المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة لقد أسمعت لو ناديت حيـا


نبيل محمد
08-24-2021, 05:46 PM
كان بالمدينة رجل كثير المال ، ليس هناك من هو أغنى منه ، وكان له ولد وحيد ماتت
عنه أمه وهو صغير ، فأغدق عليه والده المال والدلال حتى أفسده ، وكان الأب رجل
كريم كثير الصدقة والعطاء ، وكان كل صباح يأتي إليه رجل فقير بالسوق فيعطيه
كسرات من خبز فطوره ، فيجلس إلى جواره حتى يأكل ، وبعدها ينصرف ، وظل الأمر
على هذا الحال لسنوات ، حتى اشتد المرض على الأب ، وخاف أن يبدد الابن كل ما
ترك ، فحاول نصحه ولكن دون جدوى.
فقد كان رفقاء السوء يحيطون به من كل صوب وحدب ، يصمون أذنه ويعمون عينيه ،
لأنهم منتفعين مما هو فيه ، بذخ ومال دون حساب ، ولما اقترب الأجل استدعى الأب
أخلص خدمه ، وأمرهم أن يبنوا سقفًا جديدًا لمجلس القصر تحت السقف القديم ،
ويصنعوا ما بين السقفين مخزن يضعونه به كمية كبيرة من الذهب ،
وأمرهم أن يصنعوا في السقف بوابة ويضعون بها سلسلة حديدية ،
إذا تم سحبها للأسفل تنفتح باتجاه الأرض
، وفعلًا فعل الخدم كل ما أراد ، وأبقوا الأمر سرًا عن الابن ، وقبل الرحيل استدعى
الأب ولده مرة أخيرة ، وأعاد فيه النصح والوعظ ولكن دون فائدة.

لقد أسمعت إذ ناديت حيًا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
لقد أذكيت إذ أوقدت نارًا *** ولكن ضاعَ نفخُكَ في الرمادِ

ثم قال له : بني إذا مت ، وضاع منك كل شيء ، وغلقت الأبواب في وجهك فعدني ألا
تبيع هذا القصر تحت أي ظرف ، وإن فكرت يومًا في الانتحار ففي المجلس الكبير
سلسلة معلقة اشنق بها نفسك ، ومت في قصرك ميتة سهلة مستورة ، لم يأخذ الابن كلام
أبيه على محمل الجد .
وظل رفقاء السوء ينفقون من ماله حتى أفنوه ، فكسدت التجارة وبيعت المحلات ، ثم
البساتين والقصور ، ولم يبق له سوى قصر أبيه ، فباع الأثاث واحدًا تلو الأخر ، وانفض
الرفاق من حوله ، وكرهوا صحبته حتى أنه كلما ذهب إلى أحدهم أنكر وجوده ، ورفض
لقاءه.

رأيت الناس قد مالوا *** إلى من عنده مالُ
ومن لا عــــنده مالُ *** فعنه الناسُ قد مالوا
رأيت الناس منفضة *** إلى من عنده فضة
ومن لا عنده فضة *** فعنه الناسُ منفضة

ساءت أحوال الشاب ، ولم يعد عنده ما يقتات به ، حتى ملابسة تمزقت ، ونعله لم يعد
يقوى على المسير ، كل الذي كان يجده كسرات من الخبز وبعضًا من الماء يحضرها لها
المسكين الذي كان يعطف عليه أبوه في حياته ! .
فضاقت به السبل وأُغلقت في وجهه الطرق ، وضاقت به الأرض بما رحبت ، فقرر أن
يضع حدًا لمأساته وينتحر ، وهنا تذكر كلام أبيه ، وتلك السلسلة المتدلية من سقف مجلس
القصر ، فأحضر صندوقًا ووقف عليه ، وربط السلسة حول عنقه ، وبعدها أزاح
الصندوق بقديمة ليسقط مشنوقا ، فيموت ميتة سهلة يرتاح فيها من الدنيا وكدرها .
ولكنه لم يمت ، لقد فتحت البوابة السرية التي بين السقفين حينما انجذبت السلسة لأسفل ،
وسقطت كميات الذهب الكبيرة على رأس الفتي حتى أغرقت ، ففرح فرحًا شديدًا لأن الله
فرج كربه ، وذهب إلى السوق واشترى حلو الطعام واللباس ، وجاء بالرجل الفقير
وجعله رفيقًا له يقتسم معه الطعام والهندام ، وبدأ في التجارة واسترد أمواله أبيه وبساتينه
وخدمه .
ولما سمع رفاق السوء بتبدل حاله ، وما صار فيه من عز وغنى ، أرادوا الوصل والود
القديم ، فأعدوا مأدبة فاخرة ودعوه إليها ، فلبى دعواهم ، ودخل ولكنه لم يأكل من الطعام
، فكل ما فعله أن أمسك كم ثوبه وأخذ يضعه في كل صنف ، وبعدها أراد الانصراف ،
فاستغرب الرفاق عجيب صنعه ، وسألوه ماذا يصنع ؟ فقال لهم : أنتم ما دعوتموني أنا ،
أنتم دعوتم أموالي وملابسي ، وهذا ثوبي قد لبى دعواكم ، أما أنا فلا ، وانصرف عنهم .
مما راق لي

إلهام
08-26-2021, 04:02 PM
قاسى ألم وفرحة المفاجأة، سلمت