المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دمشق الشام في القرآن الكريم


سليدا
10-14-2020, 12:54 AM
المعروف لا يعرَّفُ، وفيحاء الشَّام دمشق، غرَّةُ الدُّنيا وتاجها، التي قال فيها لامارتين: «من لم يزر دمشق لم يزر أجمل مدينةٍ في العالم». وقال عبد المعين الملوحي فيها، في إهداء كتاب له صدر في أوائل الخمسينيات: «لو لم يسكن النَّاسُ إلا المدن الجميلة لخلت المدن من سكَّانها إلا دمشق».
دمشق ليست معرفة وعلماً وحسب، بل هي معرفة المعارف لأَنَّهَا بها تعرَّف الأشياء والحوادث والتَّواريخ، فهي أقدم عاصمةٍ في التَّاريخ، والشَّام مهد الحضارات ومنبعها، ومهد الأديان وموطن الأنبياء، فقد روى كعب الأحبار أنَّهً « ما بعث الله نَبِيًّا إلاَّ من الشَّام، فإن لم يكن من الشَّام هاجر إلى الشَّام ». ولَعَلَّ هذا ما حدا بمدير متحف اللوفر بباريس إلى القول: « يحقُّ لكلِّ إنسانٍ أن يفخر بأنَّ له وطنان؛ بلده الذي ولد فيه وسوريا ». وسوريا قلب الشَّام.

منذ نحو العقدين عزمت إحدى المجلات على إصدار عدد خاصٍّ عن دمشق وطلب منِّي يومها رئيس التحرير أن أمده ببحث عن دمشق، فشكرته على الفكرتين؛ فكرة إصدار عدد عن دمشق، وطلبه مني أن أعدَّ بحثاً في دمشق للاشتراك في هذا الملف. ورحت منذ طلب مني البحث أبحث عن فكرة تليق بدمشق آتي فيها بالجديد أَو الفريد، وحِرْتُ بَيْنَ الأفكار غير القليلة التي راحت تداعب مخيلتي، فكُلَّمَا عزمن على خوض غمار فكرة زاحمتها فكرة أجمل حَتَّى احتلت مكانها، وتراكمت لديَّ الكثير من الأفكار التي تشدني كلُّ واحدة منها بمغرياتها حَتَّى قرَّرت غير مرَّة أن أعد أكثر من بحث أو موضوع لدمشق التي عشقتها من كثرة روعة ما وصفت به أكثر من عشقي لها مما تغلغل في شراييني من هوائها ومائها وَجِوَائِها، هذا الذي أدركت فيما بعد طعمه ولونه ورائحته، حِيْنَ بلغت من معرفة المدن والأمصار ما يجعل الشَّام تتصدر قائمة الحبيبات والمعشوقات، فصرت أشتاق إليها وأنا في أحضانها، وكُلَّمَا عدت إليها بعد غياب؛ طال أَو قصر، أشعر بروحي محلقة في ملوكاتها تحليق اليمام في فضاء الجامع الأموي وبَيْنَ أيدي زائريه آمناً مطمئناً لا يخاف غائلة ولا يخشى غادرةً.

حَتَّى اليوم، وعلى الرَّغْمِ من تحول هواء دمشق إلى سحابة دخان يبدو اسودادها للعيان من دون منظار أَو مفحاص، ويظهر أثره في النَّفَسِ واضحاً، فإني إذا عدت إلى دمشق من سفرٍ أشعر أنَّ هذا الدُّخان إكسيرٌ للنَّشوة، حسبه أنَّهً هواء دمشق، وإن كانت تنهض في صَدَارَةِ الصَّدر غصَّةٌ، وتضطرم في بوَّابة الفؤاد حرقةٌ، وتثور في اللهاة حشرجةٌ من هذا التَّلوُّث الذي لا ذنب فيه لأحدٍ إلا أنَّهً ضريبة الحضارة والتَّقدُّم العلمي والتَّقاني.
مثل هذا الوجع بتجسداته الثلاث وأكثر يأكل في الجسم أيضاً إلى جانب الصدر والقلب واللهاة كُلَّمَا تذكر الزنَّار السحري الأخضر الذي كان يلف دمشق من أطرافها وتحول بزحف العمران إلى باديةٍ جديدةٍ تنضاف إلى بادية الشَّام الواسعة، وكتلٍ إسمنتية تنتصب مكان الأشجار والأنهار.
لم يكن الحال كذلك منذ ربع القرن المنصرم، أَو منذ العقدين الذين فتقا ذهني على كتابة هذا الموضوع، ولذلك دارت هذه التَّداعيات في الذهن وأنا أعيد طباعة هذا الموضوع الذي لم يكتب له النشر حينها لأنَّ المجلة عدلت عن رأيها.
بعيداً عن المجلة، ومع الأفكار التي راحت تتداعى في ذهني عن دمشق خطر لي أن أجمع ما كتب عن دمشق من الشِّعر وبدأت بذلك فعلاً، ولكن إن هي إلا أيَّامٌ وعدلت عن الموضوع لأنِّي وجدت أنَّ ما كتب عن دمشق شعراً لا يمكن أن تحتويه عشرات المجلدات، وأنَّ هذه المهمَّة لا ينهض بها شخص فردٌ وإِنَّما فريقٌ كبيرٌ من الباحثين والدَّارسين. ففكَّرت في جمع ما قيل فيها من المأثور الجميل، وبدأت بذلك أيضاً، ولكن حظَّ الموضوع هنا لم يكن أقلَّ من حظِّ سابقه إلا بالقليل القليل الذي لا يجد معه الباحث الفرد ما يشجعه على المتابعة لكثرة ما فيه من عبء أيضاً.
أفكار أخرى كثيرةٌ مشابهةٌ خطرت في البال، ولكِنَّهَا في الحظ والتقدير نظائر لما سبق. وللحقِّ والتَّاريخ فإنَّ الحديث في دمشق والشَّام أمرٌ لا يتمُّ في صفحات أَو كتب ولا يكتمل بمثلها ولا أقل ولا أكثر. ويشهد بذلك عشرات، بل مئات الكتب والمجلَّدات التي أفردت للحديث في دمشق والشَّام. ويخطئ من يظنُّ محض الظنِّ أنَّ مدينة في العالم حظيت بما حظيت به دمشق من بدائع النثر وروائع الشِّعر، والوصف الحال والتَّصوير الجمالي.
وعلى الرَّغْمِ من ذلك لا يجد أيُّ مؤلف كتب عن دمشق بدًّا من الإقرار في مقدِّمة الكتاب أَو خاتمته بِأَنَّهُ عاجز عن وفاء دمشق، بل دمشق والشَّام، حقَّهما من الوصف والتَّصوير والتَّقريظ والتَّقدير، وذا أبو البقاء عبد الله البدري، أحد علماء القرن التَّاسع الهجري، الذي ألَّف كتاباً في محاسن الشَّام سَّماه نزهة الأنام في محاسن الشَّام، يقول في مقدِّمته: « قدَّمت لحضرتك السَّامية ثروة ما ملكه اللسان من جواهر حفظها القلب في صندوق الصَّدر، وأوردتها بخطِّ يدي، وما هي إلاَّ صبابةٌ من صبٍّ، وقطرةٌ من جفن نازحٍ حب:

وَمَا تَنَاهَيْتُ فِيْ بَثِّيْ مَحَاسِنَهَا * إِلاَّ وَأَكْثَرُ مِمَّا قُلْتُ مَا أَدَعُ

لعلمي أنَّ محاسن دمشق كثيرةٌ لا تستقصى، وأوصاف صفاتها تتضاعف وأعدادها لا تحصى، قصرت عن استيفائها أرباب التَّواريخ الحسنة، وحفيت سوابق فحول أقلامهم في ميادين الطُّروس أو يدركوا حصر بعضها في مصنافتهم المدوَّنة»
.
وكما أنَّ ما قيل في محاسن دمشق الشَّام ومزاياها نثراً أكثر من أن يحصى وأبعد من أن يستقصى، كذلك فإنَّ ما قيل فيها من الشِّعر أكثر من الكثير بكثير. وليس من عجب أن نستشهد لبيان هذه الحقيقة بقول أحد علماء القرن الثامن الهجري، وهو العالم الشهير الجليل صلاح الدين بن آيبك الصفدي الذي وضع كتاباً في دمشق هو كتاب تحفة الألباب فيمن حكم بدمشق من الخلفاء والملوك والنواب، وقال مما قال في دمشق: «أمَّا الأشعار التي جاءت في أوصاف دمشق وذكر محاسنها فشيءٌ خارجٌ عن الحدِّ، وينبو الضبط عن حصره، ويكلُّ فيه كلُّ حد».

هذان قولان مما قِيْلَ في القرنين الثَّامن والتَّاسع الهجري، أي منذ نحو ستمئة سنة، فكيف لو انتقلنا إلى المرحلة المعاصرة، مروراً بالقرون السَّابقة. لا أظنُّ بل أعتقد أنَّ الأمر سيحتاج إلى تعابير أبلغ وأوصاف أكثر دقَّةً.
إنَّ لحديث، إذن، على دمشق ليس أمراً يسيراً أبداً، ويتعذَّر أن ينحصر في صفحاتٍ قليلةٍ، لأنَّهً يمتدُّ إلى جوانب متعدِّدةٍ، كثيرةٍ. ولأنَّ ذلك مهمَّةٌ شاقَّةٌ، طويلةٌ، فقد آثرنا أن نجعل حديثاً مخصوصاً بما خصَّها به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن لماذا قرنَّا دمشق بالشَّام في حدثنا وعنواننا؟
الحقُّ أنَّ الذي دعانا إلى ذلك أكثر من سبب، فبغضِّ النَّظر عن الضرورة التي فرضت ذاتها هنا، فإننا لم نخترع هذا الرَّبط أَو الإقران بَيْنَ دمشق والشَّام، فإنَّ دمشق والشَّام مقترنتان ببعضهما بعضاً على نحوٍ يكاد يكون تلازميًّا تلاحميًّا دائماً، فإذا تذكرنا أنَّ الشَّام، كما هو معروف، هي بلاد الشَّام أَو سوريا الطَّبيعية، أَو سوريا الكبرى، الممتدَّة من العريش إلى طوروس، وجدنا أنَّ دمشق من الشَّام بِمَنْزِلَةِ القلب، بل هي القلب، بل ما أكثر ما يقصد بالشَّام، وبدمشق الشَّام، فلا تذكر الشَّام إلا على أَنَّهَا دمشق، ولا تذكر دمشق إلا على أَنَّهَا الشَّام، ليس في هذا الزَّمان وحسب بل منذ زمنٍ بعيدٍ.

يتبع

سليدا
10-14-2020, 12:54 AM
في القرآن الكريم
ولأنَّ النُّبوَّة كانت بالقرآن ومن وراء القرآن فمن المستحسن بل الجدير، قبل أن نعرض لما جاء في ذكر دمشق الشَّام والشَّام من الأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة، أن نشير إلى بعضِ الآيات القرآنيَّة الكريمة التي ذَهَبَ بَعْضُ المفسِّرين إلى أنَّ مراد الله تعالى منها هو دمشق أَو الشَّام أَو كليهما.
أولاً: سورة التين
يقول الله تعالى: « وَالتِّيْنِ وَالزَّيْتُوْنِ، وَطُوْرِ سِيْنِيْنَ، وَهذا البَلَدِ الأَمِيْنِ ».
وقد رُوي عن قتادة أنَّهً قال: « لقد أقسم الله تعالى بأربعة مساجد، فإنَّ التين هو مسجد دمشق، والزيتون هو مسجد بيت المقدس، وطور سينين حيث كلَّم الله عز وجلَّ موسى عليه السلام، والبلد الأمين مكة المشرفة ». وفي رواية أخرى عن قتادة ذاته أوردها ياقوت الْحَمَوِيُّ في معجم البلدان أنَّهً قال: « والتِّين هو الجبل الذي عليه دمشق ».
وعن يزيد بن ميسرة أنَّهً قال: « أربعة أجبل مقدَّسة بَيْنَ يدي الله تعالى: طور زيتا، وطور سينا، وطور تينا، وطور تيمانا. قال: فطور زيتا بيت المقدس، وطور سينا طور موسى عليه السلام، وطور زيتا مسجد دمشق، وطور تيمانا مكة المشرَّفة ».
وعن محمد بن شعيب قال: « سمعت غير واحدٍ من قدمائنا يذكرون أنَّ التِّين مسجد دمشق، وأنهم قد أدركوا فيه شجراً من تينٍ قبل أن يبنيه الوليد ». وعن عمرو بن الدونس الغساني في تفسير التِّين قال: « التِّين مسجد دمشق، وكان بستاناً لهود عليه السَّلام، وفيه تينٌ قديم ».
ثانياً: سورة الإسراء
يقول الله عزَّ وجلَّ من قائل في مطلع سورة الإسراء: « سُبْحَانَ الَّذِيْ أَسْرَىْ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِيْ بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْر » .
إذا فتحنا كتب التفاسير وجدنا أنَّ ثَمَّةَ شبه إجماع بَيْنَ المفسِّرين على أنَّ المقصود بباركنا حوله هو دمشق أَو عموم الشَّام.
ثالثاً: سورة الأعراف
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: « وَأَوْرَثْنا الْقَوْمَ الَّذِيْنَ كَانُوْا يُسْتَضْعَفُوْنَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيْهَا...»( ). قال فرات القزاز: «سمعت الحسن يقول في قوله تعالى: « مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا » أي مشارق الشَّام ومغاربها. وأغلب الظَّنِّ أنَّ الحسن البصري ذهب هذا المذهب في التَّفسير استناداً إلى قوله تعالى في سورة الإسراء: «...الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِيْ بَارَكْنَا حَوْلَهُ...». الذي كان ثَمَّةَ شبه إجماع بَيْنَ المفسِّرين على أنَّ المقصود بباركنا حوله هو دمشق أَو عموم الشَّام. ويتأكَّد هذا الفهم أكثر مع قول قتادة: « التي باركنا فيها: الشَّام ».
وعن مالك عن يزيد بن أسلم: «التي باركنا فيها، قال: قرى الشَّام. وكذلك قال سفيان والسدي وغيرهم».
رابعاً: سورة الأنبياء
يقول الله عزَّ وجلِّ في سورة الأنبياء: « وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوْطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيْهَا ».
ذكر جار الله الزَّمخشري إمام البلاغة وأحد أئمَّة المعتزلة في تفسيره الموسوم بالكشَّاف أنَّ أبا العالية روى عن أُبَيِّ بن كعب قوله: « إنَّ الأرض التي بارك الله فيها هي الشَّام »، « وهو حديثٌ مرفوعٌ عن وله روايات أخرى ». ويبدو هنا الانسجام والترابط بَيْنَ هذا التفسير وتفسير قوله تعالى: « الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِيْ بَارَكْنَا حَوْلَهُ ». الذي أشرنا إليه قبل قليل.
خامساً: سورة المؤمنون
في الحديث المروي عن أبي أمامة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم عندما تلا الآية: « وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِيْنٍ ». قال: « هل تدرون أين هي؟
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: هي الشَّام، بأرضٍ يقال لها الغوطة، مدينة يقال لها دمشق، هي خير مدائن الشَّام ».
وكذلك روى عكرمة عن ابن عباس أنَّهً قال: «هي دمشق. وعن نافع عن يزيد بن سخبرة قال: دمشق هي الرَّبوة المباركة»( ) وكذلك في معجم البلدان لياقوت الحموي أنهم قالوا في قوله عزَّ وجلَّ: « وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِيْنٍ » قال: هي دمشق، ذات قرارٍ وذات رخاء من العيش وسعةٍ ومعينٍ كثيرة الماء».
سادساً: تعليق
هذه بعض الآيات القرآنية الكريمة التي ذهب المفسرون إلى أنَّ المقصود بها هو الشَّام أَو دمشق الشَّام، ولَعَلَّ مزيداً من البحث يكشف عن بعض التَّفسيرات الأخرى، ولكنَّ الملفت للانتباه أنَّ القاسم المشترك بَيْنَ الآيات وتفسيرات أنَّ البركة والنَّعيم من الله تعالى أينما ورد قال المفسرون أنَّ المقصود بهما الشَّام، فما من آية قال الله تبارك وتعالى فيها: باركنا فيها أَو حولها » إلا وذهب المفسرون إلى أنَّ المقصود هو الشَّام. وَلَعَلَّهُم بنوا ذلك كلَّه على تفسير الرَّسول محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: « وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِيْنٍ ». أنَّ المقصود بهذه الربوة هو الشَّام، وأنَّ دمشق التي بها هي خير مدائن الشَّام.
خاتمة مشتركة حَتَّى الآن
إن ما ذكرنا من أحاديث النَّبيِّ المصطفى صلى الله عليه وسلَّم عن دمشق والشَّام هي الأحاديث الأكثر شهرة. وهي أحاديث واضحةٌ صريحة لا تحتاج إلى الشَّرح أَو التبيان أَو التَّفسير أَو التَّأويل. وهي كلها مؤشِّر على المكانة السَّامية السامقة لدمشق الشَّام.
قد يكون بعضُ سندِ بعضِ هذه الأحاديث ضعيفاً، أَو مفتقراً إلى التَّواتر الذي اشترطه رواة الحديث المتشدِّدين في الشُّروط، ولكِنَّهَا بتكاملها مع بعضها مقارنةً ومقاربةً ومقابلةً تقودنا إلى صحَّة قاسمٍ مشترك بينها يصعب التَّنازع في صوابيَّته وهو إيثار الشَّام بمديحٍ كبيرٍ لم تحظ به مدينة في العالم على لسان رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم. ويعزِّز من هذه المكانة والقيمة ما سبق الإسلام من تاريخ بلاد الشَّام، وما أثر عن الأديان السماويَّة في القيمة التَّاريخية للشَّام ماضياً في تلك الأحيان من جهة كونها أرضاً للأنبياء ومنبتاً لهم. ومستقبلاً في النُّبوءات الدِّينيَّة التي أَجْمَعَتْ على جَعْلِ الشَّام أرضَ انتصار الحقِّ، أرض انتصار الخير، أرض القيامة...
فإذا كان هذا ما قاله رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم في دمشق، وهو الذي قال تعالى فيه: « وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىْ. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَىْ. عَلَّمَهُ شَدِيْدُ القِوَىْ »، فلا عجب إذن في أن نجد أنفسنا أمام الكم الهائل من الأشعار والأنثار الذي فاضت به القرائح، وجادت به المواهب في تقريظ دمشق والشَّام، والتَّسابق في إجادة وصفها ومدحا وتعداد خصائصها ومزاياها، وبلدانها وقراها، وما فيها من الورد والزَّهر والشَّجر، والينابيع والأنهار، والصَّنائع والمواقع، والمنتزهات، والأعلام... وغير ذلك الكثير الكثير.

هذا الكلام كلُّه، سيَّان أكان صحيح التأويل لما كان من القرآن الكريم أم لم يكن، وسيًّان أكان صحيح النسب إلى الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أم لم يكن صحيحاً، يشير إلى أنَّ الناس القدامى التي قرأت ما قرأت من القرآن الكريم والحديث النَّبوي الشَّريف وجدت في دمشق الشَّام والشَّام من البهاء والجمال والجلال، والخير والخيرات والخلال، والعزِّ والعزة والعزوة... ما جعلهم يقدِّسونها قداسة منقطعة النَّظير، ربطتها بالقداسة الدِّينيَّة ربطاً وثيقاً.

إذا أضفنا إلى ذلك الحقيقةَ التَّاريخيَّةَ التي يتعذَّر نكرانها، وهي أمَّ الشَّام الكبرى هي مهد الإنسان الأول، ومهد التَّاريخ، وأَنَّهَا هي التي عَلَّمَت العالم الكتابة والقراءة والحساب والفلك والشِّعر والموسيقى... وأنَّ دمشق أقدم عاصمةٍ مأهولةٍ في التَّاريخ... وجدنا أنَّ أهل الشَّام الكبرى أمام مسؤوليَّةٍ تاريخيَّةٍ كبرى تجاه دمشق الشَّام والشَّام. فهل من مستمع؟!

الأمير
10-15-2020, 12:22 PM
بآرك الله فيك
وجزآك الله خير
وجعله الله في ميزآن حسنآتك

سليدا
10-22-2020, 08:56 AM
الأمير

تتبعثر الحروف خجلًا أمام إطلالتك
ويتبعثر الشكر والإمتنان أمام هذا الحضور
حضورٌ أحتفي به بخالص الود
لعبورك وقع مبجل انحنت له عروش التحايا
ودي وعبق وردي
https://www.traidnt.net/vb/images/imgcache/2013/09/1111.gif

http://files2.fatakat.com/2014/2/13916418751867.gif

ذَاتِ العِماد
11-01-2020, 04:08 PM
.




بارك الله فيك ونفع بك