عباءة

عباءة

عبـاءة

من الممر كان ينظر إليها بشغف ، كانت معلقة على شماعة المحل ، اقترب ، ابتعد ، اقتحم المكان بشجاعة ، سأل عن ثمنها .. ثم تردد .
قال في نفسه : كيف أرتديها وهي ليست لي ؟ !
كيف ألبس ثوبا ليس بثوبي ؟ !
ماذا سيقول الناس عني ؟ وهل سيقبلون هذا الأمر ببساطة ؟
وأخيرا دفع ثمنها وحملها إلى منزله وهو يعد نفسه للحضور بها في المحافل المهمة .
سألته زوجته : ما هذا ؟
ـــــ عباءة سوداء جميلة مقصبة بالخيوط الذهبية .
ـــــ عباءة ! ! ولم اشتريتها ؟
ــــــ لأكون مُهِمًّا مثل بقية الشخصيات المهمة في البلد .
ـــــ لكنك .. !
ــــــ أعرف ما ستقولين ، لكني مثلهم ، بل أهم منهم ، بماذا يتفوق عني هؤلاء ؟ !
لديَّ الثانوية العامة ، درست معظم المناهج ، أشاهد القنوات الفضائية ، أقرأ الصحف كل يوم ، أجتمع مع أصدقائي في مجالسهم الخاصة .
ـــــ لكن هذا لا يكفي ، فهناك فرق يا بعلي العزيز .
هناك الثقافة العامة ، هناك سعة الاطلاع ، التمرس ، الجرأة والشجاعة للوقوف أمام الحضور ، فنون الحوار والمداخلة ...
ـــــ سوف ترين وتسمعين ماذا سيصنع زوجك في أقرب محفل .
ذات مساء لبس ثوبه الناصع البياض والمكوي بالبخار ، ثم تقلد غترته وعقاله ، وأغرق نفسه بمجموعة من العطور الفاخرة وتفقد ساعة ثمينة في معصمه الأيسر ، وارتدى عباءته السوداء ، ثم مرر ( مُجْمار ) العود الفاخر بين ثنايا لبسه ، وامتطى سيارته منطلقا نحو الحفل وهو يردد في نفسه : اليوم سيولد مثقف كبير ، ومفكر لامع ، ومحاور بارع ، اليوم سينطلق ( محمود الفلتة ) ويبهر الحاضرين بما يقول .
اليوم يا ( محمود ) ستقتص من نظرات الدونية والتهميش ، اليوم تتجلَّى الحقائق .
وعندما صعد على المنبر قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم سكت .

***
الغيث

حصري للمدائن

للمزيد من مواضيعي