الغيث
06-28-2022, 11:38 AM
الأدب الشعبي والبيئة
من المعروف أن الأدب الشعبي يقترن بالبيئة الشعبية التي تولَّد عنها ، ولذلك أدرك الباحثون ومنذ القدم أن التراث الشعبي ــــ بجميع بنوده ـــــ هو أساس الحياة في البيئة الشعبية ، وهو الناتج الأكمل لثقافة الشعب ؛ إذ تنبثق عنه وظائف حيوية ومرتكزات أساسية للأفراد والجماعات ، فنجده يربط ماضيها بحاضرها ، ويترجم وجودها الإنساني مع بقية الأمم والشعوب ، كما نجده يرتكز على تقاليد وعادات ورثت على مر الزمن فيجسدها ويحافظ عليها ، ومن خلال التراث الشعبي ـــــ كذلك ـــــ يتعرف المرء على الفنون والآداب والتقاليد الشعبية التي تجسد بدورها على تصورات ذلك الإنسان وتأملاته وعلاقته ببيئته الشعبية على مر العصور .
تقول الدكتورة ليلى الشيباني :" إن التراث الشعبي هو قوام الحياة الشعبية وليس مجرد ركيزة تدل على أصول أو مراحل تاريخية أو تكشف عن رواسب لم تعد لها وظيفة تلائم التطورات والمعاصَرة ، ذلك لأن هذا التراث هو في الواقع الحصيلة الكاملة لثقافة الشعب على اختلاف أجياله وبيآته ومراحل تعليمه ، فالتراث يحدد العلاقات ويضبط السلوك بين الفرد والجماعة الصغيرة أو الكبيرة ، كما أن التراث يربط الفرد بالماضي ويجعله على وعي بالحاضر واستشراف للمستقبل ، وهو الذي يهيئ الحوافز على الإبداع والتجديد ومسايرة التغير في البيئة للفرد ، ومثل هذه الوظائف الحيوية تجعل التراث الشعبي قادرا على البقاء والتطور ، محتفظا بأصالته ومرونته ".
ولعلنا نرى ـــــ هنا ـــــ أن التراث الشعبي هو ابن البيئة في الأصل وإن كان قد امتزج ببعض الثقافات الأخرى إلا أنه يضل الابن الشرعي للبيئة ، حول ذلك يقول الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي يرحمه الله :" لكل أمة من الأمم عاداتها وتقاليدها ، ولكل قطر من الأقطار ألعابه المحلية ورقصاته الشعبية وحكاياته الشفهية ، ألعاب ورقصات وحكايات تعبر عن أفراحه ومباهجه ، تكون منفذا لتفريغ همومه ، ومتنفسا للمكبوت من أشجانه ، وتعبيرا بَدَنيًّا وحركات عضوية معبرة عن خلجات الروح ، ونبضات القلب ، في حركات متناسقة وهزات متساوقة ، مستعينة على انتظام الأداء بالتصفيق أو الدق أو الكلمات الإيقاعية ونقر الدفوف في الأفراح العامة والخاصة أو مسيرة جماعية أو عمل جماعي ، مما يثير الحوافز التي تبعث النشوة وتورث البهجة وتجدد النشاط وتوحد الشعور ، ومهما بلغت الأمم شأوها من الحضارة والرقي فلا غنى لها عن رقصاتها الشعبية وألعابها التقليدية وأهازيجها الوطنية ".
ثم يمضي العقيلي قي ذلك ويقول :" ومن البديهي والمعروف أن الإنسان البدائي قبل أن يلهم لغة للتفاهم سوى الإشارة كان يعبر عن سروره وآلامه وأتراحه بالقفز والنط والصراخ والعويل ويشاركه سِرْبُهُ في ذلك إذا عثر على ثمرة يانعة أو جذر رطب أو محَّارة ذات بريق ، أو قوقعة يجد في لحمها غذاء يدفع جوعه . ومع تقدم الجماعات واكتشاف النار واختراع الأدوات الحجرية والصوانية أخذ الإنسان يهمهم مع من يرافقه للاستعانة في عمله لاستخراج الأداوت وشحذها ".
ثم يتطرق أستاذنا العقيل في دراسته هذه إلى اكتشاف الإنسان للصيد والتمهر في ذلك كوسيلة للحياة ، كذلك الزراعة وما رافقتها من حرف ، أي أن نشوء هذا الأدب الشعبي والتراث كان من اكتشاف الإنسان لما يحيط به في بيئته التي وجد في أحضانها .
***
>::>::>::
.................................................. .
= د. ليلى الشيباني ، صحيفة الثورة اليمنية ، فبراير 2013م .
= محمد بن أحمد العقيلي ، الأدب الشعبي في الجنوب ، ص 13 .
= المصدر السابق ، ص 14 ( بتصرف ) .
من المعروف أن الأدب الشعبي يقترن بالبيئة الشعبية التي تولَّد عنها ، ولذلك أدرك الباحثون ومنذ القدم أن التراث الشعبي ــــ بجميع بنوده ـــــ هو أساس الحياة في البيئة الشعبية ، وهو الناتج الأكمل لثقافة الشعب ؛ إذ تنبثق عنه وظائف حيوية ومرتكزات أساسية للأفراد والجماعات ، فنجده يربط ماضيها بحاضرها ، ويترجم وجودها الإنساني مع بقية الأمم والشعوب ، كما نجده يرتكز على تقاليد وعادات ورثت على مر الزمن فيجسدها ويحافظ عليها ، ومن خلال التراث الشعبي ـــــ كذلك ـــــ يتعرف المرء على الفنون والآداب والتقاليد الشعبية التي تجسد بدورها على تصورات ذلك الإنسان وتأملاته وعلاقته ببيئته الشعبية على مر العصور .
تقول الدكتورة ليلى الشيباني :" إن التراث الشعبي هو قوام الحياة الشعبية وليس مجرد ركيزة تدل على أصول أو مراحل تاريخية أو تكشف عن رواسب لم تعد لها وظيفة تلائم التطورات والمعاصَرة ، ذلك لأن هذا التراث هو في الواقع الحصيلة الكاملة لثقافة الشعب على اختلاف أجياله وبيآته ومراحل تعليمه ، فالتراث يحدد العلاقات ويضبط السلوك بين الفرد والجماعة الصغيرة أو الكبيرة ، كما أن التراث يربط الفرد بالماضي ويجعله على وعي بالحاضر واستشراف للمستقبل ، وهو الذي يهيئ الحوافز على الإبداع والتجديد ومسايرة التغير في البيئة للفرد ، ومثل هذه الوظائف الحيوية تجعل التراث الشعبي قادرا على البقاء والتطور ، محتفظا بأصالته ومرونته ".
ولعلنا نرى ـــــ هنا ـــــ أن التراث الشعبي هو ابن البيئة في الأصل وإن كان قد امتزج ببعض الثقافات الأخرى إلا أنه يضل الابن الشرعي للبيئة ، حول ذلك يقول الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي يرحمه الله :" لكل أمة من الأمم عاداتها وتقاليدها ، ولكل قطر من الأقطار ألعابه المحلية ورقصاته الشعبية وحكاياته الشفهية ، ألعاب ورقصات وحكايات تعبر عن أفراحه ومباهجه ، تكون منفذا لتفريغ همومه ، ومتنفسا للمكبوت من أشجانه ، وتعبيرا بَدَنيًّا وحركات عضوية معبرة عن خلجات الروح ، ونبضات القلب ، في حركات متناسقة وهزات متساوقة ، مستعينة على انتظام الأداء بالتصفيق أو الدق أو الكلمات الإيقاعية ونقر الدفوف في الأفراح العامة والخاصة أو مسيرة جماعية أو عمل جماعي ، مما يثير الحوافز التي تبعث النشوة وتورث البهجة وتجدد النشاط وتوحد الشعور ، ومهما بلغت الأمم شأوها من الحضارة والرقي فلا غنى لها عن رقصاتها الشعبية وألعابها التقليدية وأهازيجها الوطنية ".
ثم يمضي العقيلي قي ذلك ويقول :" ومن البديهي والمعروف أن الإنسان البدائي قبل أن يلهم لغة للتفاهم سوى الإشارة كان يعبر عن سروره وآلامه وأتراحه بالقفز والنط والصراخ والعويل ويشاركه سِرْبُهُ في ذلك إذا عثر على ثمرة يانعة أو جذر رطب أو محَّارة ذات بريق ، أو قوقعة يجد في لحمها غذاء يدفع جوعه . ومع تقدم الجماعات واكتشاف النار واختراع الأدوات الحجرية والصوانية أخذ الإنسان يهمهم مع من يرافقه للاستعانة في عمله لاستخراج الأداوت وشحذها ".
ثم يتطرق أستاذنا العقيل في دراسته هذه إلى اكتشاف الإنسان للصيد والتمهر في ذلك كوسيلة للحياة ، كذلك الزراعة وما رافقتها من حرف ، أي أن نشوء هذا الأدب الشعبي والتراث كان من اكتشاف الإنسان لما يحيط به في بيئته التي وجد في أحضانها .
***
>::>::>::
.................................................. .
= د. ليلى الشيباني ، صحيفة الثورة اليمنية ، فبراير 2013م .
= محمد بن أحمد العقيلي ، الأدب الشعبي في الجنوب ، ص 13 .
= المصدر السابق ، ص 14 ( بتصرف ) .