المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظرِ الساعة


سليدا
05-17-2021, 07:20 PM
إذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظرِ الساعة

لم تكن الأمانة قاصرة في فهم الأوئل على أداء الأموال والوفاء بالعهود فقط, بل كانت تسع المشارق والمغارب, فهي شجرة التوحيد الوافرة, وثمرة الإيمان اليانعة, والظل في الهواجر, والزاد للمسافر.




فهي لؤلؤةٌ نفيسة، وجوهرٌ نقيّ, ومعدنٌ أصيل في يد صائغٍ نبيل, كما قالت بَرِيْرَة عن أم المؤمنين عائشة, وقد ترعرعت في كنف النبي صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله, والله ما علمت منها إلاّ ما يعلم الصائغ على تِبْر الذّهب الأحمر), وقال صلىالله عليه وسلم: (الناس معادن), وقال: (إنّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرأن ثم علموا من السنة), وقال: (عن معادن العرب تسألونني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)، وقال: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة)!


والأمانة إقامة لشرع الله في حنايا النفس وفي حياة الناس (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر). فالصلاة أمانةٌ إذا ضيّعها العبد فهو لما سواها أضيع, ولقد بكى أنس بن مالك لمّا رأى تضييع الصلاة على عهد الحجاج كما روى البخاري في كتاب مواقيت الصلاة (باب تضييع الصلاة عن وقتها) عن الزُهري قال: (دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي, فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أَدْرَكتُ إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعَت). والزكاة أمانة قاتل الصديق مانعيها وأطلق عليهم وصف الرِدَّة, والصيام أمانة (إذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب, وإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل إني أمرؤٌ صائم), والحجّ أمانة (فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ). والدعوة إلى الله أمانة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لقومه: (الرائد لا يكذب أهله).



والأمانة ثباتٌ على الذِّكر, ووفاءٌ لصاحب الأمر، صلى الله عليه وسلم, ودوامٌ على الدين إلى آخر العمر, فقد سأل هرقل أبا سفيان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, (هل يرتّد أحدٌ منهم سَخْطَةً لدينه؟ قال: لا, قال: فكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب), وقد قالوا:



نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما حيينا أبداً

وقال الغلام للملك: (إنك لن تقتلني حتى تقول باسم ربّ الغلام، ففعل, فقال الناس جميعاً: آمنّا بربّ الغلام), ثم آثروا الأخدود والنار على أن يعودوا كفّاراً, (وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)، و(قد كان فيمن قبلكم يؤتى بالرجل فينشر بالمنشار ما دون لحمه وعظمه ما يصدّه ذلك عن دينه), ومِن حلاوة الإيمان (أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقدف في النار) وقال الذي آمن: (ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار)، ورحم الله أولئك السَّحَرة البَرَرَة الذين تحرّروا من أغلال الدنيا وهزموا فرعون بقولهم (فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا)!



والأمانة قوةٌ في حفظ الحقوق كما أجاب يوسف عليه السلام الملك لمّا قال: (إنك اليوم لدينا مكين أمين, قال: اجعلني على خزائن الأرض إنيّ حفيظٌ عليم). وقالت ابنة شعيب: (يا أبتِ استأجره إنّ خير مَن استأجرت القويّ الأمين), فالأمانة برّ للوالدين، ورعاية لأموال المسلمين، وحفظٌ للعرض والدين. فهؤلاء النّفر الثلاثة الذين حبستهم الصخرة في الغار ما أنجاهم إلاّ صدق أمانتهم, إذ كان أولهم أميناً على أبويه, حتى ظلّ واقفاً بإناء اللبن على رأسيهما وأطفاله يتضاغون لا يريد أن يسقيهم قبل أبوَيه حتى طلع الفجر وهو على ذلك, وكان الثاني أميناً على مال صاحبه حيث ظلّ يرعاه ويُنَمِّيه في غياب صاحبه. وكان الثالث أميناً على عرض المرأة وحافظاً لحدود الله, ما إن ذكّرَته المرأة بأن لا يفض الخاتم إلاّ بحقه حتى إنتهى, (إنّ الذين اتقوا إذا مَسَّهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون).



والأمانة مراقبة ٌللسمع، ومحاسبةٌ للبصر, ومتابعة للفؤاد (إن السمع والفؤاد كلّ أؤلئك كان عنه مسؤولاً), وحبسٌ للسان عن المهالك (وهل يَكبّ الناس على مناخرهم في نار جهنّم إلاّ حصائد ألسنتهم)، (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون)، ولو تأمّلتَ الثلاثة الذين هم أول من تُسعّر بهم النار لألفيتهم قد ضيعوا أماناتهم: القارئ (ليقال قارئ وقد قيل), والمتصدّق، (ليقال جواد وقد قيل)، والمجاهد (ليقال مجاهد وقد قيل). لأن المرائي لا يحتسب عمله ولا يرجو له جزاءً عند الله (نسوا الله فأنساهم أنفسهم). ولذلك كانت الخيانة علامة على النفاق (إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتُمِن خان، وإذا عاهد غدر)!

سلطان الزين
05-18-2021, 08:19 AM
جزاكِ الله كل خير

احمد الحلو
05-18-2021, 11:23 AM
جُزيت خيرا

طرح راقي وثري وجهد مميز سلمت الايادي

سوسنتي الحلوة

احمد الحلو

بُشْرَى
05-18-2021, 09:47 PM
.
.
بوركت ..
وجزاك الله خير جزاء
في ميزان حسناتك ..

البنفسج
05-18-2021, 10:54 PM
صدقتِ
الأمانة تبرأت من حملها الجبال
فحملها الإنسان (إنه كان ظلوما جهولا)

جزيتِ الجنة عزيزتي

flll:

نزف القلم
05-28-2021, 10:31 AM
جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم
رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها
وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك
ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة
وأجـــــــــزل لك العطـــاء