المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة تاريخية 2 .. بندر جازان


الغيث
05-31-2022, 12:19 AM
مدخل

تجمع المصادر التاريخية بأن جازان هي تلك المساحة الجغرافية التي سميت بالمخلاف السليماني بعد توحيد مخلافي ( حَكَم وعثَّر ) والممتدة من حلي بن يعقوب شمالا إلى الشرجة جنوبا ، ومن البحر الأحمر غربا إلى سلسلة الجبال الشرقية شرقا ، تتوسع تلك الحدود إلى أبعد من ذلك في بعض الفترات وتنكمش في فترات أخرى ؛ حسب الحكام وما يحيط بفترات حكمهم من أحداث ومؤثرات خارجية أخرى ، وقد باتت تلك المساحة حلقة وصل بين الحجاز واليمن عبر الرحلات التجارية وغيرها ، وسميت المنطقة بالمخلاف السليماني نسبة إلى سليمان بن طرف الحكمي ، أحد أمراء آل عبد الجد الحكمي كما تقول أغلب المصادر ، وهي التسمية المشهورة للمنطقة التي ذكرت في أغلبها ، وإن كان هناك من يرى نسبة المخلاف إلى الأشراف السليمانيين الذين وفدوا من مكة واستوطنوا وادي حرض ثم انتشرت إماراتهم في سائر المخلاف .
وقد مرت تلك المساحة الجغرافية بأطوار سياسية ومسميات عديدة منها :
1 ــــــ جازان : حيث ورد هذا المسمى قديما في بعض المصادر التاريخية ، كما ورد هذا اللفظ في عهد سليمان بن عبد الملك حينما أعمل الشاعر أبا دهبل الجمحي عملا في جنوب الجزيرة يرجح أنها منطقة جازان التي ذكرها في شعره فقال :


سقـــــــــــــى الله جـــــــــــــازان ومن حـــــــــــل وليــــــــــــــــه
وكـــــــل مسيــــــل من سهـــــــــــــــام وســــــــــردد

وذلك في أواخر القرن الأول الهجري ، ثم ورد ذكر جازان أيضا في كتاب ( الخراج ) للإمام يحيى بن آدم القرشي وذلك في القرن الثالث الهجري ، كما ذكرها ياقوت الحموي ( ت 626ه / 1228م ) في معجم البلدان بقوله : " جازان : موضع في طريق حاج صنعاء " ، ثم تعاقب ذكرها فيما تلى ذلك تاريخيا إلى عصرنا هذا .
2 ــــــ مخلاف حكم : الذي ينتمي إلى قبيلة الحكم بن سعد العشيرة إحدى قبائل مذحج ، وكان مركزه مدينة الخَصوف على مشارف وادي خلب ، وتعتبر ( الشرجة ) مرساه الساحلية ، وقد تعاقب على حكمه أمراء من آل عبد الجد في الجاهلية والإسلام ، ويمتد مخلاف حكم من وادي صبيا شمالا إلى أودية عبس جنوبا .
3 ـــــ مخلاف عثَّر : الذي يعد أحد أهم أسواق العرب وهو مخلاف ساحلي عظيم ، تمتد حدوده من وادي صبيا جنوبا إلى وادي ( حمضة ) شمالا ، وقيل إنه يمتد حتى يصل إلى ما بعد القحمة ( وادي ذهبان ) .
4 ـــــ المخلاف السليماني : بعد أن قام الأمير سليمان بن طرف الحكمي بتوحيد مخلافي حكم وعثَّر ، وأصبحا مخلافا واحد عظيما هو المخلاف السليماني ، وذلك في النصف الأخير من القرن الرابع الهجري في أواخر عهد الدولة الزيادية .
5 ــــــ إمارة الأشراف السليمانيين : وهو ينتسبون إلى سليمان بن عبدالله الشيخ الصالح بن موسى الجون بن عبدالله المحض ، الذين استقروا في وادي حرض في وقت مبكر يرجح أنه نهاية القرن الثالث الهجري المتزامن مع أول الخارجين من الحجاز ( داود بن سليمان الحسني ) ، ثم انتشروا في بقية أنحاء المخلاف ، واستطاعوا تكوين سلطة سياسية لهم بعد ذلك ، ومنهم : الأشراف الغوانم في جازان ، وآل قاسم في بيش ، وآل ذروة في صبيا ، وآل وهاس في باغتة ، والقاسميون في ضمد ، وآل هضام في ضمد العليا ، وغيرهم من الفروع .
6 ـــــ الأمراء القطبيين : وهم أبناء عمومة الغوانم ، وقد آل لهم حكم المنطقة في نهاية عهد الأمير المقلم ، وتعد فترة حكمهم امتدادا لفترة السليمانيين .
7 ــــــ إمارة الشريف أحمد بن غالب .
8 ــــــ إمارة الأشراف آل خيرات .
9 ـــــ الإمارة الإدريسية بفتراتها الثلاث : الإمام محمد بن علي الإدريسي ، الإمام علي بن محمد الإدريسي ، الإمام الحسن بن علي الإدريسي .
10 ــــــ تخلل تلك الأطوار السياسية الوجود المملوكي والعثماني بكل ما صاحب ذلك الوجود من أدوار وأحداث .
11 ــــــ جازان كمقاطعة خلال فترة الإشراف السعودي على المنطقة في نهايات عهد الإمام الحسن بن علي الإدريسي .
12 ـــــــ منطقة جازان في ظل الحكم السعودي الميمون .
وقد توصلنا فيما سبق إلى أن مدينة جيزان هي ناحية أو جزء من نواحي المخلاف المتعددة ، فمن البديهي أن ترتبط بأحداث المنطقة ( المخلاف ) ارتباطا وثيقا ، وإن ظهر ذلك بداية من نهايات القرن التاسع الهجري ، إلا أن وجود جيزان سابق لذلك بكثير من الأزمنة كساحل طبيعي للوادي ، وقد نستطيع القول بأنها موجودة بتلك الصفة حتى قبل نشأة المخاليف في جنوب الجزيرة العربية بعد التحولات الجيولوجية والجغرافية التي أشرنا إليها سابقا ، لكنها لم تذكر لأسباب كثيرة منها :
1 ـــــ نشأتها في فترة التكوين الجيولوجي والجغرافي قبل مرحلة التدوين .
2 ـــــ عدم معرفتها من قبل الجغرافيين والمؤرخين الأولين بعد التدوين إلا متأخرا .
3 ـــــ بعدها عن مناطق الصراع المحتدم في تهامة اليمن ، وتهامة جازان ، مما قلل من اهتمام المؤرخين بها .
4 ـــــ اهتمام المؤرخين القدماء في اليمن والحجاز بالأحداث التي دارت في نواحيهم ، فلم يتطرقوا إلى أحداث جازان إلا بإشارات مقتضبة بما يرتبط بأحداث نواحيهم ، لذا أتت المصادر التي نقلت عنهم خالية من أغلب التفصيلات لأحداث جازان أولا ، والمخلاف السليماني بعد التوحيد ككل ، ومدينة جيزان الساحلية ( البندر ) .
5 ـــــ بروز التدوين التاريخي المحلي في فترة متأخرة ( نهايات القرن التاسع الهجري ) تقريبا ، مما أفقدنا الكثير من أخبار المخلاف عامة ، والمدينة خاصة ، بالذات في العصور الهجرية المبكرة والوسيطة .
وفي هذا الصدد يقول الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي :" مدينة جازان الساحلية نُرَجِّح أنها قديمة كقرية ساحلية وإن كان لم نعثر على نص تاريخي يؤيد ما نرجحه " .
أضف إلى ذلك وقوفنا على بعض المصادر الجغرافية والتاريخية التي أشارت إلى ساحل جيزان منذ القرن الرابع الهجري ، لعلي أذكر منها :
ـــــ ما ذكره الهمداني في قوله :"وفرسان قبيلة من تغلب ... فيهم بأس ، وقد يحاربهم بنو مجيد ، ويحملون التجارة إلى بلد الحبش ، ولهم في السنة سفرة " .
هنا نلاحظ أن وفاة الهمداني كانت بين 350 ، 360ه حسب ما ذكره محقق الأكليل محمد بن علي الأكوع ، أي بداية النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ، والمعروف أن حياة سكان فرسان تكاد تكون مرتبطة بحياة سكان جيزان ، وأن أغلب احتياجاتهم يجلبونها منها ، أضف إلى ذلك أن الرحلات البحرية سواء كانت للغوص عن اللؤلؤ ، أو للتجارة البحرية كانت تزاول في فرسان وجيزان على حد سواء ، ولعل الهمداني يقصد بـــ ( الحبش ) ميناء مصوع الذي كانت تذهب إليه السفن من فرسان وجيزان بالحبوب والدواجن وغيرها ،لذا فإننا نرجح أن جيزان كانت موجودة كقرية ساحلية وإن كانت صغيرة في تلك الفترة ؛ ونظرا لبعدها عن مراكز الصراع الدائر في بقية أنحاء تهامة فإنها لم ترد في المصادر التاريخية كما أسلفنا .
ــــــ ما ذكره الأستاذ العقيلي بقوله :" وما أورده الهمداني في صفة جزيرة العرب هو عن بحر جازان ، أي بحر وادي جازان " وتفسير ذلك أنه يقصد جيزان المدينة الساحلية ، وكما لاحظنا ــــ من قبل ـــــ أن وفاة الهمداني كانت بين 350 ، 360ه .
ــــــ ما ذكره العقيلي بقوله :" أما أسباب ترجيحنا لوجودها كقرية صغيرة وميناء لصيد السمك لوادي جازان المعمور بالقرى والمزارع من مساقطه الى مصبه حول مدينة جازان جنوبا وشمالا ، فإنه الميناء الثاني في مخلاف حكم بعد (( الشرجة )) أولا ، وميناء خاص لوادي جازان بعد توحيد مخلافي حكم وعثَّر تحت اسم المخلاف السليماني نسبة إلى موحدها سليمان بن طرف الحكمي في القرن الرابع الهجري ، ونقدر أنه بعد خراب مدينتي الشرجة الميناء الجنوبي للمنطقة ومدينة عثر الميناء الشمالي أخذ ميناء جازان في البروز على مسرح الأحداث وفي ميدان التاريخ كمدينة وميناء رئيسي " .
وتفسير ترجيح العقيلي يعني أن مدينة جيزان كميناء بدأت في البروز على مسرح الأحداث في القرن الرابع الهجري ، بعد إقصاء الحسين بن سلامة للأمير سليمان بن طرف الحكمي بين عامي 373 و 393ه كما ذُكر في معظم المصادر التاريخية المتاحة .
ــــــ ما أورده العقيلي بقوله :" ولم نقف على اسمها كفرضة ـــــ ميناء ـــــ إلا في حوادث القرن السابع فيما أورده صاحب العقد الثمين عند ذكر الذروي قوله : " إنه نزل في فرضة جازان ". أما بعد ذلك فقد تردد اسمها في غير مصدر ـــــ يقصد من نهايات القرن التاسع ـــــ وكانت تتميز عن جازان العليا باسم جازان الساحل "وقد ذكرنا ذلك مسبقا .
ومن الطبيعي أن تكون مدينة جيزان قد تعرضت لأحداث ووقائع كثيرة انبثقت عن أحداث المنطقة ووقائعها ؛ لارتباط المدينة بالمنطقة الأم ، وإن برزت تلك الأحداث من نهايات القرن التاسع الهجري ( فترة حكم الأمراء القطبيين وبالتحديد فترة حكم الأمير أحمد بن دريب ) ،

الغيث
حصري
>::>::>::

بُشْرَى
05-31-2022, 09:51 AM
.
.

هذا التاريخ حافلٌ بكل ما يستدعي الفخر
التباهي بجازان أصبح فرضا ..

دام المداد الذي بالفكر يزدان ..
شكرا للجهود مؤرخنا الغيث

أرجو في المرات القادمة وضع المصدر .. الذي أخذت منه هذا الجمال
أعلم أنه من كتاباتك .. لذلك وجب علينا أن نشير لجهودك الموثقة ..

( حفظ الحقوق )


الوشم والنشر والتقييم مع منح المكافأة

الغيث
06-01-2022, 01:41 PM
.
.

هذا التاريخ حافلٌ بكل ما يستدعي الفخر
التباهي بجازان أصبح فرضا ..

دام المداد الذي بالفكر يزدان ..
شكرا للجهود مؤرخنا الغيث

أرجو في المرات القادمة وضع المصدر .. الذي أخذت منه هذا الجمال
أعلم أنه من كتاباتك .. لذلك وجب علينا أن نشير لجهودك الموثقة ..

( حفظ الحقوق )


الوشم والنشر والتقييم مع منح المكافأة
شكرا سيدتي الكريمة بشرى
وبارك الله فيك

flll:flll: