المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع وصايا لقمان لابنه


نزف القلم
05-31-2021, 09:06 AM
سميت سورة "لقمان" بهذا الاسم لأنه ذُكر فيها لقمان ووصاياه لابنه، ولقمان رجلٌ تفجرت ينابيع الحكمة من عقله ولسانه، فقد كان حكيمًا، والحكمة إيتاءٌ ومنَّة، يؤتيها الله تعالى ويمن بها على من يشاء من عباده: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269]، وقد ذكرت الحكمة في مواضع كثيرة في القرآن.
بدأت السورة بهذا التقرير: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ [يونس: 1]، قال القرطبي: (أي المحكم؛ أي: لا خلل فيه ولا تناقض، وقيل: ذو الحكمة، وقيل: الحاكم)؛ فآياته محكمة في غاية التناسق والتناسب، كأنها سلسلة متصلة المعاني منتظمة المباني، غاية في البراعة والإحكام والتمام والجمال والجلال والكمال: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115]، وهذا الكتاب تتجلى الحكمة في آياته وأحكامه وأوامره ونواهيه، وما يدعو إليه من كريم الخصال ومحاسن الأخلاق، وما اختص به من خصائص الرحمة والرفق واليسر، ورفع الحرج والمشقة ومراعاة أحوال الخلق، وما اتَّصف به من العموم والشمول والعدل والصدق، وتحقيق مصالح البشر ومنافع الخلق!
تحدثت هذه السورة في مطلعها عن صنفين من الناس؛ الأول: صنف المحسنين وصفاتهم، وأنهم هم المفلحون. والثاني: صنفٌ ضال وُصف في هذه الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 6، 7]، فمن ناحية ينفق ماله في اللهو واللغو والعبث، بغرض الإضلال وصرف نفسه والناس عن الحق، ويتخذ سبيل الله القويم مادة سخرية واستهزاء، ومن ناحية أخرى - في مقابل ذلك - فإنه لا يطيق سماع آيات الله إذا تليت عليه، ويهرب منها خوفًا من أن تؤثر فيه، وكبرًا وتعاليًا عن الخضوع لها والتصديق بها.
والحديث عن لقمان هو منهج تربية وإعداد لمعالي الأمور، يبدأ بالأساس وهو الدعوة إلى توحيد الله عز وجل: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، فالتوحيد يقتضي نفي الشرك والتبرؤ منه بكل أنواعه (الأكبر والأصغر والخفي)، وإذا صح التوحيد، وعلم الإنسان أنه لا إله إلا الله، وأخلص في قولها، وعمل بمقتضاها وخضع لشروطها، استقام الأمر بعد ذلك فهو لن يهمل والديه، ولن يسيء إليهما؛ لأن شكرهما من شكر الله، فمن شكر الله شكر والديه.
ثم تتجلى بعد ذلك آثار الإيمان بالله وتوحيده في سلوك وأحاسيس وأخلاق؛ كالمراقبة لله واستشعار قدرته وعظمته وإحاطته بكل شيء: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16].
وبعد هذا الإعداد النفسي الداخلي يبدأ الجانب العملي، فلا إيمان بغير عمل، وأفضل الأعمال ما كان فيه نفع متعد يعود على الناس والمجتمع بالخير والصلاح، فالصلاح قرين الإصلاح، فإن دليل صلاح العبد أن يكون مصلحًا.
﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]، والصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة، ولكل عبادة ثمرة لا بد أن يعود نفعها على المجتمع، وفي الصلاة يتزود المسلم بزاد إيماني يدفعه ويعينه على ممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، موطِّنًا نفسه على تحمُّل الأذى؛ لأنه لن يحمل على الأعناق، بل سيناله الضر والأذى من سخرية أو تضييق، فكان لابد من الصبر؛ ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].
والمؤمن لا يتعالى على الناس بإيمانه، بل ينظر إليهم بمنظار الشفقة والرحمة، ويتمنى لهم الإيمان من كل قلبه: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 18، 19].
ثم هم يوقفون عقولهم ويلغون تفكيرهم مكتفين بتقليد الآباء، مستجيبين لدعوة الشيطان وهو يدعوهم إلى عذاب السعير بإعراضهم عن الهدى والكتاب المنير؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [لقمان: 21].
والعروة الوثقى هي: "لا إله إلا الله"، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22]، قال الإمام الطبري: "يقول تعالى ذكره: ومن يعبد ووجهه متذللًا بالعبودة، مقرًّا له بالألوهة، (وهو محسن) يقول: وهو مطيع لله في أمره ونهيه، ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾، عن ابن عباس: قال: "لا إله إلا الله".
فالقضية هي قضية العبودية لله الآمر الناهي، وقضية الألوهية، والانقياد لحكم الله والرضا بقضائه، والخوف منه والرجاء فيه، والإنابة إليه، وتعلُّق القلب به وحده سبحانه.
وسبحانه وتعالى علام الغيوب؛ فعنده علم الساعة وينزل الغيث وقتما شاء وأينما شاء، ويعلم ما في الأرحام قبل نفخ الروح: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ [لقمان: 34].
د. أمين الدميري

النقاء
05-31-2021, 01:49 PM
جزاك الله خير الجزاء


أحسنت وأبدعت بطرحك الثري
نزف القلم تقديري لجهودك هنااااا

سليدا
05-31-2021, 03:22 PM
جَزآكــم اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ ..،
جَعَلَ أَيامكم نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُ الله في مُوآزيَنَ آعمآلَكــم
دَآمَ لَنآ عَطآئُكــم

واجدة السواس
05-31-2021, 03:25 PM
إبداع في الطرح القيم والمفيد

جزاك الله خير وبارك فيك
ولاحرمك الله الاجر والثواب

احمد الحلو
06-03-2021, 07:19 PM
جُزيت خيرا

طرح راقي وثري وجهد مميز سلمت الايادي

سوسنتي الحلوة

احمد الحلو

بُشْرَى
06-03-2021, 11:18 PM
.

.

بورك العطاء الوثير
جزيت الخير .

في ميزان حسناتك بإذن الله
>::

نزف القلم
06-07-2021, 11:29 AM
كل الشكر والامتنان على مروركم الراقي
لكم مني كل الود والتقدير