المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة مؤجلة


طارق محمود
09-10-2021, 10:06 AM
رحلــة مؤجلـة: قصة

يعمل محفوظ في تفويج المسافرين،يحضر إلى المحطة مبكرا يتفقد مقاعد
الركاب، وسجل التذاكر، ولاينسى أن يضع في فمه( التانبول )، كل شيء
يبدو له سهلا، فقد اكتسب خبرة في أحوال المسافرين، ويدرك من نظرته
الثاقبة أن ذلك القادم، حصل له شچار أمس مع زوجته، فازرار قميصه قد
اقفلها على عجالة، ولذلك يأتي إلى الشخص بهدوء، ويأخذ منه حقيبته ثم
يقول له: اعرف مما تعاني، اتركها يارجل أسبوعا ،
ستنسى كل شيء وتعود اليك. ثم يمضي لشأنه.
اشتهر في المحطة بأنه رزق التسامح والنبل والبساطة، واذا سمع صافرة
التحرك، يقرأ من كشف الركاب أسماءهم، وإذا كانت هناك بينهم سيدات
فإنه يعتني بحقائبهن وبعض المسنين، تأتي السيارة لهم إلى منازلهم، كل
الاشياء تبدو له يسيرة لاتحتاج عناء، لايحب تعقيد الأمور ابدا، وإذا حدثت
منازعة بين الركاب أو مسئول المحطة، فإنه يحل هذا الإشكال سريعا وفي
حالات تغير الطقس أو تأجيل الرحلة فإنه بتلقائية يقنع المسافرين ليعودوا

في اليوم التالي.
كانت المحطة التي تقع في وسط الناحية تقدم لزبائنها الوجبات السريعة
،والمقليات، وكان بها مسجد صغير، وتعمل من الخامسة صباحا حتى
العاشرة مساء.
هاهو الان قد جمع التذاكر، وقام بتوزيعها، وتفقد الحافلات، وقد عن له
خاطر عجيب ،حيث جال في فكره احساس مبهم بالرحيل، وتساءل: الناس
يسافرون وانا لا اترك هذه المحطة؟ اكيد هناك من ينتظرني في الجهة
المقابلة؟ لن أبقى طوال حياتي هنا، اقوم بتفويج المسافرين، لابد أن ارحل
معهم إلى مدن أخرى.
وركب من فوره إحدى السيارات، ولاول مرة في حياته يشعر أنه أصبح
طليقا، وهو يستحضر ذلك الوجه الذي سيسافر إليه، وجه ابنه الذي مات
في الحرب !
وترك المحطة، ترك الناس والاشياء، في رحلة لا احد يعلم بتفاصيلها الا هو!

نبيل محمد
09-10-2021, 10:12 AM
محفوظ الإنسان الشفاف، رفيع الخلق، جميل العبارة،

قضى حياته هادئ الطبع حريص على حقائب المسافرين المحملة بالتعب

وهكذا تمكن من أن يعيش حياة راضية، وحين كان يواصل إبداعه بتدفق

ودون انقطاع، مكنته الوظيفة من تنمية موهبته، والحفاظ علي هويته.


ولكن مداواة وتطهير النفس البشرية


كانت حرفة كاتبنا الذي أثارة الشفقة

في نفوس المتلقي فتعاطفنا بالكامل مع العم محفوظ مما جعلنا نفرغ

أحاسيسنا السلبية والتي إن طال كبتها ستنفجر بشكل عنيف




لطالما كانت القصص بالنسبة للناس بوابة صغيرة مفتوحة على الحلم

في بدايتها تُصنع من نفس مادة الأحلام، و بأعين مفتوحة

ليتمكن الناس من مقاومة إغراء الهروب من أنفسهم داخلها إلى احتمالات أكثر رحابة.

الكاتب المحترف

طارق محمود


سجل إعجابي وتقديري




الختم وللتنبيه
ومكافأة المنتدى
*****

طارق محمود
09-10-2021, 12:50 PM
شكرا لك نبيل محمد على قراءتك للقصة فقد امتعتني كثيرا عباراتك الجميلة

النقاء
09-10-2021, 01:32 PM
هلا بالرائع الراقي طارق

قصة جميلة استطرقت هنا

كم كان يضحي بوقته وعمره وجهده من آجل إسعاد الناس ومعرفة احوالهم ومساعدتهم

بعض الأعمال مشقة ولكن تجد فيها لذة وطعم ذكريات وأحلام موجلة والحياة كلها

رحلة مثل القطار فيها من بذهب ويعود ناس آخرين قطار ومراحل

وجد لنفسه التغير حينما ذهب واطلق حرية حياته وتغيرتها




سرد جميل أستاذي الراقي

تحية شكر وتقدير بلا عدد …..

طارق محمود
09-10-2021, 02:20 PM
شكرا لك صديقتي الرائعة النقاء على تقييمك أنرت لك كل الود

علي آل طلال
09-10-2021, 05:02 PM
القرارات التي تأتي في لحظة هي من أصدق الرغبات وأكثرها أثرا عميقا قديما في قناعاتنا..
هو نفذ ما أراده دوما لكنه كان ينفيه كي تستمر حياته على منوال اعتاده لايثير أغبرة التساؤلات المتعبة..
العزلة والرحيل بلاوجهة أو عنوان...هكذا يأتي العزوف عن كل شيء..
..
طارق محمود
هطلت بكامل اناقتك لغة وسردا وأسلوبا
سلمت وطبت

طارق محمود
09-10-2021, 06:53 PM
شكرا لك علي ال طلال على تعليقك الرائع دمت بود

إلهام
09-10-2021, 07:28 PM
كان يريد لحظة تجعل لحياته معنى

رائعة وأكثر، عاشت الأيادي

البنفسج
09-15-2021, 08:11 PM
بعض الأحيان لابد من التنصل من كل القيود
والتحليق خارجها حتى وإن كانت الوجهة غير قابلة
لأخذ جرعة من السعادة
الحرية وطن كبير برغم استعمار الأحزان

طارق محمود
كل الألق والجمال وجدته هنا
بورك هذا المداد والحرف الرائع
رقراق كنهر

flll: