الغيث
07-14-2022, 05:14 PM
الأدب الشعبي في منطقة جازان
وأقصد به الأدب الشفاهي ، وهو جانب زاخر بالمعرفة والإبداع ، ويتمثل في : الشعر الشعبي ، الحكايات الشعبية ( الخرافين ) أو ( الشراوي ) ، الأمثال الشعبية ، الألغاز والأحاجي الشعبية ، وسوف أركز ــــ هنا ـــــ على الشعر الشعبي ، وما يتبعه من أنواع الرقص الشعبي في المنطقة ، أو ما يسمى بــــ ( الفنون الشعبية ) ، وهو ما سوف نتطرق إليه ـــــ هنا ــــــ بالتفصيل
الشعر الشعبي في منطقة جازان
.
عندما نتحدث عن الشعر الشعبي في المنطقة فإننا نتحدث عن فن من فنون تراثنا الشعبي وموروثنا الجميل ، وهذا الفن يتميز بالرجز المعتمد ــــــ في أغلب حالاته ــــــ على الوصف والعاطفة والتصوير الإيحائي على المستويين المجتمعي والفردي ، وهو يتصف بالبلاغة الرائعة المتجسدة في الجناس والبديع والكناية والتورية ، ويشتمل على أساليب الدقة في التصوير والبعد عن المبالغة والتهويل ، أي أنه كثيرا ما يلامس المشاعر الإنسانية في نفوس قائليه ومتلقيه وسامعيه ، ومن جوانب الجمال في هذا الشعر ــــــ كذلك ــــــ اعتماده على شقين أساسيين هما : المطلع والرد في أغلب أنواعه وخاصة شعر الردود ، حيث تكون فيه الكلمات التي تنتهي بها الأبيات متساوية في اللفظ بين المطلع والرد بينما تختلف في المعنى ، وغالبا ما تكون أبيات المطلع وصفية بينما تكون أبيات الرد غزلية .
ومن الصعوبة بمكان التوسع في هذا الباب لقلة المراجع المُوَثِّقَة لهذا الجانب عدا بعض الأوراق والتدوينات والدراسات المتفرقة هنا وهناك التي اجتهد أصحابها ــــــ مشكورين ــــــ في جمعها ممن لا زال يحتفظ في ذاكرته بالعديد من مقتطفات من هذا الفن الجميل ، والمشكلة تكمن في أن معظم ما يحفظ ويتناقل منه لا يعرف قائله ؛ لعدم التدوين ـــــ قديما ـــــ قبل رحيلهم ، وربما يكون مرد ذلك ـــــ أيضا ـــــ أن معظم من قال هذا الشعر لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، ومن باب أولى التدوين ، وإنما يكون المطلع والرد وليد اللحظة ويتم شفهيا بما تفيض به المشاعر الجياشة التي تكتظ في نفوس قائليه وهذا ما صعَّب الأمر .
وإن كان هناك بعض الشعراء الشعبيين المعروفين في هذا الجانب إلا أنهم قلة ، نذكر منهم : القناعي ، عبد الله السلامي ، عيسى العبد ، حسن أبو دفاش الضمدي ، الخديش ، البيشي ، ابن عقار ، وغيرهم .
ويتفرع هذا النوع من الشعر إلى عدة أنواع هي :
1 ـــــ شعر القاف : وهذا النوع يؤدى بصورة غنائية حسب وزنه وقافيته والمناسبة التي يقال فيها ، حيث يرافقه تطريب وتلحين في معظم أصنافه ، ومنه بعض ما كان يلقن لـــ ( الدرم ) ليقوله أثناء ( التنَدُّب ) عند ختانه من أجل تقوية عزيمته وبث روح الحماسة فيه ؛ وليتحمل آلام الختان الشديدة ، وبعض شعر القاف يقال في بعض المناسبات والمجالس ، وهنا يكون له إنشاد مختلف ومتعارف عليه في سائر محافظات المنطقة ، وغالبا ما يتكون من رباعيات تتقيد بقافية في شطرها الأخير تكون مرتكزا لمواصلة الإنشاد والتقاط الأنفاس ، ومنه ما يكون ثلاثيا كشعر الدلوع ، ويتصف هذا النوع بالترجيع الرتيب والنفس العميق والرتم المنغم والامتداد المطوَّل ــــــ نسبيا ـــــ في المقطع الأخير ، وغالبا ما يفتتح بالابتهال والاستغفار والتضرع واستلهام الغيب ، وهذا يتجلى في الكثير من القصائد التي قيلت في مناسبات مختلفة في عصور مضت من عهود المخلاف ( منطقة جازان حاليا ) مثل قصيدة الشاعر : ( علي فارس النعمي= ) التي قيلت في حرب قبلية نشبت بين أهل الدهناء وأهل المحلة سنة 1202ه يقول في مطلع قصيدته :
ألا يـــالله يـــــا عالـــــم بســـــري ويا عالم بما يخفيه صدري
ويا من تنزل الأرزاق تجري مدام الروح تنزل من سماها
وكذلك ما ورد في مطلع قصيدة : ( الزويكي= ) الذي يقول فيها :
يا الله يا مطلوب يا منشي السحاب يا مـــن إذا نـاداه مكتـــــرب أجـــــاب
يا رافــع العــرش العظيــم بلا حجــاب يا حافظ السبع الطباق بلا عمود
والقصيدتان أوردهما الأديب والمؤرخ الأستاذ : ( محمد بن أحمد عيسى العقيلي ) ــــ يرحمه الله ــــــ في كتابه : ( الأدب الشعبي في الجنوب ) .
ومن شعر القاف الذي يلقن للدرم ليقوله أثناء ختانه هذه الأبيات وهي للشاعر ( القناعي ) ، وقد قيلت على لسان ( دِرم ) إذ يقول :
اقــــــــرأ كتــــــــــــــــابي واثنــــــــــي بالنبـــــــــي يا مدرمه= نجمـــــي عليـــــكم قاهــــــــري
من بار= في حمله شادني امساحلي= يسري من الزُّهرة= يصبح سايره حَلي=
يتبع ....
>::>::>::
......................................
= شاعر شعبي ورئيس من رؤساء قبيلته ، عاش من أواخر القرن الثاني عشر الهجري وحقبة من أوائل القرن الثالث عشر ، خصب الخيال جزل القول مشغوف بالتقاليد القبلية العربية والفروسية والفتوة والنجدة ، تعد هذه القصيدة من الملاحم الشعبية الخالدة التي تحفظ وتروى منذ 182 سنة ، دون أن تسجل في كتاب أو تدون في ديوان ، انظر ( الأدب الشعبي في الجنوب ) لمحمد أحمد بن عيسى العقيلي ص 49 ــــــ 58 .
= شاعر شعبي توفي سنة 1226ه ، تعد هذه القصيدة من الملاحم الشعبية التي تروى وتحفظ منذ 169 عاما ، انظر ( المرجع السابق ) .
= محمد أحمد عيسى العقيلي ، الأدب الشعبي في الجنوب ) ، ج1 ، ط2 ص49 و 63 .
= جمع درم .
= عجز أو قصَّر .
= نوع من أنواع الأبل المشهورة باللون الأحمر وبقوتها وتحملها للثقيل .
= بلدة معروفة في اليمن .
= بلدة حلي بن يعقوب .
وأقصد به الأدب الشفاهي ، وهو جانب زاخر بالمعرفة والإبداع ، ويتمثل في : الشعر الشعبي ، الحكايات الشعبية ( الخرافين ) أو ( الشراوي ) ، الأمثال الشعبية ، الألغاز والأحاجي الشعبية ، وسوف أركز ــــ هنا ـــــ على الشعر الشعبي ، وما يتبعه من أنواع الرقص الشعبي في المنطقة ، أو ما يسمى بــــ ( الفنون الشعبية ) ، وهو ما سوف نتطرق إليه ـــــ هنا ــــــ بالتفصيل
الشعر الشعبي في منطقة جازان
.
عندما نتحدث عن الشعر الشعبي في المنطقة فإننا نتحدث عن فن من فنون تراثنا الشعبي وموروثنا الجميل ، وهذا الفن يتميز بالرجز المعتمد ــــــ في أغلب حالاته ــــــ على الوصف والعاطفة والتصوير الإيحائي على المستويين المجتمعي والفردي ، وهو يتصف بالبلاغة الرائعة المتجسدة في الجناس والبديع والكناية والتورية ، ويشتمل على أساليب الدقة في التصوير والبعد عن المبالغة والتهويل ، أي أنه كثيرا ما يلامس المشاعر الإنسانية في نفوس قائليه ومتلقيه وسامعيه ، ومن جوانب الجمال في هذا الشعر ــــــ كذلك ــــــ اعتماده على شقين أساسيين هما : المطلع والرد في أغلب أنواعه وخاصة شعر الردود ، حيث تكون فيه الكلمات التي تنتهي بها الأبيات متساوية في اللفظ بين المطلع والرد بينما تختلف في المعنى ، وغالبا ما تكون أبيات المطلع وصفية بينما تكون أبيات الرد غزلية .
ومن الصعوبة بمكان التوسع في هذا الباب لقلة المراجع المُوَثِّقَة لهذا الجانب عدا بعض الأوراق والتدوينات والدراسات المتفرقة هنا وهناك التي اجتهد أصحابها ــــــ مشكورين ــــــ في جمعها ممن لا زال يحتفظ في ذاكرته بالعديد من مقتطفات من هذا الفن الجميل ، والمشكلة تكمن في أن معظم ما يحفظ ويتناقل منه لا يعرف قائله ؛ لعدم التدوين ـــــ قديما ـــــ قبل رحيلهم ، وربما يكون مرد ذلك ـــــ أيضا ـــــ أن معظم من قال هذا الشعر لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، ومن باب أولى التدوين ، وإنما يكون المطلع والرد وليد اللحظة ويتم شفهيا بما تفيض به المشاعر الجياشة التي تكتظ في نفوس قائليه وهذا ما صعَّب الأمر .
وإن كان هناك بعض الشعراء الشعبيين المعروفين في هذا الجانب إلا أنهم قلة ، نذكر منهم : القناعي ، عبد الله السلامي ، عيسى العبد ، حسن أبو دفاش الضمدي ، الخديش ، البيشي ، ابن عقار ، وغيرهم .
ويتفرع هذا النوع من الشعر إلى عدة أنواع هي :
1 ـــــ شعر القاف : وهذا النوع يؤدى بصورة غنائية حسب وزنه وقافيته والمناسبة التي يقال فيها ، حيث يرافقه تطريب وتلحين في معظم أصنافه ، ومنه بعض ما كان يلقن لـــ ( الدرم ) ليقوله أثناء ( التنَدُّب ) عند ختانه من أجل تقوية عزيمته وبث روح الحماسة فيه ؛ وليتحمل آلام الختان الشديدة ، وبعض شعر القاف يقال في بعض المناسبات والمجالس ، وهنا يكون له إنشاد مختلف ومتعارف عليه في سائر محافظات المنطقة ، وغالبا ما يتكون من رباعيات تتقيد بقافية في شطرها الأخير تكون مرتكزا لمواصلة الإنشاد والتقاط الأنفاس ، ومنه ما يكون ثلاثيا كشعر الدلوع ، ويتصف هذا النوع بالترجيع الرتيب والنفس العميق والرتم المنغم والامتداد المطوَّل ــــــ نسبيا ـــــ في المقطع الأخير ، وغالبا ما يفتتح بالابتهال والاستغفار والتضرع واستلهام الغيب ، وهذا يتجلى في الكثير من القصائد التي قيلت في مناسبات مختلفة في عصور مضت من عهود المخلاف ( منطقة جازان حاليا ) مثل قصيدة الشاعر : ( علي فارس النعمي= ) التي قيلت في حرب قبلية نشبت بين أهل الدهناء وأهل المحلة سنة 1202ه يقول في مطلع قصيدته :
ألا يـــالله يـــــا عالـــــم بســـــري ويا عالم بما يخفيه صدري
ويا من تنزل الأرزاق تجري مدام الروح تنزل من سماها
وكذلك ما ورد في مطلع قصيدة : ( الزويكي= ) الذي يقول فيها :
يا الله يا مطلوب يا منشي السحاب يا مـــن إذا نـاداه مكتـــــرب أجـــــاب
يا رافــع العــرش العظيــم بلا حجــاب يا حافظ السبع الطباق بلا عمود
والقصيدتان أوردهما الأديب والمؤرخ الأستاذ : ( محمد بن أحمد عيسى العقيلي ) ــــ يرحمه الله ــــــ في كتابه : ( الأدب الشعبي في الجنوب ) .
ومن شعر القاف الذي يلقن للدرم ليقوله أثناء ختانه هذه الأبيات وهي للشاعر ( القناعي ) ، وقد قيلت على لسان ( دِرم ) إذ يقول :
اقــــــــرأ كتــــــــــــــــابي واثنــــــــــي بالنبـــــــــي يا مدرمه= نجمـــــي عليـــــكم قاهــــــــري
من بار= في حمله شادني امساحلي= يسري من الزُّهرة= يصبح سايره حَلي=
يتبع ....
>::>::>::
......................................
= شاعر شعبي ورئيس من رؤساء قبيلته ، عاش من أواخر القرن الثاني عشر الهجري وحقبة من أوائل القرن الثالث عشر ، خصب الخيال جزل القول مشغوف بالتقاليد القبلية العربية والفروسية والفتوة والنجدة ، تعد هذه القصيدة من الملاحم الشعبية الخالدة التي تحفظ وتروى منذ 182 سنة ، دون أن تسجل في كتاب أو تدون في ديوان ، انظر ( الأدب الشعبي في الجنوب ) لمحمد أحمد بن عيسى العقيلي ص 49 ــــــ 58 .
= شاعر شعبي توفي سنة 1226ه ، تعد هذه القصيدة من الملاحم الشعبية التي تروى وتحفظ منذ 169 عاما ، انظر ( المرجع السابق ) .
= محمد أحمد عيسى العقيلي ، الأدب الشعبي في الجنوب ) ، ج1 ، ط2 ص49 و 63 .
= جمع درم .
= عجز أو قصَّر .
= نوع من أنواع الأبل المشهورة باللون الأحمر وبقوتها وتحملها للثقيل .
= بلدة معروفة في اليمن .
= بلدة حلي بن يعقوب .