المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة أدبية في الثقافة الشعبية 2


الغيث
06-11-2022, 08:46 PM
أهمية الثقافة الشعبية ودراستها
لعلنا نستطيع القول بأن الثقافة الشعبية هي أساس الحضارة الإنسانية ، ذلك لأنها رفيقة المجتمع البشري في أي مكان وفي أي زمان ، فالإنسان ومنذ وجوده ونشأته على هذه الأرض وهو يعمل باستمرار على تطويع الظروف المحيطة به ؛ لمساعدته على البقاء والاستمرار ، فعمله على تحسين تلك الظروف والبحث المستمر عن طرق تطويرها وإيجاد الوسائل التي تحميه من مخاطرها لهو عمل فكري نابع من سلوكياته البشرية التي تتولد عن عقل يفكِّر وإحساس يدرك ، وكل ما يصدر عن عقله وإحساسه مما سبق هو فعل ثقافي مبتكر أوجده ذلك الإنسان لحاجته إليه ، وكل فعل ثقافي إنساني مبتكر في أي مجتمع ينحو نحو هذا الاتجاه لهو فكر ثقافي تنشأ عنه ثقافة شعبية تلبي حاجة البشر في كل مجتمع على حدة وبالطريقة التي ينتهجها حسب الديانات والمعتقدات التي تحياها تلك الشعوب ، ولذا فإن الثقافة الناتجة من ذلك هي ثقافة شعبية عالمية بهويات إقليمية أو محلية أو قومية أو وطنية وهو ما يشكل الأساس الفعلي للحضارة الإنسانية .
والثقافة الشعبية هي الطريق الأمثل لأي أمة ؛ لكي تعبِّر عن مكنوناتها المطلقة بطريقة تتصف بالحرية والتجرد من أية قيود أو إملاءات خارجية ، ولذا فإن دراسة هذه الثقافة تعد عاملا مهما لمعرفة وإدراك السمات الأساسية لشعب ما ؛ للوصول إلى إمكانية رسم سياسة واضحة الأهداف لمستقبل أفضل ؛ ولذلك يعتبرها المفكرون متنفسا للضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية ، ووسيلة مساعدة لنشر التعايش السلمي وإشاعة مبدأ التسامح والحوار والقبول بالآخر ، ونبذ الطائفية والنعرات السامية في وجدان الأمة الواحدة أو الشعب الواحد ، وهو ما يتبلور عنه تعميق الولاء والانتماء للوطن .
أما بالنسبة لمحيطنا العربي والإسلامي فإننا نجد في دراسة الثقافة الشعبية مجالا مهما لتأكيد خصوصيتنا العربية أو الإسلامية أمام محاولات التفتيت المذهبي والجغرافي .

بين الثقافة العالمة أو ( النخبوية ) والثقافة الشعبية :
هناك خلاف واسع ومحتدم بين الثقافتين : ( العالمة ، أو الرسمية ، أو النخبوية ) و ( الثقافة الشعبية ) ، وباعتقادي أن هذا الخلاف سببه تلك الفجوة الفكرية بين حاملي الإرث الشعبي : ( كالشعراء الشعبيين ، والموثقين للحكاية الشعبية ، والمتناقلين للأدب والموروث الشعبي ) وبين الأدباء والكتاب الحاملين لواء الفصيح ، فالفئة الأولى ترى أن الثقافة الشعبية هي الأصل ؛ لأنها وجدت مع وجود الإنسان على هذه الأرض ومن خلالها فكَّر واكتشف وتعلم وأضاف وابتكر حتى وصل لتحويل ما تعلمه إلى مهارات معرفية انبثقت من خلالها ثقافته النخبوية وإبداعاته وتجلياته ونقده وتفوقه في العلوم والاختراعات العلمية ، بينما ترى الفئة الأخرى أن الثقافة الرسمية أو النخبوية هي الأساس لبناء المجتمعات بصورة أكثر وضوحا ودقة ، وأن الثقافة الشعبية لا تخرج عن كونها مادة استهلاكية تتداول للتسلية والتنفيس ولا تتفق مع مستواهم الفكري والثقافي .
والمتمعن في هذا الخلاف أو الجدلية المستمرة بين الفريقين يجد أن سبب ذلك هو تشعب مفهوم الثقافة بصفة عامة ، فهو مفهوم ذو اتجاهات مختلفة حسب الماضي والحاضر واختلاف الأمكنة ، أي أنه مفهوم فضفاض .
ولندع هذه الجدلية جانبا ونتجه للأساس وهو ( مصطلح الثقافة ) الذي سيقودنا ـــــ حتما ـــــ إلى معرفة الفرق بين الثقافتين ( الشعبية ، والنخبوية ) ومدى التقارب بينهما ، وأيهما نتاج الأخرى .
فمفهوم الثقافة بصفة عامة تناولتها العديد من الدراسات والنظريات الغربية منها والعربية ، التي تولَّدت عنها عشرات التعريفات والمفاهيم لمصطلح ( ثقافة ) ، وعندما تلج في أعماق تلك المفاهيم ــــ كباحث ــــ تجد أن جميعها تسير في الاتجاه الصحيح وإن تباينت في الصيغ .
لكن يمكننا أن نبلور مفهوما مبسطا لمصطلح ( ثقافة ) فنقول : إن الثقافة هي مجموعة السمات الروحية والمادية والعاطفية التي تميز مجتمعا ما عن غيره من المجتمعات الأخرى ، وتشمل هذه السمات : القيم والآداب والعقائد والمعتقدات والفنون وطرائق الحياة والحقوق الأساسية للفرد والاتجاهات الفكرية ، وتتحد هذه العوامل كنسيج كلي في ذلك الجزء من البيئة الذي صنعه الإنسان بنفسه ، ونظَّمه بخبراته وتجاربه .
ومن هنا نرى أن هذا النسيج يتبلور في مفهوم ( ثقافة ) بشكلها العام ، دون تصنيف إلى ثقافة شعبية ، وثقافة نخبوية ، ( أي أن هذا النسيج يتركب من عدة مفردات ومفاهيم يتحد حولها أفراد الشعب أو المجتمع تحت مظلة ( الثقافة المجتمعية ) والتي بدورها تتجزأ إلى : ثقافة سلطة باعتبارها الثقافة الرسمية والعالمة ، وثقافة شعب باعتبارها ثقافة تخص الناس في حياتهم اليومية وممارساتهم الحيوية ) ، وأعتقد أن ذلك أقوى ما يعزز التقارب بين الثقافتين ( الشعبية والعالمة ) ، وإن بحثنا في كيفية تبلور ذلك النسيج نجد أنه تم عن طريق التعلم والمحاكاة ونقل الخبرات منذ بداية الوجود البشري على هذه الأرض ، وانتقال ذلك إلى الأجيال التي طورت تلك العناصر حتى وإن تم ذلك بالمشافهة في العصور الأولى .
إذن فالثقافة هنا منبثقة عن الشعب وما اكتسبه من آداب وقيم ومثل ومعتقدات وعادات وتقاليد وهذا يعيدنا إلى الجدلية السابقة ؛ ليطرح أمامنا السؤال الأهم : هل الثقافة الشعبية هي الأساس أم الثقافة النخبوية ؟ والإجابة على هذا السؤال ـــــ في رأيي الشخصي ـــــ بما أن ما تقدم من نتاج هو نتاج منبثق عن الشعب فالثقافة الشعبية هي الأساس ، فالإنسان عندما بدأ يتعلم مما يحيط به في بيئته قام بتطوير وتحسين ما تعلمه ؛ لتحقيق احتياجاته البشرية ، وبالتالي قام بنقله إلى الأجيال من بعده عن طريق المشافهة والمحاكاة ونقل الخبرات ، ومع استمرار ذلك التطوير والتهذيب عبر الأجيال والأزمنة استطاع ذلك الإنسان تعلم الكتابة في مراحلها الأولى ، سواء بالصور أو بالرموز التعبيرية ـــــ بعد ذلك ـــــ حفرا كان أو نقشا على الصخور أو قطع الطين ، مرورا بالمسمارية فالهيروغليفية وصولا إلى عصر التدوين الذي بدأت فيه الثقافات التخصصية : كالثقافة الدينية ، والثقافة الأدبية ، والثقافة الاجتماعية ، وغيرها من أنواع الثقافات ، ومن بين جنبات هذا التخصيص تولدت الثقافة النخبوية أو العالِمة .
الغيث
حصري
>::>::>::
....................................
النظرية الثقافية والثقافة الشعبية ، تأليف جون ستوري ، ترجمة الدكتور صالح خليل أبو إصبع والدكتور فاروق منصور ، والصادر عن هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة ( كلمة ) ، الطبعة الأولى ، 1436 ه ـــــ 2014 م ، أبوظبي ، الإمارات العربية المتحدة ، ص15 ، 16 .
الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق ، د. نبيلة إبراهيم ، أستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب جامعة القاهرة ، الصادر عن دار المريخ للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى ، 1405 ه ــــــ 1985 م ، الرياض ، المملكة العربية السعودية .
الأدب الشعبي في الجنوب ، ج1 وج2 ، محمد بن أحمد العقيلي ، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر ، ط 2 ، 1402ه ـــــ 1982 م ، الرياض ، المملكة العربية السعودية .
مجلة الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر ، العدد 31 ، السنة الثامنة ، خريف 2015 م ، المنامة ، البحرين .
باحث في الفولكلور الأمريكي .

النبأ اليقين
06-11-2022, 10:47 PM
جهود خيّرة في العطاء
دراسة واسعة موسّعة

بارك الله في علمك يا الغيث
النشر والمكافأة

الغيث
06-12-2022, 09:34 AM
جهود خيّرة في العطاء
دراسة واسعة موسّعة

بارك الله في علمك يا الغيث
النشر والمكافأة

هلا بالنبأ اليقين
وشكرا للحضور والجهود
بارك الله فيك

>::>::