المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "وأنا مَعَه ..." فارتَعشت الروح


النقاء
01-26-2022, 12:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


لِيُسجِّل التاريخ ذلك المساء المختلف
كعلامةٍ فارِقة في سِجلَّات عُمري ..

كنتُ هائمة على وجهي في ردهات الحياة بين مسارِب التفكير ..
وبين الفينة والأخرى أُطلِق زفراتٍ مصحوبة بتسابيح ثم أعود لما كنت فيه دونَ أن يتغير فيَّ شيء سوى حركة الشفتين واللسان، كانت هذهِ نظرتي للذكر (مجرد تمتمات تلقائية أستجلِبُ بها عددًا من الحسنات وأُسكِت وَخزات ضميري بعد طولِ غَفلة)!

حتى وقع بصري على الحديث الذي زلزل كياني، واهتزَّت له مشاعري وأعاد بناء تصوّري للذكر ..

في الحديث القدسي من صحيح البخاري:
يقول اللهُ تعالَى: "أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَنِي، فإن ذَكَرَنِي في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكَرَنِي في ملأ ذكرتُه في ملأ خيرٌ منهم ..."

لبثتُ دقائق أُحدِّق به مَشدوهة، لم أستطِع استيعابه، قرأته مرة أخرى وثالثة ..!

- ( وأنا معه إذا ذكرني )
بالله عليك اقرأها بقلبك؛ أنا معه!
مَن هوَ الذي معك ؟
تغدو في عملك، تمضي وسط جَمهرةٍ من الناس، على حافة الطريق، تجلس مغمورا في آخر المقاعد هناك ..
لا يُؤبه لك؛ لكن الله معك!
من يغلبك آنذاك؟
من يؤذيك، أتخشى شيئًا، أتهابُ أمرًا والله معك؟

- (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)
أنتَ من أنت وهو من هو سبحانه ..!
الملك، القُدُّوس، المُهيمن، العزيز، الجبَّار المتكبِّر، هناك في مَلَكوته وجَبروته، في عَليائِه يتفضَّل عليك ويذكرك في نفسه! يذكرك أنت!

وأنت الهباءَة في هذا الكون العظيم؛
وسط لفيفٍ من البَشر يذكرك من بينهم فكأنما هالَـةٌ مِن نور تحيط بك ..

يقشعِّر الجسد وينتفضُ الفؤاد مَهابة وحبا وجَذلا وشعورًا آخر لا يُوصف ..

أشعر وكأن روحي تحلِّق عاليا، تسمو عن هذه الدنيا، ترتقي شيئا فشيئا إلى عالَمٍ ربَّاني، فأغفو لحظات في هذا الشَرَف الإلهي ..

-(وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)
في الملأ الأعلى في العالم العُلويّ
حيث ملائكة النُّور، حيث الأنبياء الكِرام، أمامَ هذه الصفوة :
يذكرك الربُّ العظيم، يُثني عليك .

فَلْتتهاوَى ثناءات البشر، ومحافلهم، وتكريماتهم
مُلـوكا وأفرادًا..!
* * * * * *
في هجيعِ الليل :
عندما يغلبني الشَّجى، وأختنِق بالدموع، وتثورُ لواعِج الأسى بداخلي؛
يأتي النداء الربَّاني يتردَّد بين جَنباتي :
(من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ...)

عندما تهيجُ بي ذِكرى الأحباب،
ويلوحُ لي طَيفهم جاثِما في الأفق
وتضيق بي الدنيا، وأشعر بسياطِ الوحدة تقطِّعني، حتى كأن نفسي التي بين جنبيّ جَفَتني فجأة؛ يعلو النداء :
( وأنا مَعه إذا ذكرني )

أجيءُ شريدًا حزينا مضطربا فتنزل علي الكلمات بَردًا وسلاما، تُدثِّرني دِثارا حانِيا
تنفض عنِّي كل شائبة حُزنٍ وكآبة ويأس ..!

* * * * * *
( اللهُ أَكبَر ) ..
استشعِر العَظمة وأنتَ تتلفظ بها
انطقها بكل نبضاتِ التعظيم والإجلال والإكبار!
أكبرُ من تحالفاتِ الأعداء وأسلحتهم وجيوش الظلام، وحكومات المصالح، وتُجَّار المناصِب ..
أكبر من قاضي الجَور ومحكمته،
مِن ذلك السجَّان الذي وضع القيد في مِعصم قريبك، مِن الزوج البائس الذي انتزع أطفالكِ منكِ، من ظالمٍ افترى عليك،
مِن الألم .. من القهر ..
من كل مُعتَركات الحياة
كلهم أقزام .. واللهُ أكبر ..!

( الحمدُ لله ) ..
قُلها بعميق الامتِنان، دع كل ذرة في وِجدانك تلهَج بالشكر ..
الحمد لله على أن جعلني عبدًا له، على رؤية الجمال في هذه الحياة، على أن جعلنا نمضي في سبيلنا دون عجلات كرسيٍ متحرك، على ما اعتدنا عليه من نِعم حتى باتَت جامدة في عيونِنا
أحمدُكَ بجوارِحي وأخجلُ أن أعصيك بها.
الحمدُ لله الذي ألهَمنا الحمدَ له..!

( لا إله إلا الله ) ..
أشكو بثِّي لك وحدك، أفوِّض أمري خالصًا لك
لا أرجو من أحدٍ سواك نفعًا ولا ضرًا
أعوذُ بك أن أتزلَّف إلى أحدهم أستجديهِ حاجة،
أستعصِرُ قطراتٍ مِن عطفه وأنت القديرُ الرحيم
أنتَ العليم بما يعتلج في صدري، بما أعاني، بحاجتي، بهمِّي ..
هؤلاءِ عبيدُك .. وأنتَ الإله ..!
* * * * * *
مَشهَدان :
- التقى الجيشان، اصطفَّت الصفوف،
دقّاتُ القلوب لها دويٌّ كطبولِ حرب، كحوافر خيلٍ تضرب الأرض ..
اهتزَّت الأقدام، سقط البعض صريعا من الرعب والآخر تَولَّى هاربا، هُيئت الرِّماح، سُلَّت السيوف
ابتدأ السجال، اشتعلت المعركة ..
ويقول الله -عزَّ وجل- :
(يا أيُّها الذين آمنوا إذا لَقيتم فئةً فاثبُتوا واذكروا الله كثيرًا)

- طاغية متجبِّر، ادَّعى الربوبية، هَيمن على البلاد، عَتى وبغى، قتل وسَفك
يأتي موسى وهارون إليه في مهمةٍ جَليلة جَسيمة: دعوته للإيمان ..
يتربَّعُ على كرسي مُلكه، مُحاطٌ بالملأ والخدم والسَّحرة، لا شيء يمنعه من قتلهما!
لحظات وتبدأ المواجهة .. الأنفاس محبوسة
الأعين تترَقَّب ..
ويقول الله -عزَّ وجل- :
(اذهب أنت وأخوك بآيتي ولا تَنِيَا في ذكري)

لمــاذا برأيك ؟
لأنَّ الذكر قوةٌ لا تُقهَر، يمنح صاحبه ثباتا وأَنَفـة..
يجعله يَتسَربل في أرديةٍ من الشَّجاعةِ والشَّكيمة، وَيستظِل تحت رواق العِزَّ والكبرياء
الذاكر يأوي إلى ركنٍ شديد، تُحيطهُ مَعيّة الله، تغشاه رحمته وسكينته ..!

واجدة السواس
01-26-2022, 01:09 PM
طرح قيم ونافع بوركت وبورك جلبك حبيبتي
جزاك الله خير الجزاء والحسنات واثابك الجنة

فرح
01-26-2022, 03:20 PM
يارب اجعلنى مما يحسنون الظن بالله
وجعلنا من اهل اليقين ..
جزاكِ الله خيراً واثقل موازينك ونف بك
المسلمين fl

عَنَـاقِيد عِشق
01-27-2022, 07:52 AM
لا عجب أن نستمد هذه الروحانية في نبض الكلمات وحاملتها النقاء ، وحقيقة مَن كتبها كان يشعر بكل حرف يدونه لأنها قد وصلت إلى عُمق القلب وطهرت وأنارت وأحيت نفوسًا بائسة / ضائقة / شريدة !

مُهاجر
02-05-2022, 07:57 AM
كيف لنا طرق باب هذا الحديث الذي يحتاج لمتذوق
يدرك بتذوقه شهد تعبيره ، ويحتاج لذاك السلوك لمعرفة
حقيقته وماهيته ، وكنهه ، في خضم هذا الموج المتلاطم
من الشك ، وإلقاء الشبه حوله جزافا ، والتي لا تأتي إلا من جاهل لا يعلم
عن أمره شيء بعدما جعل هواه وعقله حكما على ما حواه !

من :
غير أن يرجع إلى أصول منبته ، ليعرف بذاك أصله وفرعه.

ونحن :
اليوم نعيش في عالم مادي ، والذي لا يؤمن
أصحابه بغير المحسوس والملموس ! بعد أن تملص أتباع
الدين عن ابسط أبجدياته وأصوله ، وبعدما أبتعدوا عن
صرخات الروح التي تئن ظمأ وهي تتوسل من يرويها بعدما
جف عودها ، وذبل زهرها.

فقد بتنا اليوم :
نراوح مكاننا بعدما استهلكنا قوانا، وأجهدنا
فكرنا ونحن ندور حول ذاك " الترف الفكري"
الذي كان ولا يزال عائقا بسببه تأخر تقدم الأمة بعدما
دخلت في معمعة الجدل العقيم الذي هز أركانها.

ما نحتاجه :
هو ذاك الغوص في تلكم النفس حتى يكون بها ومنها
مصافحة الروح واحتضانها، بعدما أشبعت هجرا ونكرانا
وتجاهلا.

فمن ذلك :
يكون التعرف على كنه الواحد منا ، ويكون
بذلك البذل والانطلاقة من أجل رفع شأنها ،
والسعي بذلك لكمالها.

هي :
تلك المراحل التي تزف عمر ذلك الانسان إلى مقاصل النهاية ،
التي باليقين بتلك النهاية تُحّتم عليه صياغة كيف تكون تلكم
النهاية ، إذا ما كان هناك مصير واحد من اثنين ، ليكون المصير الخالد ،

ذاك :
الشتات يعيشه من يسير في الحياة ، وهو لا يدري أين تأخذه القدم ،
مرتجلة تلك التصرفات ، التي تصدر ممن لا يُحسن العمل ،

فقلوبهم :
وأجسادهم تلازمت ، ليكون التيه والضياع ، هو طريق
اقدامهم ، واحجامهم ،

بمعادلة المفاجأة تسير حياتهم ،
وبذاك أسلموا وسلّموا !

أما :
عن ذاك الذي يُخالط الناس ، ويسعى للمعاش ،
ويزور هذا وذاك ،

فهو :
يعيش عيش الجسد الحاضر في المكان ، أما عن
القلب والعقل ، فهما في الملكوت طائر ، ومع الأملاك سابح ،
بعد أن تعلق قلبه ، وكله برب الأكوان ،

نفوسهم في الله لله جاهدت

فلم ينثنوا عن وجهه كيف كابدت

على نقطة الإخلاص لله عاهدت

لملة إبراهيم شادوا فشاهدوا الت

لفت للشرك الخفي متمما

تولاهم القيوم في أي وجهة

وزكاهم بالمد والتبعية

ولفاهم التوحيد في كل ذرة

فقاموا بتجريد وداموا بوحدة

عن الإنس روم الأنس فيها تنعما

محبون لاقى الكل في الحب حينه

نفوسهم ذابت به واصطلينه

فلم يبق منها الحب بل صرن عينه

بخلوة لي عبد وستري بينه


فما :
وصل أولئك إلى ذاك النقاء " إلا "
بعدما تجردوا من علائق الدنيا ،
وقاموا لرب الأرباب ،

بعدما صدقوا الله وأخلصوا له ،
وقد تهيئت بذاك قلوبهم وأرواحهم لذاك :
النور
و
الفيض
والمدد الرباني الذي يُنسيهم نصب وحوادث الدهر ،
ليغيبوا عن عالم الأشهاد ليُعرّجوا وينيخوا مطايا الحاجات ،
عند حضرة القدس يطرقون باب التواب .

ففي :
حالهم وأحوالهم الحصيف الحريص يتأمل ، ويسأل هل
هي محجوره لهم ؟

أم :
أنه باب مفتوح لمن شمَّرَ وسعى ، لينال بذلك
المطلوب ؟


وكم هناك من تساؤلات التساؤلات :
جوابها لا يستوعبه عقل وقلب من رزح ، وركن لملذات الغرور ،
وهو بذلك ، وفي ذلك يحبو على أرض التخاذل ، والدنيا تحضنه ، وهو
لها عاشق متشبث بتلابيبها ، يخشى مفارقتها ، ومن ذاك قلبه واجل !


ذاك السلام الداخلي :
نالوه بعدما جمعوا شتات الروح عن الجسد ، ليجعلوا ذاك الانسجام ،
بعدما عانقت ، وصافحت تلكم الروح التي في ذاك الجسد ،

بعدما علموا :
حقيقة خلقهم وبهذا ساروا على " هدى من ربهم "
وفي ذلك الطريق ثبتت أقدامهم .

حين :
نعبر ونمر على شذى ذكرهم ، لنتفكر في أمرهم لنغبطهم ، ونتمنى حالهم ،
فذاك بُشرى خير ، لكوننا نُزاحم غفلتنا بتلك الأمنيات ، فمصير الأماني أن
تتحقق ، إذا ما كان السعي ، والاقدام هو المحرك لبلوغ ذاك ،


والعجيب في الأمر :
أن معالم الطريق نقرأها ليل نهار ، ونسمعها من كتاب الله ،
ومع هذا نتعامى ، ونتصامم ! لنختار ذاك الشتات
الذي يُدمي القلوب ويُقسّيها !

" وما الصراخ إلا بقدر الألم "

الشعور بالراحة :
هو ذاك المأمول لذوي العقول ، ولكن فيه الناس يتمايزون ، ويتباينون ،
فكل له وجهة هو موليها ، فمنهم من يجدها في :

صرير أقلام ومنهم في
صوت فنان ،

والآخر :
في الغوص في الملذات الزائلة
التي لا تتجاوز الثواني من الأوقات !

فتلك التي :
سطرتها في الأعلى ما هي إلا خيالات يتخيلها ،
ويتوهمها من تعوَّد معاقرة المسكنات !

كيف لا ؟!
والله قد جاء منه البيان ، بأن الراحة في :
" الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " .

شتاء.!
02-07-2022, 02:27 AM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
../

آسيا
02-16-2022, 07:02 AM
بارك الله فيكم
على جميل طرحكم واختياركم لنا هذا الموضوع
نسأل الله ان يجعله في ميزان حسناتكم

آسيا

الغيث
02-17-2022, 11:42 AM
موضوع مفيد ونافع في الحياة الدنيا وفي الآخرة
والذكر هو عطر الروح والقربة إلى الخالق سبحانه وتعالى
جعلنا الله جميعا ممن يذكرهم في الملأ الأعلى
جزاك الله كل خير يالنقاء
وبارك في عمرك وجعل ذلك في ميزان حسناتك

>::>::