المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلبٌ مثقوب وذاكرة معطوبة


جابر محمد مدخلي
11-01-2020, 02:09 AM
https://up.boohalharf.com/uploads/162396488803981.gif (https://up.boohalharf.com/)



1
كُتِبت لقلب كان على قيد الحياة، وما زال على قيد الموت إنه قلب مثقوب!
-" كيف أنت؟
وكيف الذي بداخلك؟
وكيف رضوضك التي بداخل نبضك؟
- أتمنى حقاً أن تكونون جميعكم بخير.
أريدك أن تعلم فقط بأنّ كل ما بدى منك من مشاعر عظيمة بحت بها لقلبي الصغير الذي لا يملك في دنياه غير الحزن.. قد آثارت قلبي حزناً على حزنه أكثر من مشاعر الفرح؛ فعادةً ما تفرح أي أنثى بقوة حب جبّار لها .. كحبك. ولكنها في الوقت ذاته تستطيع أن تحتضن هذا الحب بدفئها وحنانها أما الطفلة التي بداخلي فقد تألمت جداً لمشاعرك الجميلة؛ إذ لم ترغب أبداً بأن تكون هي الخلاص لقلبك الذي أحسّته يوماً.
- لم أشأ صدقاً أن أكون خلاصك ولم أخطط لهذا الحب. كنت أريد أن تمنح فرصك الأجمل وحباً عظيماً أكبر مما كان بداخلك شيئاً يمسح عنك الحزن ولكن بطريق غير طريقي، ومع قلب غير قلبي الطفل؛ فالطفلة يا أنت بكت بحرقة عندما وضعت خلاصك الذي طالما كانت تسعى إليه بين يديها المبتورتين؛ فهل الأيادي المبتورة تستطيع الكتابة؟!
- وكما هي تفهمك جيداً، وتقرؤك في حين عجز الكثير عن فهمك فهي بصدق تدرك أنها لا تستطيع أن تمنحك الحب الذي كانت تتمناه.
- لم أتوقع يوماً بأنك سترسم لي كل تلك المدن، وترصف لي جمهور قبائل من المشاعر .. ليس لأنني لا أتمنى الارتباط بمشاعرك كجمال مشاعرك، وصدق قلبك، وطهارة حسك؛ بل لأنني لا أملك ذلك الحق وإن بدى لي بأنني أمتلك الكثير منه.
قد أكون خففت من جروحك والثقوب التي بداخلك بعفوية مني وإصرار طفلة على فهمك لإسعادك، ولكنني لم أحاول أن أخطط لهذا الحب يوماً؛ لأنني لا أمتلك حضناً يأوي الطفلة فكيف بك؟
يا أنت: قد تظن أنني مجحفة بشأنك رغم كل ما قدمت لي من بوح جميل ومشاعر أرهقها الصمت طويلاً فخرجت تقصدني ووترغب في وديّْ، وتلجأ لي؛ لأحتويها. ولكن.. هل تعلم ما هي ظروف الطفلة؟ هل تدرك حقاً ما يعتريها من حزن؟ ثق بأن المسافات التي بيننا جد بعيدة! لا ترهقك أنت فحسب، بل حتى الطفلة الي لا تملك شيئاً سوى ما قدمت لك من هداياها البسيطة. ولو أنني أرى هناك جسوراً قد أبنيها لأصل إليك ما تأخرت في بنائها، ولكن هو هكذا القدر.. يضعنا بطريق يحتوينا، ويغدق مثمراً على قلوبنا بالعطاء في حين نقف عاجزين أمامه ننظر متألمين وبابتسامة رغم كل الحزن. نبتسم عرفاناً منّا وشكر على الجميل، وإن ابتسمنا بصمت!.
لقد قلت لي: " ليس عليّ أن أحزن ولا أبكي طويلاً، ولكن عليّ أن أنهض من رضوضي، وأقاسم البشر خيراتهم، وأحب الحب، وأتذكر كل الذين وقفوا معي في محنتي، وأقدم لهم الشكر والعرفان، وأحتفظ بالذين معي وأحبوني بصدقي، وضعفي، وإيماني، وقدري، ووضعي المعصوبة عينيه بقطعة قماش سوداء لا يرى منها إلا الظلام".
- وهذا ما كنت أتمنى أن تصل إليه. أحلام كبيرة كانت تدور بعقل الطفلة منذ عرفتك، واختصرتِها أنت اليوم في تلك العبارات. فلم يضيع مجهود الطفولة حقاً. وقد نهضت من رضوضك كما كنت أتمنى. ولكن .. لا تدع هناك فرصة للعودة لحزنك من جديد، والانتكاسة التي قد تؤلم قلب طفلتك؛ فكثيراً ما نحب قلوباً ولكننا لا نمتلك الحق بالوصول إليها بمعنى كلمة الوصول.
لقد نطقت بها يا أنت حين قلت لي: " وهبتني إيماناً جديداً بالحياة، وقدرة على اتخاذ المثال، واحتذاء حياتك نبراساً وقوراً ومقبولاً، وشطراً محفوفاً بالإرادة والبهاء والتجدد رغم كل شيء".
وأتمنى حقاً أن تكون تلك الكلمات في قلبك؛ فالطفلة إن لم تستطع أن تمتلكك واقعاً إلا أنها تستطيع أن تحلم بك. والحلم كفي بأن يضيء درب من أخفق في النظر حوله، وإن كان حلماً!.
ستظل شمعة في أحلامي تنير واقعي المؤلم الذي لا يستطيع الوصول لجمالك.
أرجو أن تتذكر كل لحظة بأن الطفلة قدّمت لك الكثير من الهدايا وغيّرت مجرى الحزن الذي اعترى قلبك طويلاً بصمت. وإن تذكرت طويلاً بأنها أخفقت في أن تمنحك حُبّاً!.
- أمنيتي التي أتمناها الآن:
أرجو أن يُحول حبك لي، القلب الذي خدشت الصدمات أطرافه فأصبح يئن رضوضاً مع الزمن لجنة يا قندسي الجميل. وإلا فلتقتله وتدفنه. فموت حبٍّ كهذا يجلب لك الهم، والحزن، وكفن.
تمنياتي لك بالسعادة. وضع ما أردت لي من طرق إليك، ووسائل تصلنا وأعدك بأن أكون قلبك المؤدب وسأحتفظ بكل هذه الوسائل للذكرى.
وأكرر: " smile.. please just for me "
من يحرص على أن يسعدك لحظة، فذكره سيسعدك كل لحظة وإن فرّق بينكما القدر. من يسأل عنك وفياً يستحق أن تحتضن هداياه وفاءً مدى الحياة.
من يدعو لك بالليل فلا تنساه من دعواتك عند الفجر؛ فجمال العطاء أن يرد بالعطاء.
بلل لحظات يومك بالتفاؤل، وابتسم! ودع عنك الحزن فقد لا تعيش للغد الذي من أجله تحزن.
تمنياتي لك بالسعادة الدائمة، وشمعة كشمعتي التي تعودتُ أن أراها في حلمي، وأتذكرها في واقعي رغم بؤسي .. ابتسم، ابتسم، ابتسم ! .. "
- اليوم وقد كبرت، وعدتُ إلى رسالتك المقبوضة بأنامل قلبي.. أود أن أسألك سؤال المألومين: كيف يمكنني مشاهدة قلبي يتحطم، ويُثقب بيديك وأبتسم؟!

جابر محمد مدخلي
11-01-2020, 02:12 AM
2
أحضان الحُب


اهتديت لأحضان الحُب دون أن أنتبه لما سيأتي في آخر الممر. كل الدنيا كانت تركض خلفي حتى النمل، حتى الخريف الذي ادخرته الطيور. لم أكن على يقين أنني سأشتري حظاً أوسع من قائمة أوجاعي التي مضت. خبأتُ المساء بإبطي لأدخل موسوعة المهربين للأشياء الممنوعة! كيف تخبيء مساءً يشاركك فيه العشّاق والحيارى، والمحزونين؟ لقد حرمت الجميع بسرقتك ليلهم، ونسكهم، وزهدهم الكبير. وقفتُ على قرية جديدة للتو ارشدني إليها الحظ. لم أك أعلم ما الذي بانتظاري في حواريها. كل ما أعلمه أنني خافت القلب، مكسور الضمير، ضعيف الإيمان بحبٍ ناضج، وحالةٍ ميسور حالها. الوديان الضخمة تلتهم ترابها إذا تأخرت عليها السيول والأمطار. وكنت أنا بانتظار ما يلتهمني رملةً حلال، لم تعرف المطر، ولا عاشت مآسي السيول!
تلاقحت أشجارنا، وكانت الرياح أكثر تأبيراً. ظلت النخلة واقفة بشموخ، وارتضينا ظلال الحياة. حضر الجميع في ابتهاجه، وكانت الأعلاف الخضراء تنبهنا لولادةٍ جديدةٍ من رحم الأرض المباركة.بعدها انتهزنا الأمل لخراجٍ يصالحنا مع الوحدة، ويشرع في ترجمة حلم اثنين لا يعرفان وادياً غير صدورهم. وأعلن الأطباء عن خللٍ طبيٍّ قد يزعج الدنيا التي أنام بها، والأرض التي أمطرتُ داخلها أكثر من ألف مرة ولم تصلي غير صلاة الاستسقاء. انتبهنا للقدر، فأخذهما معاً.. وبقيتُ وحدي على ظهر الوادي، أراقب القرية عن كثب. كل شيء يموت حتى الرياح لا تستطيع الخلاص من الموت ...

جابر محمد مدخلي
11-01-2020, 02:15 AM
3


بعثها إليَّ الحظ في ساحة ذكرى...
- " أعلم أنني بلا شهادة إنسان، ولا قلب كاظم للغيض. أكره كل رجل يرتدي أبيضاً، أو يخلع ضرساً قبل أوانه. أحب أن أعيش حياتي مع الباقين من النضال. مع كل سقف يبوح بلا كلام، ويحيض مثل النساء. لم تكن ساحراً لتقنعني بك، ولم أكن قارئة فنجان لأقنعك بي. جئنا بلا مناسبة، واعتنقنا فضائل الشجن دون علمٍ من إفلاطون. سيغضب إفلاطون إذا دخلنا مدينته الفاضلة لندنسها بمشاعرنا الباهتة. اجعل بيننا ذكريات، ذكريات فقط حتى لا يستيقظ بتهوفن فيعزف غضباً لفراق عاشقين. اجعلنا على هيئة ذاكرة لا تعاف الاحتفاظ بالملفات التالفة؛ أنا تالفة قبل أن ألقاك فلا تعزف على صدرك أوتار النيّات البيضاء. لن تختلف عن الذين أكرههم.
إعلم أنّ هذا كان كلامي في المقطع الأول قبل أن أنضم لخارطة قلبك الأخضر. وأما بعده فآمنت بأنك الإنسانيّ الوحيد الذي بقيّ على ساحة الأرض، وقدر الذكرى، وخرائط إيماني الخالدة. أنت مؤمن أبيض، جعلتني أغيّر كل عاداتي الأولى، وأترك في الزوايا بقايا حقائبي الخبيثة، وأفكاري الغاشمة. تستطيع أن تكون ساحراً بلا طلاسم. افعل بي ما شئت.. فأنا أسعد كائنات الوجود بقربك..."
- اليوم لم يعد الحظ بأيّ ساحة من ساحاتي .. باستثناء الذكرى!.

جابر محمد مدخلي
11-01-2020, 02:18 AM
4

إلى السماء: يارب امطرها على قلبي.
" في المحراب الأبيض الذي يطير بنا حازمين إلى السماء أمتعة محملة ببوح بريء صادق، ودعوات تنتظر الحسم، والبلل بغيب سعيد. سفننا خرقها الحزن وليس الخِضر.. العلماء، وأصحاب الكرامات لا يخرقون السفن. وإنّ وراءنا حزن إن استسلمنا له ولصدره فإنه سيأخذنا وإن كنّا مثقوبين. لست خلاصك. لم أتقن في خلق تعبي ليرضيك. إنني بحاجة لأن أتقاسم الخلاص معك ليكون جنة تعويضية عن النيران التي التهمت أجزاء كبيرة منّا. هناك في آخر ممرات الغيب أرصفة بلا بشر. والذاكرة أشد بكاءً من الجزع. الثورة تولد من ذوي العاهات النفسية، والجروح البشرية، والمواقف الصعبة بالحياة، والمهزومين بتجارب الحب، والذين انصبّت فوقهم عذابات الخيانة. إنّ لهؤلاء نتائج وأقدار أضخم بكثير عمّا عاشوه، واحتقنوا بأسبابه..."
إلى السماء: يارب امنحني كرامة.

جابر محمد مدخلي
11-01-2020, 02:20 AM
5

ورقة بيضاء فارغة إلا من انتظار .. ظلّت تعلّقها بيدها حتى الفجر. وفي الأخير وقبل أن أخرج تاركاً عندها كل آهاتي، وهي تتغافل بكائي. نادتني من وراء نافذة. رمت لي بتلك السطور، فتحتها بلهفة أليمة، لم أجد ما حلمتُ به، بل وجدت ما لم أتوقعه: - " أحبك .. ولكن لا أريدك"!

جابر محمد مدخلي
11-01-2020, 02:24 AM
6

" لا تحبسي جسدي على قارعة أنفاسك. العمر حلم جميل، وأنت تدورين داخلي كقطرات في آخر النهر. لم أزل بك حتى سكنت قلبي. كنت تعلمين أنني امرؤ عاجز عن قطف النسيان. لم تكون مرارتي فقط. كنت الرفض الأقدم، والجزع الأكبر، كنت الحافة القابعة في أول السروات. رميتني من أعلى برج في جسدك. تركت دمائي تحت أناملك حتى تخثرت، وطعنت قلبي بألف دمعة نادتك فلم تجيبي.
اذهبي الآن فأنا أليم، وجحيم لا يود إحراقك..."

- أما تزال هذه الرسالة بحوزتك؟!

جابر محمد مدخلي
11-01-2020, 02:30 AM
7

كتبتها لها قبل أن أشفى من جراحي بعام ...
" لم أتصالح مع نفسي منذ أن تركتني ورحلت. كنت أنانية حتى في غيابك. قاسية القلب. إنك امرأة تحمل صخرةً بيضاوية في صدرها. لم أشاهد قلباً على هيئة صخرة إلا داخل قفصك المجرم. أنت جميلة من الخارج فقط. أيمكن لي أن لا أسمع نبض قلبك يا امرأة؟! إنك تعلمين مقدار حبي لأنفاسك، وشعوري بلمساتك الحافلة بزيادة إيماني. خلعت عني كل التعاويذ الأولى التي جعلناها قوس إيماننا، ومحراب عبادتنا العشقية.
خلعت قلبي كامرأة مطلقة.
لماذا تحولين روحي بأكملة إلى دميةً بين يديك حتى تحصدين في الأخير زفافك المرجو؟
لماذا لم تفعلي لي ولو شيئاً صغيراً يجعلني أصلي خاشعاً كما اعتدت؟
لماذا جمعتني بوجهي ثم خلعت عنه المرايا؟
كيف يمكنك الآن أن تنامين بكل هذا الحجم من الصخور داخلك؟
كيف يمكنك الارتياح وأنت دمّرت نبض رجل لا يجيد الدفاع عن موت قلبه؟.
- لم أكن أعلم أنني وريد إضافيّْ، ولا طائرة ورقية احتياطية بانتظار الرياح.
كنتُ مسالماً لحدود أنني ارتضيت حتى الفُتات منك.
عصبتُ على عيني كي لا أشاهد جراحك لي، كي لا أمس جزءًا من صدري حفرته بكبرياءك ومضيت.
كم كنت قاسيةً دون شعور، وسادية برغبة؛ جعلتني ورشة أحزان ومضيت باحثةً عن أمانٍ تتصالحين به مع ما بقيّ من أحلامك الكبرى.
ليتني متُّ قبل هذا وكنتُ نسياً منسيّا.
- جائع منذ أن قابلتك وبعد فراقك جعت كثيراً.
لا ألومك على قسوتك، غير أني ألوم نفسي على كل لحظة حنين جلبتها لك من دفاتري الوفية.
إنني ظالم لنفسي، قاسٍ على قلبي لحدود أنه ما زال يرجوك الرجوع حتى الآن .. أيّ امرأةٍ أنت تصنعين عقابي وترحلين؟ أيمكنك العودة لقتلي ودفني؟
- أرجوك اذبحيني كل ما قبّلتني في مدينة جديدة.
اجعليني تمثالاً من دم في كل بقعة تحطيّن ظلمك وقسوتك فيها... "

... ومع أنني كتبتها .. إلا أنني لم أُشف بها حتى الآن!.

جابر محمد مدخلي
11-03-2020, 10:18 AM
8

كتبتها وأنا أنوي أن لا أكتب بعدها شيئًا:
" هاجمت داخلي كل أخطائي السابقة لتبقين أنت بمنأى عن كل عقاب أنزله على جسدي. ظللت أسحب نفساً عميقاً دون أن أخبرك إلى أين سأوجهه؟ ولا كيف سألفظه؟ ولا لماذا أنا أستخرجه بهذه الطريقة؟
- العمر في التقويم أكبر من حقيقتي. لم أحسب ابتداء مشاعري، ولا عمر أقداري الأخيرة، ولا لمستُ وجهي منذ الوقت الأخير الذي كان فيه صالحاً لللمس.
- أحياناً أجلس ثائراً على نفسي. وأمسح جلد ذراعي اليمين، وأحضر قارورة زيت وأنظفه بها؛ وكأنني أجهزه لكتابة كُبرى. جلدي يحتاج إلى زيوت، وعطور كثيرة.
- كم سأحتاج من الوقت الجديد لبناء عمود طويل أصلب عليه صدري حتى يعترف بالجزء المرهق من ماضيه؟ أيمكنك فعل هذا يا امرأةً تغفر كثيراً، وتعاقب كثيراً، وترحمني حتى أعلم أنني خلقتُ طفلاً بين يديها من جديد؟"
... كتبتها وجلستُ أصليّ أولى صلواتي الجديدة...

جابر محمد مدخلي
11-03-2020, 10:25 AM
9

" أعترف أنني لم أعد أهتم بالثقوب التي بصدري. لم أعد أفهم فكرة أن تكون مريضاً بقلب آخر زرع بداخلك كعشبة علاج. انتقد نقص رغباتي في ممارسة التنفس بشكل قديم. يؤلمني أن أعتصر بحثاً عن رغبةٍ في الكلام، أو الشكوى. يزعجني أن أبوح لنفسي، أو أتحدث عن شيء لا يفهمه إلا أنا. أرهقتني الطرق الحديثة في الصمت. قلبي يتضخم كل يوم، وأنا أتورط في نبضٍ متجدد أقوى من صبري وصمتي على التعلّق به. قدري يطول غيابه، وأنا كقطرات في ضباب لا تهبط للأرض.
تُراني كم سأحتاج من الفرح لينتهي دوري الأليم؟
- جسدي وقلبي مسرحان لأحداث مسلسل مكسيكي حلقاته تطول وأحداثه متكررة..."
- الرسالة التي ماتت في طريق الذهاب!

جابر محمد مدخلي
11-03-2020, 10:32 AM
10

(( مشنوق القلب ))

جعلتُ لأجلك كل شيء سهلاً، كل شيء إلا قلبي؛ استصعبتُ أن أتركه سهلاً لتتناوب عليه الأحداث؛ فتزهقه؛ لأغدو بقلبٍ مثقوب!
علّقت على صدري تعويذات كثيرة، ومشاعر كثيفة، ولم أقرأ واحدةً منها حتى الآن.
- النهايات تجعلنا ندوس بصدورنا أراضٍ صخرية، ونلطخ رئتنا بهواءٍ إجباريّ.
- مرض العضو الهام بقفصي الصدري فشعرتُ بأنني سجين إلى يوم يبعثون. لم أزل بنفسي حتى تجرّعتُ آيات بيضاء صنعت في حلقي قدرة على البكاء، وليّنت حنجرتي فركضت العبرات باتجاه الوله.
-ليالي العشر سنين الأخيرة كلها سهر! لا أجزم أنني نمتُ بفعلي، ولا بإرادتي. كل ما جعلني أنام هو مسكنّات الحُب، والأمل في أن يجد قلبي استقراره في مدينته الفاضلة. مجرد مسكنّات تمنحني قيلولة فوق أهدابٍ يخيّل إليَّ أنها تنعس. قلبي يقظ دوماً. وأنا كخمرٍ لا تأثير فيه .. مشنوق القلب وكفى...

جابر محمد مدخلي
11-04-2020, 12:59 PM
11
نكبر دون أن نشعر بالعمر. نركض في التقويم كأوراق بالية. يوجعنا العُمر فيخلّف منّا سنوات إضافية نربّيها على مهل وتربّينا على عجل. نمسح مشاعرنا ببطء، نفتش عن ملاحظات السنوات الماضية. نشعرُ بأننا كبرنا، ونحن مازلنا على قيد الوله. كل الطقوس تأخذنا. كل المشاعر تسرقنا. ندوخ بحثاً عن(اسبرين) يناسب صداع أحلامنا. يتقوس صدرنا بحثاً عن مرضعةٍ نقيةٍ، أو صدرٍ أمين.
الأحلام تغدو قطعة خبز يابسة بانتظار مطرٍ أنيق يلغي يباسها، ويحولها لقطعة مبللة صالحة للأكل.
عمرنا يذهب سُدى؛ لا لشيء .. إلا لأننا نلاحظ وجوهنا كل صباح ونحن نغسلها، كل يوم وهي هي لم تتبدل، لم تتضجر، لم تفرح، ولم تعبس؛ إنها وجوه متناقضة أحياناً؛ لا تثبت على حالة واحدة.
العمر جميل، مثل شمعةٍ كبيرة جداً لا تنتهي .. ثمة شموع في المصانع أكبر من المصانع نفسها. ونحن دوماً في أعياد ميلادنا بحاجة لشموع أكبر من عمرنا، نريدها أن تشتعل بعمر العيد، وطعم العيد، وروائح العيد...

جابر محمد مدخلي
11-04-2020, 01:21 PM
12

ثمة أحكام جبرية تصلنا من واقعنا المؤلم. وحين تصلنا فعلينا أن لا نتأسى، أو نأسى بها، أو نتجرع مرارةً ليست من صناعتنا، أو صياغتنا. هم بيدهم أن يقولوا لنا: عبارات طيبة، أو سيئة دائماً، وأما نحن فنمضي، ونركض بالحياة ولن نبقى نبقى أبديين. الأبدية ليست لنا.
علينا أن نعيش حياتنا فقط، وأما الحياة التي ليست لنا ليس فلا شأن لنا بها؛ فثمة حياة داخلنا أجمل، وأهم، وأحق بنا.
يمكنني العيش بكل الأحوال وكل الطقوس، أحيا ما أريده أنا، وما يناسب روحي: ننزعج، نتألم، نتضجر، ولكن علينا أن لا ننسب لنا وجعاً إضافياً ليس من صنعنا .. وعلينا أن لا نندم على اختياراتهم؛ نحن أيضاً لنا اختيارات مناسبة.

جابر محمد مدخلي
11-04-2020, 04:51 PM
13

مستودعات الذاكرة

لم أطلب شيئاً لا يستطيع القانون منحه إيايّ، وكل ما طلبته تواضعاً أنيقاً من قلبٍ ارتفع ليصبح أعلى منيّ بطابقين. أيمكن للطوابق أن تعزلنا عن مشاعرنا؟ سكنّا بذات الدهاليز الفقيرة. جعنا في ليلةٍ واحدة. ورقصنا رقصة الجوعى في صباح تلك الليلة. انزعجنا من أيادينا وهي تعود خاوية من صناديق الشوارع الفارغة. قصور الأفراح التي اتخذت من شارعنا الخلفي وطناً لها، كانت تنتهي من حفلاتها فتوزّع علينا ما فاض عنها. بتلك الأيام لم يفرح أحد! فتحت المقابر صدورها، واحتضنت القادمين من جنّات الأرض لغيب فيه نار، أو جنان.
لم أعد أحتمل وقفاتها على النافذة. كنّا متشابهين بكل شيء. حتى الفقر. غدت أعلى مرتبةً منيّ. وأصبحت أنا حمّال الصناديق التي كنّا نفتشها معاً عند الفجر- قبل أن تحملها سيّارات البلدية - مزيج من جراد نافر. ووجهي مسبحة بيد شيخ مات فجأة وهو لم يكمل حلقاتها الأخيرة. معجزتي الحاسمة التي انتظرتها أن أرث من ذلك الشيخ ولو دعوة صالحة. ولكنني فقير منذ الأزل. حقوقي أقل من حقوق يرقة تتحول وتطير سريعاً، وفجأةً تموت. انتقلت لأحياء راقية. وانتشر الجراد في صدري. فلم أجد صناديقها، ولا وجدتُ آثارها في ذراعي. التحقت بمدرسة الجوعى. والتحقت هي بجامعة السلالم. كنّا منهج واحد. ولكن القدر خدمها فغدا لها منهج آخر. لم أعد بنظرها رجل صالح كما كانت تنعتني بذلك .. ولا أدري حتى اليوم ماذا غدوت؟!

جابر محمد مدخلي
11-08-2020, 01:52 AM
14

سيرة الحُب الذاتية

الحب مسمار تدقّه امرأة؛ لتنزعه أخرى من القلب.

جابر محمد مدخلي
11-08-2020, 01:53 AM
15

سيرة الحُزن الذاتية

الحزن بحر ميّت لا تسكنه غير الدموع.

جابر محمد مدخلي
11-08-2020, 01:57 AM
16

سيرة المُجازفة الذاتية

يزعجنا شعورنا بالمجازفة، أو أن نغدو رصيداً للرجوع، أو مصرفاً معطّلاً لا يسحب نقودك وأنت بقمة احتياجها.
الصعب في القلوب أنها تُمطر على من تشاء، وتعي أنّ ثمة روح بانتظار المطر ومع هذا تتجاهلها، أو تقسو متعمدةً ناسيةً جميع المجازفات لأجلها.

جابر محمد مدخلي
11-08-2020, 02:04 AM
17 إليهم .. علّهم يستيقظون

منحناهم كل ما لدينا .. وعندما فرغنا من المنح وهم بحاجة استلفنا من الغيب توقعات عظمى؛ فرأيناهم ينهلون منّا ثم يصادرون متاعنا الذي لديهم؛ لنغدو مجرد ملحٍ فوقه ملح.
هم يصرخون فيما بيننا وبينهم، وفيما بينهم وبين أنفسهم يتطهرون من صراخنا بكراهيتنا، أو بشيء من العتب الصامد.
تتحول معهم الذكريات إلى شيء مأهول باللا توقعات.
يحبسوننا عنهم فجأةً دونما مقدمات، وفجأةً أخرى يعودون إلينا.
نبدو بالنسبة لهم قبو صالح للعيش وحفظ الأطعمة التي تناسب شهيتهم.
إنهم يضعوننا في كهوف الانتظار .. ويمضون عنّا بعيداً .. بعيداً جداً.

جابر محمد مدخلي
11-08-2020, 09:26 PM
18
اكتشفتُ أنّ طرق العزاء للأرواح ليست هي المؤلمة بمجتمعنا بل المؤلم هو: حضور أولئك الذين قتلوها إلى حفلة عزائهم، وألم إحساسهم. يبدو أن المجتمع بحاجة إلى أكبر دائرة عزاء، تتخللها مجموعة دوائر خلالها يتعرف كل امرئ على وصفه الحاد، وقارعة طريقه العصيبة.

جابر محمد مدخلي
11-08-2020, 09:28 PM
19
(سيرة الأسئلة الذاتية)

الأسئلة وحدها مهنة مرهقة، تماماً كالأجوبة. السؤال في رحلة العزاء يزيد العين بكاءً، ويرهق الروح أكثر مما هي مرهقة أصلاً بطعم الفراق.

جابر محمد مدخلي
11-08-2020, 09:30 PM
20

أتنفسها ليس لأن الأوكسجين انعدم من الهواء، بل لأنها هي الهواء الطاهر الذي فتح رئتي من جديد.

جابر محمد مدخلي
12-21-2020, 10:22 PM
21

مع كل الفروقات بيننا كمخلوقات إلا أن الله جعل لنا قلوباً بيضاء، نشعر بصدق ما يمكننا التأكد من طهارته، وما يمكننا التثبت بحقيقته فوق أريافها. في كل مرة أكتب أشعر وكأن كثيراً من الناس يعانون الكثير، وربما وجدوا بلسماً فيما أبعثه أحياناً، أو دواءً فيما أنشره عادةً.. إلا أنني لا أُشفى بما أكتبه إلا بعد ثلاثة أعوام على الأقل من كتابته.
نحاول دوماً أن نبدو أنقياء، وأتقياء وصالحين في أنظار من هم يرغبون دوماً في العلاج على أيادي بوحنا، أو لمس الجزء الأبسط من واقعنا، والبحث عنه ولو بألف فانوس يخرج من كل واحد من هذه الألف مارد يصنع الفرق، ويختصر المسافات.

جابر محمد مدخلي
12-21-2020, 10:24 PM
22

التورط في النور، يزيد القلب نوراً. والدخول إلى الكهوف الجديدة لن تؤذيك ما دامت آمنة. إنما ستجلب لك لحظات سعيدة، ومناظر خلاّبة، وخلوداً لا يمكنك الإبطاء في التقاط صوره حتى لا ينتهي بك المقام إلا عنده من جديد في عشرات الرحلات التي لا تُمل.
قال لها: أنتِ وضوء، فهل رأيت صلاةً لا يكون أولها الوضوء، وآخرها الوضوء، وأوسطها الوضوء؟ وكل وضوء منها يختلف عن الآخر. فأول الوضوء الماء، أو التيمم بالتراب الطاهر. وثاني الوضوء التكبيرة بخشوع للوضوء من كل الدنيا والتوجه إلى ملكوت ربٍّ عظيم، وثالث الوضوء هو الخشوع أكثر والاغتسال داخل الركعات في وضوء من كل أدران الأخطاء اليومية الصغيرة التي لا يمكن إلا للصلوات الخمس أن تمحوها، أو تلغيها، أو تكافأك عليها بحسنات وفيرة، وكثيرة تنسيك ذنبك.

جابر محمد مدخلي
12-21-2020, 10:26 PM
23

الثناء ليس إلا صنعاً إنسانياً لو قام به البشر فيما بينهم لما رأينا ضعيفاً، ولا رأينا محتاجاً، ولا هممنا بالتربيت على كتف مسكينٍ ببضع نقود. الثناء لحمةٌ طاهرة لا خنزير فيها، ولا ميتة، ولا تحتاج لوضوء إذا حانت الصلاة. الله تبارك وتعالى أثنى على المسلمين في مواضع كثيرة، ومختلفة. وكذلك الرسول صلى الله وعليه وسلم. لم تكن الملامح الطاهرة في الثناء إلا يقيناً لما يتوالد داخل أية روح كانت. أعرف الكثير على هذا الكوكب: وكلهم يعملون بجهد مكثّف، ويشعرون دوماً أنهم بحاجة إلى الكتابة، والوضوء بالثناء من الآخرين، إما على عباراتهم، أو على محاوراتهم، أو على مشاعرهم الطيبة، أو على سهراتهم التي يبذلونها في تتويج الأمسيات بأحاديث حالمة، وخيالية نقية، لا يمسها إلا المطهرون. الأدباء يصنعهم الحوار، ويرفعهم الثناء دوماً. والمثقفين يبدون بحاجة إلى الكثير والمزيد من العبارات لكي يقوموا بدور إجتماعي هام في إيضاح حقائق البشر وإثباتها، والنطق بها صدقاً، خالياً من كل النيّات الغبية. ثمة أحاديث تكبر بين كل الأرواح لتتحول إلى منهج، أو ذاكرة نقية لا يمسها لغب. حين أتحدث على الحدود الخارجية مع أيّ زميل للحرف فإنني أغتبط أيما اغتباط. على سبيل المثال: البريد الإلكتروني يستدعيني دائماً لترتيبه، وجعل لي أكثر من نافذة أصنع فيها ترتيباً إنسانياً، وروحانياً. لكل لسانٍ منهج، ولكل قلب حوار، ولكل عقلاً نافذة. أجلس طويلاً لأرتبهم، واقرأ تجاربهم، أو أحاول الإشادة بخواطرهم الرائعة، أو استشارتهم بتجاربي الكتابية. لا بأس من كل هذه المتعة، فكل المتع تلد عندما تشعر أنك قدمت لصديق الحرف، أو روح متعبة دواء صالح، إما لنصٍ، أو قلب. هناك المزيد من الجمال في تذوق الطهارات، والاقتراب للحظات خالدة. ربما تُصنع منها عالماً رائعاً، قد لا يولد إلا في الأفلام، والتلفزيونات النادرة. الحكايات عن قرب دوماً تصنع مصالحةً للعقل، وتعطّره بدفء مسالم، وتصنع الكثير من الحوارات في جلب الحظوظ، والاعتراف بقليلٍ من الأمطار التي تحدث أثناء السلام الذي يعمّ المحاورات، والمناقشات، وتقديم المساعدات الإشادية، والثنائية على كل روح تستحق، أو تحاول دوماً لتستحق. جميع أصناف البشر يأخذونا على حدودهم، ونأخذهم على صدورنا لكي نثبت أننا قادرون على الحياة، وأنّ هذا العالم ليس افتراضياً. بل هو مزيج من البشر الذين يسكنون، ويتعارفون خلف شاشات زجاجية، وأخرى بلاستيكة، وثالثة ضوئية تشبه الكواكب والنيازك التي لا تؤذي ولا تصهر أحداً.
الناس تريحهم البساطة، وتسعدهم العبارات الإضافية حين نقولها ويسمعوها لأول مرة. كذلك يسعدهم أنهم يتحسنون كل يوم في كسب المزيد من الهبات، والمواهب، وصناعة الكلام، وترتيب الروح من تعب الواقع، ودكتاتورية المحيط المؤسف. ولو لم يتقارب الناس ويتصالحون بالحديث لتفجرّوا كأنابيب غاز غاب عنها عاملها. لذلك التواصل مثل جسر معلّق كل الناس يتدافعون حوله، يصلح لأن يحملهم جميعاً دفعةً واحدةً إلا أنهم يحبون هذا الجسر فيخافون عليه من السقوط. فتراهم عادلين بتفهم إخلاص هذا الجماد، ثم لا يلبثوا أن يرتّبون أنفسهم لأجل سلامته فيسيرون عليه بأحمال أخف، وأرواح مثقلة بالسلام الذي خُلِق بينهم لأجل جماد لا يعدو كونه أكثر من جسر معلّق. هكذا يجب أن تكون أصناف البشر. يجب أن يكونوا جسوراً، فيعيشوا كل ما يقع على أيديهم، ويسعدوا بلحظاتهم، ويحاولوا تخليد كل ما يمكن تخليده من صدورهم، ومشاعرهم، وبياض عطاياهم، وسلامهم النقي. واحتياجاتهم الدائمة لكل شيء يسعد، وكل شيء يبهج، وكل شيء يصنع الخلود.. وإن كان خلوداً يوازي لحظة المرور على جسرهم المعلّق ثم الإنتهاء منه في الناصية التالية.
اللحظات الخالدة لا تتطلب إلا سلاماً وإيماناً متى وجدا فالناس في رضا، وابتهاج دائمين...

جابر محمد مدخلي
12-21-2020, 10:27 PM
24

الفلسفة: مثل خبزٍ يابس وحيدٍ بيديك، حين تكون جائعاً ليس أمامك سوى خيارين: إما أن تأكله يابساً فترضي نفسك بقولك: إنه بسكويت جميل، أو تبلله بالماء لترى أنك أفضل بكثير من جوعى افريقيا.

عطر
12-22-2020, 05:00 AM
سأرسمُ نهراً هل يطيبُ له النهرُ
وأقطفُ زهراً كي يكلمه الزهرُ

ومن يسعد القلب الكسير, كريمةٌ
شمائلهُ ..في الحزن لايُكسرُ الظَّهرُ

جابر محمد مدخلي
04-20-2021, 03:15 AM
25

... كان عليها أن لا تذهب إلى صدره، أو تدخله إلى صدرها، أو على الأقل كان عليها أن تميته دفعةً واحدةً بلا رحمةٍ، ولا أمل؛ لأنها لم تستوعبه، ولم تعلم أنّ ثمة قيد كبير داخل قلوب الأوفياء لا يعرفه إلا من صدمهم صدمةً صدرية كبرى!.

جابر محمد مدخلي
04-20-2021, 03:29 AM
26

نسيّ أن يحمل مكياله وهو في طريقه إلى موعدها الأخير ؛ نسيه لأنهم قالوا له: "حبيبتك تقيس الحُب بمكيال، فلا تعطيها حتى تعطيك" نسيه ليتأكد بعد عدة سنين خلت من حاسبة المشاعر.
وفي آخر اللقاء اكتشف أنّ فواتيره باهضة وعليه أن يسدد لها كل ما قدمته له من هدايا.
كيف لهذه الحياة أن لا تؤذيه؟ كيف لأمنياته المسلوبة منه في ليلته الأخيرة أن تُستعاد؟ كيف سيستطيع الدفاع عن حصاد قلبه المنهوب، وصدره المنهك؟
لقد تورّع عن إغضابها ليجعل للمساء الأخير قيمته، ولكنها قالت له بجملة واحدة:" لن أنساك إذا ما بقيت تسدد فاتورة هاتفي؛بل سأتصل عليك دائمًا!"

جابر محمد مدخلي
04-20-2021, 03:35 AM
27

في الأعلى دائمًا ثمرة لا يمكننا قطفها: إما لأنها عالية، أو لأنها أعلى منّا.
وإن نظرنا للخيارين سنعلم من خلالهما أننا لن نستطيع تذوقها مطلقًا .. حتى لو هبّت الرياح وأسقطتها؛ لأننا سنهرب عند هبوب الرياح لنأمن على أنفسنا، وسيأتي غيرنا طير، أو حيوان، أو إنسان أكثر جوعًا منّا فيلتقطها في غيابنا!.

جابر محمد مدخلي
04-20-2021, 03:52 AM
28

لم يعبرها قطار مثله. كانت تراه كامل الأمنيات، وفي لحظة وضحاها أغلقت كل السكك عنه.
كثيرة هي المتاعب التي تأتي أمام محطاتنا. الانفجار الهائل هو الوله الأول، وما بعده يتشابه الحنين، والشوق وأخواتهم. المرة الأولى دائمًا هي العضلة التي لا يمكن لأي علاج طبيعي أن يثنيها.
هكذا يبدون لنا في النهايات أولئك الذين تدربوا على صناعة الموت في حياتنا، والحياة التي يعيشونها وهم أحق بالموت.
هكذا يديرون مشاعرهم، تحت مفرمة القسوة، ومقصلة الإيلام.
لا يمكننا تقسيم العمر أبدًا؛ لهذا علينا أن نلتفت للمرة الأولى التي يثقب فيها صدرنا أحد، وما بعدها علينا أن نغيّر طرائقنا؛ ربما نجحنا في بناء حكاية أفضل من سابقتها، وقصة مكتملة ولو سلبها القدر، أو حاصرها الحظ، أو منعها عنّا النصيب؛ المهم أننا نستمر في بناء ألياف بصرية توصلنا إلى إيصال مشاعرنا الصادقة، الوفية حتى ولو قتلوها في طريقها إلى الوصول.

جابر محمد مدخلي
04-23-2021, 03:52 AM
29

في التقاء ساكنين لا بد وأن يتحرك أحدهما. الإيمان بما في صدورنا قد لا يكفي أحيانًا؛ فلا بد من إحساس يتكفل بعلاقة طرفين يأويهما: ليس حُبًا ، ليس عشقًا، ليس شعورًا بلا هوية .. فهوايا المشاعر كثيرة .. يمكنه أن يكون إحساسًا تحت أي حاسّة فينا ومنّا. المهم أن لا تفقد إنسانًا جمعتك به الحياة، وأن لا تؤزم ما بينك وبين الآخرين؛ لمجرد أن شعورًا -ولو استيقظ من طرفٍ واحد- لتغدو صدورنا ذات أجنحة محلقة للسماء مشابهةً لها في الصفاء، والبياض، والمطر علينا أن نحتفي بكل من يحيطنا، ويحفّنا حتى ولو كان على حساب مشاعرهم، وطريقة أحاسيسهم .. المهم أن لا ننزع شتلةً في حياتنا يمكنها أن تُثمر ما يجعلنا سعداء .. حتى ولو تأخر إثمارها.

جابر محمد مدخلي
04-23-2021, 03:54 AM
30

ثمن التضحية كان ثقيلاً. كان وجه الأرض يدور على صدره، ويتحرك ليقطع أنفاسه. كان يسعى لأن يحمي كل ما في قلبين قبل أن يتأزما. السعي وراء الحُب ليس تمامًا كحين يأتيك، أو تجده في الطريق الذي لم تتوقعه؛ لأن الأخير هذا هو تفاحة لن تفسدها الحياة-عليك أن تسعى لحمايتها- ولن تجد أصدق، ولا أجمل، ولا أنقى، ولا أطهر، ولا أنبل، ولا أعظم، ولا أفضل من هذه التفاحة التي تسقط على قلبك دون عناء الحُب، وطريقه المرير.
الذين يصفون لنا مشاعرهم ليسو كالذين يسمعون منّا مشاعرنا. والذين يتأذون من حياتهم وما صدفوه فيها ليسوا كالذين نحتويهم لنخفف عنهم ما صنعه غيرنا.
هكذا هي أطراف القلوب، وجذورها الضاربة في العطاء، أو هكذا يجب أن تكون .. هكذا أظن.
خلاف ذلك لن تنجو وأنت في طريقك لقضاء باقي عُمرك متى ما أذّيت مشاعر إنسانٍ بلا سببٍ، ولا ذنبٍ غير أنّه وجد في قلبك ما حرمته منه الحياة. كُن على الأقل هذا الإنسان .. وبعدها سيغدو كل شيء في موضعه الصحيح. حتى ولو تكلفت نزع قلبك في وقتٍ ما، افعل ذلك ما دام الأمر يستدعيه. وإن انتصر عليك شعور فيّاض فكن أنت الأمان، اعط لتأخذ، وخذ لتعط.

جابر محمد مدخلي
04-24-2021, 06:46 AM
31

لم يتخيل أنّ حياته معها ستتحول إلى فنجان. ذاته الفنجان الذي اقتسماه في لقائهما الأخير. ودفع قيمته للمقهى ليحتفظ به، وليحمله معه من سفر إلى آخر؛ ليقدمه من قارئة فنجان إلى أخرى علّها تجتهد لتُريه ما استجد وما تغير من توقعاته عن حياتها التي أغفلتها عنه، وأقفلت بينهما كل الجسور. وما أقسى أن تتقاذفك التوقعات.

جابر محمد مدخلي
12-01-2021, 03:51 AM
32

هل يصبح الحُب مكافئة جميلة في حياتنا؟ حتى ولو جاء على صورة إعجاب ، وإيمان بفردانية هذا المحبوب.
هذا الكائن الخفي الذي يتلوّن بأشكال كثيرة ، وألوان بوح لا حصر لها.
هذا الذي يجيء مرةً بلا فمٍ ، ولا شفاه ، ولا لسانٍ .. صامتٌ ولكنه حُب مكتمل الأحلام. ومرة بكامل أناقته ولباقته. ومرات كثيرة: بين مشوّهٍ ، ومشجوج قلبه، بين عابسٍ وحزينٍ وفاقدٍ ومفقود، بين حرائق لا تُبقي ولا تذر.
أيها الحُب تمّهل ففوقك قلب خضع لأكثر من عملية ، وأكثر من جراحة، وخاض أكثر من معركة وكلها ربحها بسيف مغمد لم يخرجه من غمده ، ولا رفع آلته في أرضٍ دخلت روحه طوعًا، وسِلمًا.
أيها الحُب ترفّق فلم يبق من العُمر أكثر مما راح ؛ فإما أن تمدّه بصواع مليء وإلا فاسقه بمقدار كفيّك وسرّحه بإحسان، ولا تُمسكه بإيلام.. واجعله يمضي براحلته إلى حيثُ يوقفها القدر ...