الغيث
05-24-2022, 03:11 PM
قفز ولهو ، لعب وصراخ ، عراك عفوي يأتي سريعا ويذهب أسرع ومن غير اعتذار ، تلك هي عصاري الطفولة وبراءة الصغر وهمس المساءات الجميلة ، نتجرع شقاوتنا حتى الثمالة ، تغيب الشمس ولا ندركها ــــ أحيانا ــــ ونكتشف أن ملاءات الليل قد بدأت تدثر الكون من حولنا بالسواد فنعود سريعا إلى دورنا .
كانت الحياة بسيطة جدا ، لا كهرباء ولا مصابيح تضيء الأزقة ـــــ إلا ما ندر ـــــ ومن يتأخر منا إلى ما بعد الغروب فقد اقترف ذنبا أسريا عظيما .
في غمرة البهجة تنبهت لذلك الأمر واكتشفت أنه قد أخذني اللهو وتأخرت عن موعد عودتي إلى الدار ، كنت أخشى ملامة جدتي وتأنيبها وهي الحريصة عليَّ أشد الحرص ، طفقت عائدا إلى دارنا في حارة ( المسطاح ) ، كانت البيوت عبارة عن مجمعات تتكون من أربعة إلى خمسة منازل يحيطها جدار وبوابة عامة مشرعة على الدوام تعبر عن مدى التلاحم بين سكان تلك البيوتات وغالبا ما يكونون أقارب . دارنا كان ضمن ثلاثة منازل على نفس النمط ، في مسافة عودتي كنت أتخيل ما سوف ألقاه من عتاب وتأنيب من أهلي ، وأتخيل ذلك الزقاق المخيف المحاذي لشمال الدور الموجود به بيت العطاس المهجور والذي كثرت حوله الأقاويل المرعبة ، وأن الجن تسكنه وكثيرا ما رأى أهل الحارة أجساما ومخلوقات وحيوانات غريبة ، جدتي وهي القلب الأكثر حبا لي كانت تقول لي إن في هذا التوقيت بالذات يلعب أبناء الشياطين ، دب الخوف في قلبي وأنا أسرع الخُطا وإذا بي أرى جدتي تلوح بيدها تستعجلني ثم اختفت .
أسرعت في خطواتي وقلبي يتخلع من الخوف وولجت إلى حوش دارنا ولم أجد جدتي فيه ، فتشت عنها في أجزاء البيت فلم أجدها ، ذهبت أخيرا إلى المكان الذي تعودتُ أن أشاهدها تتوضأ فيه للصلاة فإذا بها قد نصبت أبريقها الفخاري أمامها وجلست على ذلك المقعد الخشبي الذي صنعه جارنا النجار ( صالح ) وشرعت في وضوئها على قطعة من الحجر الجيري الذي رسم فيه الماء ــــ على مدى الأيام ــــ أطلس العالم الجغرافي ، سألتها ؛ إن كانت على البوابة الخارجية قبل قليل فأجابت بالنفي ، حرت واندهشت وارتعدت فرائصي وحدثتها بما رأيت فقالت إن شدة الخوف جعلتني أتخيلها على البوابة أو إن الشيطان ربما تمثل بها وقالت مؤنبة لي : إن ذلك نتيجة لتأخري في العودة إلى الدار ، وحين طلبت منها أبريق الماء لأغسل رجليَّ من تراب اللهو اختفت من أمامي ولم يبق إلا الأبريق والحجر .
***
الغيث
حصري
>::>::>::
كانت الحياة بسيطة جدا ، لا كهرباء ولا مصابيح تضيء الأزقة ـــــ إلا ما ندر ـــــ ومن يتأخر منا إلى ما بعد الغروب فقد اقترف ذنبا أسريا عظيما .
في غمرة البهجة تنبهت لذلك الأمر واكتشفت أنه قد أخذني اللهو وتأخرت عن موعد عودتي إلى الدار ، كنت أخشى ملامة جدتي وتأنيبها وهي الحريصة عليَّ أشد الحرص ، طفقت عائدا إلى دارنا في حارة ( المسطاح ) ، كانت البيوت عبارة عن مجمعات تتكون من أربعة إلى خمسة منازل يحيطها جدار وبوابة عامة مشرعة على الدوام تعبر عن مدى التلاحم بين سكان تلك البيوتات وغالبا ما يكونون أقارب . دارنا كان ضمن ثلاثة منازل على نفس النمط ، في مسافة عودتي كنت أتخيل ما سوف ألقاه من عتاب وتأنيب من أهلي ، وأتخيل ذلك الزقاق المخيف المحاذي لشمال الدور الموجود به بيت العطاس المهجور والذي كثرت حوله الأقاويل المرعبة ، وأن الجن تسكنه وكثيرا ما رأى أهل الحارة أجساما ومخلوقات وحيوانات غريبة ، جدتي وهي القلب الأكثر حبا لي كانت تقول لي إن في هذا التوقيت بالذات يلعب أبناء الشياطين ، دب الخوف في قلبي وأنا أسرع الخُطا وإذا بي أرى جدتي تلوح بيدها تستعجلني ثم اختفت .
أسرعت في خطواتي وقلبي يتخلع من الخوف وولجت إلى حوش دارنا ولم أجد جدتي فيه ، فتشت عنها في أجزاء البيت فلم أجدها ، ذهبت أخيرا إلى المكان الذي تعودتُ أن أشاهدها تتوضأ فيه للصلاة فإذا بها قد نصبت أبريقها الفخاري أمامها وجلست على ذلك المقعد الخشبي الذي صنعه جارنا النجار ( صالح ) وشرعت في وضوئها على قطعة من الحجر الجيري الذي رسم فيه الماء ــــ على مدى الأيام ــــ أطلس العالم الجغرافي ، سألتها ؛ إن كانت على البوابة الخارجية قبل قليل فأجابت بالنفي ، حرت واندهشت وارتعدت فرائصي وحدثتها بما رأيت فقالت إن شدة الخوف جعلتني أتخيلها على البوابة أو إن الشيطان ربما تمثل بها وقالت مؤنبة لي : إن ذلك نتيجة لتأخري في العودة إلى الدار ، وحين طلبت منها أبريق الماء لأغسل رجليَّ من تراب اللهو اختفت من أمامي ولم يبق إلا الأبريق والحجر .
***
الغيث
حصري
>::>::>::