المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث أبي هريرة حق المسلم: تشميت العاطس


نزف القلم
02-12-2021, 10:58 AM
شرح حديث أبي هريرة: "حق المسلم: تشميت العاطس"
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حقُّ المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميتُ العاطس))؛ متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: ((حقُّ المسلم ستٌّ: إذا لَقِيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأَجِبْه، وإذا استنصحك فانصَحْ له، وإذا عطس فحَمِد الله فشَمِّتْه، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتِّبِعْه)).
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
والحق الخامس: تشميت العاطس.
يعني أن من حقوق المسلم على المسلم أن يُشَمِّتَه إذا عَطَس، هكذا في الرواية الأولى التي أخرجها البخاري ومسلم، وفي الرواية الثانية التي أخرجها مسلم: ((إذا عَطَس فحَمِد الله، فشَمِّتْه))، فقيَّد ذلك بما إذا حمد الله.
فإذا عطس الرجل وحمد الله وسمعته، فشَمِّتْه، يعني قل: يرحمك الله، فإذا قلتَ: يرحمك الله، وجب عليه أن يقول: يهديكم الله ويُصلِح بالَكم، هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول في الجواب: "يهديكم الله ويصلح بالكم".
لكن هل تشميت العاطس إذا حمد فرض عين أو فرض كفاية؟ يعني: هل يكفي واحد من الجماعة إذا شمَّتَه عن الجماعة، أم لا بد على كلِّ من سمعه أن يشمِّتَه؟
والجواب: أنه ذهب بعض العلماء إلى أن التشميت فرض كفاية؛ فإذا كنا جماعة وعطس رجل وقال: الحمد لله، فقال أحدنا له: يرحمك الله، كفى.
وقال بعض العلماء: بل تشميته فرضُ عين على كلِّ من سمعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان حقًّا على كل من سمعه أن يقول: يرحمك الله))، وظاهر هذا أنه فرض عين، فعلى هذا كلُّ من سمعه يقول له: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم، ويكفى منه ردٌّ واحدٌ على الجميع، إذا نواه للجميع كفى.
فإن عطس ولم يحمد الله، فلا تقل: يرحمك الله؛ تعزيرًا له على عدم حمده لله عزَّ وجلَّ، يعني كما أنه لم يحمد الله، فاحرِمْه هذا الدعاء، فلا تقل له: يرحمك الله، ثم هل تُذكِّره وتقول: قل: الحمد لله، أو لا تذكِّره؟ والجواب: من المعلوم أنه يحتمل أنه قد ترك الحمد تهاونًا، ويحتمل أنه ترَكَه نسيانًا، فإن كان تركه نسيانًا فذكِّرْه وقل له: احمد الله، وإن كان تركه تهاونًا فلا تذكِّرْه، ولكن أين لي العلم بذلك؟ وكيف أعلم أنه نسيان أو أنه تهاوُن؟
ظاهر الحديث "فحمد الله" أنه إذا لم يَحمد الله لا تُشمِّته ولا تذكِّره مطلقًا، ولكن يمكنك فيما بعد أن تعلِّمه وتقول له: إن الإنسان إذا عطس فإنه يحمد الله على هذا العطاس؛ لأن العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، العطاس دليلٌ على نشاط جسم الإنسان؛ ولهذا يجد الإنسان راحة بعد العطاس.
ثم إن التشميت بقول: يرحمك الله، مقيَّدٌ بثلاث؛ إذا شمته ثلاث مرات، يعني عطس فحمد الله، فقلت: يرحمك الله، ثم عطس فحمد الله، فقلت: يرحمك الله، ثم عطس فحمد الله، فقلت: يرحمك الله، ثم عطس الرابعة فقل: عافاك الله، إنك مزكوم، تدعو له بالعافية وتبيِّن له أنه مزكوم؛ لئلا يقول: لماذا لا تقول: يرحمك الله، كما كنت بالأول تقول: يرحمك الله؟ فتبيِّن العلة حين تقول: إنك مزكوم.
وفي هذا تنبيه له على أن يحاول الاحتراز مما يزيد الزكام، وإلا فإن الزكام في الغالب لا دواء له إذا أصاب الإنسان، وأنه لا يذهب عنه حتى ينتهي منه، لكن من أسباب تخفيف هذا الزكام عدم التعرض للهواء البارد، وعدم شرب الماء البارد، وعدم التعرض للبراد بعد الدفء، والإنسانُ طبيبُ نفسِه.
ثم إن ما يقوله بعض العامة إذا قلت له: يرحمك الله، حيث يقول: يهدينا ويهديكم الله، فهذا ليس بصحيح؛ لأن الرجل دعا لك أنت فقال: يرحمك الله، فكيف تقول: يهدينا ويهديكم الله، فتدعو لنفسك قبله، نعم لو قال: يرحمنا ويرحمك الله، فقل: يهدينا ويهديكم الله، لكنه قال: يرحمك الله، كما أُمِر، فأنت أَجِبْه كما أُمِرتَ؛ فقل: يهديكم الله ويصلح بالكم.
وذُكر أن اليهود كانوا يَتعاطسُون عند النبي عليه الصلاة والسلام - يعني يتكلَّفون العُطاس - من أجل أن يقول لهم: يرحمكم الله؛ لأنهم يعلمون أنه نبي، وأن دعاءه بالرحمة قد ينفعهم، ولكنه لا ينفعهم؛ لأن الكفار لو دعوتَ لهم بالرحمة لا ينفعهم ذلك، بل لا يحل لك أن تدعوَ لهم بالرحمة إذا ماتوا ولا بالمغفرة؛ لقول الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113].
فإن قيل: أليس إبراهيم استغفَرَ لأبيه، وإبراهيم على الحنيفيَّة وعلى التوحيد؟ هذا الجواب يتضح في قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114].
فهذه الحقوق التي بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم كلُّها إذا قام بها الناس بعضُهم مع بعض، حصل بذلك الأُلفةُ والمودَّة وزال ما في القلوب والنفوس من الضغائن والأحقاد.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 603 - 606).
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

سليدا
02-12-2021, 03:54 PM
جَزآك اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ
جَعَلَ يومَك نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُ الله في مُوآزيَنَ آعمآلَك

احمد الحلو
02-13-2021, 06:48 PM
جُزيت خيرا

طرح راقي وثري وجهد مميز سلمت الايادي

سوسنتي الحلوة

احمد الحلو

نزف القلم
02-14-2021, 09:35 PM
كل الشكر والامتنان على مروركم الراقي
لكم مني كل الود والتقدير