الغيث
07-27-2022, 03:23 PM
وإذا تمعنا في تصنيف البردوني للفنون التهامية اليمنية ، نجد أن القاسم المشترك بين تهامة اليمن وتهامة منطقة جازان يتمحور في فن الطارق بصورة خاصة ، وربما بصورة أقل في الموال البحري ، وأغاني الرعاة .
فجميع هذه الألوان أو الفنون الثلاثة لها رابط مشترك يتمثل في احتياجها إلى الأداء المديد ، والنفس الطويل ، والمفردات المحلية القابلة للمد ، وهو ما نجده في لوني الطارق والزيفة في تهامة جازان .
أما من حيث التركيب فيتفرد الفن التهامي بالمجانسة البديعية ، وربما تلك المجانسة تدرك بصورة أوضح في مقاطع الطارق الغنائية ، وهو ما يتوافق عليه في التهامتين ، أما الموال البحري فربما وجد بعض منه في النواحي الساحلية لمنطقة جازان ، ولو بصورة نادرة ، لكن أغاني الرعاة لها وجود في معظم السهول الزراعية في أغلب البلاد العربية ، وفي كل قطر لها لهجتها الخاصة ، وطريقة أدائها .
وبالعودة إلى الأديب البردوني نجده يقول :" وإذا لاحظنا تصنيف الفنون الغنائية ، فإن فنون الهضبات تتكون من : ( زوامل ) و ( مهاجل ) لمختلف الأعمال ، ومن ( مهايد ) ، ومن ( باله ) ، على حين تختلف الفنون الغنائية التهامية في تسمياتها ، فهناك الموال البحري ، والغناء الشامي ، والطارق ، وأغاني الرعاة ، غير أنها في جملتها تشبه الفنون الجبلية رغم اختلاف الأسماء ، فالموال في امتداده الأدائي يشبه ( المهيد ) في المناطق الوسطى ؛ لأن كل منهما يحتاج إلى الأداء المديد ، والأنفاس الطويلة ، والمفردات الطيِّعة القابلة للمط ".
وإن كانت لنا ملاحظة ـــــ هنا ـــــ فهي في فن الزامل ، حيث ذكر البردوني في قوله السابق بأنه من خصوصيات المناطق المرتفعة فقط ( الهضاب ) ، بينما الزامل في تهامة جازان نجده مجسدا في المرتفعات والسهول والنواحي الساحلية مع وجود بعض الاختلافات البسيطة في طريقة أدائه ، وهو ما سوف نتطرق إليه بالتفصيل لاحقا .
ثم يضرب البردوني أمثلة على ألوان الفنون التهامية التي ذكرها ، ويعقد عدة مقارنات بين بعضها البعض ، كالصوت اليماني والباله مع الطارق ، وهو ما يهمنا في هذا البحث ، إذ يقول البردوني :" هذه المقارنة العجلى بين اليماني والطارق وترانيم أهل الهضاب لمجرد الدلالة على تقارب الشعور اليمني على تباعد المناطق ، ومثل هذه المقارنة تمكن المقارنة بين الطارق التهامي وفن الباله في المناطق الوسطى ، من حيث اعتمادهما على المساجلة الشعرية بين اثنين ، أو بين فريقين ، غير أن مساجلة الباله لا تعتمد على الجناس في أواخر المقاطع كالطارق التهامي ، وإنما تعتمد على واحدية الوزن والقافية ، وبرواية النص التهامي نعرف وجه المقارنة ووجه الفروق ، وسوف نجد الطارق التهامي أكثر اعتمادا على الجناس ، كما في المقطع الآتي :
بي طعْنَتيْنْ في وسطْ جنْبي ولا أدْمَنْ
وكلَّمـــــــــا هِبْتُـــــــــــــهْ دواءْ زادَ ( ولْمَا )
يؤدي هذا إلى جواب يشكل مجانسة تحتمل معاني متعددة ، وهذا هو الجواب :
طعَنْتَني واليومْ تُقُلْ لي وَلَدْ مَنْ ؟
واحْنا تعاهَـــــدْنا على الزَّادْ والماءْ
نلاحظ مفردات البداية والإجابة ( بي طعنتين في وسط جنبي ولا أدمن ) بتسكين نون التأنيث ، والمعنى أن الطعنتين لم تدميا ، وهي في اللهجة ( ولا ادمن ) ، وكلما تداوى الجرح زاد ألما أو ( ولما ) على لهجة الطارق ، وتأتي الإجابة كمجانسة لفظية للبداية ( طعنتني واليوم تقل لي ولد من ؟ ) أي ابن من ؟ . وعبارة ( ولد من ) تقابل ( ولا أدمن ) التي هي الفعل ، وهذه مجانسة بين فعل واسم مضاف ، أي ( ولد من ؟ ) .
كذلك ( الزاد والماء ) فهي تقابل ( زاد ولما ) ، الأولى بمعنى زاد وجعا ، والثانية بمعنى القوت والشرب اللذين أقسم عليهما الحبيبان .
هذا المقطع بابتدائه وإجابته يشير إلى خيانة عاطفية من قبل رجل حمَّل حبيبته جنينا وأنكر أبوته لذلك الحمل ، كما دلت حرفية النص ( واليوم تقل لي ولد من ؟ ) .
وهذا النوع من المجاوبة يحتفي بالجناس البديعي على عكس مجاوبة شعر ( الباله ) فإنه لا يعتمد على رد اللفظة مجانسة ، وإنما على القافية والوزن ".
***
>::>::>::
.................................................. ...
= عبدالله لبردوني ، فنون الأدب الشعبي في اليمن ، الفنون التهامية ، ص 343 .
= عبدالله البردوني ، فنون الأدب الشعبي في اليمن ، الفنون التهامية ، ص 356 ، 357 .
فجميع هذه الألوان أو الفنون الثلاثة لها رابط مشترك يتمثل في احتياجها إلى الأداء المديد ، والنفس الطويل ، والمفردات المحلية القابلة للمد ، وهو ما نجده في لوني الطارق والزيفة في تهامة جازان .
أما من حيث التركيب فيتفرد الفن التهامي بالمجانسة البديعية ، وربما تلك المجانسة تدرك بصورة أوضح في مقاطع الطارق الغنائية ، وهو ما يتوافق عليه في التهامتين ، أما الموال البحري فربما وجد بعض منه في النواحي الساحلية لمنطقة جازان ، ولو بصورة نادرة ، لكن أغاني الرعاة لها وجود في معظم السهول الزراعية في أغلب البلاد العربية ، وفي كل قطر لها لهجتها الخاصة ، وطريقة أدائها .
وبالعودة إلى الأديب البردوني نجده يقول :" وإذا لاحظنا تصنيف الفنون الغنائية ، فإن فنون الهضبات تتكون من : ( زوامل ) و ( مهاجل ) لمختلف الأعمال ، ومن ( مهايد ) ، ومن ( باله ) ، على حين تختلف الفنون الغنائية التهامية في تسمياتها ، فهناك الموال البحري ، والغناء الشامي ، والطارق ، وأغاني الرعاة ، غير أنها في جملتها تشبه الفنون الجبلية رغم اختلاف الأسماء ، فالموال في امتداده الأدائي يشبه ( المهيد ) في المناطق الوسطى ؛ لأن كل منهما يحتاج إلى الأداء المديد ، والأنفاس الطويلة ، والمفردات الطيِّعة القابلة للمط ".
وإن كانت لنا ملاحظة ـــــ هنا ـــــ فهي في فن الزامل ، حيث ذكر البردوني في قوله السابق بأنه من خصوصيات المناطق المرتفعة فقط ( الهضاب ) ، بينما الزامل في تهامة جازان نجده مجسدا في المرتفعات والسهول والنواحي الساحلية مع وجود بعض الاختلافات البسيطة في طريقة أدائه ، وهو ما سوف نتطرق إليه بالتفصيل لاحقا .
ثم يضرب البردوني أمثلة على ألوان الفنون التهامية التي ذكرها ، ويعقد عدة مقارنات بين بعضها البعض ، كالصوت اليماني والباله مع الطارق ، وهو ما يهمنا في هذا البحث ، إذ يقول البردوني :" هذه المقارنة العجلى بين اليماني والطارق وترانيم أهل الهضاب لمجرد الدلالة على تقارب الشعور اليمني على تباعد المناطق ، ومثل هذه المقارنة تمكن المقارنة بين الطارق التهامي وفن الباله في المناطق الوسطى ، من حيث اعتمادهما على المساجلة الشعرية بين اثنين ، أو بين فريقين ، غير أن مساجلة الباله لا تعتمد على الجناس في أواخر المقاطع كالطارق التهامي ، وإنما تعتمد على واحدية الوزن والقافية ، وبرواية النص التهامي نعرف وجه المقارنة ووجه الفروق ، وسوف نجد الطارق التهامي أكثر اعتمادا على الجناس ، كما في المقطع الآتي :
بي طعْنَتيْنْ في وسطْ جنْبي ولا أدْمَنْ
وكلَّمـــــــــا هِبْتُـــــــــــــهْ دواءْ زادَ ( ولْمَا )
يؤدي هذا إلى جواب يشكل مجانسة تحتمل معاني متعددة ، وهذا هو الجواب :
طعَنْتَني واليومْ تُقُلْ لي وَلَدْ مَنْ ؟
واحْنا تعاهَـــــدْنا على الزَّادْ والماءْ
نلاحظ مفردات البداية والإجابة ( بي طعنتين في وسط جنبي ولا أدمن ) بتسكين نون التأنيث ، والمعنى أن الطعنتين لم تدميا ، وهي في اللهجة ( ولا ادمن ) ، وكلما تداوى الجرح زاد ألما أو ( ولما ) على لهجة الطارق ، وتأتي الإجابة كمجانسة لفظية للبداية ( طعنتني واليوم تقل لي ولد من ؟ ) أي ابن من ؟ . وعبارة ( ولد من ) تقابل ( ولا أدمن ) التي هي الفعل ، وهذه مجانسة بين فعل واسم مضاف ، أي ( ولد من ؟ ) .
كذلك ( الزاد والماء ) فهي تقابل ( زاد ولما ) ، الأولى بمعنى زاد وجعا ، والثانية بمعنى القوت والشرب اللذين أقسم عليهما الحبيبان .
هذا المقطع بابتدائه وإجابته يشير إلى خيانة عاطفية من قبل رجل حمَّل حبيبته جنينا وأنكر أبوته لذلك الحمل ، كما دلت حرفية النص ( واليوم تقل لي ولد من ؟ ) .
وهذا النوع من المجاوبة يحتفي بالجناس البديعي على عكس مجاوبة شعر ( الباله ) فإنه لا يعتمد على رد اللفظة مجانسة ، وإنما على القافية والوزن ".
***
>::>::>::
.................................................. ...
= عبدالله لبردوني ، فنون الأدب الشعبي في اليمن ، الفنون التهامية ، ص 343 .
= عبدالله البردوني ، فنون الأدب الشعبي في اليمن ، الفنون التهامية ، ص 356 ، 357 .