علي المعشي
02-24-2021, 07:03 PM
الغلام واللثام .. 🍃
فُتح باب حديدي قديم مطل على أحد الأزقة الضيقة وممتد وسط الحي العتيق ، وظهرت من خلف الباب شابة تخرج رأسها وترسل نظرات ساحرة يمينة ويسرة، كأنما ترقب الطريق أو تتأكد من خلوه من العابرين.
لم يكن هناك غير غلام صغير يسير نحو الحانوت الواقع في آخر الزقاق ، لكن منظر الفتاة استوقفه ليتأمل ذلك اللثام الذي وضعته على فمها من جدائل شعرها الأسود المنسدل كالحرير تقبض عليه بأطراف أناملها المتوردة ذات الأظافر المطلية باللون الأحمر الداكن ، كما لفت نظره ذلك الكحل الأسود الذي يكاد يأتي على محجري عينيها ، تتزين به كعادة االغجريات ذوات العناية الفائقة بزينتهن وخاصة باستعمال الكحل الثقيل .
توقف الغلام في حالة من الذهول حتى نسي نفسه تماماً وبقي هائماً يتأمل في تلك اللوحة الجميلة التي ساقها إليه القدر على غير موعد سابق.
لم تأبه له الفتاة وقالت لنفسها :
غلام صغير لا يفقه من هذه الأمور شيئاً ..!
كبر الغلام الصغير وهاجر مع عائلته بعيداً ، وعاد بعد سنوات ينتظر لحظة كتلك اللحظة التي ظل يحلم بها عشر سنين طوال، ليخطب تلك الفتاة ويحقق حلم حياته ، وحينما وصل إلى ذات الزقاق وجده يتلألأ بأنوار المصابيح الساهرة وقناديل الضوء المعلقة على بيوتات الحي وأصوات الطبول تقرع خلف ذلك الباب القديم ، وبينما تقوده خطواته على قرع نبضه المتسارع خوفاً مما دار في خلده في تلك اللحظة حتى انطلقت زغرودة طويلة فتح على إثرها الباب وخرجت فتاة يمسك بها شاب يجر عباءة فرحه ، وإذ بها تلتفت إلى الزقاق الطويل لتقع على الفتى بذات العينين الكحيلتين التي يعرفها تماماً ولم تغب عنه للحظة .
أصابه صمم عن كل ذلك الصخب وظل يرقب مشهد الرحيل المر ، حتى توارى عنه ثوبها الأبيض ولم يبق سوى وريقات بيضاء من باقة الورد التي تحتضنها وقد تساقطت على الأرض ، فقبض تلك الوريقات بيده وظل واقفاً يلوك حسرته حتى ذهب كل المهنئين والمهنئات إلى حال سبيلهم ، ولم يبق سواه فقام يلملم بقايا فؤاد مجروح بين يديه تفتك به سياط الحزن والأسى.
علي معشي
فُتح باب حديدي قديم مطل على أحد الأزقة الضيقة وممتد وسط الحي العتيق ، وظهرت من خلف الباب شابة تخرج رأسها وترسل نظرات ساحرة يمينة ويسرة، كأنما ترقب الطريق أو تتأكد من خلوه من العابرين.
لم يكن هناك غير غلام صغير يسير نحو الحانوت الواقع في آخر الزقاق ، لكن منظر الفتاة استوقفه ليتأمل ذلك اللثام الذي وضعته على فمها من جدائل شعرها الأسود المنسدل كالحرير تقبض عليه بأطراف أناملها المتوردة ذات الأظافر المطلية باللون الأحمر الداكن ، كما لفت نظره ذلك الكحل الأسود الذي يكاد يأتي على محجري عينيها ، تتزين به كعادة االغجريات ذوات العناية الفائقة بزينتهن وخاصة باستعمال الكحل الثقيل .
توقف الغلام في حالة من الذهول حتى نسي نفسه تماماً وبقي هائماً يتأمل في تلك اللوحة الجميلة التي ساقها إليه القدر على غير موعد سابق.
لم تأبه له الفتاة وقالت لنفسها :
غلام صغير لا يفقه من هذه الأمور شيئاً ..!
كبر الغلام الصغير وهاجر مع عائلته بعيداً ، وعاد بعد سنوات ينتظر لحظة كتلك اللحظة التي ظل يحلم بها عشر سنين طوال، ليخطب تلك الفتاة ويحقق حلم حياته ، وحينما وصل إلى ذات الزقاق وجده يتلألأ بأنوار المصابيح الساهرة وقناديل الضوء المعلقة على بيوتات الحي وأصوات الطبول تقرع خلف ذلك الباب القديم ، وبينما تقوده خطواته على قرع نبضه المتسارع خوفاً مما دار في خلده في تلك اللحظة حتى انطلقت زغرودة طويلة فتح على إثرها الباب وخرجت فتاة يمسك بها شاب يجر عباءة فرحه ، وإذ بها تلتفت إلى الزقاق الطويل لتقع على الفتى بذات العينين الكحيلتين التي يعرفها تماماً ولم تغب عنه للحظة .
أصابه صمم عن كل ذلك الصخب وظل يرقب مشهد الرحيل المر ، حتى توارى عنه ثوبها الأبيض ولم يبق سوى وريقات بيضاء من باقة الورد التي تحتضنها وقد تساقطت على الأرض ، فقبض تلك الوريقات بيده وظل واقفاً يلوك حسرته حتى ذهب كل المهنئين والمهنئات إلى حال سبيلهم ، ولم يبق سواه فقام يلملم بقايا فؤاد مجروح بين يديه تفتك به سياط الحزن والأسى.
علي معشي