المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكرسوع ( رواية )


الغيث
08-05-2021, 12:42 AM
أحبتي أعضاء منتديات المدائن
يطيب لي نشر روايتي الأولى ( الكرسوع ) ــــ هنا ــــ على حلقات
وأرجو أن تنال استحسانكم .
تابعوني .......

الغيث

الغيث
08-05-2021, 12:45 AM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


الإهداء

إلى تلك الأرواح البريئة التي احتضنتها تربة الأرض
بعد أن دفعت حياتها ثمنا لحرية الآخرين .

الغيث
>::

هادي علي مدخلي
08-05-2021, 12:58 AM
يبدو اننا على موعد
مع الجمال
للختم والتنبيه ومكافأة المنتدى
سأكون هنا دوماً

البنفسج
08-05-2021, 01:06 AM
حتما سيكون كرنفال من مطر
فالغيث غزير ونحن نستمطر كل جمال
ونفرح به ونستمتع بأدق تفاصيله

flll:

النقاء
08-05-2021, 01:43 AM
معك معك متابعه لكل حرف يكتبه الغيث

بواكير الورد لروحك وربي يوفقك


ننتظر حروف الذوق والرقي والأبجدية العالية

واجدة السواس
08-05-2021, 02:24 AM
ان شاء الله يارب نتابع
حرف حرف وهل

يخرج شيئ من بين اناملك ولا يروق لنا

استاذنا البارع
تحياتي

سفير المعرفة
08-05-2021, 12:54 PM
الغيث
هنيئا لي أنني أنا بينكم
ودي واحترامي

الغيث
08-05-2021, 03:04 PM
يبدو اننا على موعد
مع الجمال
للختم والتنبيه ومكافأة المنتدى
سأكون هنا دوماً

شكرا من القلب هادينا الحبيب
\ومنتحرمش يارب
flll:flll:

الغيث
08-05-2021, 03:06 PM
حتما سيكون كرنفال من مطر
فالغيث غزير ونحن نستمطر كل جمال
ونفرح به ونستمتع بأدق تفاصيله

flll:

بوركت سيدة الحرف البنفسج
ويا رب تنال رضاكم واستحسانكم
أسعدك الرحمن
flll:flll:

الغيث
08-05-2021, 03:08 PM
معك معك متابعه لكل حرف يكتبه الغيث

بواكير الورد لروحك وربي يوفقك


ننتظر حروف الذوق والرقي والأبجدية العالية

بارك الله فيك اختي الرائعة النقاء
وسعيد بمتابعتكم
أسعدك الرحمن
flll:flll:

الغيث
08-05-2021, 03:15 PM
ان شاء الله يارب نتابع
حرف حرف وهل

يخرج شيئ من بين اناملك ولا يروق لنا

استاذنا البارع
تحياتي

أهلا فيكِ يا واجدة
وسعيد بمتابعتك
شكرا بحجم السماء
flll:flll:

الغيث
08-05-2021, 03:17 PM
الغيث
هنيئا لي أنني أنا بينكم
ودي واحترامي

وهنيئا لنا بك يا اخي سفير المعرفة
شكرا لروحك الجميلة
وأسعدك الرحمن
flll:flll:

الغيث
08-05-2021, 03:19 PM
مع حلقات الرواية flll:


تنويه :
يسأل البعض عن معنى الكرسوع
الكرسوع يا أحبتي هو الفتى القوي الشجاع مفتول العضلات
يخشاه كل من في سنه من الشباب
يعني فتوة أو ( أبضاي ) مثل دور أبو عنتر الذي مثله الفنان ناجي جبر
في مسلسل ( صح النوم ) مع غوار هههه

الغيث
08-05-2021, 03:30 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل الأول

أشار بيده اليسرى المحاذية لسائق ( التاكسي ) الذي أوصله :
ـــــ بس .. بس .. وقِّفْ عندك .
ومن ربكته ترجَّل من تلك السيارة دون أن ينقده أجره ، وعندما نبهه السائق لذلك أحس بالحرج فأخذ يتمتم ببعض الكلمات :
ـــــ شيل حقك يا بويا .. نسيت والله .. إحنا ما نشيل عرق الناس .. إحنا ما كنا ندوِّر للتاكسي كنا نأخذها كعابي .. إهيييه .. ألا ليت الشباب ...
وقف على رصيف الطريق يتفحص تلك المباني التي ارتصت أمامه رافعا كفه أعلى حاجبيه ؛ ليحجب عنه ضوء الشمس ويساعده على رؤية واضحة ، كان يبحث عن مبنى معين وُصف له موقعا وشكلا ولونا ، دخل إلى ( الكفتيريا ) الواقعة أسفل المبنى الذي حدده ــــ مقتنعا ــــ جلس على أحد كراسيها وأخذ يتأمل المكان ويتفحص محتوياته ، نظر إلى العامل ( البنغالي ) المنهمك في تحضير بعض الوجبات المطلوبة من الواقفين أمامه ، كان يتابع حركته من بين أجساد المنتظرين لطلباتهم خلف زجاج ذلك الدولاب المصنوع من الألمونيوم والممدود على طول أرضية المحل ، والمحتوي على عدد من زجاجات المايونيز والشطة وعلب الفول المدمس والتونة والجبنة ، وزع نظراته في بقية أرجاء المحل وهو يرى كراتين المياه المعبأة في قوارير بلاستيكية ، كذلك كراتين المشروبات الغازية وطاولتين فارغتين من الزبائن ، لاحظ عدم جودة تلك المواد الاستهلاكية ، كما هي عادة البوفيهات والبقالات الصغيرة التي تعمد إلى شراء النوع الرخيص من تلك المواد ؛ لتحقيق أكبر قدر من الأرباح دون الاهتمام بذائقة الزبون وصحته ، تنَهَّد وقال في نفسه :
ـــــ إيش هذي الحالة ، يعني ما فيه غير هذي ( الساندوتشات ) وهذي العصائر ( يقصد المشروبات الغازية ) .
نادى على ذلك العامل :
ـــــ صديق تعال .. سوي لي واحد ساندوتش بيض مقلي وكباية شاي منعنش ، وهو لا يدري هل البنقالي يعرف كلمة منعنش أم لا .
أثناء انتظاره لطلبه كان يفكر كيف يحل هذا اللغز : فالمبنى مكون من أربعة أدوار ، وقد عُلِّقت عليه عشرات اللوحات التعريفية وهو لا يستطيع قراءة أي منها ؛ بسبب ضعف بصره ، هو يعلم أنه في شارع الأمير ( سلطان ) الواقع في حي ( الروضة ) والمكتظ بالمباني والسيارات وزحمة البشر ، هذا الحي الذي كان قبل عدة سنوات أرضا سبخة ( فضاء ) ، لكنه متيقن أن مبتغاه يقع في ذلك المبنى الذي حدده مسبقا .
تناول وجبته التي أحضرها العامل مع كوب الشاي ، وكان كلما قضم شيئا من ذلك الساندوتش احتسى عليه قليلا من الشاي مبديا حرصه الإبقاء على شيء منه ؛ لارتشافه لاحقا . تناول ورق النشاف الذي كان يلف وجبته وحركهما بين يديه لتنظيفهما من بقايا الزيت ، أخرج من جيب ثوبه السفلي الأيسر علبة سجائر من النوع الذي يدخنه بعض كبار السن ــــ عادة ـــــ ، أشعل سيجارة وأخذ نفسا عميقا منها ثم أطلق العنان لدخانها ؛ ليخرج من فمه وأنفه ، سأل العامل :
ــــــ صديق ..ما تعرف فين هي عيادة الدكتور ماجد ؟
ـــــ أمُّو .. هزي إمارة هو موزود دكتور مازد .. هو دور تلاتة .. أمو هزا دكتور ميه ميه .. نفر كله ييزي .
يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-05-2021, 03:43 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



قام العم ( محمود ) متحاملا على نفسه ؛ لما يحس به من وطأة بعض أمراض الكبر ، اتجه نحو باب الكفتيريا الزجاجي ـــــ بعد دفع الحساب ــــ وهو يتلمس مقبضه ، ويفكر كيف يصعد ذلك السلم ليصل إلى العيادة ، وعند أول درجة من سلم المبنى تعثرت إحدى قدميه بها ( كَدَش ) فتقطب وجهه ممزوجا ببعض اللعنات على هذه السلالم ، وعندما هم بصعود الدرجة التي تليها أحس بنزول إحدى السيدات من أعلى السلم فتراجع للخلف ؛ ليفسح لها المجال ، وعندما اقتربت تلك السيدة منه نظرت إليه وقالت :
ـــــ مين .. كرسوووع ...
ثم أطلقت ضحكة ساخرة أتبعتها بقولها :
ـــــ الله يرحمِك يا ( ريحانة ) .
رد العم ( محمود ) :
ـــــ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. كملت الحكاية والله .. ما ناقص هذا الهم إلا ( مِسْكَة ) .. يابنت الناس أنقلعي عن وجهي بلا بهللة حقتِك .. يلا اتكلي على الله وروحي شوفي رزقك .
صعد العم محمود السلم وكان كلما أنهى مرحلة منه أخذ قسطا من الراحة واقفا مع أخذ نفس عميق ، وعندما وصل إلى باب العيادة دفعه إلى الداخل واستقر على أقرب كرسي في صالة الاستقبال .
من خلف مكتبها الأبيض تحدثت إليه مسؤولة الملفات :
ــــــ مرحبا يا عم .. عندك ملف من أول ؟
ـــــ لا يا بنتي .
ــــــ طيب أفتح لك ملف ؟
ـــــ لا يا بنتي .
احتارت تلك الفتاة في أمر هذا الرجل ، ولم تعرف كيف تتصرف معه وهي حديثة عهد بالعمل في هذه العيادة ، فهي ضمن مجموعة من الممرضات اللاتي تخرجن هذا العام من كلية العلوم الطبية ، ولا زلن ينتظرن دورهن في التعيين الحكومي من قبل ديوان الخدمة المدنية ، وهي تعمل ــــ هنا ـــــ بصورة مؤقتة ، فكلما قالت للرجل شيئا ، قال لها : لا يا بنتي ، فما كان أمامها إلا إبلاغ مساعدة الطبيب المسؤولة عن العيادة ــــ من بعده ــــ والتي حضرت واقتربت من العم محمود وحدثته بلهجتها السورية :
ــــــ سلامات ، شو فيك يا عمي ، بدك كشف ، سنونك عمتوجعك ؟
ـــــ يا ناس قلت لكم ما أبغى كشف ، أبغى أقابل الدكتور ماجد شخصيا .
ـــــ بس ما يصير هيك !
ـــــ إلَّا يصير ونص .
ـــــ لا ما يصير يا عمي !
ـــــ أقول ما لكم شغل ، أنا أبغى أقابل الدكتور وبس ، فهمتم ولا أفهِّمكم أكثر .
ـــــ طيب خلاص خلاص ، بس بدك تنتظر كتير ، الدكتور عنده الحين نزع عصب ، والحالة اللي وراها حشو ، وبعدها حرمتين كشف .
ـــــ مش مهم ، راح انتظره إن شاء الله للعصر .
يتبع ........


***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-05-2021, 03:47 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



أطلق العم محمود بعض الزفرات وأخذ يتجول بعينيه في أرجاء العيادة وعلامات الارتياح ترتسم على ملامحه ، وحين وقعت عيناه على لوحتين معلقتين على أحد حوائط العيادة تسمرتا عندهما ، فعدل من جلسته وأسند جسده على ظهر ذلك الكرسي مادًّا رجليه إلى أقصى الأمام مسترخيا وراحلا في أعماق تلكما اللوحتين .
كانت اللوحة الأولى لمدينة جيزان في السبعينات الهجرية ـــــ تقريبا ـــــ وتظهر فيها المنازل القديمة المشيدة من الحجر والجص وتلك المشيدة من الجريد والقش ، أما اللوحة الثانية فهي للمدينة في العصر الحديث وتظهر فيها ملامح النهضة العمرانية والشوارع الفسيحة وحركة السيارات واتساع الرقعة السكانية ، غير أن نظراته استقرت على الأولى ؛ ليغوص في أعماقها ويرتحل في تفاصيلها بقلبه وفكره وكل جوارحه .
تساقطت بعض الدموع من عيني العم محمود وكأن كمًّا كبيرا من التداعيات تفجر في داخله ليرتحل به زمنا طواه صبيا وشابا فيافعا فراشدا ثم كهلا ، كانت أشياء كثيرة تكتظ في حناياه ، تتوارد عليه توارد مياه الغدران في جداولها ، حاول ترتيبها وفشل فأطلق لها العنان لتتداعى وتعصف به كيفما شاءت فتهتز من فعلها شفتاه ليردد في داخله :

سلامْ سلامْ يا جماعة
سلامْ سلامْ يا جماعة

يَهْلَ الكرَمْ والشجاعة
يَهْلَ الكرَمْ والشجاعة

سلامْ سلامْ يَهْلَ جَرْوَل
سلامْ سلامْ يَهْلَ جَرْوَل

يَهْلَ الحمامْ المِسَرْوَل
يَهْلَ الحمامْ المِسَرْوَل

ثم بدا عليه شيء من الانفعال والربكة فردد في داخله :
ـــــ ( يا ألله .. يا ألله .. يا لطيف .. الطف بنا يا رب ) .
عادت دموعه إلى التساقط مرة أخرى ؛
ـــــ صدقيني يا بنت الناس عمري ما حبيت غيرك .. أقسم لك .. أنا شاب ( فرنكلي ) ــــ زي ما يقولوا أهل الحارة ــــ وعمر قلبي ما مال لبنت محددة .. لكن أنتِ مدري كيف خطفتِ قلبي .
ثم بدت عليه ملامح التوتر والانفعال مرة أخرى :
ــــــ قلت لا .. يعني لا .. إلا هذي البنت .. عال والله ما بقي إلا بنت ( الحَسيبي ) تتزوجها .
أفاق العم محمود من ارتحالاته وإذا حالة نزع العصب ما زالت لدى الدكتور ماجد فعاد لاسترخائه مجددا ، وهنا صدرت منه بعض الإيحاءات وكأنه يلوح بيده اليمنى لشيء ما :
ــــــ قتلناه .. قتلناه .. ابن الكلب .. ما بقي إلا هذا الخسيس يضحك علينا .
هنا أخرجه من هواجسه تلك صوت الممرضة وهي تنادي على الرقم ( 5 ) ثم ما لبث أن عاد لاسترخائه من جديد .

يتبع ....... الفصل الثاني


***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

النورس
08-05-2021, 05:31 PM
لا يإتينا من الغيث إلا كل رائع
نحن على موعد مع الجمال
متابع ولك الود

الغيث
08-07-2021, 02:20 AM
لا يإتينا من الغيث إلا كل رائع
نحن على موعد مع الجمال
متابع ولك الود

شكرا يالنورس الجميل
وبورك عمرك وقلمك
تحياتي
flll:flll:

الغيث
08-07-2021, 02:24 AM
تنويه

يسأل البعض عن معنى الكرسوع
الكرسوع يا أحبتي هو الفتى القوي الشجاع مفتول العضلات
يخشاه كل من في سنه من الشباب
يعني فتوة أو ( أبضاي ) مثل دور أبو عنتر الذي مثله الفنان ناجي جبر
في مسلسل ( صح النوم ) مع غوار هههه

جاي في السريع
08-07-2021, 04:49 AM
عنتر شايل سيفه
سأكون متابع لكل الحلقات
وسوف ارد عليك
هُنا تميز خاص جداً
ورواية تحتاج إلى تأمل

الغيث
08-07-2021, 05:53 PM
عنتر شايل سيفه
سأكون متابع لكل الحلقات
وسوف ارد عليك
هُنا تميز خاص جداً
ورواية تحتاج إلى تأمل

شكرا أخي العزيز جاي في السريع
وأنا سأسعد بمتابعتك
كل التقدير وخاص الود
flll:flll:flll:

الغيث
08-07-2021, 06:28 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل الثاني


أشرقت الشمس في ذلك الصباح الجميل ومعها أشرقت كل الابتسامات البريئة على محيا الطيبين ، وعلى دروب الصفاء تفتحت الزهور البيضاء في نفوس وقلوب الملتحفين بالطهر والنقاء ، وانتشر الكل ساعين إلى رزق الله وفضله ، كان الفتى ( محمود ) يتهيأ لذلك السعي وهو يسمع من خلف جدار منزله همهمات التحايا الصباحية المفعمة بالود والرضا ، تصاحبها أصداء وقع أقدام المنتشرين نحو مبتغياتهم :

يا فتَّاح يا عليم يا رزَّاق يا كريم

يالله على بابك يا كريم

خرج محمود مع انطلاق صياح الديكة ــــ قبل الأخير ـــــ معلنة بداية المعترك الحياتي اليومي لخلق الله جميعا ، وفي طريقه كان يشاهد بعض العُمَّال وقد حملوا أدواتهم على أكتافهم متجهين نحو دروب الكفاح ، وفي زقاق آخر شاهد البعض يحمل بين يديه زنبيلا منسوجا من السعف ؛ ليجلب فيه إفطار أسرته ، مناظر كانت ترتسم على صفحات روحه كلوحات سريالية ، ألوانها الصدق والأمانة ، وعناوينها الإخاء ، وهنا التقى بالحدَّاد ( عاكف ) :
ـــــ صباح الخير يا عم عاكف .
ـــــ يسعد صباحك ياولدي .. ويمن عليك بالزرق الحلال .
كان محمود يقترب من أطراف السوق الرئيسي للمدينة وبين يديه إناء معدني صغير متجها نحو العم ( هجري ) الذي كان يقف خلف جرته المليئة بالفول المطشوش وهو يحرك مغرفته ذات الذراع الطويل داخل تلك الجرة ذهابا وإيابا ليملأ تلك الآنية الصغيرة ــــ التي يُحضرها المشترون ـــــ بالفول المميز ، وعلى الجانبين أسفل الجرة تتنافس بعض الآنية متوسطة الحجم في تقديم التوابل والطحينة السائلة ومسحوق البسباس الأحمر ؛ ليأخذ منها الفوال ( هجري ) قدرا مناسبا يضيفه على ذلك الفول الذي أفرغه في تلك الآنية ليضفي عليه نكهة رائعة ، وفي زاوية مقابلة يقف السيد ( قاسم ) بائع الخبز المشهور وقد امتدت حواليه طاولات خشبية ملأى بأنواع الخبز المحلي : ( الصامولي ، المدور ، الشامي ، الشريك ) وغيرها ، وقد اشتهر ذلك البائع منذ القدم بسماحته مع الفقراء والمساكين ، فكثيرا ما كان يمنحهم الخبز بأقل من ثمنه ، ولربما منحهم إياه مجانا لذلك تجد ربحه مباركا على الدوام .
عاد محمود إلى داره حاملا ( صينية ) الفول وناولها لوالدته ، ثم خرج ميمما نحو الساحل ؛ لشراء بعض السمك ؛ لإكمال وجبة الفطور التي تتفنن فيها والدته ، وعند وصوله للساحل كان على موعد مع الألق والجمال الآسر المتجلي على تلك الشواطئ الجميلة الحالمة والمتكئة على وسائد الطبيعة البكر ، كانت صفحة البحر رقراقة صافية وقد اكتست بلون زئبقي نتيجة لانعكاس السحب الملبدة في أجواء المدينة عليها ، كان الصباح رائعا والمنظر يأخذ بالألباب ، لكن المراسي الطبيعية كانت خالية من القوارب إلا ماكان مُعدًّا منها للصيانة .
هنا بادر بإلقاء التحية على العم ( شوران ) صانع القوارب :
ــــــ كيفك يا عم شوران .
ـــــ أهلا بك يا محمود .. بخير والحمد لله .
ـــــ أشوف المكان فاضي !
ـــــ نعم .. فقد بكَّر الصيادون بعد صلاة الفجر ؛ لطلب أرزاقهم في أعماق البحر وحول الجزر القريبة من المدينة .
ـــــ طيب والعمل.. نبغى سمك للفطور !
ـــــ انتظر يا محمود .. بعد قليل يأتي السمك مع أهل ( الدُّوْل ) والمبكرين من الصيادين الهواة ، فإن مع العسر يسرا .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-07-2021, 06:36 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



أومأ محمود برأسه وهو يعرف أن بعض الهواة يمتطون ( أرماصَهم ) الخشبية أو تلك المصنوعة من الفلين ــــ بعد الفجر ـــــ ويذهبون إلى أطراف المياه العميقة ليمارسوا هوايتهم في فترة صيد سريعة تنتهي باصطياد بعض أسماك الشعور والكِشْرَة والناقم والشُّون والحباري ، أضف إلى ذلك ما يجمعه أصحاب الشِّباك مما علق في شباكهم من أسماك العربي الصغيرة والقزامي ، كل ذلك المحصول يعرض للبيع على الساحل مبكرا ؛ لتعد منه الأسر الجيزانية وجبة الإفطار .
وفي هذه الأثناء ظهر أحد جيران محمود :
ــــــ هلا صلاح .. ليش متأخر عن موعدك اليوم ؟
ــــــ والله يا محمود ذهبت ( للميدان ) أبغى ( حبحب صغير ) للوالدة وأعجبني المنظر هناك وقعدت أتْفَرَّج .
ربَّت محمود على كتف جاره صلاح وهو يعرف تلك المساحة المكانية الجميلة التي تسمى بــــ ( الميدان ) حيث يتجسد على جوانبها ذلك المشهد الرائع لحركة البيع والشراء للمنتجات الجازانية ، فهناك الأواني الفخارية والأدوات الخشبية والحجرية والمنتجات السعفية المحلية يدوية الصنع ، وهناك بائعو المواشي والدجاج والبيض البلدي ، وهناك بائعو المنتجات الزراعية المحلية ، وكذلك بائعو ( القَصَب ) المستخدم علفا للمواشي ، وكثيرا ما يكتظ ذلك المكان بالحركة وتختلط في أجوائه هتافات الباعة بأصوات الأغنام ورغاء الجمال الجاثية بعد أن أنزلت حمولتها التي قدمت بها من القرى المحيطة بالمدينة .
بعد أن تناول محمود إفطاره حمل بضاعته المتواضعة متجها نحو السوق الرئيسي للمدينة ، والذي يجثو بعراقته وأصالته وطيبة أهله على كفيها الحالمتين ، وقد بدأت بعض الدكاكين تفتح أبوابها للمبكرين في الشراء حيث شرع بائعو الأقمشة بعرض بضائعهم في زوايا دكاكينهم بطريقة خاصة تجذب المشترين ، وفي زاوية من وسط ذلك السوق جلس محمود في مكانه المعتاد عارضا أمامه عددا من المقاعد الخشبية ( الأرضية ) وبعضا من الطاولات الشعبية ( التُّخُت ) انتظارا لفرج الله أن يسوق له بعض المشترين ليكسب منهم بعض النقود ينفقها على نفسه ووالدته ، تلك المهنة التي اكتسبها ( محمود ) من والده الراحل لا تكاد تكون مربحة إلا أنها تسد شيئا يسيرا من الحاجة إذ ليس له مصدر آخر من الدخل غيرها ، خاصة وأنه انقطع عن التعليم وخرج منه مبكرا .
هنا يمر من أمامه ( عايش ) المحلوي وقد ملأ قيروانته بأصناف من الخبز الصغير المدور والمحلى بالسكر وأنواع أخرى من المخبوزات العسلية ( المغمورة بالشيرة ) ، وعندما اشتاق ( محمود ) لشيء منها لم يجد لديه إلا القليل من النقود اشترى بها ما تيسر من ذلك المحلوي ، ثم أخذ يتأمل حركة السوق ويوزع نظراته بين زواياه وهو يشاهد ذلك الرجل العجوز ( دفَّاش الغيدي ) بائع المتروكات القديمة وقد تربع في زاوية من دكانه العتيق ، هذا الرجل الذي اشتهر ـــــ بجانب بيع المتروكات ـــــ ببيع القاز الصافي الذي كان يُطلَق عليه ( قاز ولايتي ) والذي كان يأتي في صفائح ( تنك ) من الصاج اللامع ، وكان يبيعه لزبائنه بالمكيال الذي هو عبارة عن علبة معدنية من الفوارغ مثبتة في ذراع معدني أو خشبي طويل يستطيع الوصول إلى أعماق تنكة القاز ، وكان هذا القاز يأتي عن طريق بعض دول الخليج التي بدورها تستورده من بعض بلدان العالم التي تنتجه ، وفي الجزء الشمالي من السوق ترتص مكائن الخياطين على جانبي ما يعرف بــــ ( زقاق الخياطين ) ، حيث حضر العم ( أمان ) مبكرا في صبيحة ذلك اليوم ، وما إن هم بمزاولة مهنته حتى لاحظ بقعة ضوء في منتصف موقع مكينته ، مكتشفا أن سببها فتحة بسيطة في سقف المكان تتسلل منها أشعة الشمس ، فكر قليلا ثم بحث عن قطعة من الكرتون بين مخلفات الدكاكين ، ثم صعد إلى السقف ؛ ليغطي تلك الفتحة ولم ينتبه لوجود فتحة أخرى متسعة ــــ نسبيا ــــ هي الأخرى مغطاة بالكرتون ،


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-07-2021, 07:07 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



وما إن داس بقدميه على مكان تلك الفتحة المغطاة بالكرتون حتى سقط إلى الأسفل ، ولفطنته فَرَدَ ذراعيه بصورة متعامدة مع السقف ؛ لتمنع سقوطه كاملا إلى أرضية السوق ، ليبقى جزؤه السفلي متدليا للأسفل والآخر في الأعلى ثم أخذ يستنجد بالحاضرين ، وما إن وصل صوته مستنجدا حتى هب الجميع لنجدته ، صعد الفتى ( محمود ) ورجلان آخران إلى أعلى السقف وأخرجوه من وضعية السقوط وهو يكاد يغمى عليه من شدة ارتطام ذراعيه بخشب السقف ، ثم أنزلوه إلى أرضية السوق وأفاضوا عليه شيئا من الماء ، طلب الفتى محمود من أحد الحاضرين مساعدته في حمل العم ( أمان ) إلى منزله مستندا على كتفيهما ، ولم يكتف محمود بذلك بل ذهب يبحث عن الغمَّاز ( علاَّن ) المشهور بالغميز ؛ ليقوم بما يتطلبه الأمر نحو العم أمان ؛ حيث قام ( علاَّن ) بتدليك جسد العم ( أمان ) وفحص الأجزاء المتضررة منه مستخدما في ذلك خبرته وشيئا من زيت السمسم الساخن ، ثم طلب من أهله عمل لبخة من الزيت والدقيق والكركم ( الهُرْد ) على النار وهو ما يسمى محليا بــــ ( المِسَبَّخ ) ؛ كي يدهن بها تلك الأجزاء المصابة ، ثم يلف عليها بشيء من القماش القطني لمدة ثلاثة أيام ؛ لتمتص أي تجمع دموي أو كدمات سبَّبها ذلك السقوط ، بعد أن غادر ( علاَّن ) منزل العم ( أمان ) عاد الفتى ( محمود ) إلى زاويته في السوق الرئيسي ، حيث فتحت جميع المحلات التجارية أبوابها للمشترين ، وعمَّت الحركة الأرجاء ، وفي طرقات السوق بدأت العربات التي تجرها الحمير في نقل البضائع بين تجار الجملة ودكاكين التجزئة وأصحابها يسيسونها ما بين لطف وعنف ، فهذا صاحب حمار قد شرع يكيل السباب واللعنات على حماره وقد حَرَن معاندا من ثقل الحمل الذي يعلو عربته ، وذاك حمار قد رفع عقريته بالنهيق حينما اشتم رائحة أنثى من جنسه تمر بالقرب منه ، وهناك الصبيان بائعو الماء البارد يجوبون طرقات السوق وقد أمسك كل منهم بــــ ( بِتِرمِسِه ) الذي يحفظ فيه ماءه البارد وأخذ يصيح :
ـــــ برِّد .. برَّد .. الكأس بقرش .. برَّد .. برَّد .. الكأس بقرش .
في الناحية اليمنى من السوق جلس تاجر الجملة الكبير ( با صَدِّيق ) على مقعده الخاص في منتصف متجره ، وقد شرع يباشر البيع لزبائنه من التجار الصغار وأصحاب دكاكين التجزئة ، حيث يبيع عليهم المفروشات وأغطية السرر و ( الحِيَك ) والمصانف وبعض الكماليات المنزلية ، يقوم على خدمته وخدمة زبائنه طول النهار عامله ( عرَّاش اليماني ) حيث يجلب له الإفطار من المنزل ، ثم يقدم الماء والشاي والقهوة له ولمن يحضر إليه من المشترين ، وذاك ( حامد القمَّاش ) قد فتح دكانه الذي يبيع فيه مستلزمات صناعة وصيانة القوارب مثل : فتايل القطن التي تستخدم لحشو الفراغات بين فتحات الأخشاب في القوارب ، ومسامير ( البروما ) السوداء ذات الرأس الدائري والمستخدمة في تثبيت ألواح القوارب الجديدة ، كذلك الشحم المستخدم في طلاء القوارب من الخارج ؛ لحفظ هيكلها من عوامل تعرية الماء ، وعلى مقربة من القمَّاش كان العم ( عبد الله مهربِج ) في دكانه وقد شرع ببيع المواد الغدائية مثل : الأرز ، السكر ، الشاي ، السمن البلدي والسمن الخشبي ، العسل ، وبعض المعلبات ، في جانب آخر يعلو صوت شجار بين بائع الذهب ( يوسف النوحي ) وأحد المشترين ، ذلك الشجار الذي يكاد يشتعل يوميا مع بعض الزبائن بسبب عصبية البائع الزائدة ، والذي كاد أن يتحول لعراك في ذلك اليوم لولا تدخل كل من : ( حمدان البَو ) بائع الحبال بالسوق ، و ( إبراهيم ظامي ) بائع الأخشاب ، و ( سراج عشوي ) بائع الكتب ، وكلما تقدم النهار قليلا ازدادت حركة البيع والشراء


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-07-2021, 07:10 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



وهنا يظهر الدَّلال الشهير ( علي النُّونو ) وهو يتردد بين تلك الدكاكين ؛ ليعرض ما لديه من صكوك أراض ودور وأشياء أخرى كلفه أصحابها ببيعها بسبب حاجتهم للمال ، كما يظهر في ذلك التوقيت رجل يدعى ( عبده أنتَل ) لعرض خدماته على أصحاب الدكاكين : كتوصيل مستلزماتهم إلى دورهم أو جلب ما يريدون منها ، أو توزيع الطرود والإرساليات الخاصة بهم إلى ( المُخَرِّجين ) نيابة عنهم مقابل أجر بسيط يحصل عليه ينفقه على نفسه وأسرته ، وأول ما يفعله ( عبده أنتل ) عند حضوره إلى السوق هو الجلوس عند بائع الشاي ، ذلك الرجل القصير الذي يدعى ( كعبوش ) ليرتشف برَّادا صغيرا من الشاي المميز ذي النكهة الخاصة التي يجيدها ذلك البائع ، والذي يستخدم لصنعه أجود أنواع أوراق الشاي والماء النظيف ، بعد أن يقوم بغليه في براده المعدني الكبير على ذلك ( الدافور ) الذي يعمل بالقاز ، ثم يقوم بصنع الشاي في براريد صغيرة من الخزف المنقوش ويقدمه لزبائنه من أصحاب الدكاكين ، وممن يريد من المشترين ، هذه النكهة المميزة التي اكتسبها ( كعبوش ) هي نتاج لعدد من السنوات التي قضاها في عمل الشاي في دكانه الصغير الواقع وسط السوق ، بعدما يرتشف ( عبده أنتل ) برَّاده الصغير ينسج على مسامع ( كعبوش ) كذبة طازجة مدعيا فيها عدم وجود نقود لديه ، وأن حاله لا يسر حبيب ولا عدو ؛ ليذهب الحساب أدراج الرياح ، في هذه الأثناء تكون قوافل الجمال القادمة من قرى المنطقة قد بدأت ترد إلى المدينة ، فبعضها قد أناخ بحمله باكرا في ساحة الميدان ، وأما البعض الآخر فيأخذ طريقه إلى السوق الرئيسي مخترقا شارع ( الجمَّالة ) ، تنقسم القافلة إلى جزءين : الجمال المُحمَّلة بالموز البلدي و ( الفِرْكِس ) و ( البَرقوق ) و ( الترنج ) والعنب و ( الشفلَّح ) تنحدر نحو الغرب ؛ لتصل إلى مقر بيع الخضروات والثمار المحلية عبر بوابة السوق الشرقية ، حيث يُفرِغ الجمالون حمولتها من كراتين الثمار بعد أن يتعاهدوا ما لحق ببضاعتهم من أذى ؛ نتيجة لتعرضها لهجوم بعض الشباب الأشقياء ، الذين يخرجون عليهم من بين الأزقة المتقاطعة مع شارع الجمالة ليبطشوا من تلك الكراتين ما تيسر من الثمار ، يوقَّتون لذلك بعد فراغهم من مضايقة بائعات اللبن ( التواجِر ) والتحرش بهن ، ويفعلون كل ذلك ظنا منهم أن ذلك يدخل ضمن الشيطنة والشقاوة والفتوة ، ولا يدركون أن أفعالهم تلك تسبب الأذى لغيرهم وتكتب أوزارا عليهم ، وأما الجمال المحمَّلة بأنواع الحبوب فتواصل مسيرها جنوبا إلى محطتها الأخيرة ( المحناط ) حيث تفرغ حمولتها هناك .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-07-2021, 07:14 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




قبل أذان الظهر بقليل يقوم بائع الشاي ( كعبوش ) بتركيب براده المعدني الكبير على ذلك الدافور ؛ ليُسخَّن الماء لإعداد الشاي كمرحلة أخيرة يختتم بها ذلك النهار قبل أن يعود إلى داره ، وحين تحريك البرَّاد انكفأ جالون القاز بالقرب من لهب الدافور فشبَّت النار في أجزاء من دكانه الصغير ، وحينما شاهده الفتى ( محمود ) الذي كان يجلس قريبا منه هب فورا لمساعدته حتى أطفأ تلك النيران ، ثم عاد إلى مكانه وحمل بضاعته عائدا بها إلى منزله دون أن يبيع شيئا منها .
عاد محمود مكسور الخاطر ، ساخطا على حظه العاثر وقلة حيلته ، عاد وهو يتمتم في نفسه :
ـــــ كيف أهُبُّ لمساعدة الكل دوما ولا أجد زبونا واحدا يشتري مني ؟ يجب أن أبحث عن عمل آخر .
وفي أثناء عودته ببضاعته إلى منزله وعند الأطراف الشمالية للسوق لمحه الأستاذ ( أمين الحجازي ) مدير إحدى المصالح الحكومية فنادى عليه ، وطلب منه شراء طاولتين من بضاعته وفاصله في الثمن ، فما كان من ( محمود ) إلا أن شكى إليه حاله وبؤسه وحاجته إلى النقود ، وهنا ابتسم الأستاذ ( أمين ) وقال لمحمود :
ــــــ بكم حددت سعر الطاولتين ؟
ـــــ كل واحدة بنصف ريال .
ـــــ طيب إيش رأيك لو أعطيك ريالين عن كل طاولة ؟
ـــــ بالله .. يا سلام عليك .. الله يطوِّل عمرك .. أنا مش مصدق !!
وأخذ محمود يكيل الثناء والشكر والدعاء للأستاذ ( أمين ) الذي فاجأه بقوله :
ـــــ ما رأيك يا .... لو تركت هذه الشَّغلة وعملت عندي صبيا ، وسوف أعطيك مائة ريال في الشهر؟
ـــــ اسمي محمود .. خلاص أنا موافق .
ويمضي النهار على هذه الإيقاعات الجميلة ، وينطلق صوت المؤذن ( أحمد المطوِّع ) من المسجد القريب للسوق رافعا أذان الظهر ، وبعد الصلاة يعود القليل من البائعين إلى دكاكينهم ، ويخلد الأغلب إلى الراحة في منازلهم انتظارا لوجبة الغذاء .



يتبع ........ الفصل الثالث

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

مسك الخواطر
08-09-2021, 11:33 AM
حظي سعيد هذا الصباح
وأنا أمر على قسم القوافل
وصف دقيق
خفيف الدم رائع حتى
هنا في كلماتك الجميلة
التي بثت ابتسامة للنفس هذا الصباح الجميل
سأكون متابعة لكل التفاصيل
ولي عودة مع آخر ثلاث حلقات

الغيث
08-10-2021, 02:43 AM
حظي سعيد هذا الصباح
وأنا أمر على قسم القوافل
وصف دقيق
خفيف الدم رائع حتى
هنا في كلماتك الجميلة
التي بثت ابتسامة للنفس هذا الصباح الجميل
سأكون متابعة لكل التفاصيل
ولي عودة مع آخر ثلاث حلقات

كلي سعادة بمتابعتك لحلقات الكرسوع
وأرجو أن تنال رضاكم
بارك الله في حضورك الدائم والجميل
ولك تحياتي وتقديري
يا اختاه
>::>::>::>::

الغيث
08-11-2021, 09:26 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


الفصل الثالث


على ذلك ( الكرويت ) الخشبي المفروش ببقايا كراتين البضائع والواقع خلف المسجد من جهة المحراب في ذلك الزقاق الفاصل بين حارتي ( البوري والساحل ) ، اعتاد نفر من رجال الحارتين الجلوس عليه في تجمع أخوي للتسامر وتبادل الآراء والأحاديث حول شؤون حياتهم اليومية ، واستعراض ما يجري على مسرح الأحداث في تلك الفترة الزمنية التي امتدت من أيام الحرب العالمية الثانية ( بداية الستينات الهجرية ) إلى ما بعد أحداث اليمن ( التسعينات الهجرية ) ، وإن كان مقر ذلك التجمع قد مرَّ بالكثير من التحولات بفعل مرور السنين ؛ كالوفيات والهجرة والانتقال بسبب ظروف العمل ، إلا أن بعض الشخصيات فيه قد حافظت على ثبات مكانتها وقوة تأثيرها في الآخرين ومنهم عمدة الجلسة ( حامد القمَّاش ) .
كان ذلك التجمع يضم الكثير من الأطياف والمشارب ، منهم أصحاب الفهم والدراية ، ومنهم أصحاب الرويَّة والحكمة ، وكذلك أصحاب الطرفة وسرعة البديهة ، وأيضا المتسرعون في الحكم والمحبون لنقل الإشاعات والأخبار دون تيقن ، وبعض الخارجين عن المألوف ، وكذا أصحاب الغيبة والنميمة ، وغيرهم ، النخبة من هؤلاء كانوا يتجمعون بعد صلاة المغرب من كل يوم لدى التاجر الكبير ( باصدِّيق ) الذي كان يمتلك مذياعا كبير الحجم من النوع القديم ( أبو حمامة ) والذي يعتمد في استقبال الإشارات الإذاعية عن طريق نظام ( الترانزستور ) القديم بمساعدة سلك ( أنتل ) يثبت به ويرمى بطرفه الثاني أعلى المبنى حيث يثبت على عصا خشبية أو معدنية ، كانت أخبار الحرب محتدمة بين الحلفاء ودول المحور ، والتاجر يتنقل بهم بين إذاعة لندن ، مونت كارلو ، صوت ألمانيا ، صوت العرب وغيرها ، يستمعون للأخبار ثم يتناقشون حولها في جلستهم المعتادة على ذلك الكرويت بعد صلاة العشاء ، تلك المجموعة الكثير منهم على دراية ، وإن كان حظهم من التعليم لم يتعد الكتاتيب ، إلا أنهم اكتسبوا الكثير من الخبرات والمعارف من خلال تجاربهم في الحياة .
هناك عدد من المجالس الاجتماعية تتناثر بين الحارات القديمة لمدينة جيزان سواء كانت داخل بعض المنازل أم خارجها ، وهذه المجالس يرتادها عدد من الساكنين في تلك الحارات مثل : كرويت حارة الجبل في الطرف الجنوبي منها ، ( دكة ) في شمال المسطاح ، كرويت في أطراف الميدان وغيرها ، لكن أبرزها كان ذلك الكرويت الواقع في الزقاق الفاصل بين حارتي ( البوري والساحل ) بسبب تفرده بوقائعه المثيرة للجدل في معظم الأحيان ، والتي ربما وصلت إلى حد الخصام والقطيعة ، ففي هذا المجلس يكثر الجدال ويسخن الحوار ويتصاعد التنافس والعناد ويحتدم التحدِّي ، فكل يرى تفسيره للأمور هو الأصح والأدق ، أضف إلى ذلك وجود بعض الشخصيات التي اشتهرت بالمقالب القاسية ، والتي ربما تتجاوز كل الخطوط في بعض الأحيان لذا تجد الكثير من الناس يحلو له الحضور إلى هذا المجلس للتسلية وتمضية الوقت .
تلك هي منصة الكرويت التي تضم بين ظهرانيها وجوه وشخصيات متباينة في التجارب والخبرات والدراية :
ـــــ ( أحمد المُطوِّع ) وهو مؤذن المسجد الواقع جوار ذلك الكرويت ، عُرف بالحكمة والرويَّة والإنصاف والوعظ والمسارعة إلى فعل الخير والجلد في إظهار كلمة الحق .
ـــــ ( حامد القمَّاش ) عميد الجلسة ، يتصف بالخبرة الواسعة والدراية وفنون القص والأساطير ، كما يتميز بتحليلاته الرائعة للمواقف والأحداث .
ـــــ ( يوسف النوحي ) بائع الذهب ، محاور جميل لكنه سريع الغضب .
ــــ ( حمدان البو ) تاجر الحبال .
ـــــ ( إبراهيم ظامي ) تاجر الأخشاب .
ـــــ ( سراج عشوي ) بائع الكتب .
ـــــ ( علي النونو ) الدلال الشهير ، وهو يستغل كل اجتماع في تسويق بضاعته .
ـــــ ( عبده أنتل ) وهو فاكهة الجلسة ويسمونه بــــ ( الزَّلاَّخ ) ؛ لكثرة كذبه وحيله واختلاق الوقائع وتلفيق الأخبار وخلق الإشاعات .
وغير هؤلاء هناك الكثير ممن يكون حضورهم غير منتظم .

يتبع ....

الغيث
08-11-2021, 09:33 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




في العيادة أحس العم ( محمود ) بضغط البول على مثانته يدعوه لسرعة الإفراغ فخرج من هواجسه وهو يقول للممرضة :
ــــــ لا مؤاخذة يا بنتي .. فين الحمام ؟ الله يقطع مرض السكر هذا اللي ما يخلِّي الواحد يصبر شوية على نفسه .. إيييه والله عاشوا أهلنا لا يعرفوا سكر ولا ضغط ولا كل البلاوي الجديدة حقت اليوم .
أثناء ذهابه إلى دورة المياه كان يسمع صوت آلة حفر الأسنان من داخل العيادة فتتقطَّب ملامحه ، بعد فراغه من قضاء حاجته عاد لاسترخائه مجددا :
ــــــ ههههه .. شوي شوي يا أمي !
ـــــ أقعد .. مالَك كذا تتضاحك وتِتنَقَّز .. أقول لك قر واهجد .
ـــــ أصل المويا باردة يا أمي .. أحسها تلسع لسع !
ـــــ أصبر خُزْري .
لقد تداعت هنا هواجس العم ( محمود ) عائدة به إلى أيام الصغر ، حيث تربى في كنف والدته ( جميلة ) التي حملت على عاتقها مسألة تنشئته ورعايته بعد رحيل والده عن الدنيا ، كافحت من أجله وعانت كثيرا في تربيته ، عملت في المنازل بأجر زهيد تطحن حبوب الذرة الرفيعة وتغسل الملابس المتسخة لساكني تلك المنازل ، أدخلته المدرسة وأنفقت على تعليمه ، كانت تحرِم نفسها مما ترغبه لتوفر ثمنه لابنها ( محمود ) ، وكلما مرض أو أصابه مكروه مرضت معه وتكدرت نفسها ولا يهنأ لها عيش حتى تراه وقد استرد عافيته ، ففور ظهور أي عوارض غريبة عليه تذهب به إلى الحكماء أو ما يعرف بـــ ( السَّادة ) ومفردها ( سَيِّد ) ؛ لطلب العلاج ، شأنها في ذلك شأن بقية النساء في تلك الفترة الزمنية ، حيث كن يلجأن لهؤلاء السادة جهلا منهن ، ويعتقدن أنهم أناس مقدسون قد أودع الله فيهم البركة ، وقد جعلهن ذلك الجهل يمارسن بعض الأعمال الشركية التي ورثنها عن أمهاتهن وجداتهن قولا وفعلا دون إدراك أو وعي بأن ذلك محرم ، والواقع أن هؤلاء السادة بشر عاديون ورثوا مهنة الطبابة الشعبية عن آبائهم وأجدادهم بجانب ما يستنبطونه من كتب الطب الشعبي القديمة ، أضف إلى ذلك أن بعضهم يستخدم الجن والشعوذة في علاجه وهو ما يخالف مسار العقيدة .
كان ( محمود ) كثيرا ما يظهر على جلده بعض الطفح ( حبيبات وبثور ) ، وكان الاعتقاد السائد عند بعض القدماء أن ذلك لا يخرج عن كونه أحد أنواع المس الشيطاني ، ويسمونه ( طَيْرا ) فيقال : أن فلان به ( طَيْر ) ، وعندما يظهر ذلك على محمود تذهب به والدته إلى مكان في بداية البحر يقال له ( حفرة الأميني ) وهي عبارة عن حفرة غير عميقة تتوسط الشعاب المرجانية يقال أن السيد أو الولي ( المُحِب الأميني ) كان يغتسل فيها ، ولذلك اتخذ هذا المكان ؛ للتبرك وطلب الشفاء ، وبحول الله تعالى تذهب تلك الحبيبات عن الجسد ربما لوجود بعض الأملاح النافعة في ماء البحر فيعتقدون أن بركة المكان هي التي أذهبت ذلك العارض ، كانت والدة محمود عندما ترشه بالماء تردد بعض العبارات الجاهلية ، أما ( محمود ) فكان لا يحب تلك الأعمال التي تسبب له الضيق والحَرَج ، كما أنه يستحيي أن يقف عاريا في وسط تلك الحفرة ولذا تصدر منه بعض الحركات والانفعالات التي تجسد تمرده الخفي على ذلك ، فتارة يضحك ويكركِر وأخرى يتقافز هنا وهناك محاولا إنهاء ذلك الفعل ، وعندما تنهره والدته يدَّعي بأن الماء بارد وأنه يحس بوقع برودته على جسده .
ورث محمود عن والده بعض الصفات الجسدية كقِصَر القامة وبنية الجسد وبروز العضلات ، كما ورث بعض الصفات الانفعالية ؛ كالعصبية والغضب لأتفه الأسباب ، وكذلك جملة من الصفات الخُلقية كالكرم واحترام الكبار ومساعدة الضعفاء والمساكين ، والإقدام والشجاعة ، وكانت هذه العلامات تتجلى عليه منذ نعومة أظفاره ، غير أن حب والدته المفرط له وتدليلها الزائد اختلط مع الصفات الأولى فنشأت عن ذلك شخصية غريبة الأطوار عجيبة التصرف تختلط وتحتدم فيها الصفات الحسنة بجانب الكراهية والعِداء والعناد والمراوغة ، حتى غدا المُتفحِّص لشخصيته لا يستطيع أن يتنبأ بالتصرف الذي سيقوم به ، كذلك محمود نفسه أصبح لا يستطيع أن يحدد مساره فهو يفعل الخير والشر في آن واحد .
من المناسبات الجميلة في مدينة جيزان ـــــ قديما ـــــ يوم ( الكرَامة ) وهو اليوم الأخير من شعبان ، حيث يخرج فيه الصبية والصبايا مصطحبين أدوات منازلهم من الفرش والأواني والمنسوجات السعفية ، وكذلك الأغنام التي يربونها في المنازل ، حيث يقومون بغسل أدواتهم وأغنامهم تلك بماء البحر في احتفالية جميلة ترحيبا بمقدم شهر رمضان الكريم ، وأثناء تواجدهم في البحر تردد الصيحات والأهازيج ثم يقومون بالتراشق بالماء ورش بعضهم البعض في كرنفال رائع وجميل وهم يرددون :

اليومَ الكَرَامَه
وبُكْرَهْ فِدامَه

يشترك في ذلك الكرنفال معظم الصغار والفِتيان وبعض الأهالي ممن يحضر مع أبنائه ، وكان ( محمود ) وصديقه ( محبوب ) دائما ما يكونان ضمن الحاضرين لذلك الاحتفال ، وعندما يحين موعد التراشق بالماء تحدث بعض المشاجرات بين محمود وبعض الفتيان والفتيات هناك ، وبعد انتهاء الاحتفالية يسأل نفسه : لماذا تشاجر معهم ؟ .
ذات يوم شاهدته والدته مغموما وعندما سألته عن السبب قال لها :
ـــــ اليوم سويت حاجة مش كويِّسة يا أمي .
ـــــ إيش سويت ؟
ـــــ ضايقت ( حُسينة ) المسكينة وقمت أعايرها وأقول لها :

يا عَجامَه يا عجامَه
شُلِّي راعِةْ امقُمامَه

ـــــ وليش سويت كذا يا محمود ؟ وأنت تعرف إن حسينة حرمة مسكينة .. ما معاها حد ولا عندها فلوس .. وهي تشتغل هذي الشغلانة عشان تعيش بالفلوس القليلة اللي تحصلها من الناس .
ـــــ والله يا أمي مش عارف أنا ليش سويت كذا .. يمكن لأني شفت بعض الأولاد يؤذونها ويرمونها بالحصي .. لكني دحين ندمان على فعلتي والله .

يتبع .....

الغيث
08-11-2021, 09:36 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



في تلك الفترة الزمنية لم تكن الحمَّامات موجودة بالصورة التي هي عليها اليوم ، وإنما كانت عبارة عن حمامات شعبية على الطبيعة ، حيث كان الناس يقضون حوائجهم البشرية في زاوية نائية من زوايا الدار تسمى ( دارَة ) أو ( ديِّر ) وهي عبارة عن حائط من الحجر والجص أو من الجريد والقش على شكل مستطيل له فتحة للدخول والخروج منها وليس لها سقف وأرضها ترابية ، ويقضي الناس حاجاتهم هكذا على التراب ، ثم تغطى الفضلات بطبقة من التراب وتجمع في (تنك ) من الصفيح تسمى ( امقمامَة ) تغطي بغطاء محكم ؛ حتى لا تتسرب منها الروائح الكريهة ، وعند امتلائها بالفضلات الآدمية ترمى على شاطئ البحر بواسطة عجائز الدار أو عن طريق متعهدة تقوم بذلك بمقابل مادي بسيط ، يتم ذلك دون دراية بما يسببه ذلك من مخاطر التلوث وانتشار الأوبئة ، ولكن على النيات ترزقون .
( حُسينة ) هي من تقوم برمي فضلات المنازل على شاطئ البحر مقابل ( قرشين ) فقط ، ويطلقون عليها : ( راعِة امقمامَة ) أي المتعهدة برمي تلك الفضلات في البحر ، وما يجبر هذه المسكينة على امتهان هذا العمل الصعب إلا الحاجة ، فهي امرأة مقطوعة من شجرة وليس لها عائل ، تعيش بمفردها في ( صندقة ) من الخشب والزنك ، وتتعرض للأذى من بعض أشقياء الصبيان .
لم يرق لـــ ( محمود ) وهو يقترب من إتمام الحادية عشرة من عمره ، أن يرى والدته تعمل في المنازل ؛ لإكمال تربيته ودراسته وقد بدأت تتقدم في السن ، فقرر الخروج من المدرسة والاعتماد على النفس ـــــ بعد اجتياز الصف الخامس الإبتدائي ــــ وسط توسلات والدته ونصائح صديقه ( محبوب ) أن يعدل عن فكرته تلك .
عمل محمود بداية في مهنة النجارة ، وهي المهنة التي اكتسب بعض مهاراتها عن والده ــــ قبل أن يرحل عن الدنيا ــــ وإن كانت مهارات بسيطة كان يكتسبها أثناء مساعدته لوالده في تقطيع الأخشاب ودق المسامير وغير ذلك ، لكنه كان يأمل أن تكون مصدرا لدخل يعتمد عليه ووالدته في معيشتهم اليومية ، أو ربما يتحول هو مع الممارسة إلى نجار متمرس يكسب من مهنته تلك دخلا لا بأس به ، وهنا بدأ بصناعة المقاعد الخشبية ( الأرضية ) والطاولات الشعبية ( التُّخُت ) وعرضها للبيع في السوق الرئيسي ، إلا أنه لم يستفد منها شيئا ذا قيمة .


يتبع .....

الغيث
08-11-2021, 09:39 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



حين التحق محمود بعمله الجديد صبيَّا لدى الأستاذ ( أمين الحجازي ) انفرجت معظم همومه ، فمئة ريال في الشهر كانت كافية لمصروف البيت وربما استطاع أن يوفر شيئا منها للأيام ، كان يذهب إلى منزل الأستاذ ( أمين ) بعد شروق الشمس بساعتين ـــــ تقريبا ـــــ فيقوم بتنظيف السكن وترتيبه ، ثم تغيير ماء الشيشة الموَلَّع بها ذلك الرجل ( أمين ) ويتعاهد ( ليَّها ) وينظف الأحجار الفخارية التي يوضع بداخلها الجُراك والجمر ويضع كمية كافية من الفحم داخل ( المِرَكَّب ) تاركا ملقاط الجمر بجانبه ، بعد أذان الظهر مباشرة يقوم بإعداد وجبة الغداء ثم ينصرف ليأتي الأستاذ ( أمين ) وكل شيء أصبح جاهزا ، يعود محمود بعد المغرب لعمل اللازم حتى التاسعة مساء بتوقيتنا الحالي .
رغم ارتياح محمود لهذا العمل الذي يعتبره مربحا إلا أن ثمة أمور كانت تضايقه وتسبب له القلق ، حيث بدأ يشاهد نظرات الناس تلاحقه بالغمز واللمز وكأنها تقول له أشياء لا يعرفها ، كان يشاهد حركاتهم الغريبة ، تهامسهم مع بعضهم البعض ، وعندما تأكد له أنه المقصود بذلك عصفت به رياح الشك والحيرة والارتباك ؛ لعدم علمه بالأمر ، حاول مرارا استقصاء ذلك بطريقته الخاصة فلم يفلح ، فلجأ إلى صديقه ( محبوب ) وكلفه باكتشاف الأمر .
تفاجأ صديقه ( محبوب ) بما يدور في أوساط الناس وما يقال عن صديقه محمود ، وما يقوله الناس عن الأستاذ ( أمين ) من أنه رجل غير سوي ، وأنه .... ، وأن كل من كان يعمل لديه صبيا تلتصق به تهمة الشذوذ ، وأنه كان سببا في انحرافهم بعد تركهم للعمل لديه ، احتار محبوب هل يخبر صديقه محمودا ويقطع عليه رزقه ومصدر عيشه وقد مضت عليه سنتان في هذا العمل أم يكتم عنه ذلك ، لكنه قرر أخيرا إخباره بما يدور ، لكن محمود أكد لصديقه بأنه لم يلحظ على الأستاذ أي تصرف شاذ أو قول مشين طيلة الشهور الماضية ، وعندما اختلى محمود بنفسه بدأ يفكر في الموضوع بجدية ويحدث نفسه :
ـــــ دحين أطلع من الشغل ولا أجلس ؟ ما بقي من الشهر إلا يومين فقط ويعطيني الراتب !
ـــــ طيب يمكن يجي يوم و..... ! لكن بعيد على شواربه ! والله ما ينال مني ولو قتلته .
ثم قرر الاستمرار في عمله لدى الأستاذ ( أمين ) .
حين سلَّم الأستاذ أمين لمحمود راتبه الشهري أخذ منه مبلغ عشرين ريالا وأمَّن المتبقي لدى والدته ، ثم انطلق إلى ساحة الميدان ؛ ليجلب لمنزله بعض الأغراض ، وقبل أن يصل إلى مدخل شارع ( الجمالة ) من الجهة الشمالية كان هناك دكان ( جبران ) الذي يبيع فيه خِيَش الفحم والفَرْص ، ولج محمود إلى ذلك الدكان ليشتري خيشة من الفحم الجيد ، سلم على البائع جبران ثم أخذ يعاين نوعيات الفحم المعروضة ، كان الهمز واللمز والشائعات التي تدور حول محمود قد وصلت إلى مسامع البائع فدعاه إلى معاينة نوعية أخرى من الفحم هي أجود من المعروضة أمامه ، وأشار إليه بأن يدخل معه إلى المخزن الملحق بذلك الدكان ليشاهدها بنفسه ، دخل محمود برفقة البائع إلى ذلك المخزن الضيق وشاهد العينة فأعجبته ، وحين هم بالسؤال عن ثمنها أحس بشيء من التحرش ، فما كان منه إلا أن دفع البائع جبران على خيشة الفحم بعنف وخرج غاضبا وهو يقول :
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله ..حتى أنت يا عم جبران !! الله يهديك ويصلحك .. والله لولا أنك في سن والدي لكان لي معك تصرف آخر .
ثم أخذ يكيل اللعنات على عمله لدى الأستاذ ( أمين ) وعلى كل من في قلبه مرض .


يتبع .....

الغيث
08-11-2021, 09:41 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



في هذه الأثناء كان محمود يقترب من الرابعة عشرة من عمره ، وبدأت تظهر عليه ملامح وصفات البلوغ الجنسي ويحس ببواعثها ، بدأت تحتدم في فكره الهواجس والإيحاءات الجنسية وتضغط عليه في بعض الأحيان ، ثم أخذ يغرق في التخيُّلات ذات الإيحاء الجنسي ، فتارة يحدِّق في تلك التفاصيل التي تثير غرائزه ، وأخرى يرتبك كلما مرت بجواره ( مِسْكَة ) ويغرق في تفاصيلها ثم يهم بشيء ويتراجع عنه ، احتدمت التناقضات الشخصية والنفسية في وجدانه وأصبح ممزقا بين حبه لفعل الخير ومساعدة الغير والعطف على المحتاجين ، وبين التفكير في بعض الأفعال القبيحة ، مما جعل تلك الصراعات التي تكتظ في داخله مصدرا لقلقه وتكدره ، كان يهرب من تلك الهواجس بالخروج إلى البحر في بعض الأحيان أو الجلوس مع صديقه ( محبوب ) ، وأحيانا يجلس مع العم ( فتح الله ) رجل العسَّة ، بل ويساعده أو ينوب عنه في الخفارة في بعض الليالي عندما يكون مريضا ، هذا الوضع الذي يعيشه محمود أجبره على إدمان تدخين السجائر ، فتجده ليلا إما في تقاطع أزقة الحارة جالسا على صخرة أو شيء آخر يدخن السجائر ويتسلى بالفصفص ( اللُّب ) ، أو تجده يطوف حول منازل الحارة ، وهذا الوضع قد أرهق نفسية والدته فاستعانت بصديقه ( محبوب ) وبعض عقلاء الحارة لثنيه عما يفعل ولكن دون جدوى ؛ لأن مراهقته قد بلغت ذروتها لديه وهو يقترب من السابعة عشرة من عمره .
كانت مشكلة محمود الكبرى أنه كلما وقع شجار أو احتكاك بينه وبين أحد شباب الحارة يسمع منه كلاما يندى له الجبين :
ـــــ مسوي نفسك راجل علينا وأنت ..... !
ــــ روح عند عمك أمين واترجل عليه !
ـــــ احنا عارفين فين تروح بالليل .. تسري .... !
لكن فتوة محمود دائما ما كانت تُخرس هذه الألسن القبيحة بعراك محموم يكون فيه المنتصر على الدوام ، كما كانت كافية لأن تبرهن للكل بأنه هو فتى الحارة الأقوى من غير منازع والذي يتحدى الصعاب ويقتحم المواقف ، ولذلك بدأ الكل يطلق عليه ( الكرسوع ) وهنا قرر محمود ( الكرسوع ) ترك العمل لدى الأستاذ ( أمين الحجازي ) والبحث عن عمل آخر .
في هذه الأثناء كانت المنطقة على موعد مع حدث تاريخي كبير وهو زيارة جلالة الملك سعود بن عبد العزيز لمنطقة جازان .
عندما خرج سكان المدينة لمشاهد ذلك الاستقبال الحافل الذي أعد لجلالته ، كان الكرسوع مع والدته من ضمن المتفرجين على ذلك الاستقبال العظيم ، كان يشاهد رصيف الميناء الخرساني وقد تزين ليلا بتلك المصابيح الكهربائية التي انتظمت كعقود من اللآليء ، والتي تم تشغيلها بواسطة مواتير متنقلة هيأتها إمارة المنطقة وبلدية المدينة ؛ لعدم دخول الكهرباء للمدينة حتى ذلك الوقت ، هنا خطرت للكرسوع فكرة العمل على رصيف الميناء في أعمال ( المِعداية ) بعد انتهاء الزيارة الملكية .


يتبع ..... الفصل الرابع

الشادي
08-12-2021, 12:56 AM
الكرسوع
رواية
نابضة بحياة الماضي
قال كثيراً الغيث
و أتى بجميل المعنى
سأكون متابع للبقية

الغيث
08-12-2021, 01:30 AM
الكرسوع
رواية
نابضة بحياة الماضي
قال كثيراً الغيث
و أتى بجميل المعنى
سأكون متابع للبقية

أهلا وسهلا بك يا صديقي العزيز الشادي
وسعدت بقراءتك لروايتي الكرسوع
ويسعدني متابعتك
بارك الله في عمرك وأسعدك في الدارين
وأشكرك من عميق القلب على تقيييمك الضافي
ودي وتقديري
ومحبتي
flll:flll:flll:flll:

الغيث
08-14-2021, 02:27 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل الرابع



صباح يوم الأحد الرابع من جمادى الأولى عام 1376 ه لم يكن صباحا عاديا ، إذ تناقل الناس فيه ما حدث للسيدة ( حزيمة ) بائعة العيش الحامض والمولوخية وابنتها ( صفية ) قبل فجر ذلك اليوم ، فقد قفز أحد الأشخاص في الثلث الأخير من الليل من فوق جدار منزلها ، مقتحما دارها محاولا كسر خزانتها الشعبية ( السَّحَّارة ) التي تخبيء بها ما تحصل عليه من بيع العيش والملوخية ، فتصرف بعضه على نفسها وابنتها وتدخر شيئا منه للأيام ، كانت السيدة ( حزيمة ) تصلي وتبتهل إلى خالقها أن يكتب لها وابنتها الستر والعافية ، وأن يبارك لها في هذا العمل الذي تعيش عليه ، أما ابنتها ( صَفِيَّة ) فكانت تغط في نوم عميق ؛ لتصحو مبكرة لمساعدة والدتها في العمل ، حينها لمحت السيدة حزيمة ذلك الشخص يقترب من السَّحَّارة وبيده مفك من الحديد ، قطعت صلاتها وتناولت عصا غليظة واندفعت نحوه ؛ لتمنعه من فعل شيء ، فما كان من الشخص إلا أن هددها بالمفك الذي يحمله ، وحين أدرك عدم خوفها منه أخرج سكينا من بين سرواله القصير وهجم عليها محاولا قتلها ، حينها صرخت حزيمة وانهارت ثم فقدت الوعي ، استيقظت ابنتها ( صفية ) على صراخ والدتها ، وعندما شاهدت المنظر أخذت تصرخ بأعلى صوتها وتستنجد بالجيران ، ارتبك السارق وخاف أن يحضر الجيران ويقبضوا عليه فهرب واختفى بين الظلام ، تجمع الجيران عند منزل حزيمة لمعرفة سبب الصراخ فخرجت إليهم صفية تشرح لهم الأمر وتدعوهم للدخول لإسعاف والدتها ، انتشرت الأخبار بهذه الواقعة وعمت أرجاء المدينة وكل يدلي بدلوه في ذلك ، واختلط اليقين بالخيال والحقيقة بالإشاعات ومر ذلك اليوم كئيبا على الجميع .
بعد صلاة المغرب كانت تلك الواقعة قد ألقت بظلالها على كل شيء في المدينة ، وأمسى الاجتماع المعتاد عند التاجر ( باصدِّيق) على غير عادته ، فالجميع كان لا يفكر في شيء غير ما حصل للسيدة حزيمة ، وبدت الأخبار التي تبثها الإذاعات العالمية باهتة خاصة وأن الحرب قد وضعت أوزارها من منذ فترة طويلة ، وحتى نار الحرب الباردة والوعد والوعيد والتحالفات الجديدة قد خبت جذوتها ، لا سيما وقد دخلت إلى الميدان أسلحة جديدة فتاكة تجعل القادة يفكرون ألف مرة قبل إشعال أي حروب أخرى ، انفض ذلك الاجتماع سريعا وذهب كل إلى حال سبيله ، وبعد صلاة العشاء بدأ أصحاب جلسة الكرويت في التوافد ، وتربَّع عمدة الجلسة ( حامد القمَّاش ) في وسط الجلسة لكنه كان صامتا في تلك الليلة ، طلب منه البعض إكمال حكايته ( علي بابا والأربعين حرامي ) التي بدأها في الليلة الماضية فاعتذر عن ذلك بسبب تعكر المزاج ، وفجأة تحول النقاش لموضوع السيدة حزيمة وما حصل لها ، لكن القماش طلب منهم التحفظ قليلا وعدم فتح الباب للتكهنات التي ربما تُضِرُّ بسمعة السيدة وابنتها .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-14-2021, 02:30 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




في هذه الأثناء حضر ( عبده أنتل ) متملقا متجهم الوجه ؛ ليرسم على ملامحه صورة التأثر بالحدث ، وقبل أن يجلس باغت الجميع :
ــــــ أظنكم عرفتو باللي حصل .
رد عليه أحدهم :
ـــــ نعم يا أخي كل الناس عرفوا !
ـــــ طيب إيش رأيكم أنتم فيما حصل .. خصوصا أنت يا عم ( حامد ) ؟
لم يرد عليه ( حامد القماش ) ، وهنا رد عليه ( سراج عشوي ) بائع الكتب وصاحب الحكمة :
ـــــ وأنت ما رأيك يا ( أنتل ) ؟
ـــــ رأيي أن ذلك الشخص مش سارق .. أعتقد أنه له هدف ثاني .. يعني بالعربي سارق لحم .
وفي الحال رد عليه المؤذن ( أحمد المطوع ) :
ــــــ اتق الله يا رجل .. لم نسمع عن هذه الأسرة إلا كل خير .. والبنت صفية من أشرف البنات في الحارة .
ـــــ أنا ما قلت شيء .. أقول يمكن .. يعني يمكن .. أو يكون مواعد .. يمكن .
ــــــ بالله عليك قل خير أو اسكت .
هنا تدخل ( إبراهيم ظامي ) :
ـــــ طيب إيش معنى ما اختار إلا بيت حزيمة ؟
رد عليه ( حمدان البو ) :
ـــــ الموضوع بسيط .. لأنها تعيش هي وبنتها لوحدهم وما عندهم رجال يحميهم .
عاد ( عبده أنتل ) للتكهنات والهمز واللمز :
ـــــ سمعت الناس يقولون أن السارق قصير القامة .. الله يستر ليكون اللي في بالي ! ليكون .... ثم سكت .
رد ( يوسف النوحي ) بانفعال :
ـــــ اسمع يا أنتل .. إيش قصدك .. ومين تقصد .. ياخي إن بعض الظن إثم .. لا تظلم الناس حتى تتأكد .
ثم زادت حدة عصبيته وانفعل على ( أنتل ) وكادا أن يتعاركا .
قال أحد الجالسين :
ـــــ يا جماعة صلوا على رسول الله .. ما لكم معصبين كذا .. حتى البنت صفية لم تتهم أحد .. وكل اللي قالته للشرطة : أنه رجل قصير ولابس سروال قصير وفانلة مُشَجَّرة .
هنا عاد أنتل إلى الحديث :
ـــــ ها سمعتم إيش قال .. رجل قصير ولابس فانلة مشجرة ، تنقطع لساني إن ما كان ( الكرسوع )
رد عليه أحمد المطوع :
ــــــ قلنا لك يا أنتل لا تتسرع وتظلم الناس ، وبعدين الشرطة جابت ( القفَّار ) وأخذت الآثار ومصير اللي فعلها ينكشف ويبان وينال جزاءه .
ـــــ يا شيخ أحمد أنا قلت يمكن .. توقعات يعني .
تدخَّل أحد الجالسين قائلا :
ـــــ يا جماعة أنا جار الكرسوع .. وهو مريض والله .. وله يومين ما يطلع من البيت بسبب الحُمَّى .. وفي ذمتي أنه بريء من هذه التهمة .
رد أنتل :
ـــــ طيب والفانلة المشجرة كيييييف .. ما فيه أحد في الحارة يلبس فانلة مشجرة إلا الكرسوع !
هنا صمت المتحدث الأخير أمام هذا الدليل الدامغ .. لكنه استدرك صمته وقال :
ــــــ اسمع يا أنتل .. يعني ما فيه واحد في البلد كلها عنده فانلة مشجرة إلا الكرسوع !
خرج الدَّلَّال ( علي النونو ) من حالة السكوت والاكتفاء بالاستماع قائلا :
ــــــ يا جماعة فكُّونا من هذي السيرة اللي جبتو لنا الصداع بها .. وبعدين مين هذا الكرسوع اللي صجيتونا به .. أنا أول مرة أسمع به .. عسى ولد مين يكون ؟
رد ( حامد القماش ) :
ــــــ بذمتك يا نونو ما تعرف الكرسوع .. وولد مين يكون !
ــــــ لا والله ما أعرفه
ـــــ يا شيخ هذا ولد النَّجَّار ( عثمان حمود ) وأمه اسمها ( جميلة ) وهي بنت ( سالم الدُّهري ) ، مين ما يعرف عثمان حمود اللي كان من أشهر البحارة على السنبوك ( امْشَمَل ) وكان يومها مع النوخذة ( امْسالِمِي ) وغرقوا كلهم مساكين في ( الحُميسا ) كانوا مَحَمِّلين أكياس ذرة وحنطة ودخن وأقفاص دجاج ومسافرين بها إلى جدة للتجارة ، الله يرحمهم ويدخلهم جنات النعيم .
ــــــ أيوه .. أيوه افتكرت .. الله يرحمهم .. شهداء إن شاء الله .
قال أحد الجالسين :
ـــــ طيب ما يعرفون يسبحون ؟
ــــــ إلا يسبحون .. بس فينك وفين .. المسافات هناك متباعدة وبعيدة عن البر ولا يقدرون يقطعون حتى الثمن منها .
ــــــ قال آخر :
ــــــ طيب ما كان معهم ( صِنْجار ) ؟
ــــــ إلا .. كان معاهم سنبوك النوخذة ( الغاشمي ) .. بس يقولون ـــــ وعلى ذمة اللي قالوا ـــــ إنه خاف من الغرق معهم وقام عدَّل سُكَّانُه وهرب .



يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-14-2021, 02:32 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




مضت بضعة أيام وسيرة ما حصل للسيدة ( حزيمة ) تتناقلها الألسن وتتناثر في كل بيت ، ووصلت الإشاعات والهمز واللمز ابنتها ( صفية ) وقد أضحت تقوم بعمل والدتها التي أصبحت مقعدة ، لكنها لم تلتفت إلى تلك الترهات المتداولة بين الناس وانصب تفكيرها على توفير ما يسد حاجة البيت وعلاج والدتها المشلولة ؛ نتيجة للصدمة العصبية التي تعرضت لها في تلك الليلة المشؤومة ، في مكان آخر كانت تلك الأخبار والاتهامات تصل ـــــ أيضا ـــــ إلى الكرسوع كما تصل إلى والدته جميلة فتسبب لها الكثير من العنت والمعاناة ، وعندما تهم بالخروج للدفاع عنه أمام الناس تتذكر بعض الأفعال السيئة التي بدأ ابنها في اقترافها ومنها ( التدخين ) فتخاف ألا يصدقها أحد فتسلم أمرها لله .
تماثل الكرسوع للشفاء وزالت عنه أعراض الحُمَّى وعاد لممارسة حياته الطبيعية ، وأول شيء فكر فيه بعد شفائه هو المرور على صديقه محبوب وتجميع بعض الرفاق من أصدقائه المخلصين والذهاب لأصحاب الكرويت لإثبات براءته وتأديب من يستحق التأديب منهم مثل ( عبده أنتل ) ، اثناء خروج الكرسوع من داره لتنفيد تلك المهمة لمحته ( مِسْكَة ) فأسرعت خلفه ودفعته من الخلف بكتفها الأيمن على كتفه الأيسر في تحَرُّش واضح لا غطاء عليه ثم قالت :
ـــــ أوووه كرسوووع .. سامحني ما شفتك والله .
ثم أطلقت ضحكة فيها الكثير من الغنج والدلع مع غمزة من عينها اليسرى ، ثم مضت أمامه تتمايع وتتمايل في مشيتها لدفعه لارتكاب أية حماقة ، تأجَّجت غرائز الكرسوع وثارت براكينه الخامدة وهم بالسقوط في الوحل ، لكنه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومضى إلى حال سبيله ، تم التجمُّع عند صديقه محبوب ، ثم ذهبوا جميعا إلى حيث جلسة الكرويت وعندما وصلوا ألقى الكرسوع السلام على الجالسين فلم يرد عليه أحد غير مؤذن المسجد ( أحمد المطوِّع ) ، وهنا انفعل الكرسوع ورفع صوته :
ـــــ عارف أن بعضكم زعلان مني بسبب حادثة الخالة حزيمة .. لكن أقسم بالله إني بريء من كل هذي التهم .. والله يعلم أني كنت ليلتها مريض بالحمى .
رد أحدهم :
ــــــ يقولون إن فيه عليك دليل .
ـــــ إيش من دليل ؟
ــــــ الفانلة المشجرة .
ـــــ وإيش علاقة الفانلة بالسرقة .
ــــــ لأنك تلبسها دائما !
ــــــ بس أنا قد تصدقت بها على أحد المساكين قبل شهرين تقريبا .
ــــــ طيب كيف وصلت للسارق .
ــــــ إيش دراني أنا !
هنا تدخل ( حامد القمَّاش ) قائلا :
ــــــ يا ولدي محمود كلنا نعرف أنك فتى شهم ومحب للناس جميعا وتساعد الآخرين .. ونعرف أن والدك يرحمه الله كان على خلق حسن والكل يشهد بذلك .. ونعرف أنه رباك تربية حسنة .. لكن كلام الناس يكثر ويقل.. ولا أحد يستطيع أن يجزم بشيء حتى تظهر الحقيقة .
ــــــ أنا عارف يا عم ( حامد ) مين اللي أساء لي وشنَّع عليَّ هذي التهم .. ما فيه غير عبده أنتل هذا الزَّلاَّخ الكبير .. لكن يجيك خبر .. أنا بانتظره هنا وراح أوريه شغله كيف .


يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-14-2021, 02:35 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




هنا تدخل أحمد المطوع وسحبه من يده وحدثه على انفراد :
ــــــ يا ولدي الغالي احنا ما نبغى لك مشاكل .. وأنت بكذا تزيد الكلام عليك .. وبعدين ترى أنتل معتل الجسم وربما يحصل له شيء لو حطيت يدك فيه وتصبح في سين وجيم وحبس وأشياء أنت في غنى عنها .. سَلِّم أمرك لله واحتسب إليه وهو القادر على كشف الحقائق .
هدأت أعصاب الكرسوع قليلا وهم بالانصراف مع رفاقه ، وكان قرب الكرويت أحد شباب حارة الجبل فاقترب من الكرسوع وقال له :
ــــــ ما شاء الله أشوفك نافخ ريشك على خلق الله .. عسى من تكون ! أدري إنك الفتى القوي في الساحل بس ترى عندنا شباب يكسرو رأسك .
شَمَّرَ الكرسوع عن ساعديه وقال :
ــــــ بسم الله .. يالله طلِّع اللي براسك وأنا أتحداك أنت وشباب حارتك .
ـــــ طيب أوريك كيف .. بكرة رايحين ( نذعركم ) في حارتكم ونكسر أضلاعكم .
ـــــ اتفقنا .
استعد شباب حارة الجبل بالعصي و ( الكراديس ) و ( الوايرات ) ، واستعدت جماعة الكرسوع كذلك ، وبعد صلاة العشاء من اليوم التالي زحف شباب الجبل إلى الساحل وعند وصولهم مشارف الحارة ورؤيتهم للكرسوع ورفقاه هتفوا :

حــــارة امجبـــل قويـــــة من زمـــان
تذعر امساحل وتذعر شيخهم

وعندما سمعهم الكرسوع وفرقته ردوا عليهم :

واحنا عيـــــال إبليس مَبْـــــلَس مِنَّنا
واللي يشا الشيطان يقرب منَّنا

والتحم الفريقان التحاما عنيفا استخدمت فيه العصي والكراديس والوايرات وسالت على إثره دماء بعض الشباب ، ولم يُنهِ ذلك العراك إلا شدة البرق وقصف الرعد ؛ لموافقة تلك الليلة بداية فصل الخريف ، مما أجبر الشباب على الانصراف والعودة إلى دورهم ، مكتفين بما ناله كل شاب منهم .
اشتدت الرعود وبدأت الأمطار في الهطول بغزارة والناس تهلل وتسبح كلما لمعت البروق وقصفت الرعود ، كان الكرسوع متأهبا للعمل والمساعدة كعادته ، وكانت والدته تضع بعض الآنية تحت الأمكنة التي تتساقط منها قطرات المطر من سقف دارهم وتردد أهازيج ( التَّلْييل ) ترحيبا بقدوم الخير :

يــــــا رب هـِـــــلْ امَّطَــــــــرْ هِلُّـــــــــــه
وامْحَـــــبْ وســـــطَ امْعِجـــــارْ بُلُّه

يـــــــا اللهْ بِليـــــــــــــــــــــــلَهْ لُوِيــــــــــــــــــــــــلَهْ
ليــــــــــــلهْ سِعيـــــــــــــــدَهْ وقَدْرِيـَـــــــــــــــــهْ
ليــــــلهْ علــــــى رؤوسْ الأوْدِيـــَــــــــهْ

في حين بدأ القلق يظهر على ملامح الكرسوع ؛ فالزقاق الذي يقع فيه منزلهم وبقية منازل جيرانه منخفض عن منسوب بقية أزقة الحارة فتنساب مياه الأمطار كلها إليه وتدخل البيوت في معظم الأحيان ، تواصلت الأمطار في الهطول بغزارة ، وفجأة انطلقت صرخات استغاثة حددها الكرسوع من قرب منزل ( المُخَضِّبَة ) السيدة ( شَرَف ) ، فوضع على رأسه ( منشفة ) تقيه من المطر وخرج يستطلع الأمر وإذا به يكتشف أن تلك الصرخات تنطلق ـــــ فعلا ـــــ من دار السيدة ( شرف ) فاقترب من الباب ونادى :



يتبع ........

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-14-2021, 02:38 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




ــــــ يا خالة شرف سلامات .. إيش اللي حصل ؟
أجابته ابنتها ( ريحانة ) من الداخل :
ــــــ السيل دخل علينا البيت .. والمويا واصلة حتى حبال ( قعادة ) أمي المريضة .. وأنا خايفة تغرق وتموت .
ــــــ لا تخافي يالمستورة .. دحين أرجع لك ومعي الوالدة .
كان دار السيدة شرف أهبط المنازل في الحارة من حيث المنسوب عن الزقاق ؛ لذلك تتحول كل المياه المتدفقة من البيوت إليه .
عاد محمود إلى داره وأخبر والدته بما حصل ، ثم أشعل ( أتريكَه ) القديم الذي يعمل بالقاز وذهب بصحبة والدته إلى دار السيدة شرف لإنقاذها هي وابنتها ، طلبت ريحانة منهم الدخول بعد أن لفَّتْ إحرام الصلاة حول رأسها وأبقت وجهها ظاهرا ، وعندما وقع نور الأتريك المتوهج على وجه ريحانة انبهر الكرسوع من جمالها الذي يشاهده لأول مرة بعد أن كبرت وأصبحت فتاة ، فهو يعرف أنها جميلة منذ أن كانت طفلة صغيرة لكن الوضع الآن قد اختلف تماما ، حمل الكرسوع ووالدته السيدة شرف وهي على قعادتها من الجانبين ؛ لعدم مقدرتها على الحركة وذهبا بها إلى دارهما ، ورافقتهما ريحانة ، وفي هذه الأثناء هب الكرسوع وعدد من رجال الحارة في إحداث شق واسع بالزقاق ؛ لمحاولة إخراج الماء من دار شرف إلى الزقاق ــــــ رغم صعوبة ذلك ـــــ لانخفاض الدار عن الزقاق ، وعندما عاد الكرسوع بعد إتمام المهمة احتار أين ينام ، فمجلسهم الوحيد سينام به ضيوفهم ربما لليلة أو ليلتين ريثما يجف منزلهما والأغراض التي غرقت بسبب المطر ، لم يكن أمامه إلا صعود ذلك السلم الخشبي ؛ لينام أعلى سقف مجلسهم ، لكنه لم ينم تلك الليلة ، فصورة ريحانة لم تغادر ذهنه وصوتها الحنون لم يفارق مسمعيه ، وأحس أن قلبه يخفق في غير عادته فأيقن أن ريحانة قد رمته بسهمها في مقتل ! .



يتبع ........ الفصل الخامس

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

البنفسج
08-14-2021, 03:03 PM
سرد متسلسل وعميق
ودقيق الكلمات والمعاني
حقا رواية متكاملة أنت رائع الغيث
ولازلت متابعة لهذا الجمال
وهذه التفاصيل اللطيفة الممزوجة بالإبداع


flll:

الغيث
08-14-2021, 03:08 PM
سرد متسلسل وعميق
ودقيق الكلمات والمعاني
حقا رواية متكاملة أنت رائع الغيث
ولازلت متابعة لهذا الجمال
وهذه التفاصيل اللطيفة الممزوجة بالإبداع


flll:
وهذا شرف كبير لي يا بنفسج
أن تتابعي معي حلقات هذه الرواية
فمثلك يُسعد به كل كاتب وأديب
شكرا من كل قلبي لحضورك ومتابعتك
ودامت هذه الروح نابضة بالألق
>::>::

الغيث
08-18-2021, 05:52 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل الخامس



عبر أزقة حارة الساحل الضيقة كان الكرسوع يخطو متثاقلا نحو رصيف الميناء القديم بعد أن قرر ترك العمل لدى الأستاذ ( أمين ) ، يحسب تلك الخطوات وهو لا يعلم ما تخبئ له الأيام ، ويحسبها وهو يعلم عن طبيعة العمل في ( المِعداية ) من خلال ذهابه مع بعض الرفاق للنزهة هناك أيام صباه ، كذلك أيام أن كان يهرب من هواجسه نحو البحر ، وفي غمرة تفكيره وجد نفسه يخرج من نهاية ذلك الزقاق الضيق الذي ينتهي بجوار سور السجن القديم القريب من الميناء ، المُشَيَّد من الحجر والجص والمغروز فوق أعلى حائطه قطع من الزجاج ؛ لضمان عدم هروب المساجين ، تقدم الكرسوع ـــــ قليلا ـــــ باتجاه الغرب ثم انحرف جنوبا من جوار ذلك المسجد الصغير القريب من مقر السجن ، مخترقا الأرض الفضاء الواقعة بين المسجد ومشارف الميناء ، وما أن وصل تلك المشارف حتى شاهد أمامه هناجر الجمارك التي عمل بها بضعة أيام وبأجر زهيد في لصق الطوابع فوق علب السجائر المستوردة ، وعلى يمين ذلك شاهد بقايا ( الكنداسة ) التي كانت تمد المدينة بجزء يسير من مياه البحر المحلاة ، حين وصول الكرسوع إلى الميناء كانت ( المِعدايَة ) تعج بالعاملين فيها ، وحركة الشحن والتفريغ من وإلى المراكب والصنادل الحديدية على أشدها ، ورصيف الميناء الخرساني مليء بالعربات التي تجرها الحمير ؛ لنقل البضائع التي يفرغها العمال من تلك المراكب والصنادل إلى مستودعات التجار ، وقد احتدمت أصوات وهتافات العمال وبائعي الماء البارد وهم يحملون ( ترامسهم ) المستهلكة واختلطت مع نهيق بعض الحمير في منظر يحاكي لوحة تجريدية صاخبة ، وقف الكرسوع للحظات يشاهد جمال البحر وصفائه وحركة الأمواج وهي تمر عبر فتحات ذلك الجسر الخرساني لتخرج من جهته الأخرى ، كما راق له تراقص تلك المراكب على صفحة الماء في ارتفاع وانخفاض بفعل التيارات البحرية وحركة الأمواج وبدت له وكأنها تؤدي رقصة جميلة ، وعندما نظر إلى الأعلى فإذا النوارس ترفرف بأجنحتها وتطلق أصواتها الجميلة وكأنها تحييه تحية الصباح .
على يسار الكرسوع تربع العم ( موسى القصير ) على كرسيه العتيق المصنوع محليا من الخشب ، وأمامه طاولة خشبية شعبية وضع فوقها بعض الأوراق ، وهو يمارس مهامه كمسؤول عن ( المعداية ) تحت تلك السقيفة المشيدة من الخشب والزنك ؛ لتقيه وهج الشمس ، وقد بدا عن يمينه خزانه الذي يحفظ فيه ماءه البارد ، كما بدا عن يساره ترمس الشاي الخاص به ، تقدم الكرسوع وسلم عليه وقدم إليه نفسه :
ــــــ صباح الخير يا عم موسى .. أنا محمود ولد البحار ( عثمان حمود ) .. وأريد العمل معكم .
ــــــ ما شاء الله تبارك الله .. أهلا بك يا ولدي .. الله يرحم والدك كان نعم الرِجال .. بس إيش تبغى تشتغل ؟
ــــــ أي حاجة يا عم .. حتى لو عتَّال .
ــــــ ههههه عتَّال .. لا يا ولدي عادك جاهل وما تقدر تتحمل الشيل الثقيل .. لكن أنا بأدوِّر لك على عمل يناسبك .. تعرف تحْسِب ؟
ــــــ أيوه يا عم .. تراني درست حتى خامس ابتدائي .
ــــــ طيب أنا اليوم بأكلِّم لك التاجر ( الباجلي ) يخليك مساعد لمحجوب المشرف على بضائعه .
ــــــ الله يطوِّل عمرك يا عم موسى .. شكرا شكرا .
ــــــ خلاص تعال بكرة وما يكون إلا خير .
شكر الكرسوع العم ( موسى القصير ) وودَّعه عائدا إلى الحارة لكنه تذكر السوق وأصحابه هناك فعزم على زيارتهم ..... يتبع

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-18-2021, 05:56 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




وهناك زارهم فردا فردا يسلم عليهم ويسأل عن أحوالهم وعن أخبار البيع والشراء معهم ، وفجأة شاهده صديقه ( كعبوش ) بائع الشاي فأسرع نحوه وأخذه بالأحضان وهو يردد :
ـــــ مرحبا ستين بحبيبنا الكرسوع فتى السوق وفتى الساحل والحارات كلها .
ـــــ شكرا يا كعبوش الله يحفظك ويبارك فيك وهذا من أصلك الطيب .
ـــــ تعال أعمل لك أحلى براد شاي في البلد وأتشرف بك أنا ومحلي المتواضع .
ــــــ حااااضر .. بس شوية أروح أشوف عمي ( أمان ) الخياط وأسلم عليه وأرجع لك .
بعد الاطمئنان على الخياط ( أمان ) عاد الكرسوع لصديقه كعبوش وأخذا يتبادلان أحاديث الود والإخاء وأحوال السوق والبيع والشراء ، وشرع في ارتشاف ذلك الشاي الجميل ذو النكهة المميزة والتي يعرفها منذ أن كان يبيع المقاعد والطاولات في وسط السوق ، وفجأة لاحظ الكرسوع دكان الخرَّاز ( باري ) مغلقا فسأل صديقه كعبوش :
ــــــ فين صاحبنا ( باري ) أشوف دكانه مقفَّل ؟ .
ــــــ والله يا أخي عمل مشكلة كبيرة .
ــــــ يا ساتر إيش سوَّى ؟
ـــــ ضحك عليه واحد من أصحاب الكرويت وأغراه بعشرة ريال عشان يسوي مقلب قاسي في واحد من أهل القرى ينزل المدينة يبتاع ويشتري .
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله .. لا يكون ( الوَرْيَه ) ؟
ــــــ نعم هو الوَرْيَه ولا غيره .
ــــــ إنا لله من هذا الرجل ما يترك هذي المقالب حقه .. ما كفَّاه المقلب السابق اللي سواه في العم ( حاذِق ) ودخل السجن بسببه ، والمدينة كلها عرفت عن تلك الحكاية .
ـــــ لا يا كرسوع .. مقلب العم حاذق ولا شيء .. لكن هذا المقلب يمكن تضيع حياته فيه .
ـــــ لهذي الدرجة !!
ـــــ أي والله .
ـــــ خوَّفتني يا كعبوش عسى إيش من مقلب سواه في الرجل ؟
ـــــ يا سيدي هذا الرجل يجيب معاه بضاعة من القرى : حبوب وثمار ودجاج حي وبيض ، ويبيعها في الميدان ، وبعدين ينزل السوق يشتري مواد غذائية وأواني ويرجع بها إلى القرى .
ــــــ وبعدين !
ــــــ كان هذا الرجل صاحب لحية متوسطة الطول يعتز بها ، ودائما ما كان يسأل أهل الدكاكين عن دواء يطوِّل اللحية وينعِّم شعرها ، ومرة لقي ( الوَرْيَه ) جالس في دكان بدل صاحبه اللي كان عنده جلسة في المحكمة ، ولما جاء الرجل وسأل الوريه عن الدواء قال له الوريه : أيوه موجود ، شفت الخراز اللي في وسط السوق ، ترى والدته العجوز تسوي معجون يطول اللحية ويخليها تلمع ، وأنا راح أكلمه لك اليوم وأوصِّيه عليك ، وأنت مر عليه بعد ثلاثة أيام .
ـــــ أيوه وبعدين .
ــــــ قام الوريه وخلط معجون ( النِّير ) مع شوية صبغة سوداء وحطها في علبة وراح للخراز باري وفهمه بالحكاية وقال له : قل للرجل يدهن لحيته في الصباح وفي الليل ، ثم وصَّاه أن يتشطَّر حتى يوصِّل سعرها عشرين ريال ، ووعده باقتسام العشرين النص بالنص .
ــــــ ها .. كمِّل .... يتبع

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-18-2021, 05:59 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




ــــــ صاحبنا باري طمع في العشرة وطاوع الوريه ، وبعد ثلاثة أيام حضر الرجل واستلم العلبة ودفع العشرين ريال ورجع لقريته .
ــــــ إنا لله .. وبعدين .
ـــــ شكله الرجال لما وصل القرية دهن لحيته على طول وكررها في الليل ، وأعتقد أنه ما طلع الفجر إلا ولحيته قد طاحت على الأرض .
ـــــ أعوذ بالله .. وبعدين .
ـــــ المهم الرجال نزل المدينة من فجر ربي وهو ممسوح اللحية ، وجا للسوق يدوِّر على الخرَّاز باري وفي يده خنجر يلمع لميع وحالف ليقتله ، ووقت ما شافوه الناس راحوا دقوا على باري وقالوا له يهرب إلى أي مكان وإلاَّ شينقتل ، ومنها اختفى باري واختفى الوريه ودحين لهم أربعة أيام ولا ندري بهم في أي أرض .
ــــــ أعوذ بالله من هذا الوريه .. ذيك المرة كان شيقع طلاق بسبب المقلب اللي سواه في العم ( حاذق ) .
ــــــ أدري .. حرَّشوه أهل الكرويت على صاحبهم بائع العطور ( حاذق ) بقصد المزاح معه ، وقالوا للوريه : بعد الظهر يعود عمك حاذق من السوق عشان يرتاح ويتغذى في بيته ، وأنت تِلَثَّم واندس خلف دِرفة الباب المفتوحة ، ولما تحس بقربه من الباب اخرج بسرعة واركض واختفي .
ـــــ أيوه صدقت .. ولما رجع العم حاذق واقترب من باب بيته خرج الوريه يركض بسرعة واختفى ، حاول الإمساك به ومعرفة مين يكون فلم يستطع ، وهنا شك في زوجته وحسب أن ذلك الرجل كان عندها ، فدخل وعمل معها مشكلة كبيرة وطردها من بيته وكان ناوي يطلقها في اليوم الثاني لولا تدخل الصحاب من أهل الكرويت ، والاعتراف له بحقيقة الموضوع وأنهم كانوا يمزحون معه ، لكنه زعل منهم زعل كبير واشتكى الوريه للشرطة وسُجِن .
ــــــ صدقت هذا اللي حصل .. لكن أهل الكرويت راحوا له البيت وأخذوا بخاطره واسترضوه في الشفاعة للوريه ثم ذهبوا إلى أهل زوجته وأفهموهم بالأمر .
ــــــ نعم .. وعشان العم حاذق قلبه طيب راح الشرطة وتنازل عن الوريه .
عاد الكرسوع إلى الحارة وعندما اقترب من زقاقهم شاهد جمعا من النساء وثلاثة من الرجال متجمعين عند بيت ( أمينة ) وكان من ضمن النسوة والدته ( جميلة ) وجارتهم ( ريحانة ) و ( مِسكَة ) فانخلع قلبه وأسرع يستطلع الأمر :
ــــــ فينك يا كرسوع من أول ندور عليك !
ــــــ خير إيش اللي حصل ؟
ـــــ فيه ثعبان كبير دخل بيت ( أمينة ) وكان بيلدغ ابنها ( إسماعيل ) وهو يلعب مع الدجاج .. وربك ستر .. وتراه قد التهم كتاكيت الدجاج كلها .
ــــــ يا الله .. وفيان دحين ( أمينة ) .
ــــــ جُوَّه .. ترتعش وتبكي وحاضنة ولدها إسماعيل .
وبسرعة أحضر الكرسوع عصا غليظة واقتحم دار أمينة وهو يقول :
ـــــ أمينة طمنيني عليك وعلى ولدك .
ـــــ ولدي كان بيموت اليوم يا كرسوع .. هذا الثعبان يخرج حزَّات ويبلع بيض الدجاج وصغارها ويختفي .. لكن اليوم كان بيقضي على إسماعيل .
ـــــ ودحين فين موجود .
ـــــ في عش الدجاج .
رفع الكرسوع ثوبه لأعلى خاصرته ولفه عليها ، ودخل إلى عش الدجاج يبحث عن ذلك الثعبان ، وعندما وجده باغته بثلاث ضربات من عصاه حتى أرداه قتيلا ، ثم خرج يحمله على تلك العصا وهو يردد :
ـــــ خلاص .. خلاص .. لا تخافو .. قتلناه .. قتلناه ابن الكلب .. ما بقي إلا هذا الخسيس يضحك علينا ... يتبع



***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-18-2021, 06:01 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




تهللت أسارير المتجمعين ، وزغردت ( ريحانة ) ، ثم صوبت نظراتها الساحرة باتجاه الكرسوع فبادلها بنفس المشاعر ، وتناثرت الإشارات المعبرة عن الود بينهما .
في الجانب الآخر كانت ( مسكة ) تلتقط كل ما يحدث أمامها وتستشيط غيظا من ريحانة وتتمتم ببعض الكلمات المبهمة وتتشامخ بحركات فمها وأنفها كراهية وغيرة ، ثم تنهَّدت وقالت في نفسها :
ــــــ والله ما أخلي وحدة تشيلك عليَّ يا كرسوع .
كان الوقت يقترب من أذان العصر ، وقد بدأت غيوم الخريف تتراكم في سماء المدينة ، هنا تذكر الكرسوع أن سقف منزلهم كانت تنساب منه قطرات المطر في المرة السابقة فعزم على الصعود إلى أعلى السقف ؛ لتفقد الردم وتسديد الفتحات التي يتسلل من خلالها المطر ، صعد على السلم الخشبي وهو يردد : طرييييق .. طرييييق ؛ كي لا يكشف على عورات الجيران ، خاصة وأن دورات المياه الشعبية وأمكنة الاستحمام في المنازل كانت مكشوفة بدون سقف ، وعندما سمعت ( مِسكَة ) صوته يُطرِّقُ صاعدا لسقف منزله دخلت لمكان الاستحمام الخاص بمنزلها والقريب جدا من منزل الكرسوع في ملابسها الداخلية بزعم أنها لا تعلم عن وجوده أعلى السقف ، ثم أخذت تقوم ببعض الحركات الإغرائية والإغوائية ، فتارة تقوم بفتح بعض الأزارير من جهة نهديها ، وأخرى تومئ بنزع شيء من ملابسها عن أعلى مؤخرتها ، لكن الكرسوع لم يهتم بها ولم يكترث بتلك الحركات التي تقوم بها وانكب على عمله ، وعندما يئست منه ثارت واحترقت أعصابها وارتدت ملابسها على عجل ، ثم خرجت إلى الزقاق تصرخ وتصيح وترفع صوتها مدعية أن الكرسوع صعد للسقف ليكشف على عورات الجيران ، وأنها كانت تستحم وشاهدت الكرسوع يلوح لها بيده فسترت نفسها بسرعة وخرجت لتفضحه ، تجمع الجيران حولها وبعضهم صدق ألاعيبها التي تتفنن في تمريرها على البسطاء ، وطالبوا الكرسوع بالنزول فورا من فوق السقف ؛ لتسبب له هذه المرة في فضيحة مدوية وسط حارته ، ولم تكتفِ مسكة بذلك بل ذهبت إلى بقية الحارات ـــــ بحكم عملها ـــــ لنشر هذه التهمة الباطلة عن الكرسوع وتزيد معاناته .
في العيادة خرج العم ( محمود ) من هواجسه واسترخائه وارتحالاته على صوت الممرضة وهي تنادي على صاحبة الرقم ( 6 ) للدخول إلى غرفة الكشف ، وعندما أحس بأن موعده مع الدكتور ماجد لم يحن بعد عاد لاسترخائه وارتحالاته مجددا ، وهنا بدأ يرفع يده اليمنى مقبوضة إلى أعلى جبهته ، ويرفع الأخرى مبسوطة الكف نحو الأمام بحركات متتالية ، وكأنه يلقي خطبة حماسية أو يردد عبارات النصر ، هنا كانت ارتحالاته قد عادت به إلى أيام طهارته ( ختانه ) عندما كان صبيا ، حيث أقامت له والدته بمساعدة الجيران ( هَودا ) معتبرا شارك فيه معظم رجال الحارة ، حتى الأستاذ ( أمين الحجازي ) الذي كان الكرسوع يعمل لديه ، في هذا الهود أثبت الكرسوع رجولته وشجاعته مُبكِّرا ، ونال إعجاب الحاضرين ببسالته التي أظهرها أثناء مباشرة ختانه وهو واقف أمام الناس ( يتنَدَّب ) وقد رفع بيمناه ذلك الخنجر أعلى جبهته ملوحا بالأخرى للحاضرين وهو يردد :

أنا الفتى محمود
ابن أبي عثمان حمود
سليل الرجال وصنو الفهود
لا نعرف الغدر ولا نقض العهود
إن تِرَجَّلْتْ
فكونوا على قولي شهود
وإن ترغَّلت
فمكاني بين الكلاب
والقرود

.... يتبع الفصل السادس

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

علي آل طلال
08-19-2021, 12:26 AM
ما أبدعك وكأننا نعيش الأحداث..!
متابع لهذا الإبداع

الغيث
08-20-2021, 01:54 PM
ما أبدعك وكأننا نعيش الأحداث..!
متابع لهذا الإبداع
وهذا شرف كبير لي أستاذ علي
شكرا بحجم الكون
تحياتي
flll:flll:flll:

عبدالعزيز
08-20-2021, 09:17 PM
أخي وصديقي العزيز الأديب العذب الغيث : أنتَ آثمٌ في شرع الأدب ، إن ضننتَ علينا بمثل هذه الدرر النادرة (حفظكَ ربي ، وجعلكَ منارةً للأدب والأدباء ، ونبراسًا يحتذى به) .

>:: f:: >::

الغيث
08-20-2021, 10:38 PM
أخي وصديقي العزيز الأديب العذب الغيث : أنتَ آثمٌ في شرع الأدب ، إن ضننتَ علينا بمثل هذه الدرر النادرة (حفظكَ ربي ، وجعلكَ منارةً للأدب والأدباء ، ونبراسًا يحتذى به) .

>:: f:: >::

شكرا أخي عبدالعزيز
وسعيد أنا بحضورك هنا في روايتي الكرسوع
وممتن لك
وأسعد بتابعتك لفصولها
بوركت أينما حللت يا حبيب
تقديري
ومحبتي
flll:flll:flll:

الغيث
08-22-2021, 09:09 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل السادس



مع طلوع شمس ذلك اليوم الجميل كان الكرسوع يستعد للتبكير إلى عمله في المعداية ، لكنه حينما خرج من بيته كان يشعر بالتعب والوهن يغتالان مفاصله وسائر جسده ؛ بسبب عدم حصوله على قسط كاف من النوم في ليلته الماضية ، حيث أرقته الهواجس والأفكار وأقضَّت مضجعه الكوابيس ، وفي طريقه إلى الميناء كانت تعصف برأسه الكثير من الأمور ، كان يفكر في ريحانة وهذا الحب الوليد الذي أضحى يتغلغل في كيانه ، ويفكر في مسكة وكيف يتخلص من أذاها ومقالبها المستمرة ، وما هي الطريقة المثلى لإيقافها عند حدها ، فهي تعتبر عقبة أمام حبه لريحانة ، يفكر في أمينة وابنها إسماعيل ، ويفكر في والدته التي بدأت تشكو من بعض أعراض الكبر ، وفي عمله الجديد المقدم عليه ، وكيف يضع حدا لتلك التهم الباطلة التي تُرمى في طريقه من حيث لا يحتسب ، ولم ينتبه إلا حين وصل إلى عمله في الميناء :
ــــــ صباح الخير يا عم موسى .. ها بشِّر .
ــــــ صباح الخير يا ولدي وصباح السعادة والسرور .. أبشِّرَك عمنا ( الباجلي ) وافق يخليك مساعد لـــ ( محجوب ) .. وبيعطيك راتب شهري يبسطك .
ــــــ بالله .. طيب الحمد لله .. توكلنا على الله .
هنا حضر المشرف محجوب لاستلام مساعده من العم موسى ، وقام بدوره بتسليم الكرسوع عمله مسؤولا عن تفريغ شحنات الأسمنت المستورد من الصنادل الحديدية إلى الرصيف ، ومنه إلى العربات التي تجرها الحمير ، وحساب حمولة كل عربة من أكياس الأسمنت قبل أن تتحرك ؛ لنقله إلى مستودعات التاجر الباجلي ، باشر الكرسوع مهام عمله الجديد واجتهد في ذلك وأخلص فيه ، وكلما رأى محجوب إنجازاته تتوالى كتب له توصية لدى التاجر الباجلي بزيادة الراتب الشهري له .
مرت الأيام سريعة وانفرجت بعض هموم الكرسوع من الناحية المادية ، وكان حبه لريحانة دافعا قويا لأن يكون عند حسن ظنها وظن الجميع ، عازما أن يكون شخصا مثاليا بكل ما يستطيع ، مبتعدا عن كل ما يؤثر على سيرته ، مجتهدا في توفير الريال على الريال ليجمع مهر حبيبته ريحانة التي يحلم بأن تكون شريكة حياته ، فيما كانت هي ــــ أيضا ـــــ تفكر فيما يفكر فيه ، كانت كثيرا ما تنتظر خروجه من بيته ذاهبا إلى عمله ؛ لتظفر بنظرة منه من وراء بابها الموارب ، كما تنتظر عودته قبل العصر لتكتحل عيناها برؤيته .
ذات يوم لم تستطع مقاومة شوقها للحديث معه ولو للحظات بسيطة فاخترعت حيلة إهداء والدته شيئا من إدام الطماطم والبامية الذي تعده عادة لوجبة الغداء ، وحين أحست بعودته بدت من خلف بابها الموارب وهي تناديه بصوت منخفض :
ـــــ محمود .. محمود .
فلما سمعها اقترب من بابها ، كانت ريحانة تلفُّ حول عنقها ورأسها شالا قطنيا تاركة جزءا من وجهها مكشوفا ، مدت يديها بصينية الإدام إلى يدي الكرسوع وهي تقول :
ــــــ هذي هدية مني لخالتي جميلة .
وعندما رأى الكرسوع تلك العيون الساحرة نسي الدنيا ومن عليها ، وهنا أمسكا بصينية الإدام معا ، وحلَّق كل منهما في عوالم الآخر ، وسرت بينهما أسمى إشارات الحب ؛ حتى كادت صينية الإدام أن تسقط على الأرض دون أن يشعرا ، في هذه الأثناء كانت مسكة تهم بالخروج من دارها فلمحتهما دون أن يدريا ، فما كان منها إلا أن عادت أدراجها إلى داخل بيتها وأخذت تبحث عن قارورة زجاجية فارغة ، وعندما وجدتها في المطبخ خرجت إلى ( الطُّرَّاحَة ) وسحبت ( قعادة ) كانت في وسطها وألصقتها بجدار الحوش ، ثم صعدت فوقها حتى رأتهما يتبادلان الحديث فرمت بالقارورة بكل قوتها صوب أعلى الباب ؛ لتصطدم بهامته الحجرية ويتناثر زجاجها فوق رأسيهما ، حينها أدرك الكرسوع أن في الأمر شيئا وخاف أن يتجمع الناس ويسيئون لسمعة ريحانة فأخذ الصينية وانسحب إلى داره سريعا .


يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-22-2021, 09:14 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg





في المساء حملت مسكة ( بقشتها ) المليئة بالأقمشة النسائية والطواقي وذهبت إلى بيت السيدة ( شرف ) المريضة بحجة زيارتها ، وعرض بضاعتها على ابنتها ريحانة التي كانت لا تطيق مسكة ؛ لسمعتها السيئة وحركاتها وألاعيبها المكشوفة ، وحين دخلت مسكة سلمت على ريحانة فلم ترد عليها السلام ولم تجاريها في الحديث ، أخذت مسكة تتمتم ببعض العبارات المبهمة والمليئة بالهمز واللمز :
ــــــ والله هذي الدنيا عجيبة وغريبة .. فيها ناس قلوبهم على ناس وهم قلوبهم على غيرهم .. بعض ( الأوادم ) فيها مغفَّلين .. ما يدرون باللي يحصل من وراهم .
وعندما أحست أن ريحانة لم تكترث بكلامها تنهدت وقالت :
ـــــــ يالله وداعة ربي .. بأروح أطلب الله .. والله يستر بس ليطلع لي الكرسوع ويعمل فيَّ حاجة .. قد الناس كلها تدري بالفضايح اللي يسويها .
كانت ريحانة تعاني كثيرا من الكلام الذي يدور حول محمود رغم تيقنها من براءته ونقائه ومعرفتها لكل تفاصيل حياته ، لكن كلام الناس كان يحرجها ويجرحها ، ولا تستطيع أن تدافع عنه أمام نساء الحارة ؛ حتى لا يسيئوا الظن في مقاصدها .
تتابعت الأيام والكرسوع يحاول جاهدا أن يتجنب كل ما يعكر صفو ريحانة ، أصبح يبتعد عن أي احتكاك أو شجار مع شباب الحارة أو غيرهم ، كذلك لا يتدخل كثيرا فيما لا يعنيه ، لعل ذلك يخفف من حدة الغضب منه عند بعض الناس ؛ بسبب ما يدور حوله ، وحين عودته ذات مساء من عمله وقبل وصوله إلى منزله شاهد بعض الشباب يمارسون لعبة ( المُرْقُع ) فتاقت نفسه إلى مشاركتهم في اللعب فلم يمانعوا في ذلك ، انخرط الكرسوع في اللعبة وحينما وقع الحكم عليه أثناء اللعب كان لزاما عليه أن يتلقى ثلاث جلدات بالمرقع على إحدى يديه من كل فرد في الفريق الخصم ، مد الكرسوع يده اليمنى بكل أريحية وتلقى ثلاث جلدات من الفرد الأول ، ثم ثلاث أخرى من الثاني ، وعندما جاء دور الثالث وكان شابا شرسا صعب المراس متمرد الخلق ، حيث أطلق جلدته الأولى بزيادة مسافة مد ذراعه فوقعت الجلدة على نهاية كف الكرسوع واصلة إلى بداية ذراعه ، وذلك يعد مخالفة في قانون اللعبة ، هنا حذره الكرسوع قائلا له :
ــــــ أقول .. لا تِذَرِّع .
لكن ذلك الشاب لم يكترث بالتنبيه ، وقال له في غرور .
ـــــ يا أخي حط لك قطعة كرتون فوق ذراعك وخلاص .
ثم جلده بالثانية على نفس منوال الأولى ، فما كان من الكرسوع إلا أن قام غاضبا وتشاكل مع ذلك الشاب المتغطرس وحدث بينهما عراك عنيف لم ينفض إلا بتدخل بقية اللاعبين .
انسحب الكرسوع من ذلك المكان ، وفي طريقه إلى منزله لمح العم ( مبروك ) يدفع عربته الشعبية المزركشة بالألوان و ( النشانش ) والتي يبيع عليها البليلة والبطاطا المسلوقة مع الحُمَر والبهارات ، وغزل البنات ، رغب الكرسوع في شراء شيء من ذلك وإهدائه لريحانة ، فأخذ ما يحتاجه من العم ( مبروك ) ، وعند منزل ريحانة تلفت يمينا ويسارا ؛ ليتأكد من خلو الزقاق من المارة ، ثم رمى بحصاة صغيرة على نافذة ريحانة فعرفت أنه محمود وخرجت للقائه عند الباب :
ــــــ هلا قلبي .
ــــــ فداك القلب يا ريحانة .
ـــــ إيش هذا ؟
ـــــ بليلة وبطاط وغزل البنات هدية لكِ ولخالتي شرف .
ـــــ الله لا يحرمني منك يا محمود .
ــــــ ولا منك يا قرة العين .
ـــــ أنا زعلانة منك !
ـــــ أفا .. ليش .. إيش اللي حصل ؟
ـــــ ليش ما تتصرف مع البنت اللي اسمها ( مسكة ) وتخرس لسانها ؟
ـــــ ريحانة هذي حُرْمَة وما أقدر أتصرف معها .. وأخاف لو مدِّيت يدي عليها تسوِّي لي مشكلة .. كذا وأنا بعيد عنها وأنتِ شايفة إيش اللي مسوياه فيني .
ــــــ محمووود .
ـــــ عيون محمود .
ـــــ نفسي أدخل قلبك عشان أشوف كبر إيش تحبني .
ـــــ قسم يا ريحانة إني أحبك أكثر مما تتخيلين .. أحبك كبر هذه الأرض اللي نعيش فيها .. أحبك كبر السماء .. أحبك كبر ... إيش باقي أقول .. صدقيني يا بنت الناس إنه ما في قلبي وحدة غيرك .. صدقيني إني ما حبيت وحدة قبلك ولا راح أحب بعدك .. أنا شاب ( فرنكلي ) زي ما يقولوا عني أهل الحارة .. يعني قلبي عمره ما مال لبنت معينة .. لكن أنتِ مدري كيف خطفتِيه مني .
مد كل منهما يديه للآخر ؛ لتأكيد هذا الحب المشترك بينهما ، في هذه اللحظات خرجت مسكة من دارها وهي تمسك بتنكة من الصفيح وعصا معدنية ، ثم شرعت تضرب تلك التنكة بتلك العصا بزعم أنها تريد تحطيمها عند الباب ، محدثة ربكة وطقطقات صاخبة وأصوات عالية أخرجت أهل الحارة من بيوتهم ؛ لاكتشاف تلك الجلبة وذلك الضجيج القادم من الزقاق ، وهنا انسحب الكرسوع من مكانه ؛ خوفا من الشوشرة .


يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-22-2021, 09:19 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




( مِسْكَة ) طفلة قدِمَت مع والدتها ( هَدْيَة ) من إحدى القرى المتداخلة جغرافيا في منطقة الحدود ، واستقرتا في المدينة ، عملت والدتها في الخدمة المنزلية بأجر يومي بسيط ، وكانت تصطحب ابنتها معها إلى المنازل التي تعمل بها ، ثم تركت هذا العمل تحت ضغط أهل المنازل ؛ لعدم موافقتهم على اصطحابها لابنتها ، جمعت ( هدْيَة ) ما تحصَّلت عليه من فترة عملها في المنازل ، ثم اشترت به مجموعة من الأقمشة النسائية بالجملة ، وشرعت ببيعها على نساء الحارات بالتجزئة وبمكسب معقول ( دلَّالَة ) ، وبعد أن تفرغ من أهل البيوت تذهب ببضاعتها تلك إلى أطراف السوق ؛ لتبيعها هناك ، كانت مسكة ترافق والدتها في مشاوير مهنتها وتكتسب منها الجرأة ومفاصلة المشترين رجالا ونساء ، والاحتكاك معهم بالمخاطبة والنقاش ، وكلما كبرت مسكة اكتسبت خبرة أكثر في البيع والشراء والغش والخداع ـــــ أحيانا ــــ في عينات الأقمشة ، وتعلمت من والدتها فنون المراوغة والجدال وإقناع الزبائن ( الدعاية التسويقية ) ، وكانت كثيرا ما تترك والدتها ؛ لتجلس مع بعض الفتيات اللاتي يبعن ( الكوافي ) حتى استطاعت إقناعهن بتعليمها طريقة عمل تلك الكوافي ، ولأن مسكة تملك قسطا جيدا من الذكاء استطاعت أن تتفوق عليهن وتتقن عمل الكوافي والنقش والتطريز عليها بأشكال جميلة وجذابة ، ولذا أصبحت من أشهر صانعات وعارضات الكوافي في وسط السوق ، كما أن مسكة قد حباها الله هيئة جسدية لا فتة للنظر وشيئا من لمسات الجمال الطبيعي : كطول الشعر وسواده ، واتساع العينين ، وتقاطيع الجسد المغرية ، فقد استغلت تلك الصفات ؛ لتكون محط أنظار المشترين من الرجال ، وبذلك سيطرت على سوق الكوافي في المدينة ، وكلما زادت من حركاتها المغرية والغمز اللحظي المفتعل بعينها ازداد الإقبال على بضاعتها ، كانت مسكة تهدف من كل ذلك إلى الإيقاع بأي شاب من المجتمعين على بضاعتها ؛ للارتباط به زوجا لها ؛ تستند عليه في مستقبلها القادم ، إلا أن جميع محاولاتها تلك ذهبت أدراج الرياح ؛ لعدم ارتياح الكثير من الرجال والشباب لبجاحتها وجرأتها وخروجها عن المألوف .
مع مرور الأيام أصبحت والدة مسكة تعاني من ضعف البصر ، فذهبت إلى المعالجين الشعبيين الذين وصفوا لها العديد من الأعشاب والتراكيب الشعبية المطحونة ، وأوصوها بالاكتحال بها مرتين يوميا مما أدى إلى فقدانها للبصر كليا ؛ لتصبح عمياء عاجزة في دارها ، تولت المهمة بدلا عنها ابنتها مسكة حيث حلت محل والدتها في بيع الأقمشة بجانب تلك الكوافي التي تصنعها وتتفنن فيها ، مكرسة حركات الإغراء والإغواء أثناء ممارسة عملها ، لكن سمعتها كانت كافية لأن يرفض أي شخص فكرة الارتباط بها ، كررت تلك الحركات على شباب الحارات في الأزقة لكنها فشلت بالإيقاع بأي منهم ، وهنا بات هدفها الأخير هو الكرسوع .
اجتمع الكرسوع برجال الحارة للوصول إلى حل لمشكلة انخفاض زقاقهم عن بقية أزقة الحارة وانسياب مياه الأمطار إليه ومن ثم إلى بعض المنازل ، وبعد طرح العديد من الآراء والاقتراحات اتفق الجميع على عمل ( زِبير ) في بداية الزقاق ؛ يمنع تدفق مياه الأمطار من بقية الأزقة إلى زقاقهم ، كنصف حل للمشكلة ريثما يقوم أصحاب البيوت برفع منسوب منازلهم عن منسوب الزقاق متى ما وجدوا الاستطاعة المالية لذلك ، وبعده يتم ردم الزقاق لرفع منسوبه عن بقية الأزقة الأخرى في الحارة .


يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-22-2021, 09:22 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




عندما انتهى الكرسوع من عمله في المعداية ذات نهار كان على موعد مع صديقه محبوب الذي أهداه حينها عددا من ( الجراجيح ) التي يصطادها مع الرفاق في الجبال المحيطة بالمدينة بواسطة ( المحانِب ) ؛ حيث قدمها إليه وهو يقول :
ــــــ محمود الغالي .. هذي أجمل هدية أقدمها لك وللخالة جميلة .. جراجيح من اللي يحبها قلبك .
ــــــ شكرا يا محبوب يا أعز صديق عرفته في حياتي .
ــــــ تراني ذبحتها وسلخت جلدها وما بقي إلا الخالة جميلة تشويها أو تقليها لك .. وبالصحة والهنا .
ــــــ لا أدري كيف أرد جمايلك الكثيرة يا محبوب !!
ــــــ العفو يا أخي .. إيش من جمايل كلها حاجة بسيطة .. بس لا تنسى الحبيبة .
لم يأتِ تذكير محبوب لصديقه الكرسوع بحبيبته ريحانة إلا وقد نوى في داخله إهداء شيئا من تلك الجراجيح لها ، وعندما وصل إلى الحارة قابلته ريحانة عند بابها وأخدتها منه مبتسمة شاكرة ولكنها كانت في عجل من أمرها ، عندها سألها محتارا ومرتبكا عن سبب عجلتها تلك :
ــــــ محمود لا تقلق يا قلبي .. عندنا الليلة بعد المغرب مناسبة ( سابع وترجيحة ) لجارتنا ( سِكِينَة ) بعد ما كمَّلت اليوم الأربعين لولادتها .. وأنا مستعجلة عشان يمديني ألبس وأتزين .
ــــــ يا سلاااام .. نفسي أشوفك يا ريحانة وأنتِ لابسة ومتأنتكة .
ـــــ إن شاء الله يا محمود .. إن شاء الله لما أرجع البيت بعدين .
عاد الكرسوع إلى منزله وشرع في توجيه الكثير من الأسئلة على والدته عن هذه المناسبة ، ومن يحضرها وكيف تكون ومتى تنتهي ، وسط استغرابها وتحديقها مليا في عينيه ؛ علها تعرف ما يدور في خاطره .
اجتمعت الفتيات وبعض نساء الحارة في مناسبة ( سكينة ) وبدأت مراسم السابع ، وكانت ضمن الحاضرات مسكة التي ما أن رأت ريحانة حتى ذهبت إليها وجلست بجانبها ملاصَقة ، وأخذت تنظر إليها من رأسها حتى قدميها ، وتشاهد تلك الزينة اللافتة وتلك الملابس الجميلة التي ترتديها وحينها أطلقت تنهيدة مبطنة بالحقد والحسد ثم همست بالقرب من ريحانة :
ـــــ إش إش إش .. إيش هذا الجمال كله وهذا اللبس .. بسم الله ما شاء الله وعيني عليك باردة .
ـــــ ! !
ــــــ لا حووول يا ريحانة .. ياليت هذا كله لواحد يستاهل !
لم ترد عليها ريحانة .
ـــــ يا خُبْعَة صدقيني .. الكرسوع ما يستحق كل هذا منك .
ـــــ صمتت ريحانة ولم ترد وكتمت غيضها ؛ حتى لا تتسبب في إحداث مشكلة وسط المناسبة .
ـــــ يا مغفَّلَة الكرسوع مش حِسُّه منك .. هو غارق عند أمينة .. ما تشوفيه داخل وخارج عندها .. ولا أنتِ عمياء وما تشوفين !
ـــــ بس اللي أعرفه إنها قريبته .
ـــــ من فين قريبته .. هذي حيلة يمشيها عليكم .. هذي حبيبته وأنا بأذني سمعته مرة يقول لها : يا عمري .. ومرة ثانية : يا حياتي .. وحتى لو قريبته .. ليش ما يقدر يتزوجها يعني !

يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
08-22-2021, 09:24 PM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




نزلت تلك الكلمات على ريحانة كالصاعقة ، وأحست كأن خنجرا مسموما اخترق قلبها فأدماه ، ثم دارت بها الأرض وكادت أن يغمى عليها فخرجت من مكان المناسبة دون أن تكملها عائدة إلى دارها ، هناك كان الكرسوع ينتظر عودتها في وسط الزقاق ، لكنه صدم عندما مرت من جانبه في عجل وهي تغطي وجهها وجسدها بالكامل ولم تلتفت إليه ، ثم دخلت دارها وأغلقت الباب خلفها ، ارتبك الكرسوع ودارت به الدنيا وكاد أن يفقد صوابه من هول الصدمة ! ، عاد إلى بيته يهذي ويتمتم بكلام غير مفهوم ، وأجزاء جسده ترتعش ، ووالدته تسأله ماذا حصل وهو لا يرد إلا بالدموع المنهمرة من عينيه ، عند ذلك ارتبكت والدته واحتارت وأخذت تقرأ المعوذات ، وأيقنت أن مسًّا قد أصابه وهي لا تدري ماذا تعمل ، لكنها هرعت إلى السيدة حفصة ( معلمة القرآن السابقة في الكُتَّاب ) وأتت بها ؛ لتقرأ عليه شيئا من القرآن وتنفث في ماء وترشه به .
هدأت روعة الكرسوع ـــــ قليلا ـــــ لكنه لم يذق طعم النوم في تلك الليلة ، أخذ يتقلب في فراشه ويستعرض كل الأمور والاحتمالات ولا يجد سببا واحدا لتصرف حبيبة القلب ريحانة ، لكنه كان متيقنا أن الموضوع لا يخرج عن مقالب مسكة ، فعزم على اقتحام دارها صباحا وتأديبها مهما تكون النتائج ، لكنه فكر كثيرا في العواقب لا سيما وأنه غير متأكد من ذلك حتى اللحظة ، وما أن طلعت الشمس حتى ذهب إلى دار ريحانة ؛ ليعرف منها السبب ولكنها لم تخرج للقائه ، وعندما يئس أظلمت الدنيا في عينيه وذهب إلى عمله مرهقا ؛ ليستأذن من المشرف محجوب في الغياب لذلك اليوم بحجة مرض والدته وحاجتها إليه ، وبعدها عاد إلى الحارة وحاول مقابلة ريحانة وألح في طلبها وكرر محاولاته ، وعندما أحست بإصراره خرجت عند بابها والدموع في عينيها :
ـــــ خير يا ريحانة .. إيش اللي حصل مني .
ـــــ اسأل نفسك .
ـــــ إيش الحكاية يا قلبي ..وعن إيش أسأل نفسي ؟
ــــــ مدري عنك .. قول لنفسك .
ــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله .. صارحيني يا بنت الناس .. قولي إيش فيه .
ـــــ محمود أنا جاعلتك تاج رأسي .. ومضحية عشانك .. وأنت تحب غيري !
ـــــ يا هووووه .. إيش هذا الكلام اللي تقوليه .. ومين بس اللي فهمك كذا .. ريحانة لازم تعرفين إنك قلبي وروحي وحياتي كلها .. وإن قلبي ما فيه إلا أنتِ وبس .. ريحانة أنا لو ألِفّ البر والبحر ما ألاقي زيك .. ريحانة أنتِ لو تقولي لي أرمي نفسي في البحر ولا في النار أفعلها والله من أجلك .. ريحانة أحلف لك على كتاب الله وأقسم أنه ما فيه في حياتي وحدة إلا أنتِ .. يا بنت الناس أنا ما نمت من أمس وقاعد أتعذب .. وممكن أموِّت نفسي لو حصل فراق بيني وبينك .
ــــــ طيب وأمينة !!
ـــــ لا حووول .. أمينة ههههه .. قولي كذا من بدري .. يا ريحانة يا حياتي وعمري .. اللي بيني وبين أمينة مش حب .. أمينة هذي تبقى .... ولا أقول لك روحي أسألي أمك عشان تتأكدي بنفسك وتتطمني أكثر وتبعد عنك هذي الهواجس .
ابتسمت ريحانة وتفتحت أساريرها وجفت دموعها وقالت :
ـــــ سامحني يا محمود .. الغيرة عمتني .. ومن كثر حبي لك كنت بأقضي على نفسي البارح .
ـــــ خلاص مسامِحِك .. لكن والله ما أروح من هنا حتى تقولي لي مين اللي وسوس لك بهذا الموضوع .
ـــــ مين غيرها .. مسكة .
ــــــ والله أنا كنت حاسس إنها ورا هذا الكلام كله .. لكن أوريها شغلها كيف وتجيك الأخبار . .ودَّع الكرسوع حبيبته ريحانة ومضى وهو يفكر كيف ينتقم من مسكة وينكد عليها عيشتها كما نكدت عليه .
فكر في أشياء كثيرة للانتقام بشرط ألا تترك أثرا بعدها يدينه أو يخلق له إشكالات كبيرة معها ، ذهب إلى السوق وهو يردد :
ـــــ الآن بدأت الحرب بيننا يا مسكة .
دخل إلى السوق واشترى قفلا حديدا كبيرا ثم عاد إلى زقاق حارتهم وتأكد من خلوه من المارة ، ثم وضع ذلك القفل في المزلاج الخارجي لباب مسكة وأقفله وأخذ المفتاح معه وذهب إلى داره ، وعندما همت مسكة بالخروج من دارها حاولت فتح بابها ولكنه استعصى عليها فحسبت أن طفلا قد لعب بالمزلاج الخارجي ودفعه إلى وضعية القَفل ، فاستعانت بجارتها ؛ لتفتح لها من الخارج ، لكن جارتها اكتشف ذلك القفل الكبير وأخبرتها ، أخذت مسكة تصرخ وتستغيث بالجيران الذين حضروا وحاولوا كسر القفل مرارا لكنهم فشلوا في ذلك ، قال أحدهم :
ـــــ هذا قفل حديدي كبير ما ينفتح بسهولة .. ويلزم له عتلة حديدية قوية .
أُحضرت العتلة وحاولوا مرة أخرى دون جدوى ، وهنا ناداها أحد الحاضرين :
ــــــ يا مسكة هذا القفل يبغى له حدَّاد .. يمكن يقدر يقصه أو يكسره بطريقته وأدواته .. أنا بأروح أجيبه .. بس لازم تدفعين أجرته .
ــــــ طيب .. طيب شأدفع له اللي يبغاه .. بس يفتح لي الباب .
حضر الحدَّاد وبعد مجهود شاق استمر لأكثر من ساعتين استطاع كسر القفل وفتح الباب .

يتبع .... الفصل السابع

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

بُشْرَى
09-03-2021, 10:19 PM
.

.


لم أرَ بكل المدائن بضخامة هذا العمل الأدبي !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

رواية كاملة متكاملة ..
بتفاصيلها الدقيقة والدقيقة جداا ..
يحتاج مفردات هائلة ..
يحتاج لغة تطيعّها من أجل الهدف وصولا للمشهد الذي تريد تجسيده من خلالها ..

رأيت هنا بأم عيني ..

تفاصيل التفاصيل
الأسماء .. المتنوعة ..
كرسوع
كعبوش
مسكة
حسنية ..
محموود

والكثير ..
لكل مسمى دلالة من حيث الدور الذي يؤديه بالرواية ..

هذا العمل يجب أن يتوّج في المسارح ....!

الغيث ..

هامة أدبية راقية جدا جدا ..
لم أرَ برقيّك
ولا بضخامة أدبك أحد ..

امضِ .. وكلّي شغف لنهاية الرواية
فوالله أنك عظيم وتستحق التصفيق ..


عميق إعجابي وتقديري ..

سؤالي لك
ما ضبط كلمة كرسوع ..الصحيح ؟

الغيث
09-03-2021, 10:51 PM
.

.


لم أرَ بكل المدائن بضخامة هذا العمل الأدبي !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

رواية كاملة متكاملة ..
بتفاصيلها الدقيقة والدقيقة جداا ..
يحتاج مفردات هائلة ..
يحتاج لغة تطيعّها من أجل الهدف وصولا للمشهد الذي تريد تجسيده من خلالها ..

رأيت هنا بأم عيني ..

تفاصيل التفاصيل
الأسماء .. المتنوعة ..
كرسوع
كعبوش
مسكة
حسنية ..
محموود

والكثير ..
لكل مسمى دلالة من حيث الدور الذي يؤديه بالرواية ..

هذا العمل يجب أن يتوّج في المسارح ....!

الغيث ..

هامة أدبية راقية جدا جدا ..
لم أرَ برقيّك
ولا بضخامة أدبك أحد ..

امضِ .. وكلّي شغف لنهاية الرواية
فوالله أنك عظيم وتستحق التصفيق ..


عميق إعجابي وتقديري ..

سؤالي لك
ما ضبط كلمة كرسوع ..الصحيح ؟

كلي ألق
كلي افتخار
كلي جمال
كلي زهو
بهذا الحضور الأنيق
بهذه الكلمات الذهبية
وسام أعلقه عى صدري
وايم الله لم يهدَ لي وساما بهذه الدرجة إلا منك يا بشرى
فماذا أقول
مهما بلغت فصاحة الكلمات فلن تفيك
ومهما برعتُ في الرد في أصل إلى نصف عطائك
فشكرا بلا حصر ولا عدد
وشكرا بلا حجم ولا قدر
ولك محبة الغيث وأكثر .
>::>::>::>::

ضبط الكرسوع هو : الكَرْسوع
وتعني الفتوة كما نوهت في بداية الرواية

الغيث
09-04-2021, 01:18 AM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg

الفصل السابع


مع إطلالة شمس عام 1377 ه كان الكرسوع على مشارف العشرين من عمره ، وقد بدأ في تلك المرحلة العمرية يتسم بالرشد والاتزان العاطفي والواقعية الانفعالية ، وكلما مرت الأيام ازداد تمسكا بعمله الذي يعيش منه ويصرف الجزء الأكبر على متطلبات حياته واحتياجات منزله الذي يعيش فيه مع والدته جميلة ، كما ينفق بعضا من مرتبه على أمينة وولدها إسماعيل ، وكذلك أصبح يقوم ببعض المساعدات المالية لأسرة حبيبته ريحانة ؛ ليعينها على مطالب الحياة المتعددة بجانب ما يرسله والدها من مصروف لها ولوالدتها ، وهنا كان صديقه محبوب يسير بنفس الخُطا من الرشد والاتزان ، لتقارب عمريهما ، لا سيما وأنه قد استطاع الحصول على عمل في إحدى الدوائر الحكومية ( كاتبا ) .
اتسعت علاقات الصديقين الكرسوع ومحبوب مع شباب المدينة والراشدين فيها ، وحتى من يكبرهما سنا بحكم الاحتكاك ، وأصبح لزاما عليهما حضور المناسبات الاجتماعية وتبادل الزيارات معهم ، وتقديم بعض المجاملات ، والمشاركة في مجالسهم الخاصة حتى وإن كان ذلك في إجازة نهاية الأسبوع فقط ، أو في نهاية كل شهر . لكن ذلك فتح عليهما بابا للنزيف المادي الذي سيكون له وقعه المؤلم على سير حياتهما .
كانت ريحانة تتحين الفرص للقاء الكرسوع ، وفي نفس الوقت تكتظ داخلها بعض الشواغل ، وشيء من الحيرة والتوجس فيما قاله الكرسوع أثناء لقائهما الأخير عن أمينة ، ورغم تأكدها من والدتها عن ذلك الأمر إلا أنها كلما شاهدته يحمل أغراضا إلى بيت أمينة يبدأ الشك بالرقص على رؤوس الشياطين وتبدأ في الوسوسة إلى نفسها :
ــــــ دحين اللي قاله لي محمود حقيقة ولا إيش .. يمكن حيلة أطلقوها قديما عندما كنا صغار وصدقها الطيبيين من الكبار .. مدري والله .. أنا محتارة .. خايفة أكون ظلمته !!
قام محبوب بزيارة مفاجئة لصديقه محمود في مقر عمله بالميناء ، وشاهده منهمكا في عمله يغوص بقدميه بين أكوام مسحوق الأسمنت الذي تتهتك أكياسه الورقية ؛ نتيجة التفريغ من المراكب والصنادل فينكفئ على جوانب الرصيف الخرساني ، بينما الكرسوع يحْسِبُ هنا ويَعُدُّ هناك ، ويشرف على عملية إعادة تعبئة الأسمنت المنكفئ إلى أكياس ورقية جديدة ، وحينها لمح صديقه محبوب :
ـــــ هلاااا ملايين .. إيش المفاجأة الجميلة هذي ؟
ـــــ شوف يا ابن الناس .. من هنا ورايح بتلاقيني انط لك كل شوية .. خلاص صرنا جيران .. أنت في الميناء وأنا موظف في الجمارك .. ولا يفصل بيننا إلا مسافة مائتي متر تقريبا .
ــــــ ههههه تِشرِّف وتِآنس .. الميناء ذا كله يرحب بطلتك البهية .
ـــــ كيف حال خالتي جميلة ؟
ـــــ بخير والحمد لله .
ــــــ والحبيبة ؟
ـــــ تمام إن شاء الله .
وإيش أخبار أمينة .
ــــــ كويِّسة .. بس ولدها إسماعيل تاعبها شوي هذي الأيام .. قال إيش ما يبغى يواصل دراسته ويبغى يخرج من المدرسة .
ــــــ عجيب .. عسى يحسب نفسه في الثانوية .. عاده إلا في الابتدائي !
ـــــ أنا داري عنه !
ــــــ شكله طالع لواحد !!
ـــــ هاااا .. إيش تقصد ؟
ـــــ طيب إيش علوم مسكة ؟
ـــــ ههههه .. الله لا يوفقها .. وتراني محضِّر لها ــــ بعد السر اللي بيني وبينك ( القُفل ) ــــ حاجة تخليها تخرج تجري بلا وزرة ههههه .
ـــــ ههههه .

يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-04-2021, 01:29 AM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


انصرف محمود وواصل الكرسوع عمله ، وقبل انتهاء عمله بقليل تبقت على رصيف الميناء ثلاثون كيسا من الأسمنت لم يسعف الوقت لنقلها إلى المستودعات ؛ لأن أصحاب العربات قد توقفوا عن العمل وعادوا إلى دورهم ، تحيَّر الكرسوع قليلا فيما يعمل ، لكنه قال لنفسه :
ـــــ الدنيا أمان .. وما فيه خوف لو تركتها هنا حتى الصباح .
ثم قام بتغطيتها بــــ ( طربال ) خشية أن تهب رياح قوية فتدفع الأمواج نحوها ، أو تهطل أمطار في تلك الليلة ، ثم انصرف عائدا إلى داره ، وبعد أن ارتاح قليلا ذهب إلى دار أمينة ، في تلك اللحظات كانت مسكة ترصد تحركاته ، وما أن دخل الكرسوع لدار أمينة حتى أخذت مسكة أبريقا مملوءا بالماء من دارها وانحنت تحت نافذة أمينة متظاهرة بأنها تسقي نبات الشار الموجود تحت نافذتها ، وهي في الواقع تسترق السمع لما يدور بين الكرسوع وأمينة ، هنا ارتفع صوت الكرسوع مخاطبا إسماعيل :
ــــــ شوف يا إسماعيل .. حكاية إنك تترك المدرسة لا وألف لا .. أمك تعبت وشقيت عشانك .. تبغاك تتعلم وتطلع رجال وتعوضها عن اللي فات .. وأنا أقول لازم تواصل دراستك ورجلك فوق رقبتك .. وإذا عاندت أمك تراني بضربك والله .. عال والله إيش تبغى تسوي وعادك جاهل .. تبغى تصيييع وتضيِّع نفسك وتضيِّع أمك معاك !! .. وأنت يا أمينة .. لو بكرة ما راح المدرسة ناديني وأنا أشوف شغلي معاه .
ارتسمت على ملامح مسكة الكثير من علامات التعجب والاستفهام واختلطت عليها الأمور ، ولم تستطع تحليل الموقف فانصرفت إلى دارها .
في الصباح بكَّر الكرسوع إلى عمله واكتشف أن أكياس الاسمنت الثلاثين التي تركها في الميناء قد سرقت ولم تعد في مكانها ، عصفت به رياح الحيرة ولم يدر ما يفعل ، وعندما حضر المشرف محجوب أخبره الكرسوع بما حصل ، فرد عليه :
ـــــ هذه مسؤوليتك يا ولدي وأنا ما بيدي شيء أعمله .. وعمنا الباجلي بيخصم قيمتها من مرتبك .. لكن أنا راح أتعاون معك حتى نعرف اللي سرقها .
ــــــ " إنا لله وإنا إليه راجعون " .
بدأت محاولات البحث عن سارق الأسمنت بسؤال أصحاب العربات عن ذلك ، لكنها لم تسفر عن شيء ، ذهب الكرسوع إلى رجل الأمن المستلم في البوابة وسأله إن كان قد لمح أحدا دخل للرصيف بعد انتهاء العمل ، فأخبره بأنه شاهد العربجي ( فرج ) يدخل من البوابة باتجاه الرصيف بعد صلاة العصر ، لكن فترة استلامه انتهت في ذلك الوقت ؛ ليأخذ مكانه زميل آخر ، هنا بدأ الكرسوع في البحث عن العربجي ( فرج ) بعد أن علم بأنه يعمل لدى التاجر ( الرعيني ) ، وعندما سأله عن سبب تواجده في الميناء بعد انتهاء الدوام أنكر ذلك ، فقال له الكرسوع :
ــــــ يا فرج ترى الموضوع خطير .. والباجلي يمكن يخصمها من راتبي ويمكن أدخل السجن بسببها .. فإن كنت تعرف شيء قول لي عشان تبري ذمتك .
لكن لؤم فرج ألزمه الصمت ، حينها قام الكرسوع بإغرائه ببعض المال فاعترف فرج بأنه كان مكلفا من ( الحسيبي ) وأنه قام بتحميلها على عربته ونقلها إلى دار الحسيبي ظنا منه بأنها تخصه .
قام الكرسوع بإخبار المشرف محجوب الذي قام بإبلاغ التاجر الباجلي عن السرقة حيث قام الأخير بإبلاغ الشرطة فقامت بالقبض على كل من : الكرسوع وفرج والحسيبي ، ثم فتحت تحقيقا موسعا معهم :


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-04-2021, 01:33 AM
*
الكرسوع


https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


ــــــ ما قولك يا حسيبي في الاتهام الموجه لك من التاجر الباجلي بسرقة ثلاثين كيسا من الأسمنت من فوق رصيف الميناء ؟
ـــــــ كذب .. لا أعترف بهذه التهمة ولا تعنيني .
ـــــ لكن فرج قد شهد بأنك كلفته بتلك المهمة وأنه نقلها إلى دارك !
ــــــ مش صحيح .. وهذا فرج بيني وبينه عداوة قديمة على بقية حساب .. وهو يريد أن ينتقم مني بأي طريقة .. وأنا مستعد أن أعطيه حالا وأمامكم مبلغه المتبقي ثلاثة أضعاف .. بس يبعد عن أذيتي وتشويه سمعتي .
ــــــ لا تنس يا حسيبي أن ملفك به الكثير من السوابق !
ــــــ هذي أشياء قديمة وقد اعترفت بها ونلت جزائي والآن تبت والحمد لله
ــــــ لاحظ أننا سنقوم بتفتيش دارك ومستودعك وسوف تبقى لدينا حتى ينتهي التفتيش .
ــــــ ما عندي مانع .. وإذا لقيتم شيء لا ترحموني .
بعد أن قامت الشرطة بالتفتيش ولم تعثر على شيء أطلقت سراح الحسيبي ، ثم أُخذ تعهد على كل من : الكرسوع وفرج بالحضور في اليوم التالي ؛ لاستكمال التحقيق .
عاد الكرسوع إلى منزله مكتئبا مهموما ، وفي المساء ذهب ليسأل عن ( الحسيبي ) فعلم ممن سألهم عنه أنه رجل صاحب أعمال حرة ومقاولات صغيرة ، ويعمل كذلك في بيع بعض مواد البناء ، وأنه كثيرا ما يلجأ إلى الغش في أغلب تعاملاته ، ثم أخبره آخرون بأن الحسيبي يقوم بتسليف المحتاجين بالمال مقابل رده بفوائد ربوية كبيرة ، ولكن حذروه من الاحتكاك به فهو ثعبان يلدغك دون أن تشعر . وفي اليوم التالي فتح التحقيق من جديد :
ــــــ ما رأيك يا محمود فيما قاله الحسيبي أمس .
ــــــ رأيي أنه كذاب ومخادع .
ـــــ لكننا لم نعثر على شيء أثناء تفتيش داره ومستودعه .
ــــــ أكيد وزعها في محلات ثانية
ــــــ هل لديك دليلا قاطعا بأنه هو الذي سرق الأسمنت ؟
ــــــ لا .. غير الشاهد فرج .
أُدخل العربجي فرج وتم استجوابه :
ـــــ فرج .. ذكرت في محضر أمس بأن الحسيبي هو الذي كلفك بتحميل الأسمنت ونقله لداره .. هل تصادق على أقوالك ؟
ــــــ بصراحة أنا قلت أمس كذا لأني كنت خائف من الكرسوع .. لأنه هددني ودفع لي عشرين ريالا عشان أتهم الحسيبي .
ــــــ هل لديك أقوال أخرى يا فرج ؟
ـــــــ لا .
تم إطلاق سراح فرج وسط صدمة الكرسوع واندهاشه وغضبه من تغيير فرج لأقواله ، وهنا سأل المحقق الكرسوع :
ــــــ ما رأيك يا محمود فيما قاله فرج ؟
ــــــ لا أدري .. أعتقد أن هناك ملعوبا حدث من خلفي .
ـــــ خلاصة الأمر يا محمود أنك أنت المسؤول الأول والأخير عما حدث .. وأمامك خياران إما التعهد بدفع قيمة الأسمنت للباجلي أو السجن فما هو قولك ؟ .
ــــــ خلاص أدفع وأمري لله .
ــــــ هل لديك أقوال أخرى ؟
ــــــ نعم .. حسبي الله ونعم الوكيل !
أقفل المحضر .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-04-2021, 01:36 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



خرج الكرسوع من قسم الشرطة وذهب إلى التاجر الباجلي وأخبره بما حصل :
ــــــ أنا آسف يا عمي عن اللي حصل .. غصب عني والله ولا أدري كيف .. واعترف بأنني المسؤول عن ذلك .. ودحين جيتك عشان تسامحني عن اللي حصل .. وتصبر علي شوية حتى أجد عمل جديد ثم أقسط لك قيمة الأسمنت .
ـــــ هههه وفين رايح تشتغل يا محمود ؟
ــــــ أي مكان يرزقني به الله .
ــــــ طيب وشغلي اللي أنت ماسكه ؟
ــــــ لا خلاص .. بعد اللي حصل مني ما عاد لي وجه أطل به فيك وأنت ما قصَّرت معي .. أكرمتني وأعطيتني راتب كبير .
ــــــ اسمع يا ولدي محمود ...
ــــــ عارف يا عم إنك بتسمِّعني كلام قاسي .. وبتقول إني مسؤول عن اللي حصل .. وراح تفصلني من العمل .. لكن أنا جيتك بنفسي واعترفت وفصلت نفسي .
ــــــ ههههه .. محمود ما درست في المدرسة إن بعض الظن إثم !
ــــــ إلاَّ .. لكن هذا اللي رايح يحصل .
ــــــ طيب اسمعني ولا تقاطعني : أنا جلست البارح مع محجوب وتدارسنا الوضع ، ووجدنا أن سيرتك بيضاء وفوق كل الشبهات ، واجتهادك وإنجازاتك معروفة عندنا ، وعشان كذا قررت ...
ــــــ أيوه .. قررتَ فصلي .. صح .
ــــــ لا يا محمود .. أنا قررت أرقِّي محجوب ليكون مشرف على المستودعات .. وأرقيك لتكون مشرف عام على تجارتي في الميناء بدل محجوب براتب أكبر من الأول .. ودحين لك من عندي يومين إجازة وبعدها تباشر عملك الجديد .
ـــــ اللاااااه .. هذا أسعد خبر سمعته في حياتي .. مش عارف أقول لك إيش يا عمي .. الله يعمِّر بيتك ويطول عمرك ويسعدك دنيا وآخرة .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-04-2021, 01:39 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



قبل أذان العصر كان الكرسوع قد وصل إلى الحارة وزف ذلك الخبر السعيد لريحانة التي شاركته فرحته بكل أحاسيسها ومشاعرها ، لكن فرحتهما تلك لم تدم طويلا إذ تحيَّنت مسكة فترة وجود الكرسوع في منزله عصرا ، وانتظرت حتى خرجت والدته من المنزل ؛ لزيارة والدة سكينة والمباركة لها بالسابع والترجيحة ، هنا حملت مسكة بين يديها مجموعة من الكوافي ، ثم ذهبت إلى دار الكرسوع وأخذت تطرق بيدها اليسرى على الدرفة المفتوحة من باب الكرسوع طرقات غريبة ، ثم تندس خلف الدرفة المغلفة ، وعندما أحست باقترابه من الباب ؛ ليعرف من الطارق قامت ببعثرة تلك الكوافي على الأرض واستلقت على ظهرها ممسكة بيدها اليسرى مزلاج الباب وجزء من جسدها داخل الدرفة والآخر خارجها ، ثم أخذت تصرخ وتستغيث بالجيران الذين توافدوا إلى المكان ، لمعرفة السبب ، فإذا بها تبكي وتقول :
ــــــ شوفوا كيف .. شوفوا إيش سوَّى معي رجال حارتكم الكرسوع .
ـــــ إيش سوى .. وليش إنت مرميَّة على الأرض ؟
ــــــ يا جماعة اسمعوا قصتي .. لقيني الكرسوع قبل شوية وهو راجع من العمل .. وقال لي يا مسكة أبغى كوافي حلوة .. هاتي لي مجموعة أنقِّي منها .
ـــــ أيوه وبعدين .
ـــــ لما جبتها له ودقيت على الباب عشان يجي برا وينقي براحته ويدفع قيمتها .. قام يسحبني بقوة لداخل بيته .. شكله كان ناوي يسوي معي حاجة مش كويسة .. وكان هو يشدني لداخل وأنا أشدُّه لبرا حتى طحت على الأرض وهو برضه ماسك يدي .. ولما جيتو ترك يدي .
كان الكرسوع واقفا أمام المتجمعين وهو مذهول مما يسمع والعرق يتصبب من جبينه ، والناس حوله منقسمون : فمنهم من صدق مسكة وشرع في توجيه الكلام الجارح إليه ، وآخرون متشككون في أن ما حصل لا يخرج عن كونه مكرا محكما من ألاعيب وحركات مسكة المعروفة ، وهنا ماكان من الكرسوع إلا الدخول إلى منزله وإحضار مصحف بين يديه وهو يقول :
ـــــ اسمعوا يا جماعة .. هذا كتاب الله العزيز .. وأنا أحلف عليه يمين بأن كل ما قالته مسكة كذب وافتراء ولم يحصل ولا أدري عنه .. وإذا كانت صادقة تحلف قدَّامكم .
هنا انسحبت مسكة إلى داخل دارها في صمت .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-04-2021, 01:41 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



بعد صلاة العشاء من نفس الليلة حضر ( الحسيبي ) إلى حارة الكرسوع يسأل عنه ، وعندما التقى به دخل الاثنان في نقاش حاد :
ــــــ بأي حق يا كرسوع تسأل عني وتتجسس علي .
ـــــ من حقي يا حسيبي أعرف من يكون غريمي
ـــــ لا مش من حقك
ـــــ إلا من حقي .. ولا تبغى تسرق ونسكت عنك
ـــــ أقول انتبه لكلامك .. أنا مش حرامي حتى تتهمني هكذا
ـــــ ومين عاد اللي سرق الأسمنت وأعطى رشوة لفرج عشان يغير أقواله
اشتد النقاش بينهما وتحول إلى عراك بالأيدي وتدخل الجيران بفض النزاع ، وانسحب كل منهما وهو يتوعد الآخر .
في وسط الحارة كان بائع الملابس الرجالية بالسوق الداخلي ( أبو الموضة ) يسكن في بيت شعبي مبني من الحجر والجص ، ونظرا لكونه ميسور الحال رغب في توسيعه وتشييده بالبناء المسلح ؛ ليستوعب أسرته الكبيرة ، اتفق مع المقاول الشعبي ( الحسيبي ) على ذلك ، وطلب منه إزالة الأسقف القديمة المشيدة من الدوم والمَظ والخسَف ، واستبدال المسلح بها ، مع زرع أعمدة وسط الحوائط الحجرية ؛ لتستطيع حمل الدور الثاني ، كذلك إنشاء صالة مسقوفة فوق الفضاء المسمى بـــ ( الطُّرَّاحَة ) ؛ لتكون المساحة أعلى كافية لعمل دور ثاني من غرفتين وصالة ، تم الاتفاق بينهما على التكاليف على أن تكون شاملة المواد ، وبعد انتهاء العمل سكن أبو الموضة في داره المعدَّلة والمضاف إليها دورا علويا ، ولكن بعد سنتين ـــــ فقط ـــــ تصدع المبنى كليا وأوشك على الانهيار ، ترك أبو الموضة داره وبحث عن دار آخر بالإيجار ريثما يرفع شكوى ضد الحسيبي ، وصار المسكن مهجورا مسببا قلقا بالغا لسكان الحارة ، الذين بدأوا مع مرور الأيام يسمعون حركات غريبة وأصوات هسهسات من داخل المسكن ، كما كثرت حوله الإشاعات بأن الجان قد سكنت به ، وذات نهار لمحت مسكة عند عودتها للحارة ـــــ قبل أذان الظهر بقليل ـــــ ذراعا بيضاء تُلَوِّح من خلف أحد أعمدة المسلح في البلكونة الشمالية المطلة على الزقاق ، خافت مسكة وتلبسها الرعب فأخذت تجري وتصرخ وتستغيث برجال الحارة ، وطافت على أغلب المنازل ؛ لتخبرهم بما شاهدته ، تجمع أهل الحارة رجالا ونساء كبارا وصغارا أمام ذلك المسكن المهجور الذي يفصل بينهم وبينه أرض فراغ ، واشتعلت النقاشات واحتدم الجدل وكثرت التفسيرات والأقاويل وكل يدلي بدلوه :


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-04-2021, 01:44 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



ـــــ يا جماعة هذا جني .. أنا متأكد من كلامي .. ما تشوفون ذراعه مثل القطن المنفوش .
ـــــ اكيد والله .
ـــــ بس اللي أعرفه أنهم يطلعون بالليل مش بالنهار .
ــــــ لا يا أخي مين قال لك .. أحيانا يطلعون بالنهار برضه .
ـــــ طيب وبعدين يا جماعة إيش نسوي ؟
ــــــ لازم واحد من الرجال الشجعان يتبرع ويروح يكتشف الموضوع .
لكن لم يجرؤ أحد من الرجال الحاضرين أن يغامر ، وكان عذرهم أن باب العمارة في الزقاق الخلفي موصد بقفل حديدي ولا يوجد منفذ آخر للعمارة ، كانت تلك الذراع تلوح قليلا ثم تختفي ثم تعاود التلويح ثم تختفي ، وكلما لوَّحَت ضج الحاضرون بذكر الله وقراءة الإخلاص والمعوذتين .
انتهت صلاة الظهر وخرج المصلون من المساجد وتسامعوا بالخبر الذي انتشر ـــــ أيضا ـــــ في بقية حارات المدينة فانضموا للمتجمعين هنا ، قال أحدهم :
ــــــ اسمعوا .. أنا سأقرأ عليه آية الكرسي بصوت مرتفع ثلاث مرات .. وبنشوف إيش اللي يحصل بعد القراءة .
ثم شرع في القراءة ولكن لم يحصل شيء وما زالت الذراع تلوح ثم تختفي ، قالت أمينة في نفسها وهي تضم ابنها إسماعيل إلى جسدها ؛ خوفا من هذا الشبح :
ــــــ فينك يا محمود .. لو كنت هنا لعرفنا كل شيء عن هذا الموضوع .
ثم صاحت ريحانة في الجميع :
حتى أنتم يا الرجال خايفين ما تروحوا تشوفوا الموضوع .. عاد إيش نسوي إحنا يالحريم .. ثم قالت بصوت مرتفع :
ـــــــ ما لها إلا الكرسوع !
في هذه الأثناء حضرت إلى المكان ( شقراء ) بائعة ( الفِصْفِص ) وهي امرأة كبيرة في السن ، تأملت في الحاضرين وقالت :
ــــــ اتركوه .. اتركوه .. لا تؤذوه عشان ما يصيبكم بِشَرّ وخصوصا النساء والصغار .. هذا مارد من الجن اسمه ( النَّقَّار ) ، كان ـــــ دائما ـــــ يخرج للناس في الزقاق الفاصل بين حارة الساحل والبوري ، وخاصة بعد المغرب ، وقبل أن يخرج يسوي أصوات تشبه أصوات النقر على الحديد .. وكثير من النساء أصابهم أذى كبير منه وأصبحوا مجانين .
ردت إحدى النساء :
ــــــ صادقة يا خالة شقراء أنا قد سمعت عنه من أول .
وهنا ضج المكان بذكر الله ، وابتعد الصغار عنه ، وقامت بعض النسوة بضم أطفالهن إلى صدورهن وشرعن في تحصينهم وتغطيتهم بأطراف أغطية أجسادهن ، ثم أكملت الخالة شقراء حديثها :
ــــــ مرة من المرات وعاد أعمارنا ثلاثين سنة .. خرجنا أنا وثلاث من جاراتي عشان نحضر ترجيحة حق بنت وحدة تعز علينا .. وبعد شوية سمعنا صوت نقر على الحديد .. وبعدها شفنا ( ملاية ) جديدة مرمية على الأرض .. قامت جارتي ( آمنة زُهدية ) تقول : إنا لله .. مدري منهي ذي الراقدة طاحت من فوقها هذي الملاية .. ثم أخذنها ووضعنها فوق كتفها .. تدرون إيش اللي حصل !
ــــــ ها .. أيش حصل يا خالة .
ـــــــ انقلبت الملاية كبش فوق كتف آمنة زهدية .
ـــــ أوووه .. وبعدين
ــــــ صاحت الحرمة وارتعد جسمها وسمعنا الكبش يقول بصوت عالي : ههههه أنا النَّقاااار .. والحرمة قالت بصوت عالي : لا إلاه إلا الله وفقدت وعيها .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-04-2021, 01:47 AM
*
الكرسوع
https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg




ــــــ يا ساتر وبعدين
ــــــ وديناها بيتها .. وبعد يومين وِرْمَت الحرمة حتى صارت مثل البرميل .. وما فرَعْ لها إلا واحد ( مغربي ) كان يعالج الناس .. قعد يعالجها ثلاثة شهور حتى تعافت .
في تلك اللحظات كان الكرسوع عائدا من عمله ، وحين رأى ذلك التجمع أصابه القلق والخوف وحسب أن شرا قد وقع في الحارة ، فأسرع إليهم مهرولا ؛ ليكتشف الأمر ، وعندما علم بالحكاية كلها قال :
ــــــ أنا أطلع له .. هاتوا لي عتلة وشاكوش كبير .
وعندما تم إحضار العتلة والشاكوش قال بصوت مرتفع وبسالة معهودة :
ــــــ أنا الكرسووووع .. ولا كرسوع غيري .. من أجلكم يا أهل حارتي جميعا أغامر بحياتي .
تهيأ الكرسوع للمغامرة وسط ممانعة شديدة من والدته ورجاء من أمينة وريحانة بأن لا يفعل ما نوى عليه ، وقد كانوا يتمنون حضوره ؛ ليكشف لهم المستور ولكن بعد سماع حكاية الخالة شقراء خافوا عليه .
انطلق الكرسوع نحو بوابة العمارة في الزقاق الخلفي ، ووالدته وأمينة تبتهلان إلى الله أن يحرسه وينجيه ، بينما ريحانة تتساقط من عيونها الدموع ، أما مسكة فقد ظهر على ملامحها الابتهاج حتى وإن أخفت ذلك ؛ علها تكون نهايته في هذه المرة ، وما أن سمعوا صوت تكسير القفل الحديدي وفتح باب العمارة الصدئ حتى ساد الصمت والترقب ، وحُبِست الأنفاس ، وارتعدت أقدام النساء ، وفجأة اختفت تلك الذراع الملوحة ولم تعد تظهر ، ثم سمعوا صوت صرخة قوية أطلقها الكرسوع من داخل العمارة ، وعم السكون محيط العمارة ، هنا كادت والدته وأمينة وريحانة أن ينهرن خوفا من الفجيعة المنتظرة ، وسرت قشعريرة في أجساد المجتمعين واحتدم الجدال بينهم :
ــــــ مسكين الكرسوع راح ضحية .
ــــــ ومين قال له يتملقف ويضحي بنفسه !
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله
ــــــ خسرنا واحد من أشجع الناس في الحارة
ــــــ الله يرحمه ويغفر له .
وفجأة ظهر الكرسوع في البلكونة المواجهة لهم ملوحا بذراعه مبتسما لهم ، وفي يده اليمنى تلك الذراع الملوِّحة ، سقطت ريحانة على الأرض مغشيا عليها ، وعندما شاهدها الكرسوع نزل من العمارة مسرعا وقام برشها بالماء حتى أفاقت ، وضم والدته إليه ومسح على رأس أمينة :
ــــــ ليش يا محمود سويت كذا وفجعتنا عليك ؟
ـــــ هههه كنت أمزح معكم .. أبغاكم تعتقدوا إن المارد قتلني ثم أظهر لكم فجأة .
التف الكل حوله مهللين مكبرين وأمطروه بوابل من الأسئلة .
ـــــ قل لنا يا كرسوع كيف انتصرت على المارد ؟
ـــــ ها .. كيف كان شكله أكيد يخوف ؟
ــــــ والله برافو عليك يا كرسوع تحديت الجني وانتصرت عليه !
وهنا رد عليهم الكرسوع :
ــــــ يا جبناء .. ويا خوافين .. هذا هو المارد
ــــــ كيف .. مافهمنا
ــــــ كل الحكاية أن هذي القطعة القطنية من القماش تركها أهل العمارة في البلكونة مع بقايا الأثاث المستعمل الذي لم يعد ينفعهم ، ومع هبوب رياح ( الأزيب ) الجنوبية قامت بدفعها للجهة الشمالية ، وبدلا من أن تقع على الأرض تحت العمارة نشبت في سيخ الحديد البارز من عمود البلكونة المكسور ، وكانت كلما هبت الريح من الجنوب تدفع هذه القطعة إلى الفراغ في جهة الشمال فتظهر كأنها ذراع بيضاء تلوح للناس ، بس هذي الحكاية كلها ولا نقار ولا مارد ولا يحزنون ، صفق الجميع تحية للكرسوع ، وانفض ذلك التجمع والبسمة ترتسم على الوجوه ، وعادت مسكة إلى منزلها وهي تجر أذيال الخيبة .

يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-04-2021, 01:51 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



كان الكرسوع قد حضَّر مفاجأة خطيرة لمسكة تجعل قلبها ينخلع من مكانه ، وكانت المفاجأة عبارة عن خمس شدات من ( الشُّحَّات ) ، ووجد أن ذلك اليوم مناسب للتنفيذ ، صعد الكرسوع أعلى سقف منزله وانتظر حتى رأى مسكة تدخل مكان الاستحمام فنزل مسرعا واندس خلف جدارها بالقرب من مكان استحمامها ، وعندما تأكد أنها بدأت تستحم أشعل شدات الشحات ورماها من فوق الجدار على مكان الاستحمام وانسحب سريعا إلى داره ، تفجرت الشدَّات في أرجاء المكان محدثة فرقعات قوية جعلت مسكة تخرج عارية من مكانها وهي تصرخ مثل المجانين وقد أصيبت ببعض الحروق .
في العيادة خرج العم محمود من استرخائه وارتحالاته قائلا للمرضة :
ـــــــ يا بنتي المسألة طولت كتير .. وأنا تعبت من كُتر الجلوس .. وما أقدر أتحمل الجلوس الطويل خاصة وأنا عمري صار فوق السبعين .
ـــــ يا عم ما بيدي شيء .. الدكتور مشغول وأنت قلت إنك بتنتظره للعصر .
نظر إليها العم محمود بتجهم ثم عاد لاسترخائه وارتحالاته من جديد . .


يتبع .... الفصل الثامن

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

بُشْرَى
09-04-2021, 07:41 PM
.

.

وتتراقص اللغة بين يديك ..
وتأخذ شهقة الغنج ..
والدلال له حظٌ أن يرتسم على خاصرتها ..
الغيث ..
مرحى بكفّك التي تصنع الأبجد ذات القوام الرشيق .

متابعــــــــــــــــــــــــة ..

الغيث
09-04-2021, 08:55 PM
.

.

وتتراقص اللغة بين يديك ..
وتأخذ شهقة الغنج ..
والدلال له حظٌ أن يرتسم على خاصرتها ..
الغيث ..
مرحى بكفّك التي تصنع الأبجد ذات القوام الرشيق .

متابعــــــــــــــــــــــــة ..

ولي عظيم الشرف بمتابعتكِ
يا ابنة الضاد
flll:flll:flll:flll:

الغيث
09-05-2021, 10:13 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


الفصل الثامن


واصل الكرسوع عمله في ( المعداية ) وقد كبرت مسؤولياته وتعددت مشاغله ، لا سيما وأنه قد أصبح مشرفا عاما على بضائع الباجلي بدلا عن محجوب ، حيث أضيفت إليه مهمة الإشراف على الحبال والأخشاب والتوابل مع الأسمنت ، فبات يعمل بكل طاقته ؛ لرد الجميل لعمه الباجلي ، بعد أيام نزلت من البواخر شحنة أخشاب كبيرة من نوع ( البورتي ) المتين والمستخدم في تشييد أسقف المنازل الشعبية ، وهذا النوع من الخشب يستورد من الهند ، وعندما تسلمها الكرسوع حسب الأوراق الرسمية المرفقة ، وجد أنها مقسَّمة بين التاجرين ( الباجلي ) و ( الرعيني ) ، وكان الحسيبي قد حجز كمية من الخشب الخاص بالرعيني واتفق معه على شرائها من الميناء مباشرة ؛ نظرا لتكلفتها الأقل ، وبعد إنزال تلك الأخشاب من المراكب إلى رصيف الميناء ، وفصل ما يخص كل تاجر على حدة ، حضر الحسيبي ؛ لتحميل خشبه وبيده أمر استلام من التاجر الرعيني ، وكان الكرسوع يلاحظ تصرفات الحسيبي من بعيد ويراقبه بكل حذر ويقظة .
بعد أن حمَّل الحسيبي خشبه على العربات التي أحضرها وجد فراغا في إحداها ، فحاول مغافلة الكرسوع مستغلا انشغاله بالإشراف على إنزال شحنات التوابل ، محاولا أخذ بعض الأخشاب مما يخص الباجلي وتحميلها في العربة التي يوجد بها فراغ ، لكن الكرسوع لمحه فهرول إليه في عجل مصطحبا معه اثنين من العمال ؛ ليشهدوا على تلك السرقة ، آمرا الحسيبي بإعادة الأخشاب إلى مكانها ، وحينها وقع شجار عنيف بين الكرسوع والحسيبي تبادلا على إثره التقريع والسباب ، ثم قام الكرسوع بإبلاغ الباجلي عن تلك السرقة الجديدة طالبا منه تعيين مساعدا له ؛ لعدم مقدرته الإشراف على كل البضائع ، قام الباجلي بتعيين مساعديين اثنين للكرسوع ، حدثت تلك الواقعة في منتصف شهر شعبان 1377 ه ، وبعدها تتابعت الأيام دون أية منغصات حتى نهاية شهر رمضان ، حيث كان الجميع على موعد مع إجازة العيد واستلام مرتباتهم .
في صباح يوم العيد كان الكرسوع في قمة سعادته ، فهو يشعر بالابتهاج والنصر وتحقيق شيء من أمانيه ، فقد ترقى في عمله ، ونغَّص حياة مسكة ، وانتصر على الحسيبي وأوقعه في شر أعماله ، وأثبت للكل بأنه رجل الغد الذي لا يشق له غبار ، وبعد انتهاء الزيارات المتبادلة بين الأصدقاء للتهنئة بالعيد ، اتفق مع صديقه محبوب أن يحتفلا بهذه المناسبة العظيمة احتفالا من نوع خاص ، فقد قررا شراء شيء من نبات القات والاستمتاع بمضغه في جلسة معتبرة تستمر حتى منتصف الليل ، كان سوق القات عبارة عن عريشة من الدوم والخسف في شمال غرب ساحة الميدان ، وجوارها بعض المطاعم الشعبية والمقاهي ، يجلس تحت تلك العريشة بائعو القات ـــــ قبل أن يتم منعه من قبل الحكومة ــــــ لعرض بضاعتهم للمشترين ، وحين دخل الكرسوع وصديقه إلى تلك العريشة هالهما ما يشاهدان ، فالمكان صاخب بالحركة والازدحام والنداءات ، فهذا يعرض ما عنده ، وذاك ينادي على بضائعه ، وآخر يستعرض الأنواع الفاخرة لديه ، ولاحظا أن بعض البائعين يكثر عندهم الزحام عن غيرهم ، فعرفا أن أولئك هم المشهورون في السوق ، فمنهم ( امنحافي ) الذي يقوم ببعض الحركات الأرجوزية ؛ للفت أنظار زبائنه ، ومنهم ( الحنبوش ) الذي يصدر هديرا كهدير الجمل ، وكذلك ( عيسى الحِمش ) الذي يطلق قهقهات تهتز لها أركان السوق ، وكل تلك الحركات التي يقومون بها تعتبر كدعاية تسويقية ؛ لتصريف ما لديهم من أغصان القات ، ولعدم خبرتهما قاما بشراء شيء مما توفر أمامهما ، ثم انصرفا لترتيب وجبة الغداء الشعبية المرتبطة بتلك العادة ، وعلى رأس أصنافها ( المَرْسَة ) و( المُقْلَى ) والحُلْبَة ، وعند الثالثة ظهرا ـــــ بتوقيتنا الحالي ـــــ كانا يتربعان على ( مُتَّكأيهما ) وكأنما حيزت لهما الدنيا وما فيها ، وكلما ازدادت نشوة القات حلَّق كل منهما في عوالمه وأحلامه ومشاريعه وأمانيه ، ولربما أوصلهما مفعول القات إلى آفاق الفضاء :
ـــــ محبوب مالك كذا ساكت ؟
ــــــ مدري والله يا محمود ، أحس إني طاير فوق فوق !
ــــــ وفيان شتصل ؟
ـــــ أبغى أشتري لي أرض في البر ، وأعمل فيها مزرعة كبيرة ، وأربي فيها أغنام ودجاج وبط .
ـــــ يا سلام !
ــــــ ونفسي أربي فيها غزلان وأشتري لي حصان .
ــــــ أوووه حصان مرة وحدة ! وماهو شتسوي به ؟
ــــــ أركب عليه وأتمشى في الأزقة والشوارع والناس تنظر لي بإعجاب .
ـــــ عجييييب !
ــــــ وأنت يا محمود ماهو شتسوي ، أشوفك مبحجر وترشح وتغرف من ذا الهرج ؟
ــــــ صادق والله ، مدري إيش اللي حصل لي ، مافي إلا أهذر هذر وعيوني مفنجلة ، وأحس بقلبي يدق بقوة !
قبل انتهاء فترة التخزين طلب محمود من والدته تحضير براد منعنش من الشاي ودلَّة من القهوة الفاخرة ، ثم أفرغ كل منهما ما في فمه ، وشرعا في ارتشاف فناجين القهوة أولا ، ثم أردفا بكأسات الشاي ، وهنا ازدادت نشوتهما ، وأصيب محمود بحالة من الصمت وتصبب العرق :
ـــــ مالك يا محمود صامت ؟
ـــــ أفكر .
ـــــ في إيش ؟
ـــــ جتني فكرة ، بدل المزرعة حقك اللي بتسويها نشترك أنا وأنت ونبني عمارة مكونة من ثلاثة أدوار ، وكل دور فيه شقتين ونقوم بتأجيرها .
ـــــ عمااارة !
ـــــ أيوه يا محبوب ، وبنصير أغنياء .
ـــــ كيف ؟
ــــــ شوف لو أجرنا كل شقة بـــ 200 ريال نحصِّل في الشهر 1200 ريال ، وفي السنة 14 ألف ، وفي سنتين 28 ألف ، و .. و .....


يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-05-2021, 10:16 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



ودَّع محبوب صديقه محمود وتركه لحساباته اللامحدودة ؛ ليصبح ثريا ، أما الكرسوع فلم ينم في تلك الليلة وأرق أرقا شديدا ، وأخذ يخرج من المنزل ثم يعود إليه سريعا ثم يخرج منه مرة أخرى ، في حالة واضحة من القلق والضجر ، وهنا سألته والدته :
ــــــ مالك يا محمود ؟
ــــــ مش عارف يا أمي ، أحس بضيق في صدري وحرارة في جسمي .
ــــــ صليت المغرب والعشاء ؟
ـــــ مع الأسف لا ، هو القات يخلي الواحد يصلي !
ـــــ طيب قوم دحين وصلي .
ــــــ حاضر يا أمي .
وبعد أن فرغ الكرسوع من صلاته أخذ قليلا من الفصفص وعلبة سجائره وكشافه اليدوي وخرج ليجلس على تلك الصخرة التي اعتاد الجلوس عليها في طرف زقاقهم ، وهنا أقبل صديقه محبوب :
ــــــ هلا محبوب ، أشوفك رجعت لي !
ــــــ والله يا محمود قلقان ومش قادر أنام ، شوف الساعة صارت الواحدة في الليل واحنا ما رقدنا !
ــــــ طيب خذ لك شوية فصفص واتسلى بها .
ــــــ ما عندي رغبة ، نفسي ضاجة ومسدودة ، ولا عاد باقي مزرعة ولا غزلان ولا حصان !
ــــــ ههههه ولا عمارة من ثلاثة أدوار .
ــــــ ما بقي إلا الكرب والنكد والسهر !
ــــــ والله يا محبوب إنها مشكلة كبرى ، ندفع اللي في جيوبنا ، ونرهق نفوسنا ، ونضر قلوبنا ، ونغضب ربنا ، ويسري نومنا ، والسبب هذا القات !
ودع محبوب صديقه محمود عائدا إلى منزله بعد أن تبخرت تلك الأحلام ، وتلاشت كل المشاريع التي بنيت على أساس افتراضي بعيد عن الواقع ، بينما بقي الكرسوع جالسا على تلك الصخرة يضرب أخماسا في أسداس .
كان السكون والظلام يخيمان على الحارة ، والكل يغط في نوم عميق ؛ لأن تلك الليلة هي أولى ليالي العيد ويطلق عليها محليا بــــ ( اليتيمة ) وفيها يخلد الكل للنوم مبكرا ؛ بسبب السهر المتواصل في ليالي شهر رمضان ، كان الكرسوع لا يدري ماذا يفعل ، يخرج إلى الزقاق ثم يعود إلى البيت ثم يخرج مرة أخرى ، وأخيرا استقر فوق صخرته المعتادة في طرف الزقاق برفقة أشيائه ، متأملا ذلك الظلام الدامس الذي لا تكاد ترى شيئا من خلاله ، وبينما هو كذلك سمع صوت صافرة رجل العسة العم ( فتح الله ) قادما من أطراف السوق القريب من موقعه ، كان رجل العسة فتح الله يطلق أصوات صافرته على فترات متقطعة ، وبين كل فترة وأخرى يصيح : شايفك .. شايفك .. وهو أسلوب يلجأ إليه عندما يحس أن ثمة شيء غير طبيعي أو تحركا مريبا يحدث على مسافة منه ، أدرك الكرسوع أن في الأمر شيء ، وهم بالذهاب إلى مكان تواجد فتح الله ؛ لمعرفة السبب ومساعدته إذا لزم الأمر ، وقبل وصوله للمكان أحس بحركة شخص ما يتلصص بين المساكن المجاورة ، فصوب كشافه عليه فإذا هو شخص ملثم قصير القامة يركض هاربا ، قام الكرسوع بمطاردة الملثم بين الأزقة محاولا الإمساك به ، لكنه اختفى في الظلام ، ذهب الكرسوع إلى مكان تمركز العم فتح الله فلم يجده فأصابه بعض القلق والشك فقام بالبحث عنه بين الأزقة مستخدما كشافه اليدوي ، فإذا به يجده ملقى على الأرض مضرجا بدمائه وأثر ضربة شديدة على رأسه ، فقام بإبلاغ الشرطة .

يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-05-2021, 10:18 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



بعد صلاة الفجر كان الخبر قد انتشر في كل مكان ، وخرج ( مقبول ) البَنَّاء من المسجد وهو يقول :
ــــــ أنا شفت الكرسوع يجري بسرعة في زقاقنا بعد نص الليل .. وقتها كنت رايح مع أختي عشان نجيب المولِّدة ( حميدة ) لأن زوجتي كانت في حالة ولادة .
وهنا تذكر الناس واقعة السيدة ( حزيمة ) بائعة العيش الحامض التي توفيت لاحقا ، ووجد الكرسوع نفسه أمام تهمة أخرى ، وعندما حققت معه الشرطة أخبرهم بما حصل ، لكنهم أوقفوه على ذمة التحقيق ، ريثما تصلهم تقارير الطب الشرعي عن حالة ( فتح الله ) ، هنا وجد بعض المغرضين فرصة في محاولة إقناع الناس بأن الكرسوع هو الجاني في كلتا الحالتين ، إلا أن الشرطة أفرجت عنه بكفالة ( أحمد المطوع ) مؤذن المسجد ؛ لعدم كفاية الأدلة ضده ، وكذلك لعدم تطابق الآثار الموجودة في مسرح الواقعة مع الكرسوع ، أما فتح الله فقد دخل في غيبوبة ؛ نتيجة لضربة قوية تلقاها من ذلك الشخص المجهول .
في الأول من شهر ذي القعدة 1378 ه كانت المدينة على موعد مع حدث طال انتظاره كثيرا ، حيث تم افتتاح محطة الكهرباء والشروع في إدخال الخدمة الكهربائية إلى المنازل ، ولأن أغلبية السكان كانوا من البسطاء فقد صاحب دخول هذه الخدمة توجس كبير من مخاطرها ، والتي وإن كانت حقيقة إلا أنها أُلبست بالكثير من المبالغات والإشاعات ، مما جعل التصرف الأسرع للسكان حين حدوث حريق أو مشاهدة دخان هو فصل ( القاطع ) الموجود في أول جزء من المسكن الذي كان يطلق عليه محليا بـــ ( السَّكِّينة ) ، حتى وإن كان ذلك الحريق أو الدخان في حارة أخرى .
في صبيحة يوم الثلاثاء من شهر شوال 1381 ه كان الكرسوع يتناول فطوره في مقر عمله بالميناء عند الساعة العاشرة ـــــ تقريبا ـــــ حينها شاهد أدخنة سوداء كثيفة تتصاعد من وسط حارته ، فدب الخوف والقلق في قلبه ، فقام على الفور بتأمين عمله ثم انطلق مهرولا نحو الحارة ، وما أن اقترب حتى وجد تلك الأدخنة قد غطت الحارة ؛ لكثافتها ، وشاهد نساء الحارة وكبار السن قد خرجوا من منازلهم يحملون أغراضهم الثمينة ويتجهون نحو البحر وهم يتنادون :
ــــــ قفِّلوا السَّكاكين .. الكهرباء حِرقت .. والحارة راح تحرق معها .
كان الكرسوع قلقا على والدته وعلى ريحانة وأمينة فتقدم وسط تلك الأدخنة وهو يسعل ويكاد يختنق ، فإذا بمسكة تقود والدتها العمياء متجهة بها نحو البحر ، وحين رأته قالت له :
ــــــ الحق أمك وصاحباتك الثنتين ( تقصد ريحانة وأمينة ) .
تقدم الكرسوع قليلا فإذا به يرى والدته وأمينة تساعدان ريحانة على حمل والدتها ؛ لإخراجها من الحارة قبل أن تختنق وتموت ، وتوافد إلى الحارة الكثير ممن كانوا في السوق الرئيسي ؛ لقربهم من مكان الحريق ، شرع الكرسوع يخفف من روعة الساكنين ويخبرهم بأن ذلك مجرد حريق عادي وليس له دخل بالكهرباء ، ثم أخذ والدته وأمينة وريحانة وخالته شرف إلى زاوية بعيدة عن مسار الأدخنة ، ريثما يتصرف الرجال الحاضرون ويحاولون إطفاء ذلك الحريق .
حاول الحاضرون إخماد الحريق ولكنه كان أكبر من استطاعتهم وإمكانياتهم ، مما استدعى إبلاغ الدفاع المدني الذي حضر بعرباته وآلياته ولكنه لم يستطع الوصول إلى مكان الحريق ؛ بسبب ضيق الأزقة ، فاضطر للتوقف في بداية شارع الجمالة ومد الخراطيم لمسافة تزيد عن ثلاثمئة متر ، ثم شرع رجال الإطفاء مباشرة الحريق مستخدمين المياه وطفايات البودرة حتى استطاعوا السيطرة عليه وإخماده .
كان التاجر الكبير ( با صديق ) قد اشترى بعض البيوت الشعبية القديمة من أصحابها عن طريق الدلال ( علي النونو ) وقام بهدمها لإنشاء عمارة مكونة من ثلاثة أدوار من المسلَّح ، فكانت علامة فارقة ومميزة في الحارة ، وبعد اكتمال الهيكل الخرساني طلب الباجلي من المقاول عمل طبقة عازلة من الزفت للسطوح قبل وضع البلاط ، ونظرا لعدم خبرة العمال في التعامل مع براميل الزفت المتجمد ، وضعوا كمية كبيرة من الأخشاب تحت البراميل وأشعلوا النار فيها ؛ لتحويل الزفت إلى الحالة السائلة مما جعل اللهب يصعد للأعلى ويلامس فوهة تلك البراميل فاشتعلت جميعها محدثة حريقا هائلا .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-05-2021, 10:20 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



كانت السيدة ( شرف ) تعيش مع والدها ( عبد الله الحازي ) في الحارة ، وكان يعمل خبَّازا في أحد الأفران الشعبية في منطقة الميدان ، وعندما تقدم به العمر فقد بصره ؛ بسبب تعرضه الدائم لحرارة الفرن ، فأصبح عاجزا عن العمل ، وحينها تعلَّمت ابنته ( شرف ) مهنة ( الخِضاب ) وأتقنتها وأصبحت تقوم بالنقش على كفوف النساء في المناسبات والأعياد وتحصل من ذلك على دخل لا بأس به تنفقه على نفسها ووالدها المقعد ، في جانب آخر كان النقيب ( الغابري ) أحد أفراد كتيبة القوات المسلحة المرابطة في مدينة جيزان من أكفأ العسكريين بشهادة قائده ، ونظرا لخلقه الرفيع وتواضعه وسيرته الاجتماعية الكريمة فقد كوَّن علاقات حميمة مع بعض رجال المدينة ، يتسامر معهم ويتبادل الزيارات الودية معهم ، وذات مرة أسرَّ إلى بعضهم بأنه يرغب الزواج من إحدى بنات المدينة ؛ نظرا لعدم موافقة زوجته الأولى بالمجيء معه إلى جازان وبقيت مع أبنائها في الحدود الشمالية ، فأشاروا عليه بالسيدة ( شرف ) وأفهموه بوضعها فوافق على ذلك ، ثم قاموا بزيارة والدها وحدثوه في الموضوع ، وعندما أخذ رأي ابنته وافقت بشرط أن تبقى في دارها ؛ لرعاية والدها ، وأن تستمر في عملها ، وافق النقيب ( الغابري ) على شرطها وتم عقد القران وعاش معها سنتين رزقا خلالهما بمولودة جميلة هي ( ريحانة ) ، وبعد السنتين جاء نقله إلى الحدود الشمالية ، وبقيت شرف مع والدها ترعاه وتقوم بتربية ابنتها ريحانة ، وبعدها تدهورت حالة والد شرف ، ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى ، وبقيت هي في دارها ترعى طفلتها ريحانة .

يتبع .... الفصل التاسع

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

بُشْرَى
09-07-2021, 11:40 AM
.

.

نتابع للألق المتفرّد ..

قمة الاستمتاع ..

بورك الفكر وجمّ الأدب

الغيث
09-08-2021, 10:50 AM
.

.

نتابع للألق المتفرّد ..

قمة الاستمتاع ..

بورك الفكر وجمّ الأدب
يكفيني حضورك الرائع يا بشرى
ليبعث في روحي جذوة الاستمرار
دمتِ لي نبراسا يهديني إلى الطريق الصحيح
وحفظ الله نبضك لنا لنحيا به زهرة الأيام
عاطر تحياتي وأمنياتي
يا زهرتنا الجميلة
>::>::

الغيث
09-09-2021, 09:40 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


الفصل التاسع


في نهاية 1381 ه كان الكرسوع قد تجاوز الثانية والعشرين من عمره ، وقد تمت ترقيته من قبل الباجلي إلى أمين مستودعاته مع زيادة مرتبه الشهري ، مما حدا بالكرسوع لتشييد صندقة من الخشب والزنك وشراء أدوات نجارة ؛ ليقوم بتدريب صبيان الحارة المحتاجين مجانا ، كخطوة إيجابية ، وبادرة حسنة منه لأهالي الحارة ، وغيرهم من أبناء بقية الحارات ، ولا يبتغي بها إلا وجه الله ، وفي عصر ذات يوم لمحت مسكة صبيا يتيما يخرج من صندقة الكرسوع وهو يعرج قليلا ، وشاهدت على سرواله بقعة حمراء من الخلف فشَكَّت في الموضوع ، واستيقظ شيطانها ؛ لتلفيق تهمة جديدة للكرسوع ، حيث طافت على نساء الحارة تخبرهم بأن الكرسوع قد عمل شيئا مشينا في الصبي وتوصيهم بعدم السماح لأبنائهم بالذهاب إليه ، وعندما وصل الخبر لوالدة الصبي ذهبت على الفور إلى دار مسكة ودخلت في خصام شديد معها ، ووقع عراك بينهما ، واجتمع أهل الحارة وهي تشتم مسكة بأقبح الأوصاف وتقول :
ــــــ ولدي أشرف منك يا .... والكرسوع أشرف منك ومن قبايلك .. وكل الحكاية أنه دعس على مسمار لاطي في لوح خشب .. وأجا عندي يعرج عشان أداويه .. وأما البقعة الحمرا اللي في سرواله فهو لون أحمر من حق المدرسة ما رضي يطلع مع الغسيل .
وهنا تدخل الكل لحل الخلاف وتوبيخ مسكة على سرعة شكها في كل أمر .
وبعد أيام وقعت حادثة اختطاف الطفلة ( نور ) بنت المطلقة ( شريفة ) من أمام باب دارها الكائن في أطراف حارة الكرسوع ، وذلك بعد أن اشترت قطعة من ( المُجَلْجَل ) من العم ( صابر ) .
في مساء اليوم التالي لحادثة الاختطاف كانت جلسة الكرويت ساخنة جدا ، حيث سيطرت عليها أحداث اليمن والتوقعات بقرب قيام الثورة اليمنية ، والقلق من تداعياتها الخطيرة على المنطقة ، وهنا اخترق ( عبده أنتل ) تلك النقاشات قائلا :
ــــــ يا جماعة فُكُّونا دحين من مشاكل اليمن وخلونا في مشاكلنا احنا .
ــــــ مشاكلنا ؟؟؟
ــــــ أيوه .. مشاكل الكرسوع .. والسرقات اللي دائما تقع في الحارة .. وضرب العم فتح الله .
ــــــ يا أنتل .. الشرطة قايمة بواجبها على ما يرام .. وقد حققت في الوقائع كلها ولم تجد دليل واضح ضد الكرسوع .
ــــــ أيوه .. لأنه إنسان مراوغ وذكي وخداع وما يترك أثر لأفعاله .
ـــــــ طيب إيش تبغانا نسوي مثلا ؟
ــــــ أي حاجة .. إن شاء الله نطرده من الحارة .. ولاَّ حتى من المدينة كلها .
ــــــ معقول يا أنتل .. تطرد ابن حارتك وبلدك من دون وجود أي دليل عليه !!
ــــــ طيب والطفلة اللي خرجت أمس من عند أمها وانخطفت بعد ما اشترت مجلجل من صابر ؟
هنا تدخل القمَّاش :
ــــــ فين أنت نايم يا أنتل .. الطفلة قد رجعت لأمها من البارح في الليل .
ــــــ هه .. كيف .. ومين اللي رجعها ؟
ــــــ الشرطة هي اللي رجعتها .
ــــــ كيف ؟
ــــــ استدعوا الكرسوع والبائع صابر ووالدة الطفلة ، وعند التحقيق ذكر البائع صابر أوصاف الرجل الذي خطفها ، ولما سمعت والدتها تلك الأوصاف عرفت أنه طليقها .
ـــــــ وبعدين ؟
ــــــ استدعوه وحققوا معاه .. وعرفوا أن بينهم مشاكل وأن المحكمة قد حكمت لأمها بالحضانة .. والأخ اشتاق لبنته وما عرف إيش يسوي قام خطفها .
في العيادة خرج العم محمود من استرخائه وارتحالاته على صوت الممرضة تنادي على الرقم الأخير في الانتظار ، فقال : الحمد لله قرَّبنا ، ثم عاد مجددا لاسترخائه وارتحالاته محركا يديه وجسده وكأنه يرقص على بعض الأنغام آخذا في الترديد داخله :

يا حلو يا مسليني ياللي بنار الهجر
كاويني
املا المُدام يا جميل واسقيني
من كثر شوقي عليك ما بنام
طلوا من الشُّبَّاك وشافوني
قلت لهم عطشان واسقوني

ثم ما لبث أن تساقطت الدموع من عينيه وهو يتذكر تلك الأحداث المؤلمة التي مرت به أيام شبابه وفتوته والتي تركت جرحا غائرا في قلبه لن يندمل بسهولة ، تلك الأحداث التي صاحبت تفجُّر ثورة اليمن ( 1962 م ) إثر المحاولة الأخيرة لاغتيال الأمام أحمد في مستشفى الحديدة ، تلك الثورة التي تأثرت بسببها العلاقات السعودية المصرية ، لوقوف الجمهورية العربية المتحدة مع عناصر الثورة ودعمهم ، وعلى إثر ذلك تعرضت الحدود والمناطق الجنوبية من المملكة لإغارة الطيران المصري عليها .

يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-09-2021, 09:44 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



كان الكرسوع لا يزال في عمله أمينا لمستودعات الباجلي ، وفي ليلة من ليالي تلك الأيام المقلقة كان الكرسوع يحضر حفلا أقامته إحدى المدارس في فناء مبنى ( دار الأيتام ) بمدينة جيزان ، وعند منتصف الحفل حلَّقت إحدى الطائرات المصرية ، ثم قامت بإلقاء القنابل الضوئية على المدينة للتصوير والاستكشاف مما حوَّل سماء المدينة إلى اللون البرتقالي المائل للاحمرار ، وبما أن سكان المدينة لم يشاهدوا تلك القنابل من قبل فقد دب في قلوبهم الخوف والذعر من ذلك المشهد المخيف معتقدين أن سماء المدينة تلتهب ، وهنا حدثت حالة من الهلع والاستنفار ، وهرع الحاضرون إلى بوابات الخروج التي لم تستوعبهم دفعة واحدة ، ووقعت إصابات لبعضهم ؛ نتيجة التزاحم والتدافع على تلك البوابات ، ولقفز البعض من فوق أسوار المبنى ، وأسرع الكرسوع إلى الحارة للاطمئنان على والدته وبقية الجيران فوجد الناس على أبوابهم الخارجية يصرخون : ( حِرِقْنا .. حِرِقْنا ) ، ويريدون الهرب ولا يعلمون إلى أين يذهبون وماذا يفعلون ، طلب منهم الكرسوع الدخول إلى منازلهم والاختباء تحت السرر الشعبية ( القعائد ) ؛ تحسبا لأي قصف محتمل ، وبعدها بفترة وجيزة غارت المقاتلات الحربية وألقت بقنابلها على مرسى الصيادين الواقع شمال المدينة ، في حين كانت المضادات الأرضية السعودية تتصدى لتلك القاذفات بكل بسالة .
وفي الصباح خرج الكرسوع مع رجال الحارة وذهبوا للمنطقة التي ضُربت ليلا ؛ ليجدوا أشلاء قوارب الصيادين الخشبية قد تناثر بطول مساحة المرسى .
تتابعت الغارات المصرية بعد ذلك على فترات متقطعة ، بعضها كان يستهدف المدينة والبعض الآخر كان يُسمع دوي انفجارات قنابلها على القرى الحدودية جهة الموسَّم والطوال ، وفي ظهيرة أحدى الأيام سمع الكرسوع أصوات طائرات تجوب أجواء المدينة فأغلق مستودعاته وهرع راكضا إلى الحارة ، فإذا بالصبي ( إسماعيل ) ابن ( أمينة ) واقفا على باب دارهم يرقص ويهتف مبتهجا بمنظر تلك الطائرات وهي تحلق في الأجواء ، كمشهد نادر شدَّ طفولته البريئة لتستمتع به ، وهو لا يعلم ما وراء ذلك من مخاطر ، حينها نهره الكرسوع وأخذه وأمه إلى دارهم واختبؤوا تحت السرر الشعبية ، بعدها بدقائق ألقت تلك الطائرات قنابلها على السِّباخ الواقعة شرق المدينة غير المأهولة بالسكان ، وهي تلك السباخ التي بات يشغلها الآن ( حي المطار ) ، حينها سرت شائعات بأن طياري تلك الغارات كانوا من أصحاب القلوب الرحيمة فأشفقوا على المدنيين الأبرياء وألقوا قنابلهم في تلك الأرض السبخة ، بعدها بأيام قامت البوارج البحرية المصرية بقصف القرى الحدودية والمدينة في نفس الوقت بواسطة المدافع الثقيلة ، وكان ذلك ما بين الواحدة والنصف ظهرا إلى الثالثة عصرا ـــــ بتوقيتنا الحالي ـــــ وقد سَمِع الناس دوي تلك القذائف قادما من الجهة الجنوبية الغربية ناحية البحر ، فخرج البعض لاستطلاع الأمر وشاهدوا تلك القذائف تسقط في مياه البحر محدثة نوافير كبيرة تصعد للأعلى ثم تعود للبحر ، وكان ذلك رحمة من الله بالمدنيين الأبرياء ، إذ كان تمركز تلك البوارج يبعد عن المدينة مسافة تجعل مدى تلك المدفعية لا يصل إلى منازل المدينة ، فتسقط القذائف في البحر بالقرب من المدينة ، أما في القرى الحدودية فقد أحدثت دمارا كبيرا في المساكن والأنفس ؛ لقرب الأهداف منها .
ازدادت انفعالات العم محمود وتساقطت دموعه بغزارة وهو يتذكر ما حدث في ذلك الصباح من أيام تلك الفترة ، حيث كان أغلب الناس لا يزالون يغطُّون في نومهم مستلقين على تلك ( القعائد ) المرصوصة في طراريح منازلهم ، حينما سمع ـــــ وهو في شبه حلم ــــ أزيز طائرة تجوب أجواء المدينة ، وعندما فتح عينيه وجدها حقيقة ، كانت تلك الطائرة تحلق على ارتفاعات عالية ؛ للاستطلاع والتمهيد لغارة جوية مرتقبة ، في حين كانت المضادات الأرضية توجه نيرانها الكثيفة صوب تلك الطائرة ، فأيقظ والدته وهرعوا لداخل مجلسهم للاختباء ، وفجأة ظهر سرب من الطائرات القاذفة على ارتفاع منخفض جدا وألقت قنابلها على أجزاء واسعة من حارة الساحل ، وحين دوت أصوات انفجارات تلك القنابل على منازل الحارة كان الكرسوع يصرخ ويردد :
ـــــ يا ألله .. يا الله .. يا لطيف .. الطف بنا يارب .
ثم دوَّى صوت قوي ؛ نتيجة لانفجار إحدى القنابل قريبا من سقف داره ، مُحدثا ضغطا هائلا أدى إلى فتح بوابة المجلس على مصراعيها ، ودخول الأبخرة والأدخنة الناتجة عن ذلك الانفجار إلى داخل المجلس ، مما سبب له ولوالدته نوبة حادة من السعال والاختناق ، وبعد انتهاء الغارة وزوال الخطر خرج مع بقية رجال الحارة ؛ لتفقد بعضهم البعض فوجدوا الكثير من المنازل قد تضررت وهدمت منها أجزاء واسعة ، وأن هناك إصابات ووفيات ، وحين اكتشف أن من بين المتوفين حبيبته ريحانة وأمها أصابته صدمة قوية عاد على إثرها إلى داره وهو يجهش بالبكاء


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-09-2021, 09:46 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



وحين رأته والدته سألته :
ــــــ ماذا حصل يا محمود ؟
ـــــ لقد توفيت ريحانة ووالدتها من ضمن من توفوا في الغارة .
ـــــ إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ثم أخذت تخفف من روعه وصدمته ، وقالت له :
ــــــ قم يا ولدي فتوضأ واذكر ربك وهذا ما كتبه سبحانه وتعالى ، واخرج مع بقية الرجال لمساعدة الآخرين المحتاجين للمساعدة .
ــــــ حاضر يا أمي ، سوف أكفكف دموعي وأخرج .
خرج محمود ( الكرسوع ) وهو يغالب حزنه الشديد على فراق حبيبته ، وانضم إلى بقية الرجال ؛ للقيام بإسعاف المصابين ، وإيواء من تهدمت بيوتهم عند جيرانهم ، والمشاركة في دفن الوفيات ، وفي تلك اللحظات كان يلاحظ مع البقية وجود الكثير من الشظايا متناثرة في تلك الأزقة ، كما لاحظوا وجود بعض القنابل التي لم تنفجر ممددة على الأرض وبعضها فوق أسقف المنازل ، وحين عاد الكرسوع إلى منزله أخبر والدته بما شاهده :
ــــــ تصدقين يا أمي شفت القنابل اللي ما انفجرت بعيوني هذي .
ــــــ بالله !
ـــــ أي والله .. طول الوحدة يمكن متر ونص ، ولما فتحوها العساكر شفت فيها بارود وقطع حديد صغيرة ومسامير وزجاج .
ـــــ الله ستر عليكم منها .
تتابعت الأيام والكرسوع لا يكف عن النحيب ، فقد حزن حزنا شديدا على وفاة محبوبته ريحانة ووالدتها ، وأظلمت الدنيا في عينيه ، واستمر يبكيهما أياما طويلة ، وكان كلما مر من جوار دارهما المهدَّمة يبكي وينتحب حتى يكاد أن يسقط مغشيا عليه .
أمام ذلك الحزن الشديد استسلم محمود لحالة نفسية شديدة ألزمته الانعزال عن الناس وملازمة فراشه ، في الوقت الذي كانت والدته تجاهد في سبيل إخراجه من تلك الحالة .
طرقت جميلة معظم الأبواب ، وقامت بتبخير المنزل ــــــ حسب نصيحة بعض الجارات ــــــ بمادة ( الشبَّه والفارِعَه ) ، وبخَّرت ابنها محمود حتى كاد أن يختنق من كثافة الأدخنة المنبعثة من تلك المادة ، كررت ذلك ثلاثة أيام ولم يطرأ أي تحسن على حالة ابنها ، أحضرت السيدة حفصة معلمة القرآن في الكتَّاب ــــــ سابقا ــــــ وقرأت عليه لكنه استمر في حالته ، أخيرا ذهبت إلى والدة محبوب صديق ابنها محمود وحدثتها عن الحالة التي يعيشونها لعلَّ محبوبا يستطيع أن يفعل شيئا حيال ذلك الأمر .
رغم انشغال محبوب في بعض الإصلاحات التي أحدثتها الغارة بداره إلا أنه هرع على وجه السرعة إلى دار صديقه محمود مستأذنا من خالته جميلة ، ملقيا التحية عليهما ومخاطبا صديقه بلهجة المحبة وتلطيف الأجواء :
ــــــ إيش هذا الدَّلَع اللي مسويه يا محمود ؟
ــــــ مش دلع والله يا محبوب .. أنا حاس إني فقدت كل حاجة في هذي الدنيا .
ــــــ اذكر الله يا شيخ .. وولدتك .. وأهلك وأصحابك فين راحوا .
ــــــ صادق .. بس أنا حاس إني انتهيت خلاص .
ـــــ ولا بس ولا حاجة .. أنا معاك إن الصدمه شديدة .. لكن الانسان يسلم أمره لله .
ـــــ ونِعمَ بالله يا محبوب .. لكن هذي ريحانة .. تعرف يعني إيش ريحانة !
ــــــ استغفر الله العظيم .. عارف والله عارف وقلبي معاك .. هيا اذكر الله والبس وخلينا نروح البحر نشم شوية هوا ونغير الجو وربك بيعوضك خير .
ــــــ لا .. لا يامحبوب .. ما أبغى أخرج من البيت بالمرة .
وانفجر محمود باكيا في نحيب هستيري يُسمع نشيجه من الخارج .

يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-09-2021, 09:50 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



ذهب محبوب إلى الشيخ أحمد المطوع مؤذن المسجد لتدارس الأمر معه ، واتفق الاثنان على أن يحضرا لمحمود أحد المشايخ المتخصصين في الرقية الشرعية .
دخل الشيخ إلى مجلس محمود مسلِّما عليه ملقيا درسا قصيرا في العقيدة والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره ، ثم وضع يده اليمنى على صدر محمود وشرع في قراءة آيات من كتاب الله ، وماهي إلا لحظات حتى أطلق محمود العنان لوجدانه بنوبة بكاء حادة تخللها التسبيح والحمد والاستغفار ، بعد خمسة أيام من الرقية بدأ محمود في التماثل للشفاء ، واستطاع الخروج برفقة صديقه محبوب أولا ، ثم بمفرده بعد ذلك .
وقبل أن تطيب أوجاع تلك الفجيعة كانت مدينة جيزان على موعد مع الضربة الأعنف والأشد والتي عرفت بــــ ( ضربة السبت ) ، كان المنظر مرعبا ومأساويا ومؤلما للغاية ـ قتلى وحرائق وأدخنة كثيفة وربكة عارمة في أوساط الناس ، وكان الكرسوع يهرول هنا وهناك مذهولا مما حدث وهو يردد :
ــــــ لا إله إلا الله ، ــــــ لا إله إلا الله ، ــــــ لا إله إلا الله .
وبرغم أحزانه البليغة إلا أن شهامته دفعته للعمل مع بقية الرجال لإسعاف المصابين ومساعدة المحتاجين ، جنبا إلى جنب مع تلك الجهود التي تبذلها الجهات المختصة في معاينة الأضرار ، وحصر الضحايا ، وتجميع الجثث ودفنها في مقابر جماعية ، في تلك اللحظات كانت قلوب الناس تنزف دما ، وأعينهم تفيض دمعا ، وعقولهم يكاد يصيبها الجنون من هول ما حصل .
اجتمع الكرسوع مع رجال حارته ـــــ بعد أن قرر معظم السكان النزوح من المدينة ــــــ خوفا على حياتهم ، واتفقوا على أن تكون وجهتهم جزيرة ( فرسان ) ، وعند حلول الظهيرة من ذلك اليوم المشؤوم شرع معظم السكان بالاستعداد للتوجه نحو القرى الشمالية ، أو الجزر القريبة من المدينة ، وبعد صلاة العصر أحضر كل من الكرسوع وبقية الرجال عربات تجرها الحمير لنقل أمتعتهم وممتلكاتهم الثمينة إلى رصيف الميناء ، تمهيدا لاستئجار أحد المراكب التي ستقلهم إلى جزيرة فرسان ، كان الميناء في ذلك المساء يعج بالنازحين من المدينة ، فيما أطلق على ذلك اسم ( الهَرْبَة ) ، اتفق الكرسوع وبعض رجال حارته مع صاحب الصنبوق ( المركب ) المُسمَّى بــــ ( الزَّاحي ) ؛ ليقلهم إلى الجزيرة مقابل مبلغ معين ، فيما شرع الباقون في تحميل الأمتعة على ظهر المركب ، ومع شروق شمس اليوم التالي كانت جميع الأسر قد استقلت تلك المراكب ؛ لتبدأ رحلة العذاب والمشقة ومواجهة المخاطر ، إذ أن تلك المراكب تعتمد في سيرها على الأشرعة واتجاه الرياح ، وتأخذ وقتا طويلا لقطع المسافة بين المدينة وفرسان فيما لو كانت الرياح عكس اتجاه السير .
بعد ساعتين ـــــ تقريبا ـــــ كان الصنبوق ( الزاحي ) قد وصل إلى منطقة الأعماق ، وفجأة انكسر ( الدَّقَل ) الحامل للشراع مما جعل المركب يميل ميلا خطيرا حتى لامس جانبه المائل مستوى البحر ، وبدأت مياه البحر تتدفق إلى داخل المركب .
تعالت الأصوات بالتهليل والدعاء والابتهال إلى الله أن يسلمهم من الغرق ، كان الكرسوع مرتبكا وهو يسمع صراخ النساء وبكاء الأطفال ودعاء الرجال ، ووجد أن الأمر يتطلب العمل الجماعي من أجل إنقاد المركب من الغرق بمن فيه وحدوث كارثة كبرى ، فانضم إلى اثنين من البحارة ومهمتهم إصلاح العطب في أسرع وقت ممكن ، وكلَّف بقية الرجال بتفريغ القارب من المياه التي تتدفق إليه ، كان الأمر يتطلب أن يصعد فرد إلى أعلى الدقل ؛ ليعيد الجزء المكسور إلى مكانه ثم يقوم بتثبيته تثبيا محكما بواسطة الحبال ، تم ترشيح الكرسوع للصعود فلفَّ حول بطنه قدرا كافيا من الحبال ثم تسلق وصعد للأعلى ، قام بفك جزء من أربطة الشراع المثبتة له في الدقل ؛ ليسهل له دفع الجزء المكسور للأمام ثم للأعلى وتثبيتها في مكانها الأصلي ثم القيام بلف قدْر من الحبال حولها بطريقة محكمة تحول دون ميلانها مرة أخرى ، وكان البحاران الآخران يساعدانه من على ظهر المركب بإرخاء الشراع ورفع الدقل للأعلى بواسطة الحبال وهم يرددون :

موجــــــــــة فـــــــوق موجــــــــــة
وفي امساعيــــــــة روجــــــة

وتمت العملية بنجاح واستعاد المركب شيئا من توزانه ، وبعد إفراغ المياه من باطنه عاد إلى اتزانه الطبيعي وتواصلت الرحلة ، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن ، حيث تغير اتجاهها في الاتجاه المعاكس لخط سير الصنبوق ؛ مما جعله يسير ببطء شديد .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-09-2021, 09:58 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



استغرقت تلك الرحلة إلى جزيرة فرسان عشرين ساعة ـــــ تقريبا ــــ حيث وصلت إلى ساحل ( الخور ) قبيل الفجر بساعتين ، وتم إنزال الأسر وأمتعتهم على رمال الساحل مستعينين ببعض الأتاريك التي تعمل على الكيروسين ، كانت المسافة بين منازل فرسان وبين سواحلها المتعددة متباعدة ، بحيث لو انطلقت الجمال من المنازل إلى الساحل مع شروق الشمس فلن تصل إلى الساحل إلا عند الظهر ، كانت الأسر قد شيدت مظلات سريعة من بعض أغطية النوم والبطانيات ؛ لتقيهم أشعة الشمس وعندما وصلت تلك الجمال إلى الساحل حملتهم مع أمتعتهم وطفقت عائدة بهم إلى منازل الجزيرة ، كان الكرسوع يسير بجوار قائد الجمل الذي يحمل والدته وأمينة وإسماعيل ، وقبيل المغرب بقليل شاهد الكرسوع في الطريق عششًا من القش يسكنها أناس من ذوي البشرة السمراء الفاتحة ـــــ نسبيا ـــــ فسأل الجمال عنهم ، فقال له : هؤلاء هم ( العباسية ) ، بعد حلول الظلام كان الكرسوع يشاهد ضوءا بعيدا يبدو كمصباح ثم يختفي ، تارة يراه في جهة الشمال وأخرى في اليمين وثالثة خلفه ، وعندما سأل الجمال عنه رد عليه بأن ذلك هو ( المَغَوِّي ) الذي يتسبب في ضياع الكثير عن طريقهم الأصلية فيتوهون عنها ، وحيث أن توقيت ( الهربة ) كان موافقا لبداية الصيف و ( شَّدَّة ) الفرسانين في شهر مايو من كل عام إلى قرية ( القصار ) فقد كان اتجاه سير الجمال من ساحل الخور إلى القصار مباشرة ، وهناك أُستقبل الكرسوع ومن معه من أقاربهم ومعاريفهم بكل حفاوة وترحاب .
مكث الكرسوع في قرية القصار ثلاثة أيام ، تعرف خلالها على كثير من أصدقاء أقاربه هناك ، مستمتعا بأجوائها الجميلة ومائها العذب ونخيلها البواسق ، وآبارها وظلالها ، وأمسيات الغيوم ، وزخات الأمطار الموسمية ، معايشا طقوس جني الرطب في صباحاتها الباكرة ، وأجواء العاصف التي تبدأ ــــــ عادة ــــــ من بعد صلاة الظهر إلى قبيل المغرب بقليل ، ثم ودَّع أهله وعاد إلى مدينة جيزان ؛ لارتباطه بعمله ، أما والدته ( جميلة ) ومعها ( أمينة ) فقد أمضيتا أوقاتهما بالتأقلم على الحياة هناك ، بعد أن استأجر لهما الكرسوع منزلا متواضعا ، واتفق مع أحد السقايين ؛ لتزويدهما بالماء من الآبار القريبة .
ورغم ما وجدته جميلة ومعها أمينة من معاناة في الأيام الأولى لإقامتهما في القصار بسبب مسكنهما المبني من الحجر فقط ( دون مونة ) والمسقوف بالدوم والجريد مثل بقية المساكن في القرية ، وخوفهما من الثعابين والحشرات التي يكثر خروجها في فصل الصيف ، أضف إلى ذلك الخوف من الجن المسموع عنهم سواء في فرسان أو القصار في تلك الفترة من الزمن ، وكان خوفهما يشتد في المساء حين يسمعان حفيف رياح العاصف المتأخرة إلى ما بعد العشاء وهي تصدر هسهسات وشبه صفير عند مرورها من بين أفرع النخيل التي تكثر في الزهوبة المحيطة بمسكنهما المستأجر ، كذلك كان يفزعهما صرير الحشرات وأصواتها القادمة من بين أحجار المسكن والشقوق ، وتلك القابعة وسط شجر العَصَف والبِشام المتناثرة حول مسكنهما المستأجر ، بسبب موقعه المتطرف من القرية .
تعرفت جميلة على كثير من نساء فرسان وتبادلت معهن الزيارات ، وأمست تشاركهن اجتماعاتهن الليلية اللاتي يقضينها في تبادل الأحاديث الاجتماعية ونسج العجار والكرابيس والمفات وغيرها من المستلزمات المنزلية التي تنسج من سعف النخيل ، كما تحضر معهن مناسبات الزواج والختان التي تقام في شهور الصيف .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-09-2021, 10:00 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



عاد الكرسوع إلى القصار بعد عشرين يوما ؛ ليتفقد أحوال أهله ، ومكث بها يومين زود فيهما والدته وأمينة بما يحتاجانه من المواد الغذائية التي جلبها معه من جيزان ، ثم أفهم والدته كيف تشتري السمك من البائع الذي يجوب أزقة القرية ويحمل فوق كتفه بواسطة عصا خشبية زنبيلا متسعا به الكثير من أسماك الشعور المتوسطة الحجم ، وخلال هذين اليومين أقام أحد أقارب الكرسوع وليمة غذاء على شرفه ، ذبح فيها غزالين من غزلان فرسان المشهورة ( قبل نظام المحميات ) ، ثم دعاه قريب آخر إلى سمرة ليلية جميلة في قرية المحرق القريبة جدا من القصار ؛ لحضور رقصة ( الدانة ) التي تتميز بها تلك القرية ، ثم عاد محمود إلى جيزان بعد أن منح والدته شيئا من النقود مصروفا لها ولأمينة وابنها إسماعيل ، وسط دعوات والدته له بالوصول بالسلامة وقلقها من رياح العاصف التي تسبب هياج البحر وارتفاع أمواجه وتشكِّل خطورة على المسافرين عن طرق البحر .
هدأت الأوضاع في المدينة نوعا ما ، وقامت إمارة المنطقة بالتعاون مع البلدية بإقامة حفل ثقافي ترفيهي ؛ لإعادة الأجواء إلى طبيعتها وطمأنة الناس وترغيب النازحين في العودة إلى ديارهم في المدينة ، وبعدها عادت معظم الأسر التي نزحت إلى القرى الشمالية ، تبعتهم الأسر التي اتجهت إلى فرسان ، وعادت الحياة إلى وضعها الطبيعي . .
كان الكرسوع قد بلغ الرابعة والعشرين من عمره ، وكان يرى أن أمامه مستقبلا غامضا لا يستطيع التنبوء بمكنوناته ، فشرع يُسيِّر حياته التي تعصف بها تلك الأحزان بالصبر والاحتساب ، آملا في أن يكون القادم خيرا بمشيئة الله ، ولذا صرف جل اهتمامه بوالدته جميلة التي تقدمت في العمر وبدأت تشكو من بعض متاعب الكبر ، ثم بعض الأعراض الغريبة التي داهمتها مؤخرا : كالسعال المتكرر والشعور بالاختناق في بعض الأحيان ، وكان الكرسوع يجلب لها بعض الأدوية بجانب الأطعمة الطازجة التي ترفع مناعتها مثل : اللحمة الحمراء المذبوحة في نفس اليوم التي يشتريها من محلات الجزارين في برحة الميدان ، والأسماك الطازجة التي يجلبها من مكان بيع الأسماك ( الخُمْس ) الواقع شمال الحارة الشامية بجوار مرسى الصيادين ، وفي أحد الأيام من منتصف عام 1385 ه كان الكرسوع يخترق أزقة الحارة مشيا على الأقدام في طريقه إلى منطقة ( الخُمس ) ، حينها كانت بلدية جازان تشرع في شق شارع ( الملك فيصل ) الذي يصل ساحل البحر في الغرب بمنطقة الميدان في الشرق ، ويفصل ما بين حارتي الساحل وجزء من البوري من جهة وحارة الشامية من الجهة الأخرى ، وحين خرج من الزقاق الأخير من حارة الساحل وجد المعدات قد باشرت هدم المنازل المنزوعة لصالح الشارع فاختلطت عليه كل المنافذ التي كان يلج عبرها إلى الحارة الشامية وصولا للخمس ، وبعد حيرة استمرت لدقائق اهتدى إلى زقاق كان يسلكه قبل فتح الشارع ، ثم عاد بشيء من الأسماك الطازجة ؛ ليساعد والدته في التخفيف من تلك الأعراض ، وفي نهاية العام نفسه بدأت تلك الأعراض تظهر على العديد من سكان الحارة .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-09-2021, 10:04 PM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



في بداية عام 1386 ه تحولت تلك الأعراض إلى مرض قاتل حصد العديد من الأرواح في تلك الحارة ، وكانت الجنائز تخرج من المنازل متتابعة بمعدل جنازة أو اثنتين في كل يوم ، واستمر ذلك قرابة الشهر ، عم الناس الذعر والخوف من هذا البلاء ، وانتشر الهلع بينهم مما حدا بالبعض إلى الهرب من المدينة والسفر للمناطق الأخرى ، كان من بين من ظهرت عليهم الأعراض ( حامد القمَّاش ) عميد جلسة الكرويت ، لكنه أسرع في السفر إلى جدة طلبا للعلاج ، أما البقية فقد خطفتهم المنايا من بين أيدي أهاليهم ، كانت مراحل ذلك المرض الغامض تستمر ثلاثة أيام فقط ، اليوم الأول ارتفاع في حرارة الجسد إلى ما فوق الأربعين مع بعض التشنجات ؛ ليصبح الفرد بعدها طريح الفراش ، أما اليوم الثاني فتتمثل المرحلة في نوبات من الاستفراغ الحاد مخلوطا ببعض الدم والشعيرات الدموية والأنسجة الميتة ، واليوم الثالث الدخول في غيبوبة ثم الوفاة في مساء ذلك اليوم ، كانت تلك المراحل متماثلة في كل الحالات التي قضت نحبها ، وكان التشخيص الطبي المبدئي هو تسمم في الجهاز التنفسي وتكَهُّف في الرئتين ، يليها تسمم في الدم ثم فشل في جميع أجهزة الجسم وتوقفها عن العمل فالوفاة ، وتم تفسير تلك الحالة بأنها ناتجة عن استنشاق الأبخرة السامة الناتجة عن تفجُّر تلك القنابل أثناء الغارات وهناك من يقول أنه وباء انتشر بين بعض الناس .
والدة الكرسوع ( جميلة ) كانت من ضمن المتوفين متأثرة بتلك الأعراض ، وأما أمينة فقد داهمها ورم في منطقة الرحم أدى إلى بروز بطنها بروزا واضحا إلى الأمام ، وحينما ذهب بها الكرسوع إلى مستشفى المدينة أكدوا له وجود الورم وأفهموه بأن الإمكانيات لديهم لا تستطيع التعامل مع تلك الحالة ، ثم أوصوه بالسفر بها إلى إحدى مستشفيات المنطقة الغربية على وجه السرعة ، هنا استيقظ شيطان ( مسكة ) لاستغلال ذلك ضد الكرسوع ، حيث قامت بنشر إشاعة خطيرة بين الحارات مدعية بأن الكرسوع وأمينة قد ضحك الشيطان عليهما ، وأن ذلك البروز في بطن أمينة ماهو إلا علامات حمل !
سرت تلك الإشاعة بين الناس مسرى النار في الهشيم ، حتى باتت حديث الناس ونقاشات جلسة الكرويت ، وهنا استطاع ( عبده أنتل ) إقناع البعض بالتصدي لهذه الفضيحة وخطورة بقاء الكرسوع في الحارة وأنه يجب طرده من المدينة كلها ، وعندما ذهبوا إليه لتهديده وطرده وجدوه قد عزم على السفر إلى جدة حيث رد عليهم قائلا :
ــــــ من غير ما تقولوا أنا مغادر من هذه المدينة التي لم يبق لي فيها أي شيء يسعدني .. فقد فقدت جميع أحبابي وضاقت علي الدنيا من جميع جهاتها .
في العيادة خرج العم محمود من استرخائه وارتحالاته ووجد أن الحالة الأخيرة ما زالت لدى الدكتور ماجد فعاد لاسترخائه وارتحالاته مجددا ، وهنا بدت عليه بعض الانفعالات والدموع تتساقط من عينيه وهو يقول :
ـــــ أمينة .. لا لا لا .. أمينة .. إنا لله وإنا إليه راجعون .


يتبع ....
الفصل العاشر
***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

بُشْرَى
09-09-2021, 10:07 PM
.

.


يُكافأ العمل الأدبي الخالص هنا ..

تستحق .. لجهدك وعطائك المستمر ..

رواية سامقة .. وفيها جهد مبذول ..

الغيث ..

سلمت الأكفّ التي تخطّ البياض ..

الغيث
09-09-2021, 10:54 PM
.

.


يُكافأ العمل الأدبي الخالص هنا ..

تستحق .. لجهدك وعطائك المستمر ..

رواية سامقة .. وفيها جهد مبذول ..

الغيث ..

سلمت الأكفّ التي تخطّ البياض ..

قسما يا بشرى أن هذا الدعم اللامحدود
ووقوفك بجانبي لهو أكبر دعم أتلقاه في حياتي
ولو أظل طول عمري أشكرك فلن أفيك
أفاء الله عليك من نعيمه بركة وسعة علم وتوفيق
وسعادة وكل ما تتنمين في هذه الحياة
ممنوووووووووون يا بشرى
>::>::>::>::>::>::>::

النقاء
09-09-2021, 11:10 PM
وكيف يالغيث اذا لم يتم دعمك ومتابعة ماطرحت من نتابع آجل

سبحان من وهب لك القلم والفكر والروح الطيبة والقلب الأبيض الكبير الوافي


أستمر ونحن معك ياجمال مانقراء والله


شكرًا وتقديرًا لسموك شاعرنا الغالي ……

الغيث
09-09-2021, 11:53 PM
وكيف يالغيث اذا لم يتم دعمك ومتابعة ماطرحت من نتابع آجل

سبحان من وهب لك القلم والفكر والروح الطيبة والقلب الأبيض الكبير الوافي


أستمر ونحن معك ياجمال مانقراء والله


شكرًا وتقديرًا لسموك شاعرنا الغالي ……

ومن لي غيركم يالنقاء
أنتم أحبتي وكلنا نعمل بروح الفريق الواحد
ووالله ما قصرتم جميعا
ومن أجلكم سأبذل كل ما في وسعي
لإسعادكم بكل جميل وجديد
لكم من أعامق قلبي كل المحبة الصادقة
ومعكم على طول الخط
بارك الله في عمرك وأثابك وأسعدك يالنقاء النقية
>::>::>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 03:34 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


الفصل العاشر


حمل الكرسوع أمتعته وهمومه وأحزانه وكل ما يملك من مال جمعه ؛ من أجل زواجه من ريحانة ــــ رحمها الله ــــ ثم غادر مدينة جيزان متوجها إلى جدة برفقة أمينة وابنها إسماعيل ، عازما على علاج أمينة في أرقى مستشفياتها ، ومن ثم الاستقرار بها ، والبحث عن عمل هناك .
كان سفره عن طريق الجو ، حيث أقلته مع بقية الركاب طائرة الخطوط الجوية العربية السعودية من نوع ( دي سكس ) ، وهو الأسطول الثالث والحديث في منظومة الخطوط السعودية ؛ حيث سبقه طرازان هما : ( الداكوتا ) و ( الكنوفير ) .
نزل الكرسوع في مدينة جدة وهو لا يعرف أحدا هناك ، فقام باستئجار مسكن مناسب في أطراف حي الهنداوية من الجهة الشمالية المطلة على الشارع المسمى حاليا بــــ ( شارع الستين ) ، وذلك قبل إنشاء الكوبري في وسطه ، كان الجزء الذي سكن فيه الكرسوع يعرف بــــ ( بازان التكارنة ) ، وأما الغرفتان اللتان استأجرهما فتعود لرجل وامرأة سعوديين من أصل تركي ، وكانا كبيرين في السن ، وفي اليوم التالي بدأ يتعرف على محيط سكنه من جيران وأمكنة ومحلات ـ واكتشف أن هناك مقهى بالقرب من منزله يجتمع به بعض الجازانيين المستوطنين في جدة ، وحين تقدم نحو الشرق وجد محلا لتسجيلات الفيديو ، ثم بعض البقالات المتناثرة على طول المسافة نحو الشرق ، ثم وجد بعدها محلا تجاريا لرجل من جيزان يدعى بالعم ( سُهيل ) ، وجواره مكتب للحجز الجوي يسمى ( وكالة آسيا ) ، وحين أراد الكرسوع التعرف على العم ( سهيل ) لم يسعفه الوقت فقد حان أذان الظهر وأُقفل المحل ، فدخل المسجد الصغير المجاور لمكتب الحجز ، وبعد الصلاة تقدم إليه رجل من سكان جدة ، بعد أن لاحظ أنه غريب عن المكان فحياه وسلم عليه وسأله :
ــــــ الأخ غريب عن جدة ؟
ـــــ نعم .
ـــــ من فين أنت ؟
ــــ من جيزان .
ـــــ أنعم وأكرم .. وأهلا بك بين محبينك وأهلك .
ــــــ الله يحفظك ويبارك فيك .
ـــــ أنا أخوك الأكبر ( صدقة ) وأي خدمة لك أنا حاضر .
ــــــ ما نستغني وربنا يعمر بيتك .
ــــــ أي حاجة تحتاجها قل لي وأنا تحت الطلب .. وإذا ما لقيتني في المسجد أرسل لي أي أحد من طرفك .
ــــــ الله يزيدك من نعيمه يا أخي صدقة ويكثر من أمثالك .



يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 03:37 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



توطدت العلاقة بين الاثنين ، واستمرت اللقاءات بينهما ، وتعرف كل منهما على الآخر عن كثب ، وهنا سأله الكرسوع عن مستشفى مناسب لحالة ( أمينة ) فدله صدقة عليه ، وتم إجراء الفحوصات الطبية ، وعندما وجد الدكتور المعالج أن الورم قد استفحل وأن حياة أمينة في خطر التفت إلى محمود قائلا :
ــــــ للأسف يا أخ محمود الورم متضحم ومنتشر في بطن المريضة .
ــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله .. والعمل يا دكتور ؟
ــــــ يجب استئصال الورم بجراحة عاجلة حتى نستطيع بإذن الله إنقاذ حياتها .
ـــــــ توكلنا على الله .
وافق الكرسوع على إجراء تلك العملية وقام بدفع القيمة ، انتهت العملية بعد مضي ثلاث ساعات ، لكن أمينة أُدخلت العناية المركزة بعد ذلك ؛ لوجود مضاعفات خطيرة ، وبعدها بيوم واحد اُستُدعي الكرسوع بصورة عاجلة وطُلب منه توفير دم من نفس فصيلتها ، فما كان أمامه إلا الاستعانة بصدقة الذي أحضر معه عددا من الأصدقاء للتبرع بالدم ، ومرت الساعات بطيئة ومقلقة ، وفي المساء استدعاه الطبيب إلى مكتبه وعلى وجهه علامات الحزن والأسى وقال له :
ـــــ أنت مؤمن بقدر الله يا أخ محمود .. ولله ما أعطى وله ما أخذ .
ـــــ لا لا لا .. أمينة .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .
انتقلت أمينة إلى جوار ربها ، وحضر تشييع جنازتها صديقه الجديد صدقة والكثير من جماعة المسجد ، وبعض من تعرف عليهم من الجازانيين في المقهى .
كان ( حامد القمَّاش ) في تلك الأثناء متواجدا في جدة ، وحين سمع خبر وفاة أمينة ووجود الكرسوع في جدة سأل عن موقع المنزل وأتى لتقديم واجب التعزية :
ــــــ السلام عليكم .. كيفك يا ولدي يا محمود .. وعظم الله أجركم في أمينة وأحسن عزاءكم .
ثم قام بمعانقة محمود والمسح على رأسه وهو يقول :
ــــــ جبر الله خواطركم يا ولدي وعوَّضكم بالأجر والخير .. والله الله بولد أختك ( إسماعيل .
ــــــ مرحبا بالعم حامد وبرائحة جيزان كلها .. والحمد لله على ماقدَّر .. وإسماعيل في عيوني الثنتين .
ــــــ بارك الله فيك وزاد إيمانك يا ولدي .
ــــــ لكن كيف عرفت يا عمي ؟
ـــــ ذهبت لدكان ( سهيل ) استلم الرسايل القادمة من جيزان ، وهناك سمعت بالخبر من بعض الجوازنة اللي يتجمعون عند سهيل .
ــــــ طيب إيش حكاية رسايل العم سهيل هذي ؟
ـــــ شوف يا محمود .. عمك سهيل تاجر كان في جيزان وانتقل إلى جدة .. وهو الآن يدير تجارته هنا ، ويرسل البضائع إلى من يرغب من أهل جيزان مقابل شيء من الفائدة .. حيث تأتيه الحوالات من هناك ومعها الرسايل من أسر المتواجدين هنا في جدة .. ثم يرسلون رد الرسايل عن طريقه ــــ أيضا ـــــ مع البضائع الذاهبة إلى جيزان .
ــــــ أهاه .. طيب طمِّني على صحتك ؛ لأني سمعت قبل ما أغادر جيزان أنك سافرت إلى جدة للعلاج .
ــــــ الحمد لله يا ولدي .. صرت دحين كويس ، خاصة بعد استعمال العلاج وجلوسي هنا لمدة شهر .. ودحين راجع لجيزان بعد ثلاثة أيام .
ـــــ أمانة يا عم حامد تبلغ لي سلامي على محبوب .. وطمنه علينا , وأخبره بوفاة أمينة .
ـــــ حاضر يا محمود .. يصل سلامك إن شاء الله .
ــــــ الله يجزيك الخير يا عمي .
ــــــ محمود إذا تحتاج شيء مني فلا تستحي ترى الحال ميسور والحمد لله .
ــــــ بارك الله فيك يا عم وزادك من نعيمه ، مستورة والحمد لله .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 03:41 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



واصل الكرسوع حياته في جدة ، وتعرف على المزيد من الأصدقاء والأماكن والشوارع .. وأدخل إسماعيل المدرسة المتوسطة ( الإعدادية ) لإكمال دراسته ، ثم بدأ في البحث عن عمل ينفق منه على نفسه وعلى إسماعيل ، بعد أن نفذ ما معه من مال في علاج أمينة ، وبعد البحث المتواصل وجد عملا في ( البنقلة ) ، حيث مارس هناك شراء السمك بالجملة وبيعه على المشترين بالكيلو بربح معقول ، لكنه بعد فترة أحس أن عملية بيع السمك غير مجدية معه فبحث عن عمل آخر ، وهذه المرة عمل في إحدى البقالات مستمرا في ذلك سنتين تقريبا
كان عام 1390 ه يطل على الأبواب ، وحين اجتماع بينه و بين صديقه ( صدقة ) في جانب من ذلك المقهى ، شكى إليه الكرسوع عدم ارتياحه من العمل في البقالة ؛ ومعاملة مالكها القاسية معه ، مبديا رغبته في مساعدة صديقه للحصول على عمل حكومي .
تحدث صدقة لأحد أقربائه في مصلحة ( خفر السواحل ) للبحث عن فرصة وظيفية لمحمود لديهم تعينه على تدبير احتياجاته ، بعد أيام بُشِّر محمود بحصوله على وظيفة هناك ليباشر الكرسوع عمله الجديد ويحصل على دورات تدريبية مكثفة ، كان زملاء الكرسوع على ظهر ( اللَّنْش ) من أبناء جدة ومكة وينبع ، وجميعهم يتصفون بالنبل والطيبة والسماحة والخلق الحسن ، حيث أحاطوا به إحاطة الأخ بأخيه .
عاد حامد القماش إلى جيزان ، وقد زال الخوف والقلق من ذلك المرض الغريب ، وعادت الحياة إلى طبيعتها المعهودة ، وفي أول جلسة يحضرها القماش لجماعة الكرويت ـــــ بعد عودته ـــــ كان النقاش الأهم هو السؤال عن صحته وعلاجه وأوضاع الزملاء هناك في جدة ، والترحُّم على أرواح من رحلوا إلى بارئهم بسبب ذلك المرض الغامض :
ـــــــ كيفك يا عم حامد .. وطمنا على صحتك ؟
ـــــــ الحمد لله رب العالمين الذي صرف عني الشر وأعاد لي صحتي .
ــــــ نحمده ونشكره .. ونورت الكرويت يا عمدة الجلسة .
ــــــ الله يبارك فيكم .. وانتوا إيش أخباركم وأخبار الحارة ؟
ــــــ الحمد الله .. الناس متأثرين بما حصل يا قماش .. وفيه أرواح كثيرة راحت .
ـــــــ الله يرحمهم ويجعلهم من الشهداء .
ـــــــ اللهم آمين ويجعل مثواهم الجنة ويصبِّر أهاليهم .
وهنا أقبل ( عبده أنتل ) محييا ومرحبا بالقماش :
ــــــ نورت البلد يا قماشنا الغالي .
ــــــ شكرا يا أنتل .. والبلد منورة بأهلها جميع .
ــــــ عندي لك خبر مفاجئ يا قماش .
ــــــ اللهم اجعله خير .. إيش هو .
ــــــ طردنا الكرسوع من المدينة كلها .. وريَّحنا عباد الله من شره .
ــــــ إيش تقول .. طردتوا الكرسوع .. وليش .. ومش عيب عليكم تطردوه من حارته ومدينته !!
ــــــ بعد اللي سواه خلاص كرهناه .
ــــــ ليش .. وإيش سوى ؟
ــــــ يا سيدي .... والله صراحة مش قادر أقولها .
ــــــ إيش أللي مش قادر تقولها .. اتقوا الله .. ترون أنا قابلته هناك في جدة .. وعزِّيته في أخته أمينة .. والحقيقة أنه ما ذكركم إلا بكل خير .. وما قال لي إنكم طردتوه .
ــــــ إيش قلت يا عم حامد .. أخته أمينة !!
ــــــ أيوه أمينة هذي تبقى أخته من أبوه .. لأن أبوه تزوج في حضرموت من غير ما تدري والدة الكرسوع ( جميلة ) .
ــــــ إيش هذا الكلام يا عم حامد !!
ــــــ أي والله زي ما أقول لكم كذا .. تزوج من وحدة حضرمية اسمها ( امزينة ) وخلف منها هذي البنت أمينة .. وأمينة تزوجت على شاب حضرمي من عندهم وخلفت منه ( إسماعيل ) لكنها تطلقت منه بسبب بعض المشاكل وبقيت مع أمها .. ولما ماتت أمها نزلها أبوها ( عثمان حمود ) لجيزان وبنى لها وابنها بيت بجوار بيت أخوها الكرسوع ووالدته .
ــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله .. والله ظلمنا الراجل .
ــــــ ظلمتوه وبس .. لكن ربنا رايح ينصره عليكم ويتخلص له فيكم كلكم .
ــــــ طيب إيش نسوي .. مسكة هي السبب .. هي اللي أشاعت أن الكرسوع وأمينة غلطوا غلطة كبيرة حملت على إثرها .
ـــــــ وانتم مغفلين تصدقون هذي الـــ ...
انتهت الجلسة والكل ندمان على ظلمه لهذا الفتى الشهم .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 03:44 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



كان الكرسوع يستغل أيام راحته من العمل في الذهاب إلى المدرسة للاطمئنان على إسماعيل ومتابعة مسيرة دراسته ، وعندما يعود من المدرسة يعرج على بقالة الحارة ؛ لشراء أغراض ومواد غذائية تكفي ليومين أو ثلاثة ؛ فترة استلام خفارته ، ثم يعرج على البائعات الإفريقيات المنتشرات على جانبي الشارع ؛ ليشتري منهن بعضا من الفجل والبصل الأخضر ، بعدها يعود إلى الدار لانتظار وصول إسماعيل من مدرسته .
تتابعت الأيام ، واستمر الكرسوع في عمله بخفر السواحل ، وحوله رفقته الذين أحبوه وأحاطوه بكل معاني النبل والإخاء والرعاية ؛ حتى أنسوه جزءا كبيرا من أحزانه وهمومه ؛ مما جعل الكرسوع يندمج معهم بكل صفاء وأريحية ، ويشاركهم اجتماعاتهم ومسامراتهم ومناسباتهم ، وتعلَّم منهم الأهازيج الخاصة بالمنطقة الغربية مثل : المزمار والينبعاوي والعزف على الربابة ، في الجانب الآخر كان إسماعيل يشق طريقه في التعليم بتفوق ؛ بتوفيق من الله ثم متابعة من خاله الكرسوع ، أما الرسائل فكانت مستمرة في التبادل بينه وبين صديقه محبوب في جيزان ؛ عبر محل العم ( سهيل ) ، يعرف من خلالها أخبار مدينته وحارته وأهله ، وكم من مرة كتب له محبوب رجاء بطلب النقل إلى جيزان والعودة لأحبائه هناك ، لكنه كان يرفض ذلك بشدة .
في عام 1395 ه قام محبوب بزيارة لصديقه الكرسوع في جدة ، فكانت تلك الزيارة فرحة لا توصف حيث استقبله في المطار وكأنه يستقبل جيزان كلها ، وعندما وصلا إلى منزل الكرسوع دارت بينهما أحاديث الود والمحبة والاشتياق :
ــــــ أقسم بالله يا محبوب أن الدنيا كلها لا تسعني من الفرحة هذا اليوم .. ولا أدري هل أنا في حلم أم علم !
ــــــ هههه لا في علم يا كرسوعنا الجميل .
ــــــ جدة كلها منورة بك اليوم يا محبوب .
ــــــ منورة باللي فيها يالحبيب .
ــــــ كيف حال أهلك وأولادك .. وإيش اخبار جيزان وأهل حارتي ؟
ــــــ كلهم بخير وعافية ومشتاقين لك كل الشوق .. وعلى فكرة مسكة تسلم عليك .
ــــــ هههه تنقلع قالعة .. هي سبب المصايب والبلاوي هذي كلها .
ــــــ ها يا محمود فكرت في كلامي .
ــــــ أي كلام ؟
ــــــ اللي أكتبه لك دائما في الرسايل .
ــــــ قصدك موضوع العودة لجيزان .. لا والله مستحيل بعد اللي حصل .
ــــــ لا .. لا تخاف من أي شيء .. أبشِّرك كل شيء انكشف خلاص والناس كلها عرفت إنك بريء من كل التهم .
ـــــ كيف .. وإيش اللي حصل ؟
ــــــ لما رجع القماش وعرف بحكاية طردك من المدينة قام بتوبيخ المتسببين كلهم وكشف لهم حقيقة المرحومة أمينة .. ومن تكون .. وعرفت كل الحارات الحقيقة .
ــــــ طيب والتهم الباقية : ( سرقة حزيمة ، وضرب العم فتح الله ) ؟
ــــــ دحين أقول لك كل شيء .. شوف يا سيدي .. قامت الشرطة بتعيين رجل عسة جديد بدل العم فتح الله ؛ لأنه توفي بعد سفرك بسنتين بسبب الضربة اللي تلقاها .
ـــــــ الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة .
ــــــ آمين .
ــــــ طيب وبعدين .
ــــــ رجل العسة الجديد هذا رجل قوي وشجاع وفُتوَّة .. يعني كرسوع زيك .
ــــــ هههه وبعدين .
ــــــ حصلت محاولة سرقة في بيت بائع الذهب ( يوسف النوحي ) .. لكن رجل العسَّة سوَّى كمين للحرامي لما أحس بوجوده في الزقاق المجاور لبيت النوحي ، وقبل ما يتسلق الجدار غافله بضربة على ظهره وقام بتقييده بالحبال وبلَّغ الشرطة .
ــــــ يا سلام .. أحسن والله .
ــــــ الشرطة واجهت الحرامي بالقرائن والأدلة وطابقت كل الآثار المرفوعة من واقعة السيدة حزيمة وواقعة العم فتح الله فوجدوها تنطبق عليه .
ــــــ ها وبعدين .
ــــــ حاول الحرامي أن ينكِر في المرة الأولى .. لكن لما ضربوه اعترف بكل الجرائم الجديدة والقديمة .
ـــــ الحمد لله .
ــــــ نعم اعترف بسرقة حزيمة وضرب فتح الله وأشياء ارتكبها قبل خمس سنوات .
ــــــ شكله معروف معاهم .
ــــــ أيوه هذا ( بخيت ) الحرامي اللي كان مدوخ الناس قبل خمس سنوات .. اختفى فترة ورجع دحين .
ــــــ الله لا رده ولا قابله .
ــــــ طيب والفانيلة المشجرة ما جابوا سيرتها ؟
ـــــ إلَّا .. قال إنه وجدها مرمية في القمامة فأخذها وغسلها ؛ عشان يلبِّس التهمة لصاحبها .
ــــــ الحمد الله ارتاحت المدينة من أذى هذا اللص الخطير .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 03:46 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



مكث محبوب أسبوعا كاملا لدى الكرسوع ، عرَّفه على أصدقائه فقاموا بالاحتفاء به ، وأقاموا مأدبة عشاء على شرفه تخللها السمر والأهازيج الجميلة ، وكان الكرسوع يأخذ صديقه محبوبا عصر كل يوم في نزهة على شوارع جدة وأماكنها وأسواقها في البلد مثل : باب شريف وشارع قابل وباب مكة وشارع الملك عبد العزيز وغيرها ، وقبل أن يعود محبوب إلى جيزان قال لصديقه الكرسوع :
ــــــ ممكن أطلب منك طلب يا محمود ولا تردّني !!
ــــــ حياتي كلها بين يديك يا محبوب .
ــــــ تطلب نقل وتعود لنا في جيزان .
ــــــ حاضر .. بس مش دحين .. خليها بظروفها يا محبوب .. أنت عارف إن إسماعيل دحين قرَّب يخلص جامعة .. وإن شاء الله بعد سنة ونص أنزل جيزان عشان تسوية وضعه في الجوازات والجنسية ؛ عشان أقدر أوظِّفه في أي عمل هنا !
ـــــ اعتبر هذا وعد ؟
ـــــ وعد إن شاء الله .
ازداد عدد أصدقاء الكرسوع في جدة بعد أن انتشرت سيرته العطرة في أوساط رفقائه ، وانصهر هو بدوره في الحياة الحجازية بكل تفاصيلها ؛ مكتسبا لهجتهم المحلية من خلال مخالطتهم الدائمة .
في الربع الأول من عام 1398 ه تخرج إسماعيل من جامعة الملك عبد العزيز بجدة تخصص إدارة واقتصاد بدرجة امتياز ، فأقام له خاله الكرسوع حفلا رائعا بمشاركة الأصدقاء ، حيث تخلل الحفل رقصات المزمار والينبعاوي والخبيتي وغيرها من فنون المنطقة الغربية ، وبعدها بشهر أرسل الكرسوع لصديقه محبوب في جيزان رسالة مفادها : أنه قد نوى النزول إلى جيزان ؛ لتصحيح وضع إسماعيل ، وأخبره فيها باليوم الذي سيصل فيه ، لكنه اشترط عليه ألا يخبر أحدا ؛ لأنه لا يريد مقابلة أي ممن أساءوا إليه ، لكن محبوب قام بإخبار الجميع بموعد وصول الكرسوع ، ورتَّب له استقبالا يُعلي من شأنه أمام الجميع ، وحين وصول الكرسوع وجد في استقباله في المطار صديقه محبوب وعددا من وجهاء حارته الذين رحبوا به أجمل ترحيب ، ثم أخذوه في موكب احتفالي بهيح نحو منزل محبوب ، وسط دهشة الكرسوع من تلك المفاجأة .
في اليوم التالي أقام محبوب مأدبة غذاء معتبرة لصديقه الكرسوع ، دعا إليها لفيفا من الأصدقاء ووجهاء الحارة وأعيان المدينة ، وعددا من جماعة الكرويت يتقدمهم ( حامد القماش ) الذي قدم للكرسوع اعتذار الجميع عما بدر منهم من قبل ، طالبا منه العفو والسماح وفتح صفحة جديدة ، ثم تفاجأ الكرسوع بقدوم ( الحسيبي ) على كرسي متحرك يدفعه أحد أبنائه الشباب ؛ حيث دنا منه معانقا وطالبا العفو والسماح تسبقه دموعه ، كما تفاجأ بقدوم ( عبده أنتل ) وهو يسير على عكازين ، حيث عانق الكرسوع معتذرا عما حصل منه سابقا مبديا أسفه وندمه على التهم التي تسبب في إلصاقها به ، وبعد تناول الطعام قام الكرسوع مخاطبا الجميع :
ــــــ يشهد الله يا أحباب أنني أحبكم فيه .. ولم أضمر لكم أي شر أو حقد في قلبي حتى بعد ما فعلتوه بي .. وأشهده تعالى أني قد عفوت عن الجميع وسامحتهم .
وهنا رد عليه القماش :
ــــــ هذا ما هو غريب عليك يا ولدي يا محمود .. وأنت معروف من زمان بشهامتك وطيبة قلبك .. ودحين اسمح لي يا ولدي أن أدعوك وأدعو الجميع لتناول طعام الغداء في داري بكرة إن شاء الله تعالى .
ــــــ أشكرك على دعوتك يا عمي .. لكن لدي مشاغل كثيرة يجب علي إنهاؤها .. كذلك أيام إجازتي قصيرة لا تتعدى ثلاثة أيام فأرجو أن تقبل اعتذاري .
ــــــ لا يمكن يا محمود .. إلا إذا كنت عادك زعلان مننا .. وبعدين كلنا رايحين نساعدك في إنهاء أوراق إسماعيل .. ها قلت إيش .
ــــــ خلاص يا عمي .. أعتبر دعوتك مقبولة .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 03:51 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



بعد تناول الطعام في منزل القماش تقدم ( أحمد المطوع ) مؤذن المسجد وقال للكرسوع :
ـــــ اسمع يا محمود .. باسمي وباسم الجميع ونيابة عنهم نطلب منك الموافقة على العودة لجيزان وطلب نقل عملك هنا ؛ لتكون بين أهلك ومحبيك .
ــــــ إن شاء الله يا شيخ أحمد .
في المساء خرج الكرسوع مع صديقه محبوب في نزهة على أنحاء الحارة وهاله التغيرات التي حصلت :
ـــــــ أوووف يا محبوب .. إيش هذا .. فين البيوت إللي كانت هنا .. وجزء من السوق انشال كمان .. يا الله .. هنا كان بيت .... وهنا بيت .... وهنا دكان ....
ـــــــ ههههه .. هذي ساحة النهضة .. نزعت البلدية ملكيات كل البيوت والدكاكين اللي كانت هنا ؛ لصالح المشروع .
ـــــــ ومتى حصل هذا الموضوع ؟
ــــــ في منتصف عام 1394 ه .. وهذا شارع النهضة يربط بين شارع فيصل وطريق الملك عبد العزيز من جهة إدارة الجمارك القديمة ، وشوف ذاك الشارع الثاني اسمه شارع الملك سعود يربط بين شارع فيصل والشارع المؤدي للمحناط .
ــــــ يا اللاااااه .
ثم واصلا النزهة بسيارة محبوب المستعملة فعرجا على حي ( الجبل ) ، وشاهد الكرسوع المباني الجديدة التي أنشئت فيهما وحول ( المضريبة ) ، وأخذ يسأل عن حارة ( الكُدوة ) ولم يتعرف على معاملها وحدودها ، فقال له صديقة محبوب لقد تداخلت مع حارة الجبل ، والجبل الأحمر وأصبحت حيا واحدا ، ثم تقدما نحو الجنوب الشرقي فشاهد ( العشيماء ) وقد بدأت بعض المباني في الظهور ، بعد أن كانت عبارة عن أراض رملية فضاء ، حيث قامت البلدية بتخطيطها وتوزيعها على السكان ، وأثناء النزهة سأل الكرسوع صديقه محبوب عن الحسيبي وماذا جرى له ، فأجابه :
ــــــ يا محمود .. الحسيبي عَمَته الدنيا عن الحق .. تصدِّق في يوم خرج من الصباح عشان يتفقد بعض مصالحه وعياله كلهم راحوا لمدارسهم ، ما فيه إلا زوجته وابنه الكبير في البيت .. فجأة ولَّعَتْ نار في الأخشاب اللي في مستودعه وزوجته وابنه الكبير راقدين فوق .. وامتدت النيران للسقوف الشعبية فانهار السكن بمن فيه وسط النيران .
ـــــــ لا إله إلا الله .
ــــــ طيب وعبده أنتل ؟
ــــــ هذا معلول الجسد من أول وأنت تدري به .. لكن زادت عليه العلل والسكر والضغط حتى صار مثل ما شفتاه .
ــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله .
وفي اليوم الثالث بعد أن أنهى الكرسوع كل أشغاله تقدم إلى محبوب بطلب يد ابنته ( أماني ) لإسماعيل .


يتبع .... الفصل الحادي عشر والأخير

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 05:02 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg


الفصل الحادي عشر والأخير


عاد الكرسوع إلى مدينة جدة يمارس حياته الطبيعية ، والتحق إسماعيل بوظيفة في إحدى الشركات العاملة هناك ، وفي بداية عام 1402 ه نزل الكرسوع إلى جيزان بصحبة ابن أخته إسماعيل ، وأقام الكرسوع وصديقه محبوب احتفالا كبيرا ؛ بمناسبة زواج إسماعيل من ( أماني ) ، دعيا إليه لفيفا من الأهل والأصدقاء والجيران ووجهاء المدينة ، وبعضا من الأصدقاء في الحجاز ، ثم سافر الكرسوع بصحبة العروسين إلى جدة .
وفي عام 1405 ه صدرت موافقة سلاح الحدود بنقل عمل الكرسوع إلى جيزان ، عاد محمود وحيدا ؛ ليستقر في حارته القديمة مجددا ويباشر عمله في خفر السواحل بجيزان ، كانت تلك الفترة شديدة الوقع عليه ، فقد تأقلم على حياة الحجاز ويجد صعوبة في تأقلمه مع وضعه الجديد في جيزان مرة أخرى ، خاصة وأن تلك الذكريات المؤلمة لا تفارقه ، فكلما لاحت على فكره أحس بالوحدة والغربة ، أضف إلى ذلك ما يجده من تنذر البعض وتهكمهم عليه ؛ بسبب لهجته الحجازية التي اكتسبها أثناء معيشته هناك ، غير أن صديقه محبوبا لم يتركه ، حيث كان يقوم بزيارته وتفقد أحواله باستمرار ، ويأخذه في الكثير من الأحيان في نزهة حول المدينة ، كما أن الشيخ أحمد المطوع كان ـــــ أيضا ـــــ يقوم بزيارته وتفقد أحواله فيتسامران معا ، ويتبادلان الأحاديث حول أحوال الحارة والمدينة وذكريات جلسات الكرويت ، ويترحمان على العم حامد القماش عميد الجلسة ، وعلى كل من رحل عن دنياهما ، حيث تبدل الحال وتغيرت الأوضاع ، فلم يعد هناك ( كرويت ) ولا جلسات ، ومعظم كل من كانوا يديرون تلك الجلسات قد انشغلوا بحياتهم وأسرهم وأبنائهم ومتطلبات الحياة الحديثة .
كان الكرسوع ومحبوب كثيرا ما يخرجان للنزهة والتعرف على الأحياء الجديدة في المدينة ، ويشاهدان الشوارع الحديثة التي شقت بها ، والمراكز والمحلات التجارية التي افتتحت ، ومرت الأيام وتتابعت الشهور والكرسوع يمضي وقته بين العمل وممارسة بعض هواياته القديمة مثل : النجارة ، والخروج إلى البحر مساء ؛ لاصطياد أسماك ( السيجان ) على ضوء أتريكه القديم الذي يعمل بالكيروسن ، وفي بعض الأحيان يقوم بالعزف على الربابة التي أحضرها معه من الحجاز ويردد معها أهازيج المزمار والينبعاوي ، وكلما تذكر والدته وأمينة وريحانة استجابت له دموعه وأحزانه ، في تلك الأثناء تجددت محاولات مسكة مرة أخرى ؛ حيث وجدت الفرصة مواتية لها للانقضاض عليه ، لا سيما وأنه قد أصبح وحيدا ومحتاجا إلى من يملأ عليه حياته ، لكن محبوب حين أحسن بذلك قطع الخط عليها ، حيث اصطحب معه الشيخ أحمد في زيارة عاجلة للكرسوع :
ــــــ أخونا وحبيبنا محمود ..يعلم الله أننا نحبك مثل أنفسنا .. وأنك أخ عزيز وغالي علينا .. والعشرة التي بيننا تشهد بذلك .
ــــــ عارف والله .. فأنت يا محبوب عيني اليمنى .. وأنت يا شيخ أحمد عيني الأخرى .. وأنا والله اعتبركم أخوة وأكثر .. ولكم معزة كبيرة في قلبي .
ـــــ بس اليوم جيناك لحاجة مهمة .
ـــــ خير يا رب .. إيش هي ؟


يتبع .....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 05:05 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



ــــــ يا محمود احنا خايفين عليك من هذي الوِحدة .. وما نبغى الشياطين تلف من حولك .
ــــــ شياطين !!
ـــــ أيوه .. نقصد مسكة واللي مثلها .
ــــــ أها .. لا لا تخافو .. بعيد عليها .. وأنا صاحي لها وواخذ بالي منها كويس .
ــــــ برضه هذا ما يمنع إنك تسمع اللي بنقوله لك .
ـــــــ هات !!
ــــــ أنت دحين عمرك خمسة وأربعين سنة .. يعني كبرت ومحتاج اللي يعيش معك ويملي عليك حياتك ويونسك .. وتسعد معاه .
ــــــ هههه .. يعني تبغون تزوجوني !!
ــــــ أيييوه .. بالضبط .
ــــــ بعدين تعالوا .. إيش يعني خمس وأربعين سنة .. أنا ما زلت شباب .. إيش تحسبوني شيَّبت وصرت قحم مثلكم .
ــــــ ههههه حاسب لكلامك يا محمود .. احنا برضه شباب أكثر منك .
ـــــــ من فين شباب .. أنت يا محبوب بعد كم شهر راح تكون جد والشيخ أحمد قد سبقك .
ــــــ ههههه .. لا تبالغ يا محمود .. يمكن محبوب أكبر منك شوي بس .. وهذي أماني تراها بنته البكر لأنه تزوج بدري .. يعني عاده جاهل .. أنا اعترف إني أكبر منكم بسنتين أو ثلاث بس مش قحم .
ـــــــ ههههه .. إلَّا قحومة ونص .
ــــــ طيب خلاص قحومة قحومة .. المهم لا تتهرب من الموضوع .
ــــــ أي موضوع ؟
ـــــــ محموووود .. الزواج .
ــــــ ياجماعة صعب والله .. بعد العمر ذا .. وبعدين من هي هذي اللي راح ترضي بي بعد ما تشوهت سمعتي .
ـــــــ يا محمود .. الناس كلها عارفة إنك مثل البفتة البيضاء .. أنت أعزم وتوكل على الله وما لك شغل .. احنا بنتصرف .
ـــــــ يا جماعة فكونا من هذي السيرة الله يرحم والديكم .
ــــــ والله ما نسيبك حتى توافق .
ــــــ يا جماعة حتى لو وافقت .. إيش باقي في العمر .. وبعدين عيال وتربية ومدارس وشغلانة .. لا لا شيلو هذي الفكرة من عقولكم .. يكفيني ولدي إسماعيل وبنتي أماني والأحفاد اللي حيجوا منهم .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 05:07 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



تكررت الجلسات بين الثلاثة ، واستمر إلحاح الصديقين محبوب وأحمد المطوع على الكرسوع بفكرة الزواج ، وفي إحداها عرضا عليه ابنة العطار ( رجب ) :
ــــــ إيش رأيك يا محمود في ( شمعة ) بنت العطار رجب .. بنت خلوقة ومتزنة ومحافظة .. ولا يعلى عليها .
ــــــ أها .. هذي اللي توفي زوجها في حادث انقلاب على طريق صبيا .
ــــــ أيوه .. وتراها ما خلَّفت منه .. واحنا نراها مناسبة لك جدا .
ـــــــ بس .
ــــــ بس إيش يا محمود .. خلاص أعقلها وتوكَّل .
وتحت إصرار الصديقين وافق الكرسوع على زواجه من شمعة ، حيث قام بالاستعداد لذلك بترميم منزله وإضافة بعض الملحقات الضرورية له ، وتم عقد القران بينهما ، فيما قام الصديقان محبوب والشيخ أحمد بدعوة كثير من الأصدقاء ووجهاء الحارة والمدينة وبعض أصدقاء الكرسوع في الحجاز ، وأُقيم حفل رائع بهذه المناسبة تخلله الكثير من الرقص الجازاني الشعبي مثل : العرضة والسيف والمعشى والعزاوي وغيرها .
عاش الكرسوع مع زوجته شمعة حياة السعادة والهناء واستقرت حياته كثيرا ، وحيث أن زوجته من الفتيات الملتزمات فقد بان تأثيرها الحميد عليه ، فأقلع عن التدخين ، وحافظ على الصلوات مع جماعة المسجد ، وظهرت على ملامحه علامات الوقار .
تتابعت الأيام وظهرت بشائر الحمل على زوجته شمعة وسط فرحة ومباركة الأصدقاء :
ــــــ ألف مبروك يا كرسوع .
ــــــ الله يبارك فيكم يا أحباب .. وقولوا الله يتممه بخير ويخرج إلى هذي الحياة .
ــــــ إن شاء الله تحصِّل كرسوع صغير .
ــــــ ههههه .. ويمكن تجي كرسوعة .
ــــــ إيش ناوي تسمي يا كرسوع ؟
ــــــ إذا كانت بنت ( ريحانة ) .
ــــــ وإن كان ولد ؟
ــــــ نخلي أمه هي اللي تسميه .
وتمت مدة الحمل ، ومنَّ الله على الكرسوع بمولود جميل فرح به أشد الفرح ، ثم أقام مأدبة غذاء للأصدقاء قائلا لهم :
ـــــ اسمعوا يا أحبابي جميعا .. اليوم أعترف لكم إني صرت قحم مثلكم ههههه .. ومن هنا ورايح أبغى الجميع يناديني بالعم محمود بدلا من الكرسوع .. الكرسوع خلاص بنخليه لولدي لما يكبر شوية .. ها أيش رايكم ؟ .
ــــــ موافقين كلنا يا عم محمود هههههه .
ــــــ حاجة ثانية نسيت أقولها لكم .
ــــــ قول يا قحم .
تروني خطبت بنت محبوب اللي بتيجي إن شاء الله لولدي .
ـــــ ههههه بس هذي لسا في علم الغيب يا قحم ! .
ــــــ إن شاء الله يا محبوب تجيك بنت بعد ولدي وتكون خطيبته .
ــــــ طيب إن شاء الله .
ــــــ وعد يا محبوب .
ـــــ وعد بحول الله .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 05:09 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



مرت الأيام والعم محمود يعيش حياته الجديدة مع زوجته وابنهما ، حيث رباه تربية حسنة ، وسهر على راحته ، وتابع مراحل نموه وهو لا تسعه الفرحة بمقدمه ، موفرا له كل ما يتمناه .
عاشت شمعة مع زوجها محمود عيشة هنيئة كانت كثيرا ما تحمد الله وتشكره على هذه النعمة التي أنعم الله بها عليها ، وتدعوه في صلاتها بأن يبارك لها في هذا الزوج المخلص وفي ابنها الوحيد ، الذي نما وترعرع في كنف أبويه ، ونشأ فتى صادقا أمينا مطيعا وبارا بوالديه ، اجتاز مراحل التعليم بتفوق ، وواصل دراسته الجامعية ، وتخرج منها بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى ، ومرت الأيام وتتابعت ورزق الله محبوبا بنتا جميلة أسماها ( هالة ) ، فتوطدت العلاقة بين الأسرتين أكثر من ذي قبل ، وكان محمود الذي بلغ السبعين من عمره يُذكِّر صديقه محبوب بالوعد ( خطوبة هالة من ولده ) عند كل زيارة .
كان محمود كلما صلى دعا ربه أن يمد في عمره حتى يرى ابنه قد استقر في وظيفته الرسمية ، وحياته الزوجية ، منتظرا الوقت المناسب ؛ ليتقدم بطلب خطبة هالة بنت محبوب لابنه الوحيد ، وكان كثيرا ما يفاتح زوجته شمعة بذلك الأمر ، ويحدثها عن أمنياته المتعددة لابنهم :
ــــــ والله يا شمعة لو الود ودي أزوجه اليوم قبل بكرة .
ــــــ وأنا مثلك يا محمود .. بس الوظايف يقولون إنها قليلة هذي الأيام .
ــــــ ترين أنا قادر أزوجه من اليوم .. بس المسألة لا زم يكون عنده وظيفة ، وراتب يصرف منه ويتحمل مسؤولية فتح بيت ، ممكن أنا أزوِّجه لكن لو مُت من فين بيصرف بعدين ؟ .
ــــــ الله يخليك لنا ويحفظك لولدك .. وتعيش وتشوف أحفادك .
ــــــ يا رب .
ـــــ طيب متى بتجي الوظايف حق الحكومة ؟ .
ـــــ علمي علمك .. يمكن تطول شوي .. لكن تدرين أنا بأروح ادوِّر له على وظيفة مؤقتة وأزوجه وأرتاح .. لحد ما تجي وظيفته الرسمية .
ـــــ وليش أنت مستعجل عليه ؟ .
ـــــ خايف يا شمعة .. خايف تتغطى عيوني قبل ما يتزوج .
شرع العم محمود وابنه يبحثان عن وظيفة مؤقتة إلى أن أكرمهما الله بوظيفة في منشأة خاصة مرموقة وبراتب جيد ، وفي نفس التخصص الذي تخرج عليه من الجامعة .
باشر ابن محمود وظيفته وبرع في عمله وأخلص فيه ، مما جعل صاحب العمل يعجب به ويزيد من مُرتَّبه ، بالإضافة إلى إعجاب زملائه وزميلاته في العمل ، وهنا تعرَّف على إحدى زميلاته التي تعمل معه في نفس المجال ، حيث أعجب بأخلاقها وفطنتها ونبوغها ، ثم تطورت بينهما علاقة الزمالة إلى علاقة عاطفية ، فأحبَّا بعضهما ، واتفقا على تتويج ذلك الحب بالزواج ، وبعد مرور سنة على الالتحاق بتلك الوظيفة فاتح العم محمود ابنه في مسألة الزواج :


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 05:11 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



ــــــ اسمع يا ولدي .. أنت الآن أصبحت رجل ولك وظيفة وراتب .. وتقدر تعتمد على نفسك في كل شيء .. ونفسي يا ولدي اطمئن عليك وأزوجك قبل ما أموت .
ــــــ بعيد الشر عليك يا أغلى أب في الدنيا .
ـــــ أبغى أخطب لك بنت عمك محبوب ( هالة ) وهذا وعد بيني وبينه من زمان .. وبعد شهرين يتم الزواج .
ـــــ بس يا بويه .
ــــــ بس إيش يا ولدي !!
ــــــ أقصد أنه بدري شوي على الزواج .
ــــــ لا بدري ولا يحزنون .. هذا الوقت وقته .
ــــــ لكن ...
ــــــ لكن إيش يا ولد !!
ــــــ شوف يا بويه .. تدري إني بار بك ولا أعصيك أبد .. لكن مسألة الزواج هذي تختلف شوي .
ــــــ تختلف كيف .. فهمني يا متعلم .
ــــــ أقصد أنه أنا اللي راح أتزوج .. ولازم أنا اللي أختار شريكة حياتي .. هذي حياة وعمر .
ــــــ عجييييب .. أفهم من كذا إنك ما تبغى ( هالة ) بنت عمك محبوب !! .
ــــــ يا بويه .. عمي محبوب على عيني وراسي .. وأنا أعتبره في مقامك .. بس ...
ــــــ أها .. يعني عينك على وحدة ثانية غيرها .. صح ! .
ــــــ بصراحة أيوه .. أنا معجب بوحدة زميلتي في الشغل .. ومتفاهمين على كل شيء .
ــــــ عجييييب .. ومن هي هذي الوحدة يا سبع البرمبة .
ــــــ أشواق بنت الحسيبي .
ـــــ إيش تقول .. بنت الحسيبي .. لا وألف لا .
ـــــ لكن يا بويه .
ـــــ ولا لكن ولا حاجة .. قلت لا يعني لا .. إلا هذي البنت .. عجيب والله ما بقي إلا بنت الحسيبي تتزوجها .. نسيت أبوها وأفعاله وإيش سواه في أبوك !
ــــــ يا بويه .. الرجال قد تاب .. وقد مات .. والبنت مالها ذنب في اللي حصل .
ـــــ أنا قلت تتزوج هالة يعني تتزوج هالة .. أيوه تتزوجها ورجلك فوق رقبتك .
ـــــ يا بويه ما يصير كذا .
وهنا دخل الشيطان بينهما وشد الخصام بين إصرار الأب على الزواج من هالة بنت محبوب ورفض الابن الزواج من أصله ، إلى أن تدخَّلت شمعة ؛ لتحث زوجها على تلبية رغبة ابنها ممن يريدها ، لكن محمود فقد أعصابه وتملكه الغضب فأخذ يصيح ويشتم ويهدد ويتوعد وثارت ثوائره ودخل في خصام حاد مع زوجته :
ــــــ اسمعي يا شمعة .. أنت لا تتدخلي .. لازم كلامي هو اللي يمشي في هذا البيت وبس .. واللي مش عاجبه يشرب من البحر .
ــــــ يا محمود .. الدنيا أخذ وعطاء .. ولازم تفكر في مصلحة ولدك بدون انفعال .
ــــــ خلاص دام المسألة كذا أنا سايب لكم البيت .. أتصرفي إنتي وولدك زي ما يعجبكم .. بس يكون في علمكم ما أبغى أشوف رقعة وجوهكم لا إنتي ولا ولدك .. لا في حياة ولا في موت .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 05:13 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



خرج العم محمود غاضبا من المنزل وذهب إلى البحر وهناك مكث ساعة كاملة ، ثم قرر استئجار منزل صغير يعيش فيه بمفرده ، هاجرا زوجته وابنه الوحيد ، أما ولده فقد صرف النظر عن فكرة الزواج نهائيا ، وانصب تفكيره في إنهاء هذا الخصام مع والده ، وقد ألقت تلك الأحداث بظلالها على إتقانه وانضباطه في عمله ، مما جعله يدخل في خلافات مستمرة مع صاحب العمل ؛ حيث قدم على إثر ذلك استقالته ، ثم جمع مالديه من رواتب وفتح مقرا خاصا به .
تتابعت الأيام ووصل خبر الخصام إلى محبوب ، وحاول التدخل لحل تلك الخلافات لكنه لم يفلح ؛ بسبب تعنت صديقه محمود ، وتصلب عقليته الشتائية ، وفي ذات مساء أخذ محبوب صديقه محمود في نزهة بسيارته على أرجاء المدينة ؛ ليعرفه على المخططات الجديدة في البلد : الشاطئ ، مخططات ( 5 ) و ( 6 ) ، مباني المدينة الجامعية ( جامعة جازان ) ـــــ في بداية إنشائها ــــ مستغلا تلك الفرصة لفتح الحديث مع محمود :
ــــــ يا محمود يا حبيبي .. ما فيه داعي توصل الأمور إلى هذا الحد .. والزواج قسمة ونصيب .. ويمكن بنتي مش من نصيب ولدك .
ــــــ محبوب أنا وعدتك وأنت وعدتني .. وطلبت بنتك هالة من قبل ما تخلق .. صح ولا لا ؟
ــــــ أيوه صح .. بس كل عصر وله ظروفه .
ــــــ يعني عاجبك ولد مفعوص زي هذا يتحداني ويمشي كلامه عليَّ .
ــــــ يا محمود .. المسألة مش كذا .. إحنا جيل وعيالنا جيل .. وكل جيل له طريقته وتفكيره .. ومش ولدك بس .. دحين كلهم لازم الواحد هو اللي يختار شريكة حياته بنفسه .
ــــــ لكن .
ــــــ ولا لكن ولا حاجة .. خليه يختار اللي يبغاها ويحبها قلبه .. وزوِّجه وخليه يعيش حياته .
ــــــ طيب وبنتك .. ووعدي لك .
ـــــ نصيبها عند الله .. وبعدين إيش درَّاك لو وافق ولدك على بنتي مش يمكن هي ما توافق عليه .
ــــــ عجييييب !
ــــــ مش أقولك أنه جيل جديد وله تفكيره وطريقته الخاصة به .
صمت العم محمود ، وترجَّل من سيارة صديقه وهو غارق في بحور من التفكير ، وبات ليلته تلك قلقا مكتئبا متفكرا في الأيام القادمة ، وما تحمله في ثناياها من أمور وما تخبئه من أقدار ، متصورا أن يموت وهو بعيد عن أسرته ، وكيف سيكون مصير زوجته وابنه من بعد فراقه ، ولم ينم إلا في ساعة متأخرة .


يتبع ....

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::

الغيث
09-11-2021, 05:16 AM
*
الكرسوع

https://up.boohalharf.com/uploads/163100659352521.jpg



في العيادة خرج العم محمود من استرخائه وارتحالاته على صوت الممرضة تدعوه للدخول :
ـــــ يلا يا عم .. جا دورك .. الدكتور ماجد مستنيك .
قام العم محمود متحاملا على نفسه من طول مدة الجلوس ، مهيِّئا من هندامه ، متعاهدا عمامته متجها صوب العيادة ، وما أن رآه الدكتور ماجد قادما ؛ حتى هب من فوق كرسيه ، راكضا نحوه مُقبِّلا يديه وركبتيه وهو يقول :
ــــــ الكرسوع بشحمه ولحمه في عيادتي .. وأنا من بدري أقول إيش هذا النور اللي مالي العيادة اليوم !
ــــــ يا واد بلاش البكش حقك هذا .. قلنا الكرسوع خلاص انتهى .
وهنا ارتمى الدكتور ماجد في أحضانه وهو يقول :
ـــــ أنا في حلم يا بويه ولا في علم .. ستظل أبي صاحب القلب الكبير .. وستبقى الكرسوع صاحب المواقف النبيلة التي لن تنسى .
ــــــ يلا يا ماجد .. شيل بدلة الدكترة حقتك هذي .. ويلا نروح البيت ونصالح أمك ونحتفل بغدوة معتبرة .. وبعد العشاء أشيل عمك محبوب وبعض الأصدقاء ونروح نخطب لك أشواق بنت الحسيبي من أخوها الأكبر .


انتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــت

***

الغيث
حصري للمدائن
>::>::>::>::
ترقبوا روايتي الثانية

إلهام
09-11-2021, 10:33 AM
لعل بعض الحقائق لابد من تجرّعها بنكهتها وإن غلبها المرار
عانى كثير الكرسوع والحمدلله ابتسمت له الحياة في النهاية، ربما لأنه رضي بكل ماقاساه
ابتسمت كثير لألفاظ لم أسمعها منذ زمن مثل كلمة "طربال"
ومنذ زمن لم أسمع "آه ياحلو يبا يا مسليني ياللي بنار الهجر كاويني"

حكاية جميلة فيها كثير من العبر بسرد عفوي محبب
ولغة رصينة تجر القرارئ تباعاً دونما انقطاع أنفاس الصورة
تحقق عنصر التشويق للمزيد حتى نقطة النهاية
شكراً بحجم السماء، واعلم أنك انشغلت كثير الأيام التي مضت بالمضافة ومواضيع بالمدائن
تمنيت لو أن وقتها لم يطول هكذا

الغيث
09-11-2021, 05:38 PM
لعل بعض الحقائق لابد من تجرّعها بنكهتها وإن غلبها المرار
عانى كثير الكرسوع والحمدلله ابتسمت له الحياة في النهاية، ربما لأنه رضي بكل ماقاساه
ابتسمت كثير لألفاظ لم أسمعها منذ زمن مثل كلمة "طربال"
ومنذ زمن لم أسمع "آه ياحلو يبا يا مسليني ياللي بنار الهجر كاويني"

حكاية جميلة فيها كثير من العبر بسرد عفوي محبب
ولغة رصينة تجر القرارئ تباعاً دونما انقطاع أنفاس الصورة
تحقق عنصر التشويق للمزيد حتى نقطة النهاية
شكراً بحجم السماء، واعلم أنك انشغلت كثير الأيام التي مضت بالمضافة ومواضيع بالمدائن
تمنيت لو أن وقتها لم يطول هكذا
مرحبا إلهام
وكم أنا سعيد بقراءتك للرواية وتعليقك الختامي عليها
نعم .. الرواية تجسد قصة حقيقية حدثت في زمنها بشخوص حقيقة
غير شخوص الرواية وهذا معروف
وبما أنها حدثت في حقبة زمنية معينة فلابد أن تكون كل الأحداث مرتبطة زمنيا
بتلك الفترة مع ما رافقها من أدوات وألفاظ وعبارات وأهازيج تجسد تلك الفترة
بارك الله بعمرك يا رائعتنا إلهام
وأسعدك في الدارين
لك خالص شكري وتقديري
ولروحك الجمال .
>::>::>::

إلهام
09-11-2021, 05:43 PM
نسيت أقولك: تعلمت كثير عن اللهجة الجيزانية بعد المدائن
ومن الجميل والمميز أن عبارات الرواية بالبيئة التي جسدتها وبنفس اللهجة

الغيث
09-11-2021, 06:06 PM
نسيت أقولك: تعلمت كثير عن اللهجة الجيزانية بعد المدائن
ومن الجميل والمميز أن عبارات الرواية بالبيئة التي جسدتها وبنفس اللهجة


نعم يا إلهام
لو لاحظتِ أن السرد بالفصحى
لكن الحوار باللهجة المحلية
وهذا من متطلبات تكنيك الرواية
فلو وضعت الحوار بالفصحى لانتقدك أضعف ناقد
سيقول لك كيف هؤلاء يعيشون في حارات شعبية
وأغلبهم نصف إلى ربع متعلم
فكيف يجيدون الفصحى بطلاقة
شكرا لكِ flll:

البنفسج
09-11-2021, 07:56 PM
لست شاعرا فقط
أنت أيضا روائي من الدرجة " الفخمة "
تبارك الله نفسك طويل وعميق
وتمتلك كل المقومات الصعبة التي قد لاتتوفر
أدواتها لدى البعض وكان الأهم هو الإبداع
والتمازج الجميل بين الكلمات وخفة الروح
في بعض مواطن الرواية
أيضا جمالها في جذب انتباهنا لها
واستطعت خلق التوازن بين كل مواقفها
جودة عظيمة كانت هنا وكفى

رائع ومبهر ومبدع أيها الغيث

flll:flll:

كراميل نور
09-11-2021, 11:03 PM
منتهى الروعة .....لي عودة لإكمال الرواية ثم الرد باذن الله

الغيث
09-12-2021, 12:09 AM
منتهى الروعة .....لي عودة لإكمال الرواية ثم الرد باذن الله

أهلا كراميل
سعيد بقراءتك
وأنتظر عودتك
شكرا بحجم السماء
>::

الغيث
09-12-2021, 06:24 PM
لست شاعرا فقط
أنت أيضا روائي من الدرجة " الفخمة "
تبارك الله نفسك طويل وعميق
وتمتلك كل المقومات الصعبة التي قد لاتتوفر
أدواتها لدى البعض وكان الأهم هو الإبداع
والتمازج الجميل بين الكلمات وخفة الروح
في بعض مواطن الرواية
أيضا جمالها في جذب انتباهنا لها
واستطعت خلق التوازن بين كل مواقفها
جودة عظيمة كانت هنا وكفى

رائع ومبهر ومبدع أيها الغيث

flll:flll:

مرحبا بالبدر الطالع والنور الساطع والحرف الماتع
بنفسجنا العظيمة
حين تأتي الشهادة من البنفسج فلا يسعني إلا أن أرتدي جلباب السعادة الأبدية
ذلك لأن قامة سامقة مثلك يا بنفسج يفتخر النص والفكر والقلم وصاحبه حين تلامسيه
وحين تدق ساعة السعد وتكون عقاربها أنامل البنفسج
فليس أمام المرء إلا يُركِّبَ أجنحته ليطير إلى أعالي السماء فرحا وابتهاجا
وحين تختم روايتي بحضور البنفسج
فإنها تصطف وسط الروايات المشهورة
هذه الرواية يا زهرتنا الجميلة هي قصة من الواقع
سمعتها من جدتي آمنة يرحمها الله
احتفظتُ بها في ذاكرتي حتى حين يوم راودتني نفسي على تحويلها إلى رواية
فكانت الكرسوع
وقد بذلتُ جهدا كبيرا في تدوير الأحداث واختراع الشخصيات
ودينمو الرواية ( مسكة ) التي تتحرك على رأسها معظم الأحداث
ولعلكِ لاحظت استخدامي لتكنيك الرواية الحديتة من حيث البداية إلى القفلة
فكل الشكر لكِ على قراءتكِ وتحليل بعض الجوانب فيها
زادك الله علما ومعرفة
وبارك في عمرك وفكرك
ولكِ خالص الود والتقدير
>::>::>::