سليدا
12-18-2020, 11:13 AM
صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا1 - أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّلَفِيُّ، أَنْبَأَ الشَّرِيفُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ الْمُعَدَّلُ، قَالا: أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كَيْسَانَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَوِيُّ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهَا جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَلَّبِ، قَالَتْ:
" لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحِدٍ أَوِ الْخَنْدَقِ جَعَلَ نِسَاءَهُ فِي [ص:54] أُطُمٍ يُقَالُ لَهُ: فَارِع عِنْدَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلَ مَعَهُنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ يَبْتَغُونَ غِرَّةَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: فَتَرَّقَى يَهُودِيٌّ مِنْهُمْ فِي الأُطُمِ حَتَّى أَطَلَّ عَلَيْنَا فِيهِ، فَقُلْتُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قُمْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: مَا ذَلِكَ فِيَّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيَّ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: فَارْبِطْ عَلَى ذِرَاعِي السَّيْفَ، قَالَتْ: فَرَبَطَهُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَضَرَبْتُ رَأْسَهُ حَتَّى قَطَّعْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِرْمِ بِهِ عَلَى الْيَهُودِ فِي أَسْفَلٍ، قَالَ: مَا ذَلِكَ فِيَّ.
قَالَتْ: فَأَخَذْتُهُ فَرَمَيْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَتَفَرَّقُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ ظَنَنَّا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ لِيَتْرُكْ أَهْلَهُ خَلُوفًا لَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ.
قَالَتْ: وَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَدَّ عَلَى الْكُفَّارِ يَشُدُّ مَعَهُ، وَهُوَ مَعَنَا فِي الْحِصْنِ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ رَجَعَ وَرَاءَهُ فِي الْحِصْنِ.
قَالَتْ: فَمَرَّ بِنَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، وَقَدْ كَانَ مُعْرِسًا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَيَقُولُ:
مَهِّلْ قَلِيلا يُدْرَكُ الْهَيْجَا حَمَلُ ... لا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الأَجَلُ 2 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النَّقُّورِ البَّزَّازُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيُوسُفِيُّ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ [ص:55] مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَنْبَأَ عَمِّي أَبُو طَاهِرٍ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى.
قَالَ: فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرَاهُمْ، فَقَالَ: " الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةُ ".
قَالَ الزُّبَيْرُ: فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا، فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِي إِلَى الْقَتْلَى. قَالَ: فَلَدَمَتْ فِي صَدْرِي - وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَلِدَةٌ - قَالَتْ: إِلَيْكَ، لا أَرْضَ لَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَيْكِ. قَالَ: فَوَقَفَتْ، وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا، فَقَالَتْ: هَذَانِ ثَوْبَانِ، جِئْتُ بِهِمَا لأَخِي حَمْزَةَ، فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ، فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا.
قَالَ: فَجِئْنَا بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَتِيلٌ، قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ.
قَالَ: فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالأَنْصَارِيُّ لا كَفَن لَهُ، فَقُلْنَا: لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ، وَلِلأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ، فَقَدَّرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ.
[ص:56] قَالَ: فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ ".أُمُّ عُمَارَةَ، نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ
1 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَنْبَأَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، يَقُولُ:
" شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ دَنَوْتُ أَنَا وَأُمِّي نَذُبُّ عَنْهُ، قَالَ: " ابْنُ أُمِّ عُمَارَةَ؟ ".
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " ارْمِ "، فَرَمَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِحَجَرٍ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ، فَأَصَبْتُ عَيْنَ الْفَرَسِ، فَاضْطَرَبَ الْفَرَسُ حَتَّى وَقَعَ صَاحِبُهُ، وَجَعَلْتُ أَعْلُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى نَضَّدْتُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَقْرًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتبسمُ، وَنَظَرَ إِلَى جُرْحٍ بِأُمِّي عَلَى عَاتِقِهَا، فَقَالَ: " أُمُّكَ، أُمُّكَ، أَعْصِبْ جُرْحَهَا، بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، مَقَامُ أُمِّكَ خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَمَقَامُ رَبِيبِكَ يَعْنِي زَوْجَ أُمِّهِ، خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَهْلَ الْبَيْتِ ".
قَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أن نُرَافِقُكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلُهُمْ رُفَقَائِي فِي الْجَنَّةِ.
فَقَالَتْ: مَا أُبَالِي مَا أَصَابَنِي مِنَ الدُّنْيَا.2 - [وَبِهِ]، يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ ضُمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمُرُوطٍ، فَكَانَ فِيهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ وَاسِعٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ هَذَا الْمِرْطَ لَثَمَنُ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَى زَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَذَلِكَ حِدْثَانُ مَا دَخَلَتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: ابْعَثْ بِهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهَا، أُمُّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ يَوْمَ أُحِدٍ: " مَا الْتَفَتُّ يَمِينًا وَلا شِمَالا إِلا وَأَنَا أَرَاهَا تُقَاتِلُ دُونِي ".3 - وَبِهِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي الْمُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ مَوْلَى لِبَنِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ:
" جُرِحَتْ أُمُّ عُمَارَةَ بِأُحُدٍ اثْنَا عَشْرَ جُرْحًا، وَقُطِعَتْ يَدُهَا بِالْيَمَامَةِ، وَجُرِحَتْ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سِوَى يَدِهَا أَحَدَ عَشَرَ جُرْحًا، فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ وَبِهَا الْجِرَاحَةُ، فَلَقَدْ رُئِيَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتِيهَا يَسْأَلُ عَنْهَا وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ.
قَالَ: تَزَوَّجَتْ ثَلاثَةً كُلَّهُمْ لَهُمْ مِنْهَا وَلَدٌ، تَزَوَّجَتْ غَزِيَّةَ بْنَ عَمْرٍو الْمَازِنِيِّ، لَهَا مِنْهُ تَمِيمُ بْنُ غَزِيَّةَ، وَتَزَوَّجَتْ زَيْدَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ الْمَازِنِيِّ، فَلَهَا مِنْهُ حَبِيبُ بْنُ زَيْدٍ الَّذِي قَطَّعَهُ مُسَيْلَمَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قُتِلَ بِالْحِرَّةِ، وَالثَّالِثُ نَسِيتُهُ [وَمَاتَ وَلَدُهُ وَلَمْ يُعَقِبْ] ".4 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الدَّلالُ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي حَيَّةَ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ [ص:58] شُجَاعٍ، أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ:
قَالُوا: " وَكَانَتْ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمِّ عُمَارَةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ غَزِيَّةَ بْنِ عَمْرٍو، شَهِدَتْ أُحُدًا وَزَوْجُهَا وَابْنَاهَا، وَخَرَجَتْ مَعَهَا بِشَنٍّ لَهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ تُرِيدُ أَنْ تَسْقِي الْجَرْحَى، فَقَاتَلَتْ يَوْمَئِذٍ يَعْنِي: يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَبْلَتْ بَلاءً حَسَنًا، فَجُرِحَتِ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحًا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ.
وَكَانَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، تَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَةُ، حَدِّثِينِي خَبَرَكِ، فَقَالَتْ:
" خَرَجْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى أُحُدٍ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالدَّوْلَةُ وَالرِّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلْتُ أُبَاشِرُ الْقِتَالَ، وَأَذِبُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ، وَأَرْمِي بِالْقَوْسِ، حَتَّى خَلَصَتْ إِلَيَّ الْجِرَاحُ، فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا لَهُ غَوْرٌ أَجْوَفٌ.
فَقُلْتُ: يَا أُمَّ عُمَارَةَ، مِنْ أَصَابَكِ بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَقْبَلَ ابْنُ قَمِئَةَ وَقَدْ وَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِيحُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، فَاعْتَرَضَ لَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأُنَاس مَعَهُ، فَكُنْتُ فِيهِمْ، فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ، وَلَقَدْ ضَرَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ.
قُلْتُ: يَدُكِ مَا أَصَابَهَا؟ قَالَتْ: أُصِيبَتْ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، لَمَّا جَعَلْتُ الأَعْرَابَ يَنْهَزِمُونَ بِالنَّاسِ، نَادَتِ الأَنْصَارُ: أَخْلِصُونَا، فَأَخْلَصْتُ الأَنْصَارَ فَكُنْتُ مَعَهُمْ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَدِيقَةِ الْمَوْتِ فَاقْتَتَلْنَا عَلَيْهَا سَاعَةً، حَتَّى قُتِلَ أَبُو دُجَانَةَ عَلَى بَابِ الْحَدِيقَةِ، وَدَخَلْتُهَا وَأَنَا أُرِيدُ عَدُوَّ اللَّهِ مُسَيْلَمَةَ، فَتَعَرَّضَ لِي رَجُلٌ مِنْهُمْ [ص:59] فَضَرَبَ يَدِي فَقَطَعَهَا، فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِي نَاهِيَةٌ، وَ [لا عَرَّجْتُ عَلَيْهَا] حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى الْخَبِيثِ مَقْتُولا، وَابْنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ يَمْسَحُ سَيْفَهُ بِثِيَابِهِ، فَقُلْتُ: قَتَلْتَهُ؟، فَقَالَ: نَعَمْ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْرًا ".5 - وَكَانَ ضُمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ جَدَّتِهِ وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ أُحُدًا تَسْقِي الْمَاءَ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَمَقَامُ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ " وَكَانَ يَرَاهَا يَوْمَئِذٍ تُقَاتِلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَإِنَّهَا لَحَاجِزَةٌ ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا، حَتَّى جُرِحَتْ ثَلاثَةَ عَشْرَ جُرْحًا، فَلَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَهَا، فَعَدَدْتُ جِرَاحَهَا جُرْحًا جُرْحًا فَوَجَدْتُهَا ثَلاثَةَ عَشْرَ جُرْحًا.
وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى ابن قَمِئَةَ وَهُوَ يَضْرِبُهَا عَلَى عَاتِقِهَا، وَكَانَ أَعْظَمُ جِرَاحَهَا، وَلَقَدْ دَاوَتْهُ سَنَةً، ثُمَّ نَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ، فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابِهَا فَمَا اسْتَطَاعَتْ مِنْ نَزْفِ الدَّمِ، وَلَقَدْ مَكَثْنَا لَيْلَتَنَا نُكَمِّدُ الْجِرَاحَ حَتَّى أَصْبَحْنَا، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَمْرَاءِ مَا وَصَلَ إِلَى بَيْتِهِ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْمَازِنِيِّ يَسْأَلُ عَنْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ بِسَلامَتِهَا، فَسُرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ الْمُعَدَّلُ، قَالا: أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كَيْسَانَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَوِيُّ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهَا جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَلَّبِ، قَالَتْ:
" لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحِدٍ أَوِ الْخَنْدَقِ جَعَلَ نِسَاءَهُ فِي [ص:54] أُطُمٍ يُقَالُ لَهُ: فَارِع عِنْدَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلَ مَعَهُنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ يَبْتَغُونَ غِرَّةَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: فَتَرَّقَى يَهُودِيٌّ مِنْهُمْ فِي الأُطُمِ حَتَّى أَطَلَّ عَلَيْنَا فِيهِ، فَقُلْتُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قُمْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: مَا ذَلِكَ فِيَّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيَّ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: فَارْبِطْ عَلَى ذِرَاعِي السَّيْفَ، قَالَتْ: فَرَبَطَهُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَضَرَبْتُ رَأْسَهُ حَتَّى قَطَّعْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِرْمِ بِهِ عَلَى الْيَهُودِ فِي أَسْفَلٍ، قَالَ: مَا ذَلِكَ فِيَّ.
قَالَتْ: فَأَخَذْتُهُ فَرَمَيْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَتَفَرَّقُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ ظَنَنَّا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ لِيَتْرُكْ أَهْلَهُ خَلُوفًا لَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ.
قَالَتْ: وَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَدَّ عَلَى الْكُفَّارِ يَشُدُّ مَعَهُ، وَهُوَ مَعَنَا فِي الْحِصْنِ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ رَجَعَ وَرَاءَهُ فِي الْحِصْنِ.
قَالَتْ: فَمَرَّ بِنَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، وَقَدْ كَانَ مُعْرِسًا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَيَقُولُ:
مَهِّلْ قَلِيلا يُدْرَكُ الْهَيْجَا حَمَلُ ... لا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الأَجَلُ 2 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النَّقُّورِ البَّزَّازُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيُوسُفِيُّ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ [ص:55] مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَنْبَأَ عَمِّي أَبُو طَاهِرٍ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى.
قَالَ: فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرَاهُمْ، فَقَالَ: " الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةُ ".
قَالَ الزُّبَيْرُ: فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا، فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِي إِلَى الْقَتْلَى. قَالَ: فَلَدَمَتْ فِي صَدْرِي - وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَلِدَةٌ - قَالَتْ: إِلَيْكَ، لا أَرْضَ لَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَيْكِ. قَالَ: فَوَقَفَتْ، وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا، فَقَالَتْ: هَذَانِ ثَوْبَانِ، جِئْتُ بِهِمَا لأَخِي حَمْزَةَ، فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ، فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا.
قَالَ: فَجِئْنَا بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَتِيلٌ، قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ.
قَالَ: فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالأَنْصَارِيُّ لا كَفَن لَهُ، فَقُلْنَا: لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ، وَلِلأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ، فَقَدَّرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ.
[ص:56] قَالَ: فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ ".أُمُّ عُمَارَةَ، نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ
1 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَنْبَأَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، يَقُولُ:
" شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ دَنَوْتُ أَنَا وَأُمِّي نَذُبُّ عَنْهُ، قَالَ: " ابْنُ أُمِّ عُمَارَةَ؟ ".
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " ارْمِ "، فَرَمَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِحَجَرٍ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ، فَأَصَبْتُ عَيْنَ الْفَرَسِ، فَاضْطَرَبَ الْفَرَسُ حَتَّى وَقَعَ صَاحِبُهُ، وَجَعَلْتُ أَعْلُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى نَضَّدْتُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَقْرًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتبسمُ، وَنَظَرَ إِلَى جُرْحٍ بِأُمِّي عَلَى عَاتِقِهَا، فَقَالَ: " أُمُّكَ، أُمُّكَ، أَعْصِبْ جُرْحَهَا، بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، مَقَامُ أُمِّكَ خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَمَقَامُ رَبِيبِكَ يَعْنِي زَوْجَ أُمِّهِ، خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَهْلَ الْبَيْتِ ".
قَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أن نُرَافِقُكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلُهُمْ رُفَقَائِي فِي الْجَنَّةِ.
فَقَالَتْ: مَا أُبَالِي مَا أَصَابَنِي مِنَ الدُّنْيَا.2 - [وَبِهِ]، يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ ضُمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمُرُوطٍ، فَكَانَ فِيهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ وَاسِعٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ هَذَا الْمِرْطَ لَثَمَنُ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَى زَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَذَلِكَ حِدْثَانُ مَا دَخَلَتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: ابْعَثْ بِهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهَا، أُمُّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ يَوْمَ أُحِدٍ: " مَا الْتَفَتُّ يَمِينًا وَلا شِمَالا إِلا وَأَنَا أَرَاهَا تُقَاتِلُ دُونِي ".3 - وَبِهِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي الْمُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ مَوْلَى لِبَنِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ:
" جُرِحَتْ أُمُّ عُمَارَةَ بِأُحُدٍ اثْنَا عَشْرَ جُرْحًا، وَقُطِعَتْ يَدُهَا بِالْيَمَامَةِ، وَجُرِحَتْ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سِوَى يَدِهَا أَحَدَ عَشَرَ جُرْحًا، فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ وَبِهَا الْجِرَاحَةُ، فَلَقَدْ رُئِيَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتِيهَا يَسْأَلُ عَنْهَا وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ.
قَالَ: تَزَوَّجَتْ ثَلاثَةً كُلَّهُمْ لَهُمْ مِنْهَا وَلَدٌ، تَزَوَّجَتْ غَزِيَّةَ بْنَ عَمْرٍو الْمَازِنِيِّ، لَهَا مِنْهُ تَمِيمُ بْنُ غَزِيَّةَ، وَتَزَوَّجَتْ زَيْدَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ الْمَازِنِيِّ، فَلَهَا مِنْهُ حَبِيبُ بْنُ زَيْدٍ الَّذِي قَطَّعَهُ مُسَيْلَمَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قُتِلَ بِالْحِرَّةِ، وَالثَّالِثُ نَسِيتُهُ [وَمَاتَ وَلَدُهُ وَلَمْ يُعَقِبْ] ".4 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الدَّلالُ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي حَيَّةَ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ [ص:58] شُجَاعٍ، أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ:
قَالُوا: " وَكَانَتْ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمِّ عُمَارَةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ غَزِيَّةَ بْنِ عَمْرٍو، شَهِدَتْ أُحُدًا وَزَوْجُهَا وَابْنَاهَا، وَخَرَجَتْ مَعَهَا بِشَنٍّ لَهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ تُرِيدُ أَنْ تَسْقِي الْجَرْحَى، فَقَاتَلَتْ يَوْمَئِذٍ يَعْنِي: يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَبْلَتْ بَلاءً حَسَنًا، فَجُرِحَتِ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحًا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ.
وَكَانَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، تَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَةُ، حَدِّثِينِي خَبَرَكِ، فَقَالَتْ:
" خَرَجْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى أُحُدٍ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالدَّوْلَةُ وَالرِّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلْتُ أُبَاشِرُ الْقِتَالَ، وَأَذِبُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ، وَأَرْمِي بِالْقَوْسِ، حَتَّى خَلَصَتْ إِلَيَّ الْجِرَاحُ، فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا لَهُ غَوْرٌ أَجْوَفٌ.
فَقُلْتُ: يَا أُمَّ عُمَارَةَ، مِنْ أَصَابَكِ بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَقْبَلَ ابْنُ قَمِئَةَ وَقَدْ وَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِيحُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، فَاعْتَرَضَ لَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأُنَاس مَعَهُ، فَكُنْتُ فِيهِمْ، فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ، وَلَقَدْ ضَرَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ.
قُلْتُ: يَدُكِ مَا أَصَابَهَا؟ قَالَتْ: أُصِيبَتْ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، لَمَّا جَعَلْتُ الأَعْرَابَ يَنْهَزِمُونَ بِالنَّاسِ، نَادَتِ الأَنْصَارُ: أَخْلِصُونَا، فَأَخْلَصْتُ الأَنْصَارَ فَكُنْتُ مَعَهُمْ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَدِيقَةِ الْمَوْتِ فَاقْتَتَلْنَا عَلَيْهَا سَاعَةً، حَتَّى قُتِلَ أَبُو دُجَانَةَ عَلَى بَابِ الْحَدِيقَةِ، وَدَخَلْتُهَا وَأَنَا أُرِيدُ عَدُوَّ اللَّهِ مُسَيْلَمَةَ، فَتَعَرَّضَ لِي رَجُلٌ مِنْهُمْ [ص:59] فَضَرَبَ يَدِي فَقَطَعَهَا، فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِي نَاهِيَةٌ، وَ [لا عَرَّجْتُ عَلَيْهَا] حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى الْخَبِيثِ مَقْتُولا، وَابْنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ يَمْسَحُ سَيْفَهُ بِثِيَابِهِ، فَقُلْتُ: قَتَلْتَهُ؟، فَقَالَ: نَعَمْ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْرًا ".5 - وَكَانَ ضُمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ جَدَّتِهِ وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ أُحُدًا تَسْقِي الْمَاءَ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَمَقَامُ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ " وَكَانَ يَرَاهَا يَوْمَئِذٍ تُقَاتِلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَإِنَّهَا لَحَاجِزَةٌ ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا، حَتَّى جُرِحَتْ ثَلاثَةَ عَشْرَ جُرْحًا، فَلَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَهَا، فَعَدَدْتُ جِرَاحَهَا جُرْحًا جُرْحًا فَوَجَدْتُهَا ثَلاثَةَ عَشْرَ جُرْحًا.
وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى ابن قَمِئَةَ وَهُوَ يَضْرِبُهَا عَلَى عَاتِقِهَا، وَكَانَ أَعْظَمُ جِرَاحَهَا، وَلَقَدْ دَاوَتْهُ سَنَةً، ثُمَّ نَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ، فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابِهَا فَمَا اسْتَطَاعَتْ مِنْ نَزْفِ الدَّمِ، وَلَقَدْ مَكَثْنَا لَيْلَتَنَا نُكَمِّدُ الْجِرَاحَ حَتَّى أَصْبَحْنَا، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَمْرَاءِ مَا وَصَلَ إِلَى بَيْتِهِ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْمَازِنِيِّ يَسْأَلُ عَنْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ بِسَلامَتِهَا، فَسُرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.