجمال
للختم والتنبيه ومكافأة المنتدى
سأكون هنا دوماً

البنفسج 08-05-2021 01:06 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
حتما سيكون كرنفال من مطر
فالغيث غزير ونحن نستمطر كل جمال
ونفرح به ونستمتع بأدق تفاصيله

flll:

النقاء 08-05-2021 01:43 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
معك معك متابعه لكل حرف يكتبه الغيث

بواكير الورد لروحك وربي يوفقك


ننتظر حروف الذوق والرقي والأبجدية العالية

واجدة السواس 08-05-2021 02:24 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
ان شاء الله يارب نتابع
حرف حرف وهل

يخرج شيئ من بين اناملك ولا يروق لنا

استاذنا البارع
تحياتي

سفير المعرفة 08-05-2021 12:54 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
الغيث
هنيئا لي أنني أنا بينكم
ودي واحترامي

الغيث 08-05-2021 03:04 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هادي علي مدخلي (المشاركة 98077)
يبدو اننا على موعد
مع الجمال
للختم والتنبيه ومكافأة المنتدى
سأكون هنا دوماً


شكرا من القلب هادينا الحبيب
\ومنتحرمش يارب
flll:flll:

الغيث 08-05-2021 03:06 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البنفسج (المشاركة 98084)
حتما سيكون كرنفال من مطر
فالغيث غزير ونحن نستمطر كل جمال
ونفرح به ونستمتع بأدق تفاصيله

flll:

بوركت سيدة الحرف البنفسج
ويا رب تنال رضاكم واستحسانكم
أسعدك الرحمن
flll:flll:

الغيث 08-05-2021 03:08 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة النقاء (المشاركة 98111)
معك معك متابعه لكل حرف يكتبه الغيث

بواكير الورد لروحك وربي يوفقك


ننتظر حروف الذوق والرقي والأبجدية العالية

بارك الله فيك اختي الرائعة النقاء
وسعيد بمتابعتكم
أسعدك الرحمن
flll:flll:

الغيث 08-05-2021 03:15 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة واجدة السواس (المشاركة 98119)
ان شاء الله يارب نتابع
حرف حرف وهل

يخرج شيئ من بين اناملك ولا يروق لنا

استاذنا البارع
تحياتي


أهلا فيكِ يا واجدة
وسعيد بمتابعتك
شكرا بحجم السماء
flll:flll:

الغيث 08-05-2021 03:17 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سفير المعرفة (المشاركة 98202)
الغيث
هنيئا لي أنني أنا بينكم
ودي واحترامي


وهنيئا لنا بك يا اخي سفير المعرفة
شكرا لروحك الجميلة
وأسعدك الرحمن
flll:flll:

الغيث 08-05-2021 03:19 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
مع حلقات الرواية flll:


تنويه :
يسأل البعض عن معنى الكرسوع
الكرسوع يا أحبتي هو الفتى القوي الشجاع مفتول العضلات
يخشاه كل من في سنه من الشباب
يعني فتوة أو ( أبضاي ) مثل دور أبو عنتر الذي مثله الفنان ناجي جبر
في مسلسل ( صح النوم ) مع غوار هههه

الغيث 08-05-2021 03:30 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل الأول

أشار بيده اليسرى المحاذية لسائق ( التاكسي ) الذي أوصله :
ـــــ بس .. بس .. وقِّفْ عندك .
ومن ربكته ترجَّل من تلك السيارة دون أن ينقده أجره ، وعندما نبهه السائق لذلك أحس بالحرج فأخذ يتمتم ببعض الكلمات :
ـــــ شيل حقك يا بويا .. نسيت والله .. إحنا ما نشيل عرق الناس .. إحنا ما كنا ندوِّر للتاكسي كنا نأخذها كعابي .. إهيييه .. ألا ليت الشباب ...
وقف على رصيف الطريق يتفحص تلك المباني التي ارتصت أمامه رافعا كفه أعلى حاجبيه ؛ ليحجب عنه ضوء الشمس ويساعده على رؤية واضحة ، كان يبحث عن مبنى معين وُصف له موقعا وشكلا ولونا ، دخل إلى ( الكفتيريا ) الواقعة أسفل المبنى الذي حدده ــــ مقتنعا ــــ جلس على أحد كراسيها وأخذ يتأمل المكان ويتفحص محتوياته ، نظر إلى العامل ( البنغالي ) المنهمك في تحضير بعض الوجبات المطلوبة من الواقفين أمامه ، كان يتابع حركته من بين أجساد المنتظرين لطلباتهم خلف زجاج ذلك الدولاب المصنوع من الألمونيوم والممدود على طول أرضية المحل ، والمحتوي على عدد من زجاجات المايونيز والشطة وعلب الفول المدمس والتونة والجبنة ، وزع نظراته في بقية أرجاء المحل وهو يرى كراتين المياه المعبأة في قوارير بلاستيكية ، كذلك كراتين المشروبات الغازية وطاولتين فارغتين من الزبائن ، لاحظ عدم جودة تلك المواد الاستهلاكية ، كما هي عادة البوفيهات والبقالات الصغيرة التي تعمد إلى شراء النوع الرخيص من تلك المواد ؛ لتحقيق أكبر قدر من الأرباح دون الاهتمام بذائقة الزبون وصحته ، تنَهَّد وقال في نفسه :
ـــــ إيش هذي الحالة ، يعني ما فيه غير هذي ( الساندوتشات ) وهذي العصائر ( يقصد المشروبات الغازية ) .
نادى على ذلك العامل :
ـــــ صديق تعال .. سوي لي واحد ساندوتش بيض مقلي وكباية شاي منعنش ، وهو لا يدري هل البنقالي يعرف كلمة منعنش أم لا .
أثناء انتظاره لطلبه كان يفكر كيف يحل هذا اللغز : فالمبنى مكون من أربعة أدوار ، وقد عُلِّقت عليه عشرات اللوحات التعريفية وهو لا يستطيع قراءة أي منها ؛ بسبب ضعف بصره ، هو يعلم أنه في شارع الأمير ( سلطان ) الواقع في حي ( الروضة ) والمكتظ بالمباني والسيارات وزحمة البشر ، هذا الحي الذي كان قبل عدة سنوات أرضا سبخة ( فضاء ) ، لكنه متيقن أن مبتغاه يقع في ذلك المبنى الذي حدده مسبقا .
تناول وجبته التي أحضرها العامل مع كوب الشاي ، وكان كلما قضم شيئا من ذلك الساندوتش احتسى عليه قليلا من الشاي مبديا حرصه الإبقاء على شيء منه ؛ لارتشافه لاحقا . تناول ورق النشاف الذي كان يلف وجبته وحركهما بين يديه لتنظيفهما من بقايا الزيت ، أخرج من جيب ثوبه السفلي الأيسر علبة سجائر من النوع الذي يدخنه بعض كبار السن ــــ عادة ـــــ ، أشعل سيجارة وأخذ نفسا عميقا منها ثم أطلق العنان لدخانها ؛ ليخرج من فمه وأنفه ، سأل العامل :
ــــــ صديق ..ما تعرف فين هي عيادة الدكتور ماجد ؟
ـــــ أمُّو .. هزي إمارة هو موزود دكتور مازد .. هو دور تلاتة .. أمو هزا دكتور ميه ميه .. نفر كله ييزي .
يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-05-2021 03:43 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



قام العم ( محمود ) متحاملا على نفسه ؛ لما يحس به من وطأة بعض أمراض الكبر ، اتجه نحو باب الكفتيريا الزجاجي ـــــ بعد دفع الحساب ــــ وهو يتلمس مقبضه ، ويفكر كيف يصعد ذلك السلم ليصل إلى العيادة ، وعند أول درجة من سلم المبنى تعثرت إحدى قدميه بها ( كَدَش ) فتقطب وجهه ممزوجا ببعض اللعنات على هذه السلالم ، وعندما هم بصعود الدرجة التي تليها أحس بنزول إحدى السيدات من أعلى السلم فتراجع للخلف ؛ ليفسح لها المجال ، وعندما اقتربت تلك السيدة منه نظرت إليه وقالت :
ـــــ مين .. كرسوووع ...
ثم أطلقت ضحكة ساخرة أتبعتها بقولها :
ـــــ الله يرحمِك يا ( ريحانة ) .
رد العم ( محمود ) :
ـــــ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. كملت الحكاية والله .. ما ناقص هذا الهم إلا ( مِسْكَة ) .. يابنت الناس أنقلعي عن وجهي بلا بهللة حقتِك .. يلا اتكلي على الله وروحي شوفي رزقك .
صعد العم محمود السلم وكان كلما أنهى مرحلة منه أخذ قسطا من الراحة واقفا مع أخذ نفس عميق ، وعندما وصل إلى باب العيادة دفعه إلى الداخل واستقر على أقرب كرسي في صالة الاستقبال .
من خلف مكتبها الأبيض تحدثت إليه مسؤولة الملفات :
ــــــ مرحبا يا عم .. عندك ملف من أول ؟
ـــــ لا يا بنتي .
ــــــ طيب أفتح لك ملف ؟
ـــــ لا يا بنتي .
احتارت تلك الفتاة في أمر هذا الرجل ، ولم تعرف كيف تتصرف معه وهي حديثة عهد بالعمل في هذه العيادة ، فهي ضمن مجموعة من الممرضات اللاتي تخرجن هذا العام من كلية العلوم الطبية ، ولا زلن ينتظرن دورهن في التعيين الحكومي من قبل ديوان الخدمة المدنية ، وهي تعمل ــــ هنا ـــــ بصورة مؤقتة ، فكلما قالت للرجل شيئا ، قال لها : لا يا بنتي ، فما كان أمامها إلا إبلاغ مساعدة الطبيب المسؤولة عن العيادة ــــ من بعده ــــ والتي حضرت واقتربت من العم محمود وحدثته بلهجتها السورية :
ــــــ سلامات ، شو فيك يا عمي ، بدك كشف ، سنونك عمتوجعك ؟
ـــــ يا ناس قلت لكم ما أبغى كشف ، أبغى أقابل الدكتور ماجد شخصيا .
ـــــ بس ما يصير هيك !
ـــــ إلَّا يصير ونص .
ـــــ لا ما يصير يا عمي !
ـــــ أقول ما لكم شغل ، أنا أبغى أقابل الدكتور وبس ، فهمتم ولا أفهِّمكم أكثر .
ـــــ طيب خلاص خلاص ، بس بدك تنتظر كتير ، الدكتور عنده الحين نزع عصب ، والحالة اللي وراها حشو ، وبعدها حرمتين كشف .
ـــــ مش مهم ، راح انتظره إن شاء الله للعصر .
يتبع ........


***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-05-2021 03:47 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



أطلق العم محمود بعض الزفرات وأخذ يتجول بعينيه في أرجاء العيادة وعلامات الارتياح ترتسم على ملامحه ، وحين وقعت عيناه على لوحتين معلقتين على أحد حوائط العيادة تسمرتا عندهما ، فعدل من جلسته وأسند جسده على ظهر ذلك الكرسي مادًّا رجليه إلى أقصى الأمام مسترخيا وراحلا في أعماق تلكما اللوحتين .
كانت اللوحة الأولى لمدينة جيزان في السبعينات الهجرية ـــــ تقريبا ـــــ وتظهر فيها المنازل القديمة المشيدة من الحجر والجص وتلك المشيدة من الجريد والقش ، أما اللوحة الثانية فهي للمدينة في العصر الحديث وتظهر فيها ملامح النهضة العمرانية والشوارع الفسيحة وحركة السيارات واتساع الرقعة السكانية ، غير أن نظراته استقرت على الأولى ؛ ليغوص في أعماقها ويرتحل في تفاصيلها بقلبه وفكره وكل جوارحه .
تساقطت بعض الدموع من عيني العم محمود وكأن كمًّا كبيرا من التداعيات تفجر في داخله ليرتحل به زمنا طواه صبيا وشابا فيافعا فراشدا ثم كهلا ، كانت أشياء كثيرة تكتظ في حناياه ، تتوارد عليه توارد مياه الغدران في جداولها ، حاول ترتيبها وفشل فأطلق لها العنان لتتداعى وتعصف به كيفما شاءت فتهتز من فعلها شفتاه ليردد في داخله :

سلامْ سلامْ يا جماعة
سلامْ سلامْ يا جماعة

يَهْلَ الكرَمْ والشجاعة
يَهْلَ الكرَمْ والشجاعة

سلامْ سلامْ يَهْلَ جَرْوَل
سلامْ سلامْ يَهْلَ جَرْوَل

يَهْلَ الحمامْ المِسَرْوَل
يَهْلَ الحمامْ المِسَرْوَل

ثم بدا عليه شيء من الانفعال والربكة فردد في داخله :
ـــــ ( يا ألله .. يا ألله .. يا لطيف .. الطف بنا يا رب ) .
عادت دموعه إلى التساقط مرة أخرى ؛
ـــــ صدقيني يا بنت الناس عمري ما حبيت غيرك .. أقسم لك .. أنا شاب ( فرنكلي ) ــــ زي ما يقولوا أهل الحارة ــــ وعمر قلبي ما مال لبنت محددة .. لكن أنتِ مدري كيف خطفتِ قلبي .
ثم بدت عليه ملامح التوتر والانفعال مرة أخرى :
ــــــ قلت لا .. يعني لا .. إلا هذي البنت .. عال والله ما بقي إلا بنت ( الحَسيبي ) تتزوجها .
أفاق العم محمود من ارتحالاته وإذا حالة نزع العصب ما زالت لدى الدكتور ماجد فعاد لاسترخائه مجددا ، وهنا صدرت منه بعض الإيحاءات وكأنه يلوح بيده اليمنى لشيء ما :
ــــــ قتلناه .. قتلناه .. ابن الكلب .. ما بقي إلا هذا الخسيس يضحك علينا .
هنا أخرجه من هواجسه تلك صوت الممرضة وهي تنادي على الرقم ( 5 ) ثم ما لبث أن عاد لاسترخائه من جديد .

يتبع ....... الفصل الثاني


***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





النورس 08-05-2021 05:31 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
لا يإتينا من الغيث إلا كل رائع
نحن على موعد مع الجمال
متابع ولك الود

الغيث 08-07-2021 02:20 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة النورس (المشاركة 98267)
لا يإتينا من الغيث إلا كل رائع
نحن على موعد مع الجمال
متابع ولك الود


شكرا يالنورس الجميل
وبورك عمرك وقلمك
تحياتي
flll:flll:

الغيث 08-07-2021 02:24 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
تنويه

يسأل البعض عن معنى الكرسوع
الكرسوع يا أحبتي هو الفتى القوي الشجاع مفتول العضلات
يخشاه كل من في سنه من الشباب
يعني فتوة أو ( أبضاي ) مثل دور أبو عنتر الذي مثله الفنان ناجي جبر
في مسلسل ( صح النوم ) مع غوار هههه

جاي في السريع 08-07-2021 04:49 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
عنتر شايل سيفه
سأكون متابع لكل الحلقات
وسوف ارد عليك
هُنا تميز خاص جداً
ورواية تحتاج إلى تأمل

الغيث 08-07-2021 05:53 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جاي في السريع (المشاركة 98756)
عنتر شايل سيفه
سأكون متابع لكل الحلقات
وسوف ارد عليك
هُنا تميز خاص جداً
ورواية تحتاج إلى تأمل


شكرا أخي العزيز جاي في السريع
وأنا سأسعد بمتابعتك
كل التقدير وخاص الود
flll:flll:flll:

الغيث 08-07-2021 06:28 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل الثاني


أشرقت الشمس في ذلك الصباح الجميل ومعها أشرقت كل الابتسامات البريئة على محيا الطيبين ، وعلى دروب الصفاء تفتحت الزهور البيضاء في نفوس وقلوب الملتحفين بالطهر والنقاء ، وانتشر الكل ساعين إلى رزق الله وفضله ، كان الفتى ( محمود ) يتهيأ لذلك السعي وهو يسمع من خلف جدار منزله همهمات التحايا الصباحية المفعمة بالود والرضا ، تصاحبها أصداء وقع أقدام المنتشرين نحو مبتغياتهم :

يا فتَّاح يا عليم يا رزَّاق يا كريم

يالله على بابك يا كريم

خرج محمود مع انطلاق صياح الديكة ــــ قبل الأخير ـــــ معلنة بداية المعترك الحياتي اليومي لخلق الله جميعا ، وفي طريقه كان يشاهد بعض العُمَّال وقد حملوا أدواتهم على أكتافهم متجهين نحو دروب الكفاح ، وفي زقاق آخر شاهد البعض يحمل بين يديه زنبيلا منسوجا من السعف ؛ ليجلب فيه إفطار أسرته ، مناظر كانت ترتسم على صفحات روحه كلوحات سريالية ، ألوانها الصدق والأمانة ، وعناوينها الإخاء ، وهنا التقى بالحدَّاد ( عاكف ) :
ـــــ صباح الخير يا عم عاكف .
ـــــ يسعد صباحك ياولدي .. ويمن عليك بالزرق الحلال .
كان محمود يقترب من أطراف السوق الرئيسي للمدينة وبين يديه إناء معدني صغير متجها نحو العم ( هجري ) الذي كان يقف خلف جرته المليئة بالفول المطشوش وهو يحرك مغرفته ذات الذراع الطويل داخل تلك الجرة ذهابا وإيابا ليملأ تلك الآنية الصغيرة ــــ التي يُحضرها المشترون ـــــ بالفول المميز ، وعلى الجانبين أسفل الجرة تتنافس بعض الآنية متوسطة الحجم في تقديم التوابل والطحينة السائلة ومسحوق البسباس الأحمر ؛ ليأخذ منها الفوال ( هجري ) قدرا مناسبا يضيفه على ذلك الفول الذي أفرغه في تلك الآنية ليضفي عليه نكهة رائعة ، وفي زاوية مقابلة يقف السيد ( قاسم ) بائع الخبز المشهور وقد امتدت حواليه طاولات خشبية ملأى بأنواع الخبز المحلي : ( الصامولي ، المدور ، الشامي ، الشريك ) وغيرها ، وقد اشتهر ذلك البائع منذ القدم بسماحته مع الفقراء والمساكين ، فكثيرا ما كان يمنحهم الخبز بأقل من ثمنه ، ولربما منحهم إياه مجانا لذلك تجد ربحه مباركا على الدوام .
عاد محمود إلى داره حاملا ( صينية ) الفول وناولها لوالدته ، ثم خرج ميمما نحو الساحل ؛ لشراء بعض السمك ؛ لإكمال وجبة الفطور التي تتفنن فيها والدته ، وعند وصوله للساحل كان على موعد مع الألق والجمال الآسر المتجلي على تلك الشواطئ الجميلة الحالمة والمتكئة على وسائد الطبيعة البكر ، كانت صفحة البحر رقراقة صافية وقد اكتست بلون زئبقي نتيجة لانعكاس السحب الملبدة في أجواء المدينة عليها ، كان الصباح رائعا والمنظر يأخذ بالألباب ، لكن المراسي الطبيعية كانت خالية من القوارب إلا ماكان مُعدًّا منها للصيانة .
هنا بادر بإلقاء التحية على العم ( شوران ) صانع القوارب :
ــــــ كيفك يا عم شوران .
ـــــ أهلا بك يا محمود .. بخير والحمد لله .
ـــــ أشوف المكان فاضي !
ـــــ نعم .. فقد بكَّر الصيادون بعد صلاة الفجر ؛ لطلب أرزاقهم في أعماق البحر وحول الجزر القريبة من المدينة .
ـــــ طيب والعمل.. نبغى سمك للفطور !
ـــــ انتظر يا محمود .. بعد قليل يأتي السمك مع أهل ( الدُّوْل ) والمبكرين من الصيادين الهواة ، فإن مع العسر يسرا .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-07-2021 06:36 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



أومأ محمود برأسه وهو يعرف أن بعض الهواة يمتطون ( أرماصَهم ) الخشبية أو تلك المصنوعة من الفلين ــــ بعد الفجر ـــــ ويذهبون إلى أطراف المياه العميقة ليمارسوا هوايتهم في فترة صيد سريعة تنتهي باصطياد بعض أسماك الشعور والكِشْرَة والناقم والشُّون والحباري ، أضف إلى ذلك ما يجمعه أصحاب الشِّباك مما علق في شباكهم من أسماك العربي الصغيرة والقزامي ، كل ذلك المحصول يعرض للبيع على الساحل مبكرا ؛ لتعد منه الأسر الجيزانية وجبة الإفطار .
وفي هذه الأثناء ظهر أحد جيران محمود :
ــــــ هلا صلاح .. ليش متأخر عن موعدك اليوم ؟
ــــــ والله يا محمود ذهبت ( للميدان ) أبغى ( حبحب صغير ) للوالدة وأعجبني المنظر هناك وقعدت أتْفَرَّج .
ربَّت محمود على كتف جاره صلاح وهو يعرف تلك المساحة المكانية الجميلة التي تسمى بــــ ( الميدان ) حيث يتجسد على جوانبها ذلك المشهد الرائع لحركة البيع والشراء للمنتجات الجازانية ، فهناك الأواني الفخارية والأدوات الخشبية والحجرية والمنتجات السعفية المحلية يدوية الصنع ، وهناك بائعو المواشي والدجاج والبيض البلدي ، وهناك بائعو المنتجات الزراعية المحلية ، وكذلك بائعو ( القَصَب ) المستخدم علفا للمواشي ، وكثيرا ما يكتظ ذلك المكان بالحركة وتختلط في أجوائه هتافات الباعة بأصوات الأغنام ورغاء الجمال الجاثية بعد أن أنزلت حمولتها التي قدمت بها من القرى المحيطة بالمدينة .
بعد أن تناول محمود إفطاره حمل بضاعته المتواضعة متجها نحو السوق الرئيسي للمدينة ، والذي يجثو بعراقته وأصالته وطيبة أهله على كفيها الحالمتين ، وقد بدأت بعض الدكاكين تفتح أبوابها للمبكرين في الشراء حيث شرع بائعو الأقمشة بعرض بضائعهم في زوايا دكاكينهم بطريقة خاصة تجذب المشترين ، وفي زاوية من وسط ذلك السوق جلس محمود في مكانه المعتاد عارضا أمامه عددا من المقاعد الخشبية ( الأرضية ) وبعضا من الطاولات الشعبية ( التُّخُت ) انتظارا لفرج الله أن يسوق له بعض المشترين ليكسب منهم بعض النقود ينفقها على نفسه ووالدته ، تلك المهنة التي اكتسبها ( محمود ) من والده الراحل لا تكاد تكون مربحة إلا أنها تسد شيئا يسيرا من الحاجة إذ ليس له مصدر آخر من الدخل غيرها ، خاصة وأنه انقطع عن التعليم وخرج منه مبكرا .
هنا يمر من أمامه ( عايش ) المحلوي وقد ملأ قيروانته بأصناف من الخبز الصغير المدور والمحلى بالسكر وأنواع أخرى من المخبوزات العسلية ( المغمورة بالشيرة ) ، وعندما اشتاق ( محمود ) لشيء منها لم يجد لديه إلا القليل من النقود اشترى بها ما تيسر من ذلك المحلوي ، ثم أخذ يتأمل حركة السوق ويوزع نظراته بين زواياه وهو يشاهد ذلك الرجل العجوز ( دفَّاش الغيدي ) بائع المتروكات القديمة وقد تربع في زاوية من دكانه العتيق ، هذا الرجل الذي اشتهر ـــــ بجانب بيع المتروكات ـــــ ببيع القاز الصافي الذي كان يُطلَق عليه ( قاز ولايتي ) والذي كان يأتي في صفائح ( تنك ) من الصاج اللامع ، وكان يبيعه لزبائنه بالمكيال الذي هو عبارة عن علبة معدنية من الفوارغ مثبتة في ذراع معدني أو خشبي طويل يستطيع الوصول إلى أعماق تنكة القاز ، وكان هذا القاز يأتي عن طريق بعض دول الخليج التي بدورها تستورده من بعض بلدان العالم التي تنتجه ، وفي الجزء الشمالي من السوق ترتص مكائن الخياطين على جانبي ما يعرف بــــ ( زقاق الخياطين ) ، حيث حضر العم ( أمان ) مبكرا في صبيحة ذلك اليوم ، وما إن هم بمزاولة مهنته حتى لاحظ بقعة ضوء في منتصف موقع مكينته ، مكتشفا أن سببها فتحة بسيطة في سقف المكان تتسلل منها أشعة الشمس ، فكر قليلا ثم بحث عن قطعة من الكرتون بين مخلفات الدكاكين ، ثم صعد إلى السقف ؛ ليغطي تلك الفتحة ولم ينتبه لوجود فتحة أخرى متسعة ــــ نسبيا ــــ هي الأخرى مغطاة بالكرتون ،


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-07-2021 07:07 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



وما إن داس بقدميه على مكان تلك الفتحة المغطاة بالكرتون حتى سقط إلى الأسفل ، ولفطنته فَرَدَ ذراعيه بصورة متعامدة مع السقف ؛ لتمنع سقوطه كاملا إلى أرضية السوق ، ليبقى جزؤه السفلي متدليا للأسفل والآخر في الأعلى ثم أخذ يستنجد بالحاضرين ، وما إن وصل صوته مستنجدا حتى هب الجميع لنجدته ، صعد الفتى ( محمود ) ورجلان آخران إلى أعلى السقف وأخرجوه من وضعية السقوط وهو يكاد يغمى عليه من شدة ارتطام ذراعيه بخشب السقف ، ثم أنزلوه إلى أرضية السوق وأفاضوا عليه شيئا من الماء ، طلب الفتى محمود من أحد الحاضرين مساعدته في حمل العم ( أمان ) إلى منزله مستندا على كتفيهما ، ولم يكتف محمود بذلك بل ذهب يبحث عن الغمَّاز ( علاَّن ) المشهور بالغميز ؛ ليقوم بما يتطلبه الأمر نحو العم أمان ؛ حيث قام ( علاَّن ) بتدليك جسد العم ( أمان ) وفحص الأجزاء المتضررة منه مستخدما في ذلك خبرته وشيئا من زيت السمسم الساخن ، ثم طلب من أهله عمل لبخة من الزيت والدقيق والكركم ( الهُرْد ) على النار وهو ما يسمى محليا بــــ ( المِسَبَّخ ) ؛ كي يدهن بها تلك الأجزاء المصابة ، ثم يلف عليها بشيء من القماش القطني لمدة ثلاثة أيام ؛ لتمتص أي تجمع دموي أو كدمات سبَّبها ذلك السقوط ، بعد أن غادر ( علاَّن ) منزل العم ( أمان ) عاد الفتى ( محمود ) إلى زاويته في السوق الرئيسي ، حيث فتحت جميع المحلات التجارية أبوابها للمشترين ، وعمَّت الحركة الأرجاء ، وفي طرقات السوق بدأت العربات التي تجرها الحمير في نقل البضائع بين تجار الجملة ودكاكين التجزئة وأصحابها يسيسونها ما بين لطف وعنف ، فهذا صاحب حمار قد شرع يكيل السباب واللعنات على حماره وقد حَرَن معاندا من ثقل الحمل الذي يعلو عربته ، وذاك حمار قد رفع عقريته بالنهيق حينما اشتم رائحة أنثى من جنسه تمر بالقرب منه ، وهناك الصبيان بائعو الماء البارد يجوبون طرقات السوق وقد أمسك كل منهم بــــ ( بِتِرمِسِه ) الذي يحفظ فيه ماءه البارد وأخذ يصيح :
ـــــ برِّد .. برَّد .. الكأس بقرش .. برَّد .. برَّد .. الكأس بقرش .
في الناحية اليمنى من السوق جلس تاجر الجملة الكبير ( با صَدِّيق ) على مقعده الخاص في منتصف متجره ، وقد شرع يباشر البيع لزبائنه من التجار الصغار وأصحاب دكاكين التجزئة ، حيث يبيع عليهم المفروشات وأغطية السرر و ( الحِيَك ) والمصانف وبعض الكماليات المنزلية ، يقوم على خدمته وخدمة زبائنه طول النهار عامله ( عرَّاش اليماني ) حيث يجلب له الإفطار من المنزل ، ثم يقدم الماء والشاي والقهوة له ولمن يحضر إليه من المشترين ، وذاك ( حامد القمَّاش ) قد فتح دكانه الذي يبيع فيه مستلزمات صناعة وصيانة القوارب مثل : فتايل القطن التي تستخدم لحشو الفراغات بين فتحات الأخشاب في القوارب ، ومسامير ( البروما ) السوداء ذات الرأس الدائري والمستخدمة في تثبيت ألواح القوارب الجديدة ، كذلك الشحم المستخدم في طلاء القوارب من الخارج ؛ لحفظ هيكلها من عوامل تعرية الماء ، وعلى مقربة من القمَّاش كان العم ( عبد الله مهربِج ) في دكانه وقد شرع ببيع المواد الغدائية مثل : الأرز ، السكر ، الشاي ، السمن البلدي والسمن الخشبي ، العسل ، وبعض المعلبات ، في جانب آخر يعلو صوت شجار بين بائع الذهب ( يوسف النوحي ) وأحد المشترين ، ذلك الشجار الذي يكاد يشتعل يوميا مع بعض الزبائن بسبب عصبية البائع الزائدة ، والذي كاد أن يتحول لعراك في ذلك اليوم لولا تدخل كل من : ( حمدان البَو ) بائع الحبال بالسوق ، و ( إبراهيم ظامي ) بائع الأخشاب ، و ( سراج عشوي ) بائع الكتب ، وكلما تقدم النهار قليلا ازدادت حركة البيع والشراء


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-07-2021 07:10 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



وهنا يظهر الدَّلال الشهير ( علي النُّونو ) وهو يتردد بين تلك الدكاكين ؛ ليعرض ما لديه من صكوك أراض ودور وأشياء أخرى كلفه أصحابها ببيعها بسبب حاجتهم للمال ، كما يظهر في ذلك التوقيت رجل يدعى ( عبده أنتَل ) لعرض خدماته على أصحاب الدكاكين : كتوصيل مستلزماتهم إلى دورهم أو جلب ما يريدون منها ، أو توزيع الطرود والإرساليات الخاصة بهم إلى ( المُخَرِّجين ) نيابة عنهم مقابل أجر بسيط يحصل عليه ينفقه على نفسه وأسرته ، وأول ما يفعله ( عبده أنتل ) عند حضوره إلى السوق هو الجلوس عند بائع الشاي ، ذلك الرجل القصير الذي يدعى ( كعبوش ) ليرتشف برَّادا صغيرا من الشاي المميز ذي النكهة الخاصة التي يجيدها ذلك البائع ، والذي يستخدم لصنعه أجود أنواع أوراق الشاي والماء النظيف ، بعد أن يقوم بغليه في براده المعدني الكبير على ذلك ( الدافور ) الذي يعمل بالقاز ، ثم يقوم بصنع الشاي في براريد صغيرة من الخزف المنقوش ويقدمه لزبائنه من أصحاب الدكاكين ، وممن يريد من المشترين ، هذه النكهة المميزة التي اكتسبها ( كعبوش ) هي نتاج لعدد من السنوات التي قضاها في عمل الشاي في دكانه الصغير الواقع وسط السوق ، بعدما يرتشف ( عبده أنتل ) برَّاده الصغير ينسج على مسامع ( كعبوش ) كذبة طازجة مدعيا فيها عدم وجود نقود لديه ، وأن حاله لا يسر حبيب ولا عدو ؛ ليذهب الحساب أدراج الرياح ، في هذه الأثناء تكون قوافل الجمال القادمة من قرى المنطقة قد بدأت ترد إلى المدينة ، فبعضها قد أناخ بحمله باكرا في ساحة الميدان ، وأما البعض الآخر فيأخذ طريقه إلى السوق الرئيسي مخترقا شارع ( الجمَّالة ) ، تنقسم القافلة إلى جزءين : الجمال المُحمَّلة بالموز البلدي و ( الفِرْكِس ) و ( البَرقوق ) و ( الترنج ) والعنب و ( الشفلَّح ) تنحدر نحو الغرب ؛ لتصل إلى مقر بيع الخضروات والثمار المحلية عبر بوابة السوق الشرقية ، حيث يُفرِغ الجمالون حمولتها من كراتين الثمار بعد أن يتعاهدوا ما لحق ببضاعتهم من أذى ؛ نتيجة لتعرضها لهجوم بعض الشباب الأشقياء ، الذين يخرجون عليهم من بين الأزقة المتقاطعة مع شارع الجمالة ليبطشوا من تلك الكراتين ما تيسر من الثمار ، يوقَّتون لذلك بعد فراغهم من مضايقة بائعات اللبن ( التواجِر ) والتحرش بهن ، ويفعلون كل ذلك ظنا منهم أن ذلك يدخل ضمن الشيطنة والشقاوة والفتوة ، ولا يدركون أن أفعالهم تلك تسبب الأذى لغيرهم وتكتب أوزارا عليهم ، وأما الجمال المحمَّلة بأنواع الحبوب فتواصل مسيرها جنوبا إلى محطتها الأخيرة ( المحناط ) حيث تفرغ حمولتها هناك .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-07-2021 07:14 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




قبل أذان الظهر بقليل يقوم بائع الشاي ( كعبوش ) بتركيب براده المعدني الكبير على ذلك الدافور ؛ ليُسخَّن الماء لإعداد الشاي كمرحلة أخيرة يختتم بها ذلك النهار قبل أن يعود إلى داره ، وحين تحريك البرَّاد انكفأ جالون القاز بالقرب من لهب الدافور فشبَّت النار في أجزاء من دكانه الصغير ، وحينما شاهده الفتى ( محمود ) الذي كان يجلس قريبا منه هب فورا لمساعدته حتى أطفأ تلك النيران ، ثم عاد إلى مكانه وحمل بضاعته عائدا بها إلى منزله دون أن يبيع شيئا منها .
عاد محمود مكسور الخاطر ، ساخطا على حظه العاثر وقلة حيلته ، عاد وهو يتمتم في نفسه :
ـــــ كيف أهُبُّ لمساعدة الكل دوما ولا أجد زبونا واحدا يشتري مني ؟ يجب أن أبحث عن عمل آخر .
وفي أثناء عودته ببضاعته إلى منزله وعند الأطراف الشمالية للسوق لمحه الأستاذ ( أمين الحجازي ) مدير إحدى المصالح الحكومية فنادى عليه ، وطلب منه شراء طاولتين من بضاعته وفاصله في الثمن ، فما كان من ( محمود ) إلا أن شكى إليه حاله وبؤسه وحاجته إلى النقود ، وهنا ابتسم الأستاذ ( أمين ) وقال لمحمود :
ــــــ بكم حددت سعر الطاولتين ؟
ـــــ كل واحدة بنصف ريال .
ـــــ طيب إيش رأيك لو أعطيك ريالين عن كل طاولة ؟
ـــــ بالله .. يا سلام عليك .. الله يطوِّل عمرك .. أنا مش مصدق !!
وأخذ محمود يكيل الثناء والشكر والدعاء للأستاذ ( أمين ) الذي فاجأه بقوله :
ـــــ ما رأيك يا .... لو تركت هذه الشَّغلة وعملت عندي صبيا ، وسوف أعطيك مائة ريال في الشهر؟
ـــــ اسمي محمود .. خلاص أنا موافق .
ويمضي النهار على هذه الإيقاعات الجميلة ، وينطلق صوت المؤذن ( أحمد المطوِّع ) من المسجد القريب للسوق رافعا أذان الظهر ، وبعد الصلاة يعود القليل من البائعين إلى دكاكينهم ، ويخلد الأغلب إلى الراحة في منازلهم انتظارا لوجبة الغذاء .



يتبع ........ الفصل الثالث

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





مسك الخواطر 08-09-2021 11:33 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
حظي سعيد هذا الصباح
وأنا أمر على قسم القوافل
وصف دقيق
خفيف الدم رائع حتى
هنا في كلماتك الجميلة
التي بثت ابتسامة للنفس هذا الصباح الجميل
سأكون متابعة لكل التفاصيل
ولي عودة مع آخر ثلاث حلقات

الغيث 08-10-2021 02:43 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسك الخواطر (المشاركة 99336)
حظي سعيد هذا الصباح
وأنا أمر على قسم القوافل
وصف دقيق
خفيف الدم رائع حتى
هنا في كلماتك الجميلة
التي بثت ابتسامة للنفس هذا الصباح الجميل
سأكون متابعة لكل التفاصيل
ولي عودة مع آخر ثلاث حلقات


كلي سعادة بمتابعتك لحلقات الكرسوع
وأرجو أن تنال رضاكم
بارك الله في حضورك الدائم والجميل
ولك تحياتي وتقديري
يا اختاه
>::>::>::>::

الغيث 08-11-2021 09:26 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


الفصل الثالث


على ذلك ( الكرويت ) الخشبي المفروش ببقايا كراتين البضائع والواقع خلف المسجد من جهة المحراب في ذلك الزقاق الفاصل بين حارتي ( البوري والساحل ) ، اعتاد نفر من رجال الحارتين الجلوس عليه في تجمع أخوي للتسامر وتبادل الآراء والأحاديث حول شؤون حياتهم اليومية ، واستعراض ما يجري على مسرح الأحداث في تلك الفترة الزمنية التي امتدت من أيام الحرب العالمية الثانية ( بداية الستينات الهجرية ) إلى ما بعد أحداث اليمن ( التسعينات الهجرية ) ، وإن كان مقر ذلك التجمع قد مرَّ بالكثير من التحولات بفعل مرور السنين ؛ كالوفيات والهجرة والانتقال بسبب ظروف العمل ، إلا أن بعض الشخصيات فيه قد حافظت على ثبات مكانتها وقوة تأثيرها في الآخرين ومنهم عمدة الجلسة ( حامد القمَّاش ) .
كان ذلك التجمع يضم الكثير من الأطياف والمشارب ، منهم أصحاب الفهم والدراية ، ومنهم أصحاب الرويَّة والحكمة ، وكذلك أصحاب الطرفة وسرعة البديهة ، وأيضا المتسرعون في الحكم والمحبون لنقل الإشاعات والأخبار دون تيقن ، وبعض الخارجين عن المألوف ، وكذا أصحاب الغيبة والنميمة ، وغيرهم ، النخبة من هؤلاء كانوا يتجمعون بعد صلاة المغرب من كل يوم لدى التاجر الكبير ( باصدِّيق ) الذي كان يمتلك مذياعا كبير الحجم من النوع القديم ( أبو حمامة ) والذي يعتمد في استقبال الإشارات الإذاعية عن طريق نظام ( الترانزستور ) القديم بمساعدة سلك ( أنتل ) يثبت به ويرمى بطرفه الثاني أعلى المبنى حيث يثبت على عصا خشبية أو معدنية ، كانت أخبار الحرب محتدمة بين الحلفاء ودول المحور ، والتاجر يتنقل بهم بين إذاعة لندن ، مونت كارلو ، صوت ألمانيا ، صوت العرب وغيرها ، يستمعون للأخبار ثم يتناقشون حولها في جلستهم المعتادة على ذلك الكرويت بعد صلاة العشاء ، تلك المجموعة الكثير منهم على دراية ، وإن كان حظهم من التعليم لم يتعد الكتاتيب ، إلا أنهم اكتسبوا الكثير من الخبرات والمعارف من خلال تجاربهم في الحياة .
هناك عدد من المجالس الاجتماعية تتناثر بين الحارات القديمة لمدينة جيزان سواء كانت داخل بعض المنازل أم خارجها ، وهذه المجالس يرتادها عدد من الساكنين في تلك الحارات مثل : كرويت حارة الجبل في الطرف الجنوبي منها ، ( دكة ) في شمال المسطاح ، كرويت في أطراف الميدان وغيرها ، لكن أبرزها كان ذلك الكرويت الواقع في الزقاق الفاصل بين حارتي ( البوري والساحل ) بسبب تفرده بوقائعه المثيرة للجدل في معظم الأحيان ، والتي ربما وصلت إلى حد الخصام والقطيعة ، ففي هذا المجلس يكثر الجدال ويسخن الحوار ويتصاعد التنافس والعناد ويحتدم التحدِّي ، فكل يرى تفسيره للأمور هو الأصح والأدق ، أضف إلى ذلك وجود بعض الشخصيات التي اشتهرت بالمقالب القاسية ، والتي ربما تتجاوز كل الخطوط في بعض الأحيان لذا تجد الكثير من الناس يحلو له الحضور إلى هذا المجلس للتسلية وتمضية الوقت .
تلك هي منصة الكرويت التي تضم بين ظهرانيها وجوه وشخصيات متباينة في التجارب والخبرات والدراية :
ـــــ ( أحمد المُطوِّع ) وهو مؤذن المسجد الواقع جوار ذلك الكرويت ، عُرف بالحكمة والرويَّة والإنصاف والوعظ والمسارعة إلى فعل الخير والجلد في إظهار كلمة الحق .
ـــــ ( حامد القمَّاش ) عميد الجلسة ، يتصف بالخبرة الواسعة والدراية وفنون القص والأساطير ، كما يتميز بتحليلاته الرائعة للمواقف والأحداث .
ـــــ ( يوسف النوحي ) بائع الذهب ، محاور جميل لكنه سريع الغضب .
ــــ ( حمدان البو ) تاجر الحبال .
ـــــ ( إبراهيم ظامي ) تاجر الأخشاب .
ـــــ ( سراج عشوي ) بائع الكتب .
ـــــ ( علي النونو ) الدلال الشهير ، وهو يستغل كل اجتماع في تسويق بضاعته .
ـــــ ( عبده أنتل ) وهو فاكهة الجلسة ويسمونه بــــ ( الزَّلاَّخ ) ؛ لكثرة كذبه وحيله واختلاق الوقائع وتلفيق الأخبار وخلق الإشاعات .
وغير هؤلاء هناك الكثير ممن يكون حضورهم غير منتظم .

يتبع ....






الغيث 08-11-2021 09:33 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




في العيادة أحس العم ( محمود ) بضغط البول على مثانته يدعوه لسرعة الإفراغ فخرج من هواجسه وهو يقول للممرضة :
ــــــ لا مؤاخذة يا بنتي .. فين الحمام ؟ الله يقطع مرض السكر هذا اللي ما يخلِّي الواحد يصبر شوية على نفسه .. إيييه والله عاشوا أهلنا لا يعرفوا سكر ولا ضغط ولا كل البلاوي الجديدة حقت اليوم .
أثناء ذهابه إلى دورة المياه كان يسمع صوت آلة حفر الأسنان من داخل العيادة فتتقطَّب ملامحه ، بعد فراغه من قضاء حاجته عاد لاسترخائه مجددا :
ــــــ ههههه .. شوي شوي يا أمي !
ـــــ أقعد .. مالَك كذا تتضاحك وتِتنَقَّز .. أقول لك قر واهجد .
ـــــ أصل المويا باردة يا أمي .. أحسها تلسع لسع !
ـــــ أصبر خُزْري .
لقد تداعت هنا هواجس العم ( محمود ) عائدة به إلى أيام الصغر ، حيث تربى في كنف والدته ( جميلة ) التي حملت على عاتقها مسألة تنشئته ورعايته بعد رحيل والده عن الدنيا ، كافحت من أجله وعانت كثيرا في تربيته ، عملت في المنازل بأجر زهيد تطحن حبوب الذرة الرفيعة وتغسل الملابس المتسخة لساكني تلك المنازل ، أدخلته المدرسة وأنفقت على تعليمه ، كانت تحرِم نفسها مما ترغبه لتوفر ثمنه لابنها ( محمود ) ، وكلما مرض أو أصابه مكروه مرضت معه وتكدرت نفسها ولا يهنأ لها عيش حتى تراه وقد استرد عافيته ، ففور ظهور أي عوارض غريبة عليه تذهب به إلى الحكماء أو ما يعرف بـــ ( السَّادة ) ومفردها ( سَيِّد ) ؛ لطلب العلاج ، شأنها في ذلك شأن بقية النساء في تلك الفترة الزمنية ، حيث كن يلجأن لهؤلاء السادة جهلا منهن ، ويعتقدن أنهم أناس مقدسون قد أودع الله فيهم البركة ، وقد جعلهن ذلك الجهل يمارسن بعض الأعمال الشركية التي ورثنها عن أمهاتهن وجداتهن قولا وفعلا دون إدراك أو وعي بأن ذلك محرم ، والواقع أن هؤلاء السادة بشر عاديون ورثوا مهنة الطبابة الشعبية عن آبائهم وأجدادهم بجانب ما يستنبطونه من كتب الطب الشعبي القديمة ، أضف إلى ذلك أن بعضهم يستخدم الجن والشعوذة في علاجه وهو ما يخالف مسار العقيدة .
كان ( محمود ) كثيرا ما يظهر على جلده بعض الطفح ( حبيبات وبثور ) ، وكان الاعتقاد السائد عند بعض القدماء أن ذلك لا يخرج عن كونه أحد أنواع المس الشيطاني ، ويسمونه ( طَيْرا ) فيقال : أن فلان به ( طَيْر ) ، وعندما يظهر ذلك على محمود تذهب به والدته إلى مكان في بداية البحر يقال له ( حفرة الأميني ) وهي عبارة عن حفرة غير عميقة تتوسط الشعاب المرجانية يقال أن السيد أو الولي ( المُحِب الأميني ) كان يغتسل فيها ، ولذلك اتخذ هذا المكان ؛ للتبرك وطلب الشفاء ، وبحول الله تعالى تذهب تلك الحبيبات عن الجسد ربما لوجود بعض الأملاح النافعة في ماء البحر فيعتقدون أن بركة المكان هي التي أذهبت ذلك العارض ، كانت والدة محمود عندما ترشه بالماء تردد بعض العبارات الجاهلية ، أما ( محمود ) فكان لا يحب تلك الأعمال التي تسبب له الضيق والحَرَج ، كما أنه يستحيي أن يقف عاريا في وسط تلك الحفرة ولذا تصدر منه بعض الحركات والانفعالات التي تجسد تمرده الخفي على ذلك ، فتارة يضحك ويكركِر وأخرى يتقافز هنا وهناك محاولا إنهاء ذلك الفعل ، وعندما تنهره والدته يدَّعي بأن الماء بارد وأنه يحس بوقع برودته على جسده .
ورث محمود عن والده بعض الصفات الجسدية كقِصَر القامة وبنية الجسد وبروز العضلات ، كما ورث بعض الصفات الانفعالية ؛ كالعصبية والغضب لأتفه الأسباب ، وكذلك جملة من الصفات الخُلقية كالكرم واحترام الكبار ومساعدة الضعفاء والمساكين ، والإقدام والشجاعة ، وكانت هذه العلامات تتجلى عليه منذ نعومة أظفاره ، غير أن حب والدته المفرط له وتدليلها الزائد اختلط مع الصفات الأولى فنشأت عن ذلك شخصية غريبة الأطوار عجيبة التصرف تختلط وتحتدم فيها الصفات الحسنة بجانب الكراهية والعِداء والعناد والمراوغة ، حتى غدا المُتفحِّص لشخصيته لا يستطيع أن يتنبأ بالتصرف الذي سيقوم به ، كذلك محمود نفسه أصبح لا يستطيع أن يحدد مساره فهو يفعل الخير والشر في آن واحد .
من المناسبات الجميلة في مدينة جيزان ـــــ قديما ـــــ يوم ( الكرَامة ) وهو اليوم الأخير من شعبان ، حيث يخرج فيه الصبية والصبايا مصطحبين أدوات منازلهم من الفرش والأواني والمنسوجات السعفية ، وكذلك الأغنام التي يربونها في المنازل ، حيث يقومون بغسل أدواتهم وأغنامهم تلك بماء البحر في احتفالية جميلة ترحيبا بمقدم شهر رمضان الكريم ، وأثناء تواجدهم في البحر تردد الصيحات والأهازيج ثم يقومون بالتراشق بالماء ورش بعضهم البعض في كرنفال رائع وجميل وهم يرددون :

اليومَ الكَرَامَه
وبُكْرَهْ فِدامَه

يشترك في ذلك الكرنفال معظم الصغار والفِتيان وبعض الأهالي ممن يحضر مع أبنائه ، وكان ( محمود ) وصديقه ( محبوب ) دائما ما يكونان ضمن الحاضرين لذلك الاحتفال ، وعندما يحين موعد التراشق بالماء تحدث بعض المشاجرات بين محمود وبعض الفتيان والفتيات هناك ، وبعد انتهاء الاحتفالية يسأل نفسه : لماذا تشاجر معهم ؟ .
ذات يوم شاهدته والدته مغموما وعندما سألته عن السبب قال لها :
ـــــ اليوم سويت حاجة مش كويِّسة يا أمي .
ـــــ إيش سويت ؟
ـــــ ضايقت ( حُسينة ) المسكينة وقمت أعايرها وأقول لها :

يا عَجامَه يا عجامَه
شُلِّي راعِةْ امقُمامَه

ـــــ وليش سويت كذا يا محمود ؟ وأنت تعرف إن حسينة حرمة مسكينة .. ما معاها حد ولا عندها فلوس .. وهي تشتغل هذي الشغلانة عشان تعيش بالفلوس القليلة اللي تحصلها من الناس .
ـــــ والله يا أمي مش عارف أنا ليش سويت كذا .. يمكن لأني شفت بعض الأولاد يؤذونها ويرمونها بالحصي .. لكني دحين ندمان على فعلتي والله .

يتبع .....





الغيث 08-11-2021 09:36 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



في تلك الفترة الزمنية لم تكن الحمَّامات موجودة بالصورة التي هي عليها اليوم ، وإنما كانت عبارة عن حمامات شعبية على الطبيعة ، حيث كان الناس يقضون حوائجهم البشرية في زاوية نائية من زوايا الدار تسمى ( دارَة ) أو ( ديِّر ) وهي عبارة عن حائط من الحجر والجص أو من الجريد والقش على شكل مستطيل له فتحة للدخول والخروج منها وليس لها سقف وأرضها ترابية ، ويقضي الناس حاجاتهم هكذا على التراب ، ثم تغطى الفضلات بطبقة من التراب وتجمع في (تنك ) من الصفيح تسمى ( امقمامَة ) تغطي بغطاء محكم ؛ حتى لا تتسرب منها الروائح الكريهة ، وعند امتلائها بالفضلات الآدمية ترمى على شاطئ البحر بواسطة عجائز الدار أو عن طريق متعهدة تقوم بذلك بمقابل مادي بسيط ، يتم ذلك دون دراية بما يسببه ذلك من مخاطر التلوث وانتشار الأوبئة ، ولكن على النيات ترزقون .
( حُسينة ) هي من تقوم برمي فضلات المنازل على شاطئ البحر مقابل ( قرشين ) فقط ، ويطلقون عليها : ( راعِة امقمامَة ) أي المتعهدة برمي تلك الفضلات في البحر ، وما يجبر هذه المسكينة على امتهان هذا العمل الصعب إلا الحاجة ، فهي امرأة مقطوعة من شجرة وليس لها عائل ، تعيش بمفردها في ( صندقة ) من الخشب والزنك ، وتتعرض للأذى من بعض أشقياء الصبيان .
لم يرق لـــ ( محمود ) وهو يقترب من إتمام الحادية عشرة من عمره ، أن يرى والدته تعمل في المنازل ؛ لإكمال تربيته ودراسته وقد بدأت تتقدم في السن ، فقرر الخروج من المدرسة والاعتماد على النفس ـــــ بعد اجتياز الصف الخامس الإبتدائي ــــ وسط توسلات والدته ونصائح صديقه ( محبوب ) أن يعدل عن فكرته تلك .
عمل محمود بداية في مهنة النجارة ، وهي المهنة التي اكتسب بعض مهاراتها عن والده ــــ قبل أن يرحل عن الدنيا ــــ وإن كانت مهارات بسيطة كان يكتسبها أثناء مساعدته لوالده في تقطيع الأخشاب ودق المسامير وغير ذلك ، لكنه كان يأمل أن تكون مصدرا لدخل يعتمد عليه ووالدته في معيشتهم اليومية ، أو ربما يتحول هو مع الممارسة إلى نجار متمرس يكسب من مهنته تلك دخلا لا بأس به ، وهنا بدأ بصناعة المقاعد الخشبية ( الأرضية ) والطاولات الشعبية ( التُّخُت ) وعرضها للبيع في السوق الرئيسي ، إلا أنه لم يستفد منها شيئا ذا قيمة .


يتبع .....





الغيث 08-11-2021 09:39 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



حين التحق محمود بعمله الجديد صبيَّا لدى الأستاذ ( أمين الحجازي ) انفرجت معظم همومه ، فمئة ريال في الشهر كانت كافية لمصروف البيت وربما استطاع أن يوفر شيئا منها للأيام ، كان يذهب إلى منزل الأستاذ ( أمين ) بعد شروق الشمس بساعتين ـــــ تقريبا ـــــ فيقوم بتنظيف السكن وترتيبه ، ثم تغيير ماء الشيشة الموَلَّع بها ذلك الرجل ( أمين ) ويتعاهد ( ليَّها ) وينظف الأحجار الفخارية التي يوضع بداخلها الجُراك والجمر ويضع كمية كافية من الفحم داخل ( المِرَكَّب ) تاركا ملقاط الجمر بجانبه ، بعد أذان الظهر مباشرة يقوم بإعداد وجبة الغداء ثم ينصرف ليأتي الأستاذ ( أمين ) وكل شيء أصبح جاهزا ، يعود محمود بعد المغرب لعمل اللازم حتى التاسعة مساء بتوقيتنا الحالي .
رغم ارتياح محمود لهذا العمل الذي يعتبره مربحا إلا أن ثمة أمور كانت تضايقه وتسبب له القلق ، حيث بدأ يشاهد نظرات الناس تلاحقه بالغمز واللمز وكأنها تقول له أشياء لا يعرفها ، كان يشاهد حركاتهم الغريبة ، تهامسهم مع بعضهم البعض ، وعندما تأكد له أنه المقصود بذلك عصفت به رياح الشك والحيرة والارتباك ؛ لعدم علمه بالأمر ، حاول مرارا استقصاء ذلك بطريقته الخاصة فلم يفلح ، فلجأ إلى صديقه ( محبوب ) وكلفه باكتشاف الأمر .
تفاجأ صديقه ( محبوب ) بما يدور في أوساط الناس وما يقال عن صديقه محمود ، وما يقوله الناس عن الأستاذ ( أمين ) من أنه رجل غير سوي ، وأنه .... ، وأن كل من كان يعمل لديه صبيا تلتصق به تهمة الشذوذ ، وأنه كان سببا في انحرافهم بعد تركهم للعمل لديه ، احتار محبوب هل يخبر صديقه محمودا ويقطع عليه رزقه ومصدر عيشه وقد مضت عليه سنتان في هذا العمل أم يكتم عنه ذلك ، لكنه قرر أخيرا إخباره بما يدور ، لكن محمود أكد لصديقه بأنه لم يلحظ على الأستاذ أي تصرف شاذ أو قول مشين طيلة الشهور الماضية ، وعندما اختلى محمود بنفسه بدأ يفكر في الموضوع بجدية ويحدث نفسه :
ـــــ دحين أطلع من الشغل ولا أجلس ؟ ما بقي من الشهر إلا يومين فقط ويعطيني الراتب !
ـــــ طيب يمكن يجي يوم و..... ! لكن بعيد على شواربه ! والله ما ينال مني ولو قتلته .
ثم قرر الاستمرار في عمله لدى الأستاذ ( أمين ) .
حين سلَّم الأستاذ أمين لمحمود راتبه الشهري أخذ منه مبلغ عشرين ريالا وأمَّن المتبقي لدى والدته ، ثم انطلق إلى ساحة الميدان ؛ ليجلب لمنزله بعض الأغراض ، وقبل أن يصل إلى مدخل شارع ( الجمالة ) من الجهة الشمالية كان هناك دكان ( جبران ) الذي يبيع فيه خِيَش الفحم والفَرْص ، ولج محمود إلى ذلك الدكان ليشتري خيشة من الفحم الجيد ، سلم على البائع جبران ثم أخذ يعاين نوعيات الفحم المعروضة ، كان الهمز واللمز والشائعات التي تدور حول محمود قد وصلت إلى مسامع البائع فدعاه إلى معاينة نوعية أخرى من الفحم هي أجود من المعروضة أمامه ، وأشار إليه بأن يدخل معه إلى المخزن الملحق بذلك الدكان ليشاهدها بنفسه ، دخل محمود برفقة البائع إلى ذلك المخزن الضيق وشاهد العينة فأعجبته ، وحين هم بالسؤال عن ثمنها أحس بشيء من التحرش ، فما كان منه إلا أن دفع البائع جبران على خيشة الفحم بعنف وخرج غاضبا وهو يقول :
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله ..حتى أنت يا عم جبران !! الله يهديك ويصلحك .. والله لولا أنك في سن والدي لكان لي معك تصرف آخر .
ثم أخذ يكيل اللعنات على عمله لدى الأستاذ ( أمين ) وعلى كل من في قلبه مرض .


يتبع .....





الغيث 08-11-2021 09:41 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



في هذه الأثناء كان محمود يقترب من الرابعة عشرة من عمره ، وبدأت تظهر عليه ملامح وصفات البلوغ الجنسي ويحس ببواعثها ، بدأت تحتدم في فكره الهواجس والإيحاءات الجنسية وتضغط عليه في بعض الأحيان ، ثم أخذ يغرق في التخيُّلات ذات الإيحاء الجنسي ، فتارة يحدِّق في تلك التفاصيل التي تثير غرائزه ، وأخرى يرتبك كلما مرت بجواره ( مِسْكَة ) ويغرق في تفاصيلها ثم يهم بشيء ويتراجع عنه ، احتدمت التناقضات الشخصية والنفسية في وجدانه وأصبح ممزقا بين حبه لفعل الخير ومساعدة الغير والعطف على المحتاجين ، وبين التفكير في بعض الأفعال القبيحة ، مما جعل تلك الصراعات التي تكتظ في داخله مصدرا لقلقه وتكدره ، كان يهرب من تلك الهواجس بالخروج إلى البحر في بعض الأحيان أو الجلوس مع صديقه ( محبوب ) ، وأحيانا يجلس مع العم ( فتح الله ) رجل العسَّة ، بل ويساعده أو ينوب عنه في الخفارة في بعض الليالي عندما يكون مريضا ، هذا الوضع الذي يعيشه محمود أجبره على إدمان تدخين السجائر ، فتجده ليلا إما في تقاطع أزقة الحارة جالسا على صخرة أو شيء آخر يدخن السجائر ويتسلى بالفصفص ( اللُّب ) ، أو تجده يطوف حول منازل الحارة ، وهذا الوضع قد أرهق نفسية والدته فاستعانت بصديقه ( محبوب ) وبعض عقلاء الحارة لثنيه عما يفعل ولكن دون جدوى ؛ لأن مراهقته قد بلغت ذروتها لديه وهو يقترب من السابعة عشرة من عمره .
كانت مشكلة محمود الكبرى أنه كلما وقع شجار أو احتكاك بينه وبين أحد شباب الحارة يسمع منه كلاما يندى له الجبين :
ـــــ مسوي نفسك راجل علينا وأنت ..... !
ــــ روح عند عمك أمين واترجل عليه !
ـــــ احنا عارفين فين تروح بالليل .. تسري .... !
لكن فتوة محمود دائما ما كانت تُخرس هذه الألسن القبيحة بعراك محموم يكون فيه المنتصر على الدوام ، كما كانت كافية لأن تبرهن للكل بأنه هو فتى الحارة الأقوى من غير منازع والذي يتحدى الصعاب ويقتحم المواقف ، ولذلك بدأ الكل يطلق عليه ( الكرسوع ) وهنا قرر محمود ( الكرسوع ) ترك العمل لدى الأستاذ ( أمين الحجازي ) والبحث عن عمل آخر .
في هذه الأثناء كانت المنطقة على موعد مع حدث تاريخي كبير وهو زيارة جلالة الملك سعود بن عبد العزيز لمنطقة جازان .
عندما خرج سكان المدينة لمشاهد ذلك الاستقبال الحافل الذي أعد لجلالته ، كان الكرسوع مع والدته من ضمن المتفرجين على ذلك الاستقبال العظيم ، كان يشاهد رصيف الميناء الخرساني وقد تزين ليلا بتلك المصابيح الكهربائية التي انتظمت كعقود من اللآليء ، والتي تم تشغيلها بواسطة مواتير متنقلة هيأتها إمارة المنطقة وبلدية المدينة ؛ لعدم دخول الكهرباء للمدينة حتى ذلك الوقت ، هنا خطرت للكرسوع فكرة العمل على رصيف الميناء في أعمال ( المِعداية ) بعد انتهاء الزيارة الملكية .


يتبع ..... الفصل الرابع





الشادي 08-12-2021 12:56 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
الكرسوع
رواية
نابضة بحياة الماضي
قال كثيراً الغيث
و أتى بجميل المعنى
سأكون متابع للبقية

الغيث 08-12-2021 01:30 AM

رد: الكرسوع ( رواية )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشادي (المشاركة 100288)
الكرسوع
رواية
نابضة بحياة الماضي
قال كثيراً الغيث
و أتى بجميل المعنى
سأكون متابع للبقية

أهلا وسهلا بك يا صديقي العزيز الشادي
وسعدت بقراءتك لروايتي الكرسوع
ويسعدني متابعتك
بارك الله في عمرك وأسعدك في الدارين
وأشكرك من عميق القلب على تقيييمك الضافي
ودي وتقديري
ومحبتي
flll:flll:flll:flll:

الغيث 08-14-2021 02:27 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل الرابع



صباح يوم الأحد الرابع من جمادى الأولى عام 1376 ه لم يكن صباحا عاديا ، إذ تناقل الناس فيه ما حدث للسيدة ( حزيمة ) بائعة العيش الحامض والمولوخية وابنتها ( صفية ) قبل فجر ذلك اليوم ، فقد قفز أحد الأشخاص في الثلث الأخير من الليل من فوق جدار منزلها ، مقتحما دارها محاولا كسر خزانتها الشعبية ( السَّحَّارة ) التي تخبيء بها ما تحصل عليه من بيع العيش والملوخية ، فتصرف بعضه على نفسها وابنتها وتدخر شيئا منه للأيام ، كانت السيدة ( حزيمة ) تصلي وتبتهل إلى خالقها أن يكتب لها وابنتها الستر والعافية ، وأن يبارك لها في هذا العمل الذي تعيش عليه ، أما ابنتها ( صَفِيَّة ) فكانت تغط في نوم عميق ؛ لتصحو مبكرة لمساعدة والدتها في العمل ، حينها لمحت السيدة حزيمة ذلك الشخص يقترب من السَّحَّارة وبيده مفك من الحديد ، قطعت صلاتها وتناولت عصا غليظة واندفعت نحوه ؛ لتمنعه من فعل شيء ، فما كان من الشخص إلا أن هددها بالمفك الذي يحمله ، وحين أدرك عدم خوفها منه أخرج سكينا من بين سرواله القصير وهجم عليها محاولا قتلها ، حينها صرخت حزيمة وانهارت ثم فقدت الوعي ، استيقظت ابنتها ( صفية ) على صراخ والدتها ، وعندما شاهدت المنظر أخذت تصرخ بأعلى صوتها وتستنجد بالجيران ، ارتبك السارق وخاف أن يحضر الجيران ويقبضوا عليه فهرب واختفى بين الظلام ، تجمع الجيران عند منزل حزيمة لمعرفة سبب الصراخ فخرجت إليهم صفية تشرح لهم الأمر وتدعوهم للدخول لإسعاف والدتها ، انتشرت الأخبار بهذه الواقعة وعمت أرجاء المدينة وكل يدلي بدلوه في ذلك ، واختلط اليقين بالخيال والحقيقة بالإشاعات ومر ذلك اليوم كئيبا على الجميع .
بعد صلاة المغرب كانت تلك الواقعة قد ألقت بظلالها على كل شيء في المدينة ، وأمسى الاجتماع المعتاد عند التاجر ( باصدِّيق) على غير عادته ، فالجميع كان لا يفكر في شيء غير ما حصل للسيدة حزيمة ، وبدت الأخبار التي تبثها الإذاعات العالمية باهتة خاصة وأن الحرب قد وضعت أوزارها من منذ فترة طويلة ، وحتى نار الحرب الباردة والوعد والوعيد والتحالفات الجديدة قد خبت جذوتها ، لا سيما وقد دخلت إلى الميدان أسلحة جديدة فتاكة تجعل القادة يفكرون ألف مرة قبل إشعال أي حروب أخرى ، انفض ذلك الاجتماع سريعا وذهب كل إلى حال سبيله ، وبعد صلاة العشاء بدأ أصحاب جلسة الكرويت في التوافد ، وتربَّع عمدة الجلسة ( حامد القمَّاش ) في وسط الجلسة لكنه كان صامتا في تلك الليلة ، طلب منه البعض إكمال حكايته ( علي بابا والأربعين حرامي ) التي بدأها في الليلة الماضية فاعتذر عن ذلك بسبب تعكر المزاج ، وفجأة تحول النقاش لموضوع السيدة حزيمة وما حصل لها ، لكن القماش طلب منهم التحفظ قليلا وعدم فتح الباب للتكهنات التي ربما تُضِرُّ بسمعة السيدة وابنتها .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-14-2021 02:30 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




في هذه الأثناء حضر ( عبده أنتل ) متملقا متجهم الوجه ؛ ليرسم على ملامحه صورة التأثر بالحدث ، وقبل أن يجلس باغت الجميع :
ــــــ أظنكم عرفتو باللي حصل .
رد عليه أحدهم :
ـــــ نعم يا أخي كل الناس عرفوا !
ـــــ طيب إيش رأيكم أنتم فيما حصل .. خصوصا أنت يا عم ( حامد ) ؟
لم يرد عليه ( حامد القماش ) ، وهنا رد عليه ( سراج عشوي ) بائع الكتب وصاحب الحكمة :
ـــــ وأنت ما رأيك يا ( أنتل ) ؟
ـــــ رأيي أن ذلك الشخص مش سارق .. أعتقد أنه له هدف ثاني .. يعني بالعربي سارق لحم .
وفي الحال رد عليه المؤذن ( أحمد المطوع ) :
ــــــ اتق الله يا رجل .. لم نسمع عن هذه الأسرة إلا كل خير .. والبنت صفية من أشرف البنات في الحارة .
ـــــ أنا ما قلت شيء .. أقول يمكن .. يعني يمكن .. أو يكون مواعد .. يمكن .
ــــــ بالله عليك قل خير أو اسكت .
هنا تدخل ( إبراهيم ظامي ) :
ـــــ طيب إيش معنى ما اختار إلا بيت حزيمة ؟
رد عليه ( حمدان البو ) :
ـــــ الموضوع بسيط .. لأنها تعيش هي وبنتها لوحدهم وما عندهم رجال يحميهم .
عاد ( عبده أنتل ) للتكهنات والهمز واللمز :
ـــــ سمعت الناس يقولون أن السارق قصير القامة .. الله يستر ليكون اللي في بالي ! ليكون .... ثم سكت .
رد ( يوسف النوحي ) بانفعال :
ـــــ اسمع يا أنتل .. إيش قصدك .. ومين تقصد .. ياخي إن بعض الظن إثم .. لا تظلم الناس حتى تتأكد .
ثم زادت حدة عصبيته وانفعل على ( أنتل ) وكادا أن يتعاركا .
قال أحد الجالسين :
ـــــ يا جماعة صلوا على رسول الله .. ما لكم معصبين كذا .. حتى البنت صفية لم تتهم أحد .. وكل اللي قالته للشرطة : أنه رجل قصير ولابس سروال قصير وفانلة مُشَجَّرة .
هنا عاد أنتل إلى الحديث :
ـــــ ها سمعتم إيش قال .. رجل قصير ولابس فانلة مشجرة ، تنقطع لساني إن ما كان ( الكرسوع )
رد عليه أحمد المطوع :
ــــــ قلنا لك يا أنتل لا تتسرع وتظلم الناس ، وبعدين الشرطة جابت ( القفَّار ) وأخذت الآثار ومصير اللي فعلها ينكشف ويبان وينال جزاءه .
ـــــ يا شيخ أحمد أنا قلت يمكن .. توقعات يعني .
تدخَّل أحد الجالسين قائلا :
ـــــ يا جماعة أنا جار الكرسوع .. وهو مريض والله .. وله يومين ما يطلع من البيت بسبب الحُمَّى .. وفي ذمتي أنه بريء من هذه التهمة .
رد أنتل :
ـــــ طيب والفانلة المشجرة كيييييف .. ما فيه أحد في الحارة يلبس فانلة مشجرة إلا الكرسوع !
هنا صمت المتحدث الأخير أمام هذا الدليل الدامغ .. لكنه استدرك صمته وقال :
ــــــ اسمع يا أنتل .. يعني ما فيه واحد في البلد كلها عنده فانلة مشجرة إلا الكرسوع !
خرج الدَّلَّال ( علي النونو ) من حالة السكوت والاكتفاء بالاستماع قائلا :
ــــــ يا جماعة فكُّونا من هذي السيرة اللي جبتو لنا الصداع بها .. وبعدين مين هذا الكرسوع اللي صجيتونا به .. أنا أول مرة أسمع به .. عسى ولد مين يكون ؟
رد ( حامد القماش ) :
ــــــ بذمتك يا نونو ما تعرف الكرسوع .. وولد مين يكون !
ــــــ لا والله ما أعرفه
ـــــ يا شيخ هذا ولد النَّجَّار ( عثمان حمود ) وأمه اسمها ( جميلة ) وهي بنت ( سالم الدُّهري ) ، مين ما يعرف عثمان حمود اللي كان من أشهر البحارة على السنبوك ( امْشَمَل ) وكان يومها مع النوخذة ( امْسالِمِي ) وغرقوا كلهم مساكين في ( الحُميسا ) كانوا مَحَمِّلين أكياس ذرة وحنطة ودخن وأقفاص دجاج ومسافرين بها إلى جدة للتجارة ، الله يرحمهم ويدخلهم جنات النعيم .
ــــــ أيوه .. أيوه افتكرت .. الله يرحمهم .. شهداء إن شاء الله .
قال أحد الجالسين :
ـــــ طيب ما يعرفون يسبحون ؟
ــــــ إلا يسبحون .. بس فينك وفين .. المسافات هناك متباعدة وبعيدة عن البر ولا يقدرون يقطعون حتى الثمن منها .
ــــــ قال آخر :
ــــــ طيب ما كان معهم ( صِنْجار ) ؟
ــــــ إلا .. كان معاهم سنبوك النوخذة ( الغاشمي ) .. بس يقولون ـــــ وعلى ذمة اللي قالوا ـــــ إنه خاف من الغرق معهم وقام عدَّل سُكَّانُه وهرب .



يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-14-2021 02:32 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




مضت بضعة أيام وسيرة ما حصل للسيدة ( حزيمة ) تتناقلها الألسن وتتناثر في كل بيت ، ووصلت الإشاعات والهمز واللمز ابنتها ( صفية ) وقد أضحت تقوم بعمل والدتها التي أصبحت مقعدة ، لكنها لم تلتفت إلى تلك الترهات المتداولة بين الناس وانصب تفكيرها على توفير ما يسد حاجة البيت وعلاج والدتها المشلولة ؛ نتيجة للصدمة العصبية التي تعرضت لها في تلك الليلة المشؤومة ، في مكان آخر كانت تلك الأخبار والاتهامات تصل ـــــ أيضا ـــــ إلى الكرسوع كما تصل إلى والدته جميلة فتسبب لها الكثير من العنت والمعاناة ، وعندما تهم بالخروج للدفاع عنه أمام الناس تتذكر بعض الأفعال السيئة التي بدأ ابنها في اقترافها ومنها ( التدخين ) فتخاف ألا يصدقها أحد فتسلم أمرها لله .
تماثل الكرسوع للشفاء وزالت عنه أعراض الحُمَّى وعاد لممارسة حياته الطبيعية ، وأول شيء فكر فيه بعد شفائه هو المرور على صديقه محبوب وتجميع بعض الرفاق من أصدقائه المخلصين والذهاب لأصحاب الكرويت لإثبات براءته وتأديب من يستحق التأديب منهم مثل ( عبده أنتل ) ، اثناء خروج الكرسوع من داره لتنفيد تلك المهمة لمحته ( مِسْكَة ) فأسرعت خلفه ودفعته من الخلف بكتفها الأيمن على كتفه الأيسر في تحَرُّش واضح لا غطاء عليه ثم قالت :
ـــــ أوووه كرسوووع .. سامحني ما شفتك والله .
ثم أطلقت ضحكة فيها الكثير من الغنج والدلع مع غمزة من عينها اليسرى ، ثم مضت أمامه تتمايع وتتمايل في مشيتها لدفعه لارتكاب أية حماقة ، تأجَّجت غرائز الكرسوع وثارت براكينه الخامدة وهم بالسقوط في الوحل ، لكنه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومضى إلى حال سبيله ، تم التجمُّع عند صديقه محبوب ، ثم ذهبوا جميعا إلى حيث جلسة الكرويت وعندما وصلوا ألقى الكرسوع السلام على الجالسين فلم يرد عليه أحد غير مؤذن المسجد ( أحمد المطوِّع ) ، وهنا انفعل الكرسوع ورفع صوته :
ـــــ عارف أن بعضكم زعلان مني بسبب حادثة الخالة حزيمة .. لكن أقسم بالله إني بريء من كل هذي التهم .. والله يعلم أني كنت ليلتها مريض بالحمى .
رد أحدهم :
ــــــ يقولون إن فيه عليك دليل .
ـــــ إيش من دليل ؟
ــــــ الفانلة المشجرة .
ـــــ وإيش علاقة الفانلة بالسرقة .
ــــــ لأنك تلبسها دائما !
ــــــ بس أنا قد تصدقت بها على أحد المساكين قبل شهرين تقريبا .
ــــــ طيب كيف وصلت للسارق .
ــــــ إيش دراني أنا !
هنا تدخل ( حامد القمَّاش ) قائلا :
ــــــ يا ولدي محمود كلنا نعرف أنك فتى شهم ومحب للناس جميعا وتساعد الآخرين .. ونعرف أن والدك يرحمه الله كان على خلق حسن والكل يشهد بذلك .. ونعرف أنه رباك تربية حسنة .. لكن كلام الناس يكثر ويقل.. ولا أحد يستطيع أن يجزم بشيء حتى تظهر الحقيقة .
ــــــ أنا عارف يا عم ( حامد ) مين اللي أساء لي وشنَّع عليَّ هذي التهم .. ما فيه غير عبده أنتل هذا الزَّلاَّخ الكبير .. لكن يجيك خبر .. أنا بانتظره هنا وراح أوريه شغله كيف .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-14-2021 02:35 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




هنا تدخل أحمد المطوع وسحبه من يده وحدثه على انفراد :
ــــــ يا ولدي الغالي احنا ما نبغى لك مشاكل .. وأنت بكذا تزيد الكلام عليك .. وبعدين ترى أنتل معتل الجسم وربما يحصل له شيء لو حطيت يدك فيه وتصبح في سين وجيم وحبس وأشياء أنت في غنى عنها .. سَلِّم أمرك لله واحتسب إليه وهو القادر على كشف الحقائق .
هدأت أعصاب الكرسوع قليلا وهم بالانصراف مع رفاقه ، وكان قرب الكرويت أحد شباب حارة الجبل فاقترب من الكرسوع وقال له :
ــــــ ما شاء الله أشوفك نافخ ريشك على خلق الله .. عسى من تكون ! أدري إنك الفتى القوي في الساحل بس ترى عندنا شباب يكسرو رأسك .
شَمَّرَ الكرسوع عن ساعديه وقال :
ــــــ بسم الله .. يالله طلِّع اللي براسك وأنا أتحداك أنت وشباب حارتك .
ـــــ طيب أوريك كيف .. بكرة رايحين ( نذعركم ) في حارتكم ونكسر أضلاعكم .
ـــــ اتفقنا .
استعد شباب حارة الجبل بالعصي و ( الكراديس ) و ( الوايرات ) ، واستعدت جماعة الكرسوع كذلك ، وبعد صلاة العشاء من اليوم التالي زحف شباب الجبل إلى الساحل وعند وصولهم مشارف الحارة ورؤيتهم للكرسوع ورفقاه هتفوا :

حــــارة امجبـــل قويـــــة من زمـــان
تذعر امساحل وتذعر شيخهم

وعندما سمعهم الكرسوع وفرقته ردوا عليهم :

واحنا عيـــــال إبليس مَبْـــــلَس مِنَّنا
واللي يشا الشيطان يقرب منَّنا

والتحم الفريقان التحاما عنيفا استخدمت فيه العصي والكراديس والوايرات وسالت على إثره دماء بعض الشباب ، ولم يُنهِ ذلك العراك إلا شدة البرق وقصف الرعد ؛ لموافقة تلك الليلة بداية فصل الخريف ، مما أجبر الشباب على الانصراف والعودة إلى دورهم ، مكتفين بما ناله كل شاب منهم .
اشتدت الرعود وبدأت الأمطار في الهطول بغزارة والناس تهلل وتسبح كلما لمعت البروق وقصفت الرعود ، كان الكرسوع متأهبا للعمل والمساعدة كعادته ، وكانت والدته تضع بعض الآنية تحت الأمكنة التي تتساقط منها قطرات المطر من سقف دارهم وتردد أهازيج ( التَّلْييل ) ترحيبا بقدوم الخير :

يــــــا رب هـِـــــلْ امَّطَــــــــرْ هِلُّـــــــــــه
وامْحَـــــبْ وســـــطَ امْعِجـــــارْ بُلُّه

يـــــــا اللهْ بِليـــــــــــــــــــــــلَهْ لُوِيــــــــــــــــــــــــلَهْ
ليــــــــــــلهْ سِعيـــــــــــــــدَهْ وقَدْرِيـَـــــــــــــــــهْ
ليــــــلهْ علــــــى رؤوسْ الأوْدِيـــَــــــــهْ

في حين بدأ القلق يظهر على ملامح الكرسوع ؛ فالزقاق الذي يقع فيه منزلهم وبقية منازل جيرانه منخفض عن منسوب بقية أزقة الحارة فتنساب مياه الأمطار كلها إليه وتدخل البيوت في معظم الأحيان ، تواصلت الأمطار في الهطول بغزارة ، وفجأة انطلقت صرخات استغاثة حددها الكرسوع من قرب منزل ( المُخَضِّبَة ) السيدة ( شَرَف ) ، فوضع على رأسه ( منشفة ) تقيه من المطر وخرج يستطلع الأمر وإذا به يكتشف أن تلك الصرخات تنطلق ـــــ فعلا ـــــ من دار السيدة ( شرف ) فاقترب من الباب ونادى :



يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::





الغيث 08-14-2021 02:38 PM

رد: الكرسوع ( رواية )
 



*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




ــــــ يا خالة شرف سلامات .. إيش اللي حصل ؟
أجابته ابنتها ( ريحانة ) من الداخل :
ــــــ السيل دخل علينا البيت .. والمويا واصلة حتى حبال ( قعادة ) أمي المريضة .. وأنا خايفة تغرق وتموت .
ــــــ لا تخافي يالمستورة .. دحين أرجع لك ومعي الوالدة .
كان دار السيدة شرف أهبط المنازل في الحارة من حيث المنسوب عن الزقاق ؛ لذلك تتحول كل المياه المتدفقة من البيوت إليه .
عاد محمود إلى داره وأخبر والدته بما حصل ، ثم أشعل ( أتريكَه ) القديم الذي يعمل بالقاز وذهب بصحبة والدته إلى دار السيدة شرف لإنقاذها هي وابنتها ، طلبت ريحانة منهم الدخول بعد أن لفَّتْ إحرام الصلاة حول رأسها وأبقت وجهها ظاهرا ، وعندما وقع نور الأتريك المتوهج على وجه ريحانة انبهر الكرسوع من جمالها الذي يشاهده لأول مرة بعد أن كبرت وأصبحت فتاة ، فهو يعرف أنها جميلة منذ أن كانت طفلة صغيرة لكن الوضع الآن قد اختلف تماما ، حمل الكرسوع ووالدته السيدة شرف وهي على قعادتها من الجانبين ؛ لعدم مقدرتها على الحركة وذهبا بها إلى دارهما ، ورافقتهما ريحانة ، وفي هذه الأثناء هب الكرسوع وعدد من رجال الحارة في إحداث شق واسع بالزقاق ؛ لمحاولة إخراج الماء من دار شرف إلى الزقاق ــــــ رغم صعوبة ذلك ـــــ لانخفاض الدار عن الزقاق ، وعندما عاد الكرسوع بعد إتمام المهمة احتار أين ينام ، فمجلسهم الوحيد سينام به ضيوفهم ربما لليلة أو ليلتين ريثما يجف منزلهما والأغراض التي غرقت بسبب المطر ، لم يكن أمامه إلا صعود ذلك السلم الخشبي ؛ لينام أعلى سقف مجلسهم ، لكنه لم ينم تلك الليلة ، فصورة ريحانة لم تغادر ذهنه وصوتها الحنون لم يفارق مسمعيه ، وأحس أن قلبه يخفق في غير عادته فأيقن أن ريحانة قد رمته بسهمها في مقتل ! .



يتبع ........ الفصل الخامس

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::






الساعة الآن 06:00 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
مجتمع ريلاكس

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas
دعم وتطوير نواف كلك غلا

1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47