الغيث
07-08-2022, 08:05 PM
هجرة الحكاية الشعبية وانتقالها بين الشعوب وأسباب التشابه والتوافق بين حكايات الشعوب :
أثبتت دراسات الأدب الشعبي أن نصوص الحكايات الشعبية هي نصوص اجتماعية تنشأ في مجتمعات مختلفة ، ثم تتطور في تلك المجتمعات حسب حاجات أفراد تلك المجتمعات ، وهذا الأمر يمثل السبب والمبرر الرئيسي لوجود التغييرات والاختلافات بين الصيغ المختلفة للحكاية ، فهى تمر بملاءمات اجتماعية أو إضافات حسب المجتمع الذي تحكى فيه ، وحسب القيم السائدة في ذلك المجتمع ، وغالبا ما يكون الاختلاف في الشخوص ، وطريقة الوصول إلى الحل ، واختلاف المكان ، أما التوافق والتشابه فيكون في الفكرة الأساسية والمضمون .
وربما تكون معظم الحكايات الشعبية متقاربة في متنها بين البلدان بسبب الهجرة والانتقال للعمل من بلد لآخر ، كذلك ينقلها بعض البحارة بحكم احتكاكهم ببحارة البلدان المجاورة .
وهنا يقول الأستاذ هشام بنشاوي من دولة المغرب الشقيق في مقاله المنشور في مجلة الثقافة الشعبية البحرينية : (( ومعظم الشعوب التي كانت لها حضارات مميزة ، نسجت العديد من الأساطير والحكايات التي تمجِّد أبطالها وأمراءها وملوكها ومؤسسي دياناتها أو مدنها أو امبراطورياتها ، وأضفت هذه الشعوب على ميلاد هؤلاء الأبطال وسني حياتهم مسحات خيالية ، وقد لفت انتباه الباحثين ذلك التشابه المذهل ، بل والتطابق الحرفي ــــ أحيانا ــــ بين هذه القصص والحكايات ، على الرغم من البعد بين هذه الشعوب عن بعضها البعض من الناحية الجغرافية ، واستقلالية كل منها عن الأخرى )) .
وظائف الحكاية الشعبية :
حول وظائف الحكاية الشعبية يتحدث الدكتور بولرياح عثماني من دولة الجزائر حيث يصنف تلك الوظائف إلى ما يلي :
ـــــ الوظيفة التعليمية النقدية : لو قمنا بجمع مدونات عديدة من الحكايات الشعبية للاحظنا هذا الدور بوضوح ، فهي تعلم التحلي بالأخلاق الفاضلة والتمسك بالقيم السامية .
ـــــ الوظيفة الترفيهية : تقوم الحكاية الشعبية بوظيفة هامة ، وهي تسلية الراوي والمستمع .
ـــــ الوظيفة النفسية : تلبي الحكاية الشعبية الحاجات النفسية والبيلوجية والتنمية السيكلوجية ، وتنفس عن المكبوتات والرغبات التي لا يمكن ممارستها في الواقع لكونها تتعارض مع القيم المجتمعية أو أنها تخرج عن حدود القدرة الذاتية المحدودة للطبيعة البشرية ، بحيث يمكن قطع المسافات البعيدة برمشة عين ، ويمكن تحقيق الأحلام بسرعة خارقة .
ــــــ الوظيفة الثقافية : تساهم الحكاية الشعبية في تثقيف الفرد ؛ لأنها تحمل إليه الحضارة من الأجيال السابقة .
ويمضي الدكتور بولرياح في قوله :" والملاحظ على هذه الوظائف التي تؤديها الحكاية الشعبية هو تداخلها فيما بينها ، فقد يكون رواية الحكاية في جانب من جوانبها وظيفة عقائدية عند فئة من الناس ، وتمنح الآخرين المتعة والتسلية ، وقد تكون ذات وظيفة نفسية وترفيهية وتثقيفية ، أو قد تؤدي جميع هذه الوظائف في وقت واحد ".
توظيف الحكاية الشعبية في تنمية مدارك الصغار :
حينما ننظر للحكاية الشعبية نرى أنها قد تساهم في تنمية مدارك الصغار ، وإكسابهم بعض الصفات النبيلة : كالتضحية ، والشجاعة ، والكرم ، والشهامة ، وحب المساكين ، والدفاع عن الوطن ، وحماية الضعيف ومساعدته والعطف عليه ، وتلك الرؤية عائدة إلى ما نجده في تلك الحكايات من هذه الصفات النبيلة ، لكن بجانب ذلك نجد أن بعض الحكايات الشعبية ـــــ أيضا ــــــ تحتوي على مبالغات وخوارق خطيرة قد تؤثر على عقلية الطفل فيعتقد أن تلك الخوارق حقيقية ، وأن بمقدور الإنسان العادي أن يقوم بتجسيدها على الواقع ، وربما قام الطفل بتمثيل تلك الأحداث وتطبيقها على نفسه فتؤدي إلى إلحاق الضرر به ، ولنا مثال واضح في بعض الأفلام التي عرضت في العصر الحديث ، حيث كانت تلك الأفلام تحتوي على شخصيات تمتلك قوى خارقة وتقوم بأفعال جبارة في ملاحقة أعتى العصابات ، وكسر الأبواب الفولاذية المغلقة ، واقتلاع الأشجار الكبيرة ، والقفز من أعلى البنايات الشاهقة ، وبالتالي قام بعض الصغار ممن شاهدها بتقليد تلك الشخصيات وتعرضوا لإصابات بليغة .
كذلك هناك بعض الحكايات تحتوى على مفاهيم وأفعال الكذب والتزوير والخداع والمكر ، وربما تؤثر هذه الصفات في مسار سلوكيات الصغار وتفكيرهم ، ولذا يرى بعض الباحثين أن بعض الحكايات لا تقل خطورة عن أفلام الإثارة والعنف التي تعرض على شاشات التلفاز أو السينما ، وأن الأثر الذي تتركه هذه النوعية من الحكايات والأساطير على عقلية الصغار أثر سيء للغاية ، فهي تحجب عن أذهانهم التعامل مع الحقيقة المحيطة بعالمهم ، وتجعلهم يميلون إلى الواقع الافتراضي وانتظار العون والمدد اللذين يأتيان في صورة معجزات خارقة للطبيعة ، أي أنها تعزل الصغير عن كل ما هو موجود في العالم حقيقة وتملي عليه أشياء غير واقعية .
وقد اختلف الباحثون في مسألة توظيف الحكاية الشعبية في تنمية مدارك الصغار ، حيث أيد البعض منهم ذلك ، وعارضه البعض الآخر ، فمثلا : يرى الباحث الإنكليزي ( تولكين ) أحد كتَّاب الأطفال العالميين : (( أن الحكايات الشعبية أو القصص مادة سيئة مليئة بالأحداث المفزعة والشخصيات المرعبة التي تهدد أمن الصغار الداخلي ، وتشعرهم بعدم الاطمئنان في هذا العالم )) ، بينما يعارضه في ذلك ( أندرو لانج ) مؤسس علم الأساطير ، حيث يرى : (( أن هذه الحكايات أو الأساطير تثير الخيال وتوسع الآفاق والمدارك ، وهي بهذا تعادل الأعمال الروائية لكبار الكتاب ، وأن مذاقها لدى أطفال عصرنا نفس مذاقها لدى الأجداد منذ آلاف السنين )) ، وهناك الكثير ممن أيد نظرية ( توكلين ) ، وهناك الكثير ـــــ أيضا ـــــ ممن أيد رأي ( لانج ) .
لكن بعيدا عن كل هذه الآراء وهذه الاختلافات نرى أن هذه الحكايات كانت تحكى ــــ أصلا ــــ وعلى مر الأزمنة للصغار بكل ما تحتويه من قيم أو شوائب ، بمن فيهم نحن عندما كنا صغارا ، حيث كنا نسمعها من جداتنا الكبيرات ونستمتع بها ، ولم نتأثر بالصفات السيئة فيها ولا بالخوارق وأعمال العنف ، فهل كان السبب ـــــ مثلا ــــــ عدم وجود الأدوات المساعدة من حولنا ؛ لتطبيق ذلك على الواقع ؟ ربما ! .
وفي اعتقادي ــــــ شخصيا ـــــ أننا نستطيع توظيف تلك الحكايات في تنمية مدارك الصغار متى ما قمنا باختيار المفيد منها ، والذي نرى بأنه سوف يحقق تلك الأهداف النبيلة في نفوسهم ويكسبهم الثراء المعرفي المطلوب ، حتى إن أدى ذلك إلى تنقيح تلك الحكايات بدون المساس بالمضمون الأساسي لها .
***
>::>::>::
.................................................. ز
= مجلة الثقافة الشعبية البحرينية ، العدد 36 .
= محمد فهمي عبد اللطيف مجلة الفنون الشعبية ، ص 65 .
= فوزي العنتيل ، عالم الحكايات الشعبية ، ص 37.
= نبيلة إبراهيم ، أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، ص 95 .
= شبكة النبأ المعلوماتية ، الوظائف والدلالات في الحكاية الشعبية ، د. بولرياح عثماني .
أثبتت دراسات الأدب الشعبي أن نصوص الحكايات الشعبية هي نصوص اجتماعية تنشأ في مجتمعات مختلفة ، ثم تتطور في تلك المجتمعات حسب حاجات أفراد تلك المجتمعات ، وهذا الأمر يمثل السبب والمبرر الرئيسي لوجود التغييرات والاختلافات بين الصيغ المختلفة للحكاية ، فهى تمر بملاءمات اجتماعية أو إضافات حسب المجتمع الذي تحكى فيه ، وحسب القيم السائدة في ذلك المجتمع ، وغالبا ما يكون الاختلاف في الشخوص ، وطريقة الوصول إلى الحل ، واختلاف المكان ، أما التوافق والتشابه فيكون في الفكرة الأساسية والمضمون .
وربما تكون معظم الحكايات الشعبية متقاربة في متنها بين البلدان بسبب الهجرة والانتقال للعمل من بلد لآخر ، كذلك ينقلها بعض البحارة بحكم احتكاكهم ببحارة البلدان المجاورة .
وهنا يقول الأستاذ هشام بنشاوي من دولة المغرب الشقيق في مقاله المنشور في مجلة الثقافة الشعبية البحرينية : (( ومعظم الشعوب التي كانت لها حضارات مميزة ، نسجت العديد من الأساطير والحكايات التي تمجِّد أبطالها وأمراءها وملوكها ومؤسسي دياناتها أو مدنها أو امبراطورياتها ، وأضفت هذه الشعوب على ميلاد هؤلاء الأبطال وسني حياتهم مسحات خيالية ، وقد لفت انتباه الباحثين ذلك التشابه المذهل ، بل والتطابق الحرفي ــــ أحيانا ــــ بين هذه القصص والحكايات ، على الرغم من البعد بين هذه الشعوب عن بعضها البعض من الناحية الجغرافية ، واستقلالية كل منها عن الأخرى )) .
وظائف الحكاية الشعبية :
حول وظائف الحكاية الشعبية يتحدث الدكتور بولرياح عثماني من دولة الجزائر حيث يصنف تلك الوظائف إلى ما يلي :
ـــــ الوظيفة التعليمية النقدية : لو قمنا بجمع مدونات عديدة من الحكايات الشعبية للاحظنا هذا الدور بوضوح ، فهي تعلم التحلي بالأخلاق الفاضلة والتمسك بالقيم السامية .
ـــــ الوظيفة الترفيهية : تقوم الحكاية الشعبية بوظيفة هامة ، وهي تسلية الراوي والمستمع .
ـــــ الوظيفة النفسية : تلبي الحكاية الشعبية الحاجات النفسية والبيلوجية والتنمية السيكلوجية ، وتنفس عن المكبوتات والرغبات التي لا يمكن ممارستها في الواقع لكونها تتعارض مع القيم المجتمعية أو أنها تخرج عن حدود القدرة الذاتية المحدودة للطبيعة البشرية ، بحيث يمكن قطع المسافات البعيدة برمشة عين ، ويمكن تحقيق الأحلام بسرعة خارقة .
ــــــ الوظيفة الثقافية : تساهم الحكاية الشعبية في تثقيف الفرد ؛ لأنها تحمل إليه الحضارة من الأجيال السابقة .
ويمضي الدكتور بولرياح في قوله :" والملاحظ على هذه الوظائف التي تؤديها الحكاية الشعبية هو تداخلها فيما بينها ، فقد يكون رواية الحكاية في جانب من جوانبها وظيفة عقائدية عند فئة من الناس ، وتمنح الآخرين المتعة والتسلية ، وقد تكون ذات وظيفة نفسية وترفيهية وتثقيفية ، أو قد تؤدي جميع هذه الوظائف في وقت واحد ".
توظيف الحكاية الشعبية في تنمية مدارك الصغار :
حينما ننظر للحكاية الشعبية نرى أنها قد تساهم في تنمية مدارك الصغار ، وإكسابهم بعض الصفات النبيلة : كالتضحية ، والشجاعة ، والكرم ، والشهامة ، وحب المساكين ، والدفاع عن الوطن ، وحماية الضعيف ومساعدته والعطف عليه ، وتلك الرؤية عائدة إلى ما نجده في تلك الحكايات من هذه الصفات النبيلة ، لكن بجانب ذلك نجد أن بعض الحكايات الشعبية ـــــ أيضا ــــــ تحتوي على مبالغات وخوارق خطيرة قد تؤثر على عقلية الطفل فيعتقد أن تلك الخوارق حقيقية ، وأن بمقدور الإنسان العادي أن يقوم بتجسيدها على الواقع ، وربما قام الطفل بتمثيل تلك الأحداث وتطبيقها على نفسه فتؤدي إلى إلحاق الضرر به ، ولنا مثال واضح في بعض الأفلام التي عرضت في العصر الحديث ، حيث كانت تلك الأفلام تحتوي على شخصيات تمتلك قوى خارقة وتقوم بأفعال جبارة في ملاحقة أعتى العصابات ، وكسر الأبواب الفولاذية المغلقة ، واقتلاع الأشجار الكبيرة ، والقفز من أعلى البنايات الشاهقة ، وبالتالي قام بعض الصغار ممن شاهدها بتقليد تلك الشخصيات وتعرضوا لإصابات بليغة .
كذلك هناك بعض الحكايات تحتوى على مفاهيم وأفعال الكذب والتزوير والخداع والمكر ، وربما تؤثر هذه الصفات في مسار سلوكيات الصغار وتفكيرهم ، ولذا يرى بعض الباحثين أن بعض الحكايات لا تقل خطورة عن أفلام الإثارة والعنف التي تعرض على شاشات التلفاز أو السينما ، وأن الأثر الذي تتركه هذه النوعية من الحكايات والأساطير على عقلية الصغار أثر سيء للغاية ، فهي تحجب عن أذهانهم التعامل مع الحقيقة المحيطة بعالمهم ، وتجعلهم يميلون إلى الواقع الافتراضي وانتظار العون والمدد اللذين يأتيان في صورة معجزات خارقة للطبيعة ، أي أنها تعزل الصغير عن كل ما هو موجود في العالم حقيقة وتملي عليه أشياء غير واقعية .
وقد اختلف الباحثون في مسألة توظيف الحكاية الشعبية في تنمية مدارك الصغار ، حيث أيد البعض منهم ذلك ، وعارضه البعض الآخر ، فمثلا : يرى الباحث الإنكليزي ( تولكين ) أحد كتَّاب الأطفال العالميين : (( أن الحكايات الشعبية أو القصص مادة سيئة مليئة بالأحداث المفزعة والشخصيات المرعبة التي تهدد أمن الصغار الداخلي ، وتشعرهم بعدم الاطمئنان في هذا العالم )) ، بينما يعارضه في ذلك ( أندرو لانج ) مؤسس علم الأساطير ، حيث يرى : (( أن هذه الحكايات أو الأساطير تثير الخيال وتوسع الآفاق والمدارك ، وهي بهذا تعادل الأعمال الروائية لكبار الكتاب ، وأن مذاقها لدى أطفال عصرنا نفس مذاقها لدى الأجداد منذ آلاف السنين )) ، وهناك الكثير ممن أيد نظرية ( توكلين ) ، وهناك الكثير ـــــ أيضا ـــــ ممن أيد رأي ( لانج ) .
لكن بعيدا عن كل هذه الآراء وهذه الاختلافات نرى أن هذه الحكايات كانت تحكى ــــ أصلا ــــ وعلى مر الأزمنة للصغار بكل ما تحتويه من قيم أو شوائب ، بمن فيهم نحن عندما كنا صغارا ، حيث كنا نسمعها من جداتنا الكبيرات ونستمتع بها ، ولم نتأثر بالصفات السيئة فيها ولا بالخوارق وأعمال العنف ، فهل كان السبب ـــــ مثلا ــــــ عدم وجود الأدوات المساعدة من حولنا ؛ لتطبيق ذلك على الواقع ؟ ربما ! .
وفي اعتقادي ــــــ شخصيا ـــــ أننا نستطيع توظيف تلك الحكايات في تنمية مدارك الصغار متى ما قمنا باختيار المفيد منها ، والذي نرى بأنه سوف يحقق تلك الأهداف النبيلة في نفوسهم ويكسبهم الثراء المعرفي المطلوب ، حتى إن أدى ذلك إلى تنقيح تلك الحكايات بدون المساس بالمضمون الأساسي لها .
***
>::>::>::
.................................................. ز
= مجلة الثقافة الشعبية البحرينية ، العدد 36 .
= محمد فهمي عبد اللطيف مجلة الفنون الشعبية ، ص 65 .
= فوزي العنتيل ، عالم الحكايات الشعبية ، ص 37.
= نبيلة إبراهيم ، أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، ص 95 .
= شبكة النبأ المعلوماتية ، الوظائف والدلالات في الحكاية الشعبية ، د. بولرياح عثماني .