المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رُسُـــلي إليها ...


جابر محمد مدخلي
09-23-2020, 04:47 AM
قال تعالى: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "

جابر محمد مدخلي
09-23-2020, 04:51 AM
1

أخشى أن تكوني مجرد غفوة أخاف الاستيقاظ مما يهرول داخلي أثناءها فلا أجد سوى رواية كنت اقرأها، وكانت بطلتها حياتي التي رأيت.
أعترف أنني لم أر مثلك وربما لن أفتش طويلاً سوى عن لحظة أعيشها في حقيقتك بأيّ شكل تكون هذه اللحظة، ربما وصلت لإثبات أنني أعلى من الغفوة، وأضخم من الرواية، وأنني الحقيقة التي رأيت.
اصنعي لنا جسراً من أنفاسنا يجعلنا نخمر بنا، ونشرب من حقيقتنا لحظات لا تتكرر، تمنحنا الأوراق، وتصفع الغفوة لننهض من نعاسنا الأخير.



جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-23-2020, 04:57 AM
2

إليك يا حبيبتي المشار إليها بنقاط ثلاث . . . والمخبأة خلفهم ولن يعرفها سواك، إليك رسُلي هذه:
- أعلم أنني لم أضعك على خطوط وهمي، ولا ملكوت ترابي، ولا بين أقفاص صدري مع هذا أعلم كذلك أنني أتماثل للشفاء على أريكة صدرك، وأنجو من صبية صدري المتقافزين تجاه ما تصبّه روحك في إبريقي الذي لم يحفل حتى الآن بماردٍ يحقّق له لحظة خالدة، تقيم أوده.
يا امرأةً في صندوق تقيتي وزهدي. يا نجوى داخلي يمررها الوقت، ويستغلها ضميري لمصالحة روحه بوعود إيمانٍ خاصة به، يا أنثى التوقيت، وتمام الإلياذة في تميمة عنقي، يا من جعلت الدنيا تقف على أصبع واحدة، وصنعت للغفوة غايةَ الخصوبة، وولادة البنفسج الخارج من طعم فمها الخازن لوقود الرحمة. أظنني أفقد بوصلتي تجاهك كما تفقد البوصلة اتزانها تجاه الشمال. لا أعتمد معك تقويماً، ولا عدداً زوجياً لبقائي في حياة تامة. تعجبني اللحظة المخلوقة منك. أعشق قضاءها بكل ما تحمله. إنك أكثر خلوداً من العمر، ويعجبني العمر لأنه تمام اليقين، وخلاصة الإيمان بامرأة تجيء في رغبتي لخلود آمن. انتفض داخلي كطفلٍ تعلّم الخطوات واتكأ على الجدران رغبةً في قوةٍ تعينه، وتسانده. أتحسس شيئاً داخلك لكنني لا أعلمه، ولا أراه كالأشباح. لا أشتهي شيئاً سوى الاقتراب منه، والتربيتة على كينونته؛ ربما عشتُ مُراد الخلود. داخل أرجاء روحي إيمان يصليّ ويسعفني بوقارٍ يصالحني بنصف العمر، ويلغي مسافة الأماني العظام التي أجلها الله ؛ لدعائك عكس التيار.
الصباح جميل فوق الشلالات الجامدة، وجميل أكثر حين يجيء من داخلك؛ لأنه بكلا الحالتين يعكس قرصًا دافئًا يقيني من التيبّس.
- ألا ترغبين بالاقتراب مني؟
بالنسبة لي أودك، وأرغب في اشتمام رائحة ثوبك المعفّر بخمر جسدك. رداؤك الذي دربني على ركعتيّ الضحى.
تعاليّ يا أنثىً السحاب المحمل بالمطر، والدخون، والأرزاق.
تعاليّ يا رزقي الذي لم أعلم حظيّ منه حتى اليوم.
ادخلي إليّ قدراً حضرني كل العمر، وغاب عندما احتجتُ إليه.
أنت كالرعد يضيء ويُسمع ثم لا يُرى إلا برعدٍ آخر.
اقتربي أكثر من هذه الرُسل، وكفى.
-لا تتأخري؛ فأنا قلب كره انتظار الأشياء الخالدة التي لم تُخلّد في روحه حتى الآن!.



جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-24-2020, 03:19 AM
3
... لا يمكننا هزيمة الشعور الذي يتوالد داخلنا سريعاً إلا بتصديق الغيب؛ لأن للغيب أسوار طويلة وعالية؛ ليمنع المكذّبين المتطفلين على توقعاتهم فيه، وحقوقهم من النظر خلفه مهما بلغوا الأسباب؛ وليعلّمهم كيف ينتظروا فصولهم، ونهاياتهم.
لا أعلم يا حبيبتي ما الذي يمكنني جلبه من الحظوظ لنفسي مع غيري، ولكنني أعي جيداً أنه عليّ أن أسعى لجلب الأحلام منيّ وجعلها زكاة عن حياة قلبي الماضية؛ ليبارك الله في نبضه وحُبّه، وليبقى معيّ أليفاً بقدر المستطاع، وحجم الحياة، ومقدار السعادة التي لا تتشابه مع اثنين في العيش، ولا تتكافأ إلا في ميزان العدل.
أنا وأنتِ في حاجةٍ ماسةٍ إلى أقل من منافسةٍ للتفاهم، وإلى لحظةٍ للشعور بنا، وبعدها لا يهم ما نتحول إليه.
لسنا بصدد توقعاتنا؛ نحن لا نتوقع شيئاً يصلح لنا أبداً إنما نجرّب أن نتوقع عكس أقدارنا علّنا نصيب ولو ربع حاجاتنا الضرورية.
كل التوقعات التي نرميها جُزافاً في حياتنا وتحدث وفقاً لما توقعناه سلفاً إنما هي أحداث ضوئية اشتعلت في صدورنا بإيمانٍ صادقٍ، أو دعوةٍ طيّبةٍ حفّتنا، أو عملٍ طاهرٍ قدّمناه ورميناه في البحر قديماً فخرج لنا بعد النسيان على صورة حورية بحر تبادلنا الجميل الذي صنعناه سابقاً.
- اعلمي يا حبيبتي أنني لن أرجو من صدري أن يعذّب أحداً، أو يشوي صدراً طيّباً يحمل في دفاتر عمره ثقافة تحميه، وعمر يغسله بالعقل، ويصفو بداخل الخشوع، والوقار الذي يخيّم على أنفاسه حتّامَ تبدو كغيمة تمطر، وتنخرط لحظة واحدة ثم تنمو تحت أقدام العالقين بهذا الصدر ثمار بيضاء، وخضراء، وحمراء.
إنّ لكل لونٍ طبيعةٍ بشريةٍ تناجي فيه السلام، وتنمو فيه الطبيعة؛ لتجعله عاطفياً على قدرٍ كافٍ من الجذب والانتباه، أو التفكير، والخشوع في حالة شعور دافئ، ومسالم.
لا يمكننا أن نذهب لنغتسل من تعب يومٍ عاديٍّ دون أن نعود مرهقين.
لنعلم -فقط- أنّ المرض أصله شفاء، شفاء من واقع التعب، وخلاصة الخطوات المتعبة؛ فالمريض منّا حين يخلد لسريره بفعل ليس من صنعه إنما هو يسترخي ليقوم فيما بعد ويصنع أفعالاً برغبته وإرادته؛ ليثبت حقيقته،ونضجه، وشعوره بما، ومن حوله؛ فاخرجي من مرضك بغيري لتشعري بي.
- أيّ رحلةٍ نقوم بها علينا في الأخير أن نرجع منها منهكين أومرضى .. وإلا فإنا لا تُعدّ رحلة، أو مرحلة، وإنما ستبدو كطيفٍ صعدنا فيه ومضى.
كلنا في الأخير نرجع مرضى.. حتى الأقوياء، ولا يشفينا إلا الغيب، أو لحظة خالدة تُصنع في دفاتر ذاكرتنا بشكل مخالف لصناعة الذاكرات التي خلّدت لحظات عظيمة؛ لتجيء لحظة أعظم منها فتطمسها، وتطمسنامعها...
اعلمي يا حبيبتي بأننا لسنا في حاجةٍ للواقع بقدر ما نحن بأمس الحاجة لإيمانٍ سريعٍ أنه يمكننا العيش فيه بقلبٍ آمنٍ، ومشاعر مطمئنة، وحبٌ غفور.


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-24-2020, 07:18 AM
4
سأكفلك يا أنثاي. وخالقي سأكفلك دون أن أؤذيك. سأطرد كل ما بداخلي من أمانٍ يتعارض مع حدودك. سأطرد الصغار، والكبار من مشاعري المؤذية، والمتسلطة؛ حتى أبدو في روحك وعينيك: زكريا هذا العصر.
أعدك أن أحاول، وأحارب هذه الأمنيات؛ لأساعدك على الصراع ذاته، ومحاربة بنات الشر داخلك، وأبناء الأحلام المميتة داخلي؛ أعلم أنّ ما بداخلي يشابهه نداء ضخم بعمقك.
تتمنين رؤيتي، وسماع صوتي. تتمنين، لمسي، وتقبيلي، وحملي على صدرك نائمة في الخشوع. تتمنين مناداتي من بعيد، ورؤية التفاتاتي المنهكة والعاجزة نحوك؟ تتمنين أن ترين رائحتي وتحمليها على يديك الشفّافة لتغدو أمامك قبل أن تعرفيني.
تتمنين أن تجيئن لي من الأبعد وتضعين أناملك الخالية من الصباغ، وتدقيّها في عنقي أوتادًا لتتعلقين بها؛ لأحملك طفلة بدلال فاخر.
كل هذه الأمنيات التي تلوتها عليّ في أيام متقاربة أتمناها معك .. ومع هذا سأدسّها في العمق، وأخمد ثورانها؛ لكي أبقى زكرياً خاص بك، وتظلين مريمي العذراء.
سأحرّم عليّ كل ما يتعارض مع خطوط جسدك الحمراء، وحظوظيّ العذراء .. أعدك، وأعدك مرة أخرى أن أساعدك على قتل المزيد من أبناء أهوائي.

- لقد ضممتك يا حبيبتي بصدري، ولن تخرجي منه إلا بمعجزة، وإن أخرجتك هذه المعجزة منه فلن تُبعدك عن صدري وإن حاولت...


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-24-2020, 11:02 PM
5

جئت أتمرّن على قتل أحزاني، ومبارزة أفراحي مع الحظ، وإذ بي أتلقى أحوالاً إضافية للغيب في صدري.
لم أجد سبيلاً لتقبّل كدمات صدري القديمة، والعيش بجوارها، وانتظار شفاءها عمراً إضافياً محسوباً على تقويمي الذي أعلن إفلاسه آنفاً.
أشاحت الأرض كلها في وجهي؛ لأنني طلبتُ لحظة .. لحظة واحدة -فقط-أحياها مع أمانةٍ علّقت عليها معتكفي الجديدة، ووضعت حولها حجراً طيّباً أتسلّقه لأشاهد ما ينمو داخل هذا الغار الأبيض.
آثرتُ أن أصنع لي معبداً خالياً إلا من لحظة، أيمكننا -فعلاً- الإيمان بلحظةٍ واحدةٍ، وترك التاريخ بأكمله جانباً؟
أيمكنني التنبوء بأخباري التي سأتلقاها ليلة غد؟
تساؤلات يذبحها الجوع، وخشوع ناقص حتى الآن.
صلوات كثيرة تؤجّل؛ لأنني لم أعد أحفظ شروط الوضوء؛ ولأنني ما زلتُ في قيد المسافرين، أقصرُ كل شيء إلا أنت، وأخلع جورب ابتسامتي بوجهي القديم، وأرتديك.
كنت أحتاج مطاراً أهبط إليه في صدرٍ يصنعني على طريقته، وأؤمن به كما تشاء ظروفي، وأوراق عبودية ورِق وقتيّ.
أصرخ الآن عالياً؛ لأنني صنعت أزمةً جديدةً لقفصي الصدريّ.
وعند الفجر سيهدأ الصراخ، وتجعل الشمس منيّ أليفاً من جديد .. لربما يحدث ذلك؛ فلا تقلقي عليّ حتى ولو كنتِ مدفونةً في ظلامك!.



جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-24-2020, 11:23 PM
6

ساعات طويلة قضيتها وأنا أصليّ لأجلك؛ لأجل أن تكوني ديوني الطويلة التي لا أستطيع الفكاك منها، ولم أعلم يوماً أنني سأسجن شيئاً منك. كنت أظنني ولِهاً مضاف إليك، أو غليوناً لم يعبئه شيخه العجوز بدخانه ليستمتع بكل مقومات أنفاسه. أردتُ خلوداً بعيداً عن كافّة الأعصاب، أردت القلب عصبه الوحيد، وروحه الإلياذة الطويلة التي أنادي من خلالها بصوتٍ ذا وهجٍ يرجع إليَّ مستسلماً. خلوداً ألوذ إلى صدره، هادئاً أنام بين عينيه كقطعة قماشٍ قطنية تلغي تعب الالتفات الطويل.
كلانا الآن داخل العمر، داخل منظومة الوله للإتيان المبين. أمامنا فتح قادم، ومدن طويلة لا نعرف كم خريطةً فيها؟ أمامنا الإيمان، والخلود، والتاريخ الذي يسجله ديوان أطول من أعمارنا. أمامنا جسر خالد، يصلح لأن يصنع ما عجزنا عنه، أو ما سرقناه نحن من فلتات أعصابنا، ومخلوقات أنفاسنا الحائرة في الذهول، أو التصديق.
ها نحن الآن نلدُ خلودنا، خلوداً يكتبه الآن، ويصدقه الآن، ويقدمه لنا الآن.


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-25-2020, 01:21 AM
7

أخاف عليك يا أنا؛ أريد لك أماناً حتى منيّ. أود أن أشاهدك وأنت تسترخين من هذه الولادات المتنامية. أرغب بأن تضعين رأسك بحضن الروح، وتسعلين من قلبك طويلاً؛ لتطردين كل طقوس التعب الأول.
أخاف أن أشتهي كل ليلة نداءك الطويل، وسماعي لنبضك القائم على طفولته.
أخشى عليك من لحظاتي الخرِبة، وجوع حِبري الأبيض.
أود حقاً أن أتنفس فيك ومنك السلام، وألغي بك حدوداً طويلةً لدولٍ كانت بروحي، وبادت.
اسعلي الآن، واخرجي من صدرك كل عناقيد الإرهاق، وازهقي كل كريّات التعب الحمراء.
يسعدني طويلاً أنّ الرسُل الذين أوفدتهم إليك حتى الآن ليصالحوك مع ما يلجُ داخلك ويرزح من التعب، أنهم أتمّوا مشاريعهم، وكانوا صالحين؛ فلا تسمحي للتعب مرة أخرى أن يسلبك شيئاً، وإن حدث واحتجت يوماً إلى دفئاً بحجمي فناديني؛ سيسعدني أن أتحول من بشرٍ إلى لحاف، ناديني؛ فنداء الروح أفضل النداءات؛ لأن الأرواح تجيب أسرع من حامليها...



جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-25-2020, 01:24 AM
8

أعلم أنني لم أكن شجاعاً بما فيه الكفاية، كما لم أكن جريئاً لحدود أنني أصنع سهراً وأصدّره في أوراقٍ بلاستيكيةٍ قادرة على مقاومة غلاء أسعار الوقت، وطحن المسافات. أردت أن أكون أكثر من هذا اليوم، وأقل من ذلك الأمس. لم أتجرع صبراً أطول من ظنوني. كنت أساعدك في التخلص من ذنوبك، وأقع أنا في صمتٍ أطول من كل الذنوب التي تخلصتِ منها بمساعدتي. أصنع كل صباح لي أملاً، أغرس في صدره سلاحاً قوياً يتعلّم بموجبه الدفاع عن أعضائه الكبيرة. كنت أمارس عادات طويلة في إخراج زكوات عمري من صدري.
لم أجازف إلا عند الموت؛ فوحده يستحق المسافات الطويلة، ووحده يستحق المجازفة.
أسترق من الأرض أعماري، وأطواري، وتعب الزكام الدائم نتيجة إصابتي بجفاف النوح والنشيج عليك.
يمكنني الآن أن أصنع لي ورقاً يطير، ويحلّق عالياً.
يمكنني أن أكتب، وهذه الوحيدة التي أستطيع فعلها دون كل الصفات؛ لأنني لا أملك ما أتمناه، لا أستطيع ملك المسافات، واختصارها، وإزهاقها تحت قدمي. كما أنني لا أستطيع خلق الرجوع إلى اللحظات التي مضت قبل بعثة هذا المرسول إليك. أنا أستوعب اللحظة، وهذه عقيدتي معك منذ أحببتك أول مرة. أعيش في صناعتها طويلاً، وحين تأتي أعيشها.. ولا أحلم بأكثر من أن أرتّب لها أنفاساً تليق بها؛ لأنني أعلم جيداً أنني سأغادر بأيّ وقتٍ ممكن، كما أنني سأموت بأيّ وقتٍ ممكن. علمني صمتك أطول الحروف، والأبجديات. وعلمتني الكتابة إليك كيف أستطيع أن أكون مداداً، أو لحافاً يلغي تعب البشر العالقين بصدرك، ولم يدخلوه حتى الآن.




جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-25-2020, 01:27 AM
9

حاولتُ النوم لليالٍ ثلاثٍ مضين، وسعيتُ إليه بوسائدي، وأغطيتي، وجسدي العاري إلا من لوحة جسدك التي سترتني بها وتمددت على سرير من انتظارك. أعترف أنني ظللت أحارب سريري الذي يفتقد روحه منذ شهور.. ولم أستطع. كان هناك رسولٌ داخلي يصارعني ليصل إليك؛ علّه يعيدك عودةً عاجلةً إليّ.
حاولت تمديد الوقت، والاستلاف من الليل القادم فرصةً إضافيةً لنعاسٍ إضافيٍ إلا أنّ هذا الرسول أبى إلا أن يقوم بدعوة مشاعرك داخلي؛ ليعلن أمام عيوني المقيدة بحبال السهر: بأنك فتنتي وعذابي الجميل.


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-25-2020, 05:52 AM
10

بلا مقدمات، أصبحت الآن أكبر سجينٍ داخلك؛ فلا تخرجيني من روحك؛ لأنني أبدو أنيقاً في تفاصيل زنزانة صدرك؛ قفصك الصدري رحيم، أرحم من أيّ حديد بالأرض.
دعيني بالقرب من جيراني الأعزّاء، إنهم أقدس مُرضعين من لبنٍ ورحمة.
أرغب في التغذيّ منهما أطول وقت ممكن؛ لأنمو عاشقك ورضيعك.
دعيني أتوه في ضلعك الأيمن عشرة أعوام إضافية؛ لأذكّرك بأنك خُلقتِ من مثله.
دعيني أتصالح مع كل أنحاء جسدك وأغتبط بأمنية القُبلة التي تجيء من أعلى حدود الاحتياج.
-اليوم يا حبيبتي وبعدما أفقدتني كل تلك الأمنيات منك؛ ها أنذا أصوم طويلاً كجنينٍ أصيب بالجفاف!.
تُراني كم سأحتاج من الانتظار؛ لأغدو ذات يومٍ خارج جسدك الذي لم يبق منه إلا ذاكرتي؟
تُراني هل سأصافحك يد بيد، ووريد بوريد، ولو في منامي؟.


جابر محمد مدخلي

عواد الهران
09-25-2020, 07:09 PM
ماشاء الله , طرح هادف.

والله يعافيك على هذا الجهد.

بارك الله فيك ...

ولك الشكر الدائم

جابر محمد مدخلي
09-27-2020, 12:24 AM
11

اللهم اغفر لي حزني، وممارساته الثقيلة على قلبي؛ فأنا أعذّب كل شيء حولي إذا حزنت: أعزل الروائح عني، وأجمع ملابس أبطال رواياتي الثمينة ثم أحرقها دفعةً واحدةً في تنور أوراقي الذي أوقفته على هيئة مذكرة أحزانٍ لهذا الغرض. أحب أن أن أشاهد أوراقي عاريةً، وأبطالي عُراةً، وقلوبهم مكشوفة شفافةً كالماء .. هذا كله وأكثر يحدث معي إذا حزنت.
إنها الطريقة الأمثل لأن أتخلص من تعبي، وإرهاقي. إنها أحبّ ما أفعل لكي أغسل نفسي من جديد، وأتوارى عن هذا القويّ الذي لا يصادمنا إلا في البدايات الجميلة، أو النهايات الأليمة. الحزن صاروخ صنعه الحظ، ليس ليدٍ أجنبيةٍ في محاولات الذكاء لإطلاقه. إنه جرثومة جسد، على هذا المنهك أن يتقبلها، ويفوز بها، أو يخسر.
اللهم ارحمني إذا حزنت، وترفق بقلب حبيبتي كلما قرأت حروف حزني، وحزن أبطالي؛ وهي كل أبطالي برسُلي هذه...


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-27-2020, 12:46 AM
12

عندما ترهقنا الخيارات، وتعجزنا الظنون، وتسعفنا الأماني بقليلٍ من الوقت، ولحظة من الجنون.
عندما نتفضّل على أنفسنا بسلام مؤقت، ورحمةٍ في الرجاء، وجسدٍ يلتهمه عقاب الصوم الطويل.
عندما يجلدنا الليل، ويحاربنا السهر، ويطوقنا الأمان المجهول.
عندما تلّح علينا عقارب الظلام بالإنجلاء، ويظهر لنا قوس الشمس الأشد صفرةً ويفضح أمامنا نهايتنا قبل البدء.
عندها نكون في نهاية الصيام، وبداية الصلاة. صيام الفرح، وصلاة السكينة المرجّوة.
تراه عندها ما الذي سيسهم في شفاءنا؟ ما الذي سنصنعه من حرماننا القديم؟ للحظة.. لحظة واحدة خُلقت بإيمان، وحاربها الواقع المرير باستحقاق.
أعلم أننا لن نأخذ من هذا العذاب سوى لحظة .. إلا أنها بعمر الحب كله، وعمر البوح كله، وعمر الأمان كله، وعمر الكتابة كلها.
أعلم أيتها الحبيبة البعيدة: أننا جئنا متأخرين، والتقينا متأخرين، وبدأنا متأخرين .. لم نكن نعلم أننا سنلتقي في طريق واحد، ولا شعور واحد، ولا إيمانٍ ناضجٍ واحد.
أحلامنا تشبهنا، ولكن واقعنا مختلف.
طقسونا مختلفة، وعاداتنا مختلفة، وأيضاً أجسادنا مسكونة بخليطٍ من الذين لهم حقوق، والذين لهم ديون يومية، وواجبات أبدية.
ماذا سنفعل باللحظة التي قد تجيء؟ ما الذي يمكننا إدمانه فيها؟ وماذا سيصنع لنا الوقت في طقوس التعب؟ وكيف يمكننا إزالة تابوت صُنِع لوفاتنا قبل حياتنا؟!
أيمكننا إقامة صلوات الليل بالنهار؟ أو يمكننا أن نصوم بالليل لنكفر عن يومٍ لم نستطع صيامه نهاراً؛ لأننا مرضى بالإنتظار؟
هكذا ولدنا ولذا علينا التوكل، واستراق قُبلة خارجة من حنجرة أصواتنا .. يمكن لهذه القُبلة أن تصنع المزيد من العمر خلف طقوسنا، وظروفنا، وأحوالنا اليومية الأكثر زحاماً.
- يمكننا أيضاً يا حبيبتي أن نصليّ لننسى كل أحزاننا، وكل آلامنا أيضاً ...

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-27-2020, 02:04 AM
13

وجاءتني رسالتك هذه كرئة ثانية داخل روحي:
- "أخبرني يا قلبي .. ما الذي تفعله الآن بنبضك؟ كيف ستخلو إلى نفسك؟ كيف ستنجو بمشاعرك وتحميها من التعب؟ أيّ المدن التي ستحملك إلى أنفاسك الهاربة من هذه العذابات، ومني؟
- آهٍ من فتنة الجسد، وعذاب الروح."

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-27-2020, 02:08 AM
14

ليتكِ تصنعين لي نوماً من عينيك اللتان أنهكتهما رسُلي . وليتني أنام على حدود سريرك الذي أعلم أنينه، وأشعر بثورة إيمانه بجسدي. أريد أن أبلغ محيطك، كما تحلمين بمعرفة حدودي، وأيّ نهرٍ يقطعها؟
آهٍ يا عجينة أحلامي حين يحرقك التنور، وآهٍ يا قطار العمر من رحلاتك البعيدة!.
لماذا لم يقف هنا قبل أن يأخذني إلى أبعد من توقعاتي، ومصفاة أحلامي منك، ومعك، وبك؟
أيمكن لمريضٍ بالأنين أن ينام؟
إنني أشفق علينا، وعلى أنفاسنا المريضة.


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-27-2020, 02:15 AM
15
- اطمئني أيتها المبتعِدة: بأنني لستُ ضعيفاً في تفاصيلي، ولست قوياً في قلبي؛ فأنا كدواءٍ ما زال قيد التجربة، ربما يفيد في علاج ما تم استخلاصه لأجله، وربما يضاعف المرض.
في حلقي كّحة من أغنية؛ فهل سمعتم أحداً يكّح بغناء؟ وحده حلقي من يجيد تصدير القوّة، ولا يملك أنانيةً في التصرّف بضعف، أو كِبر.
يملك حلقي الكثير من المتاعب، ويملك إلى جوارها الكثير من الأناشيد الروحانية التي تربّي فيه التفاؤل، وتقنعه بشيء من الإيمان بحدوده، وحقوقه.
لم يعد في صدري غِل، ولا حقد على أحد؛ لأنني لم أعد صالح لهذين النوعين أصلاً؛ فأنا أتصرّف كما يأمرني طبعي، وكما يرضيني كعضلة تنبض في الدقيقة سبعة وسبعين نبضة.. كل واحدةٍ منها تحاول إخراجي من القوة إلى الأقوى، ومن الإيمان إلى الإحسان، ومن الركوع الحزين، إلى الوقوف الثابت بوجه رياح الألم الآتية من ثوب الغيب.
صدري يزرع الآن إكسير الخلود، وجسدي يتقبّل هذه الزراعة بما هي عليه، ويبدأ بتسجيل اعترافات إدمانه عليك بشكل أنيق ...


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-29-2020, 02:22 AM
16

لا أريد أن أحرقك بنيراني، كما لا أريد أن تطفئيها. أريد فقط أن أستخرج خيرات أرضي الصلبة، والرهوة. ثمة امتصاص حراري داخلي لكل متر مربع في قلبي. يقولون لو استطعت أن تلف الأمعاء وتقيسها بالأمتار فأنت بهذا تقيس مساحة الأرض ثلاث مرات -سبحان الله- ماذا أقول أنا إن كان لديّ قلب طاف الأرض، وانتهى به المقام عليها. فيها مساحات أكبر من نبضه، وأكثر ألماً من شيخوخته التي تدخل إليه في منتصف العمر. هل يمكن للبياض أن يبدو جميلاً في متصف صدرك؟ أو في أسفل ذقنك. هناك بياض يتصالح بك، ويسلّيك، ويجعل نصفك إنسان، ونصفك الآخر عابد. لديّ خيارات أخشى عليّ منها لإزالة كل لون أبيضٍ يتعلّق بي؛ لأنني أؤمن جيداً أنّ البياض جزء من السعادة، إذ لم يكن هو كل السعادة. أحتاج الآن لأن أغتسل في بركةٍ من صدى لمجموعة أصوات .. فما الأصوات التي يمكنني اختيارها للنزول بها؟ وحده صوتك من يغسلني، فأين أجده الآن؟ وبأيّ مسجد سيؤذِّن للفجر القادم؟ سأصليّ خلف أذانك؛ لأنني أعلم أنه لا يؤذّن إلا على وقت صادق، ولا يقيم الصلاة إلا بوقتٍ أصدق.. إنه وقت الوله.

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-29-2020, 02:28 AM
17

لا أريد أن أنام وأنا ما زلتُ أحلم؛ فأنا رجل لا يحلم أثناء نومه. أحلام اليقظة هي أكثر ما يمكنني حيازته كسلاح أبيض أدافع به أثناء نومي العميق عن حقوقي، وأمنياتي الصغيرة من هذه الحياة التي تغتالنا معاً. لا أعرف نتيجة لحقيقة واحدة في رصيد أمنياتي. كل ما يمكنني تذكره أنني أردتُ أن أكون طبيباً فأصبحتُ أهم منه، وأقل منه، وأكبر منه بذات التوقيت: حملتُ سمّاعةً في يدي لكنها لا تعمل إلا بالحِبر فكنت أهم منه حين قمت بالتعبير عنه بموهبتي الكتابية، وعن همومه مع مرضاه الذين يتعاقبون عليه يومياً.
وعندما مرضتُ طويلاً احتجت إليه بقدر مرضي، وحاجتي لخبرته في طرد تعبي، فشعرتُ بأنني أقل منه؛ لأنني لو كنتُ طبيباً لصرفت لنفسي علاجاً يصرّح لي بالقيام من إرهاقي المزمن.
وكنت أكبر منه في المرة الوحيدة التي حاورته فيها عن همومي كمريض، ولم يصل إلى نتيجة في فحصي النهائي، فيما وصلت أنا لكتابة تقرير عن ألمي الكامل، وبموجبه تعرّف أن قلبي بحاجة إلى إجراء تنشيط على وجه السرعة...

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-29-2020, 02:50 AM
18

تعالي إلى السرير؛ إنه من صنعك، وأنت أدرى به.
لا يمكنني النوم دون لباس. أحتاج أن أرتديك من الخارج يا حبيبتي، وأتلهف لأن ألبسك كاملةً؛ فبرد غيابك لا يطرده إلا أنتِ.
كيف يمكنني النوم وأنت ما زلتِ على قيد السهر؟ كم أنا بحاجةٍ إلى ترويض هذا الثعبان الذي يقوم ويستيقظ في أعلى صدري، يحاول أن يقرصني، وأحاول الهروب منه ثعبان صمتك المفاجئ.. إنه الساهر الذي لا يهجع، ولا يستطيع تغيير ملامحه. أخالني أعاقبنا معاً. أنتِ تسهرين وأنا أحاول لفت انتباهك بأنني أحارب قناعاتك بإثبات: أنّ لحظة الحب، وقُبلة الحب، وممارسة الحب -للحظة واحدة- أكثر خلوداً، ورسوخاً بالأذهان من العمر. وإن كانت أألم في نسيان مخلّفاتها، وحالاتها، ونتائجها من العمر الطويل. فلحظة العاشق سنوات.
لكل جزء من الروح ضرائب. واللحظة تأخذ بمقدارها ألف يوم من العمر لمجاوزتها، وإثبات وجودها ضمن طاقة الروح.. وجاء صمتك أفعى قرصتني ولم أنم من يومها دون أن أضع أناملي مكان قرصتك الأخيرة!.


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-29-2020, 05:25 PM
19

أدمنتك. ومنذ أن شممت رائحة آفيونك الطاهر وأنا أتمرّد على فوانيسي السحرية، وأخرج مردتي كلهم؛ لأعلن أنهم رهن نداءاتك. ثمة مارد وحيد لا يمكنه تركي، والذهاب إليك وإن أشرتِ إليه، وناديته بكل الأصوات، واللغات، والإشارات.. إنه قلبي؛ أخاف أن يأتيك ولا يرجع، إليّ أو أملك التحكم به من بعدك؛ لا لشيء غير أنني أخشى أن لا أقرأ به بعضي، وقوتي وعجزي معك، وأكتب به، وأنظر إلى أماكن يستطيع مشاركتي بوجوده من موضعه الطبيعي داخل صدري المؤمن بتخليدك بيّ، مهما أدارت السنين وجه غيابك عنيّ!.
أنت امرأة لست بحاجة إلى مردة ليقّدموا لك خدماتك، ولا ليسهلوا لك عبور أشياءك؛ فحاجاتك الهامّة معلومة، وبسيطة، وطموحاتك لا تعدو قلب ينبض بك، ويضمك، ويشاركك نصف عرشك، ونصف سريرك، ويأكلك كحلوى لا تنتهي، وتأكليه كفرحٍ لا ينتن، أو يتعفن، ويبقى في حياتك كخمرٍ فرعوني!.
أيا امرأة: اعلمي أنّ قلبي يشربك كل مساء، إنه المارد الوحيد الذي يطيعك، وينتهي أمره إليك. فأمري ماردك النابض هذا متى شئتِ، وبأيّ شيءٍ أردتِ .. وانظري لأفعاله .. ولو بعد حينٍ من الغياب، أو الإياب؛ فإني رادّه إليك ولو بعد حين!.

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
09-29-2020, 05:44 PM
20

اليوم سأبثك يا حبيبتي شكوىً لم أخبر بها أحد من قبل.
وحدك من سيحولها القلب إلى بئرٍ طاهرةٍ، لا علاقة لها بإخوة يوسف.
لقد شعرت للتو أنني سائح في أعظم متحفٍ بشريٍ، وروحاني.
كل الأعضاء التي فيه نادرة، وكل الأنفاس التي سجّلها البحث الطبيّ بحدود جسده هادئة.
أود أن أستبيحك –عذراً- هذا المساء بسرقة صمتك.. هذا التكوين الذي صممه الخالق في تفاصيلك الجذابة .. صوتك جذّاب لحدود التدحرج نحوك أكثر.
في يديّ الآن سبحة بيضاء، وعن يميني كوب ماءٍ مثلّج، ولحافيّ الذي أضعه على كتفيّ في محاولة لصد هجوم شظايا الثلج الخارجة من كل مكان كذلك الأبيض الشفّاف المنزوع من رئتي على هيئة أوكسجين ذهاب إليك مملوء بلهفاته عائد إليّ خاليّ الوفاض.
الغرفة ذات رائحة بيضاء غريبة. لا أعرف كيف ولا من أين تأتي الروائح البيضاء في منتصف الليل الأسود؟ أظنها رائحة إيمانٍ متشبّع برطوبة العطر الذابل في قارورة تجاوزتُ الخمسة أعوام في البحث والتنقيب عنها في محال العطور الوطنية والدوائية، والعالمية بغير جدوى؛ فثمة روائح لا يمكنها أن تُصنع إلا من الذاكرة. عندما تعلن شركات ومحال العطور العالمية إفلاسها وتوقف منتجاتها، نصبح -نحن- أكثر تضرراً منها: نفقد معها تواصلنا، ويخفُّ داخلنا شعور الخيبة، ليعلو مكانه أنين العابرين الأثرياء القادرين على شراء ألف قارورة لذاكرتهم، ودسّها في مستودعاتهم الثمينة.
لم أكن هذا المساء قادر على صد هذه الرائحة من التعلّق بي.
ألصقتها بكلتا يديّ، وفركتها أكثر من مرة في محاولة تشبه المجوسي الذي يقدح النار من صخرتين صامتتين ليجلس عابداً لها حتى تحرقه في الآخرة.
أو بدويّ هاجمه برد الصحراء، وجعله يتخبّط بحثاً عن مصدرٍ لإشعاع بدويٍّ قديم.
فركت ذاكرتي طويلاً، وأنا أشتعل داخلي على ضاغطٍ جماديّ لا يعي ولهيّ، وحنيني إلى مارد الرائحة المائي الذي يسكن داخله، ولا يقبل الخروج إلا بشروطه.
لم أجد فرصةً للذود عن مطالبي أيضاً .. فعندما يخرج لك ماردٌ من فانوس ذاكرتك تأكد أنك مهما طلبت سينفذ، ولكن كن قادراً في الأخير على تنفيذ طلبه الوحيد، وإلا لا تطلب المعجزات دفعة واحدة.
وكنت أنا أطلب معجزةً واحدةً لا سواها: أن أرجع طفلاً كي لا أشاهد قلبي منهكاً بهذه الطريقة، ولا معفّراً في ذاكرته، وأمجاد أنفّه الزاهدة عن كل الروائح المحيطة به.
وحدك رائحة هذا المساء. وتنمو رغبة اللجوء إلى صدرك، والانزواء بأعطاف جسدك كخيطٍ سكن قطعة قماشٍ مقدّسة وعُلِّق على أستار الكعبة إيذاناً ببدء شعيرة الطواف، وكقصيدةٍ جاهليةٍ نُظِمت على رخامٍ من ذهب، ولّفت بخيوطٍ فاخرةٍ لتعيش في مستودع الخلود.


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-03-2020, 12:32 AM
21

لا أشاهد فيّ سوى جسد من زجاج يخاف أن يتحطّم، ويخاف أن يزفّه الغبار لغير أرضه. أعلم أنني كشعرةٍ بيضاء في وجه شابٍّ أنيق، لم تغيّر صورته الجميلة بداية المشيب. وكرائحةٍ لا ترجو سوى جسدٍ يحفظها، ويحاول بناء قارورتها الجسدية داخلك.. جسدك الطاهر يصلح لأن يتحول تدريجياً إلى قارورة عِطري الخاص؛ فأنت تعشقين كونك قارورة تجد مخزناً يخلّدها ويأويها، ويصنع منها سهرات لمشاعر خاشعة.
ربما وجدتُ في نفسي متحفاً باريسياً لجوعك، وجوعي، وشهية أنوفنا التي لا تحاول شمّ شيءٍ أبعد من مسافة روحيها.
لتكوني جزءًا من لحظاتي، وتحاربي معي شيئاً من الغيب؛ ربما عرفنا من نحن؟ ولماذا جئنا لهذه المدينة الخاوية؟ وهذه الأرض الباردة التي تطالبنا بصناعة الدفء دوماً. جسدين منهكين تطالبهما الحياة بأكثر مما يملكون، وهما يطالبان الوجود بأقل ما يرغبون.
كيف يمكننا فك طلاسم هذا الجوع الحسيّ الضخم؟ وكيف يمكننا ترتيب جذعين يابسين: أعلاهما مثمر، وأسفلهما مغدق؟
ثمة خدوش طويلة في واقعنا ربما تؤذينا، وتضاعف الغبار على مرايانا؛ وعندها ينمو خوف طويل من عتمة المشاهد، وبؤس معرفة الطريق إلى أين يتجه؟ وإلى أيّ مصيرٍ يأخذنا؟
الفراغات الكبرى داخل أحوالنا صنعت منّا لقاء، وجعلتنا أرض بانتظار المطر.. فمتى تمطري أيتها السماء؟ وهل سيكبر المطر في غيابك يا حبيبتي؟

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-03-2020, 12:36 AM
22

لا ترهقيني صعودا. دعيني أملك منك ما يسمح به الحظ، وما يهبه القدر. دعينا نواجه معاً عابداً في داخلنا اسمه الإيمان، وزاهداً في صدرينا اسمه القلب، وعاشقاً في نبضاتنا اسمه الحُب.
- أكررها لك: لا ترهقيني صعودا .. وكفى.


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-03-2020, 12:42 AM
23

ثمن الخشوع عبادة نزيهة خالية من الوسواس القهري، وثمن اللحظات الخالدة صراع مرير وحرب ضروس لكل مايهدد الخراب الجميل.
أتوقع بأنكِ خلال الأيام القادمة ستشعرين بطعم المطر، وسترقصين إيماناً برُسلي إليك. ولربما ستصنعين وردةً من الوله، وتعلقيها بصدرك الهادئ؛ علّها تبني به حديقة من أمل وتصلني منك رائحة الرضاع، ولهفة العائدين إلى صدورهم الأولى!.


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-03-2020, 12:56 AM
24

يذبحني الظن معك، ويأسرني خوفك من كل الجهات. أصبحتُ أحمل رائحة شواء الليل على جسدي، فهل سمعتِ عن أحدٍ قبلي شواه الليل؟ وحوّله إلى وجبةٍ صالحةٍ للإلتهام.
وحدك يا أنثىً تذبح المسافات من صنعت منيّ ضباباً لا يُرى، وليل لا نجم في عليائه. تعاقبيني دوماً بوجه الخوف، وتجلديني في الصباح الخارج من قرص وجهك بإنكار الضوء، والتلبّد بلحافك الخافت.
تسلخني غفواتك، وأنفاسك الملتصقة بأنفاسي، وأنا أنتظرك اليوم على ذات الرصيف في امتحان الهاربين من الدراسة.
فهل رأيتِ هارباً من نافذة الصف المدرسي أثناء إجراء الاختبار يُعادُ له له امتحانه؟ أنا معك يُجرى ليّ أكثر من امتحانٍ في فصلٍ واحدٍ. ووحدها روحك نافذة لم أستطع الهروب منها حتى الآن. وقلبك المدرسة الكبرى التي لا تسمح إلا باللجوء إليه، وإلى فصوله العظيمة.
تناقشيني في خوفٍ مقسومٍ بيننا، وأجيبك على نفس القلق، وأشاطرك نصف الغيب. ماذا بقيَّ لنا ونحن نجري علينا صنوف الحسابات قبل البدء أصلاً؟
ثمة أشياء كبرى محشورة في صدورنا.
ثمة تغريدات لم تُقال، وربما لن تُقال بعد الآن؛ فعصفور قلبي انكسر منقاره منذ غيابك!.
نحن نتشارك الآن جسراً واحداً، ونعبر بأعيننا نصف النهر تاركين خلفنا ذاكرةً عشوائيةً، متخبطةً، ومنمقة بقليلٍ من دهان الاحتمالات المباغتة.

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-05-2020, 03:30 AM
25
صعُب على داخلي أن يميز بين أحزانه وأفراحه معك. لقد أصبح مثل وادٍ غير ذي زرعٍ عند قلبك المحرّم كل ما فيه يباس إلا بقايا حفر الحشرات النبيلة. تلك التي ادّخرت كل شيءٍ في حفرها بانتظار الشتاء. ألم أكن يوماً ما صالحاً لأن أتحول إلى حشرةٍ أليفة لأستطيع الدخول إلى حجرات قلبك؟ وأدّخر داخله كل الفصول الجميلة لأقدّمها لك جمعاء؟ أنت تمنحيني الشيء الذي لا أريده معك حتى الآن. هو ذاته الشيء الوحيد الذي لم أحيا لأجله أيضاً حتى الآن. ثمة أشياء توهب لا تكفي لسد احتياجي الخاص، ولا العام من الشعور بقيمة الذات، ولا بخشية الغيب. إمّا أن أقوم من مقامي لأجد عرشي كأنه هو، أو منكراً بين يديك، أو أمضي تاركاً داخلي عرشكِ كما هو، لم أمسسه بسوء، ولم أحاول الوصول إلى علمٍ من الكتاب لإحضاره قبل أن تقومين من مقامك. هناك ما يجعلني أسعل من قلبي طويلاً. هناك ما يشعرني بسوء في تماثلي للحياة، أو رؤية الطريق الواضح. لم أستطع الحصول على فاكهة التمييز بين الأصناف، ولا بين ما أشاء منك، ولا ما أستطيع أن أهبه لك حتى هذه اللحظة. غدوتُ مثل سنجاب بيده حبّة فول وحوله سبعة من إخوته، ويحبهم جميعاً ولا يعلم مع من يتقاسمها أولاً!.
أخشى عليَّ معك من كل شيء. وأولى هذه الأشياء أن ترفضين السكن معي في أحد أحيائي العشوائية القديمة. شأنك شأن امرأةٍ جديدة تحبُّ كل شيء خاصٍ بها، خالٍ من حكايات القدامى، والبؤساء، وحفريات الشوارع الخلفية الدائمة. أخشى أن لا تقبلين بنائي المتواضع، وتطالبين بإبادةٍ جماعية لجميع المساكين داخلي، وجميع السُكّان الأصليين فوق صدري، وإزهاق كل نفسٍ ترينها تأخذني إلى البعيد عنك إيماناً بقوله تعالى: "كل نفسٍ ذائقة الموت". أشمُّ فيك رائحة الطبيعة العظمى الطيّبة. ومع هذا أكاد أجزم برائحة استعبادك للأشياء، واحتواءك التام لخصوصياتك الخالية من التشارك، والتقاسم. أعلم أنه ليس بإمكاني التحول معك إلى مشعوذٍ هام، لأدخل إلى شرايينك وأجلس بها؛ لأتعرّف على حقائقك، وواقعك، وكل ما يجول بخاطرك؛ لن أرضى دور المشعوذين هذا؛ لأنني لن أقنعك بي إلا وأنا رجل طبيعي بكامل مشاعره العقلية، ذكر ** خالص من كل الشوائب المحرّمة.
ليس لديّ أدوار بطولية معك حتى الآن. كل ما أرغب فيه. الحصول على نكهتك، ولو بمقدار غرفةٍ واحدة، فقد استثنى الله تعالى: "إلا من غرف منه غرفة واحدة" وأظنك نهرٌ ضخم، لن أتجرّأ على الاغتراف منه، وإن حاولتُ سيكلفني ذلك كثيراً من الخيبات، وشيء من المآسي العِظام. فيما أنا أشعر الآن بكل عظمٍ فيك، وأسمع صوت أزيزه الطويل، الراغب في تلاصقه بي، والتحامه معي حتى الشغب الأخير. ركنك بعيد، ويديّ تقترب، وبكل مرةٍ تقترب أجدها أبعد مما وصلت إليه. أخاف أن تُبتر. عندها لن أرسمك إلا بلساني التي أخشى عليك من سماعها، والإنصات لصوتها الذي يحمل فيه الكثير من اللغات، والقليل من الاعترافات، ومخزون هائل من الإيمان بك حتى الآن.

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-05-2020, 03:35 AM
26

منذ أن خُلِقت وبيني وبين نفسي ألف ميل، وبيني وبينك ميل واحد. في كل مرةٍ أقترب من نفسي أجدك تأخذين ميلاً إضافياً من عمري، وتهرولين به إلى حيثُ يرتفع رصيدي من الغيب، ويزيد تفاعلي مع عبادة الصمت. أخرجتُ صحيفة أحزاني وتركتها على يديك ممددة كإنارة ودليلٍ للثقافة ومضيتُ أُنشئ أسطورةً من ورقٍ لا علاقة لها بأحدٍ سواك، وأخرى من روح لا علاقة لها أيضاً بسواك. أعترف بأنني في واقعيّ أليف جداً، لا أُخيف حتى الهرّة. إنني أطمعها كل مساء من خشائش الأرض خوفاً عليَّ من نار السموم، وخوفاً عليها من الموت دفعةً واحدة؛ الموت دفعةً واحدة من الحرمان أمرٌ مؤسف، ومؤلم. لا أكاد أذكر جريمة قتلٍ بحياتي سوى واحدة. كانت قديمةً جداً وبعدها أصبحتُ أحتاط من أيّ نفسٍ بريئةٍ تقع في طريقي. تلك النفس كانت لنملةٍ وأنا أغتسل تحت الصنبور ساعتئذ كنت غارقاً بماءٍ من هدوء، فدهستها بقدميّ دون شعور مني ولا ذنب. وحده الماء من جعلها تهرول تحتي لأدوسها دون أدنى مسؤولية من ضميري. أيعقل لنفس داخلي أن تمارس قتلاً آخراً بعد أن تابت من هذا القتل الغير عمد؟ أظنني بريء من كل طقوس العقاب التي سأنزلها بي. كل الظروف التي وضعتني أمامك، وحدها من ستحتمل هذه الذنوب. فلا أعلم هل أستغفر من روحي التي هوت بين يديك دون مقدّمات؟ أم أنتظر عفوك وإحسانك لقلبي الذي لا يعرف أين يقف الآن؟ ولا لقلبك الذي لا ذنب له في هاوية الشعور ولا الوقوف بعرفات صدري. ماذا سنفعل للغيب القادم لصدورنا؟ من سنسأل عن مصيرنا الذي نجهله؟!


جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-05-2020, 03:38 AM
27

رغبتُ كثيراً في أشياء ممنوعة، وامتنعت عنها لأسبابٍ كنت أعيها، وكنتُ أؤمن بأنني لو لم أمتنع لأصبتُ بنقصٍ في مناعتي، وانقباضٍ في عضلة القلب السفلية التي تتحكم في إرسال المشاعر إلى الأعلى وتنفيذها. الآن قاومتك كثيراً، وآمنت بكل تفاصيل هذا الشعور أنك الممنوع الذي أرغبُ في الحصول على مغامرة معه على قدرٍ كافٍ من السلام، والخشوع. لستُ مانعاً نفسي منك، ولا من غيبوبتك. أعلم أنك غيبوبة من الصعب أن أفيق منها لو دخلتها، وروح داخلها أزقّة لا أعلم حتى الآن أهي وعرة؟ أم سهلة كحارةٍ أحفظها، وأسيرُ بها مغمض العينين؟!
أرغب بخوض غمار غيبوبتك العُليا، والسُفلى. فما الذي أبدأ به لأتمكن من الدخول إلى كهفك الأمين؟ وهل ما فعلته حتى الآن جزء من المطلوب؟



جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-05-2020, 03:40 AM
28

بلغتني رسالتك المتأخرة التي جاءت بعُمر رسالتي العشرين .. هل كنتُ بحاجة لأن أخاطبك داخلي وأنت تقرأين كل مساء بصمتٍ قاتلٍ، وقيدٍ جبّار يمنعك من إعانتي على إفراز أنيني، وإخراج مدخرات مشاعري إليك؟
- على أية حال: لا تخافي؛ فلن يكتشفك أحدٌ في سطوري، تأكدي من ذلك؛ فأنا رجلٌ مُخلص لمواثيقه، وحارسك في حضورك بقلبي الذي أخرجني منه وأسكن آخر مكاني. لا تخافي؛ اطمئني فلغتي كذلك وفية مثلي!.

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-06-2020, 04:46 AM
29

أحبك .. رغم جفافك، وسأظل أحبك حتى وإن لم تمطرِ على روحي من جديد.

جابر محمد مدخلي

جابر محمد مدخلي
10-06-2020, 04:54 AM
الرسالة الأخيرة
ثلاثون رسولاً حتى الآن إلى قوم مشاعرك، وما استعدت منهم إلا القليل. ولا أعلم عن الذين ماتوا داخلك سراً حتى الآن، ولا كم عددهم؟ ولا متى سيُبعثون مرةً أخرى؟
- إن كان لي أملٌ في أن أستعيد ولو جزء قليل من شعب مشاعرك فهذا سيسرني؛ وسيشعرني أنني ما زلت أمسك بقصة حُبي، وإن لم يكن فأبلغيني؛ لأبعث إليهم الحنوط، والأكفان ولأعيد دفنهم في مقابرك الكبيرة التي حفرتها داخلي ومضيتِ؛ والتي بدوري طمستُ معالمها خوفاً من جرحك أو إعلان حبي لك أمام الملأ .. وأنت لست بين هذا الملأ!.

جابر محمد مدخلي

نبوءة حب
10-06-2020, 07:18 AM
رائعة تلك الحروف وهي تترجم مكنون النفس
حرفك ساحر بإمتياز يا ساحر الحرف .
مزيدًا من الألق واللمعان في عالم الحروف .