تقدير النِعم في رمضان وغير رمضان .

إني اليوم أتحدَّث من قلبي المُثقل بشجونِ زمانٍ يبدو فيه تقدير النِعم ضئيلاً، حيث يُغفل الكثيرون عن قيمة تلك النعمة التي وهبنا الله إياها، والتي قد يُزيلها في لحظة دون سابق إنذار. النعمة ليست مجرد طعامٍ نُشبِع به جُوعنا، بل هي رحمة سماوية تنير دروبنا وتُنعش أرواحنا، فتستحق كلَّ تقديرٍ واحترام.

ومن واجبنا يا أخواتي أن نُعامل النعمة كما يُعامل أثمن الجواهر؛ فإذا وقع الطعام أثناء السفر أو ضاع منه جزءٌ بسيط، فاحرصي على جمعه بعناية، واحتفظي به في إناء نظيف، ثم وزعيه على من هم في حاجة إليه، سواءً في المحطة أو بين المحتاجين. هذا هو تقدير النعمة الحقيقي، إذ تذكّري دومًا أن غيرك قد يتمنى لقمة طعامٍ كما تحفظينها أنتِ.

وليس أقل أهمية أن تُظهري تقديركِ عندما يأتيكِ طبقٌ من الطعام من إحدى الصديقات، حتى وإن بدا مذاقه غريباً أو لم يُفِ ذائقتكِ؛ فبدلاً من أن تقولي كلاماً جارحاً أو تُبدي عدم رضائكِ، كوني كريمة القول، وارفعي صوت الامتنان بعبارة “تكرم النعمة، والحمد لله على هذه النعمة”، فالكلمة الطيبة تُثلج الصدور وتُزيد في البركة. إن لباقة الرد لا تقل عن قيمة النعمة نفسها.

أتذكر أيامًا مضت حينما كان لي اختبار قدرات في جامعة الإمام، وقدمت لي صديقة نورة الأحمد فنجان قهوة مع حلوى. في تلك اللحظات، دعوت لها من الغيب بأن ينعم الله عليها بما يُليق بها في الدار الآخرة، حتى وإن لم يرقَ مذاق القهوة أو الحلوى لتوقعاتي؛ فإن الدعاء الصادق والكلمة الرقيقة هما أبلغ تعبير عن الامتنان. وكذلك، حين يُقدم لكِ حلوى لم يُعجب مذاقها قلبكِ، احتفظي بأدبكِ وادعي لها بصدق، متمنيةً لها الخير والبركة، فإنّ تقدير العطاء يتجلى في لطف التعامل، لا في نقده.

ولا يغيب عن بالنا أيضًا أن تقدير النعمة يمتد إلى تنظيم بقايا الطعام؛ فحين تجدين بقايا أكلِ أهلكِ أثناء السفر، رتبِيها بعناية، قومي بتعبئتها وضعِيها في علبة أو كيس نظيف، ثم وزعيها على من يستحقها. وإن قطعتِ السلطة أو جمعْتِ بقايا من الخضار، لا تتركِيها لتُهدر، بل اجمعيها وانظميها، ووزعيها على الحيوانات أو المحتاجين، فكلُّ قطعةٍ تُحصَّل على نية الخير تحمل في طياتها أجرًا عظيمًا.

وإن كنتِ تتجولين في المولات، ورأيتِ فشارًا أو بطاطس متناثرة على الأرض، لا تتركيها؛ بل التقطيها بيديكِ، ضعيها في منديل أو كيس، واحرصي على وضعها في مكان مرتفع وآمن. فهذا العمل البسيط يُثبِتُ مدى تقديركِ للنِعمة ويُدرّس الآخرين كيفية احترام ما وهبهم الله من خيرات لا تُعد ولا تُحصى.

إن الإنسان لا يُدرك قيمة النعمة حتى يختبر فقدانها، فاحرصي يا أختي على تقدير كلّ نعمة، مهما بدت صغيرة، ولا تستهيني بها. حتى إن كان لديكِ عاملةٌ بالبيت قد تخلّف بقايا الطعام دون أدنى احترام، علميها برفق كيف تُحسن التعامل مع هذه النعمة، لأن الكرامة في تقدير النعم لا تُكتسب بالتهاون، بل بالحفاظ عليها وتنظيمها بطيبِ القلب.

وإن نظرت عيني إلى نعمةٍ أُتيت من ربّ العالمين فاندثرت منها، تدمعُ أعينكِ ويضيق صدركِ، فتتساءلين: “لماذا نستهين بالنعم؟” فليكن الدرسُ أن نُقدِّر النعمة قبل أن نفقدها، ونحرص على شكر الله عليها في كل حين. إن من واجبنا أن نجعل من تقدير النعم منهجًا في حياتنا، لا نختزل فيه الكلام ولا نترك مجالًا للإهمال، بل نحافظ عليه بكل حب واهتمام، لنرتقي بأرواحنا وننعم بالرضا في الدنيا والآخرة.

أخواتي العزيزات، احمدوا الله في كل حين على نعمه التي لا تنضب، وكونوا من الذين يسعون للحفاظ عليها بكل ما أوتوا من حبٍ وعطاء. اجعلوا من تقدير النِعَمِ منهجاً وسلوكاً، فكلما احترمتم النعمة وزددتم في تقديرها، زاد الله في عطائه، ولم تزدوا إلا قرباً إلى الرحمن، الذي لا يضيع أجر المحسنين.🤍

م/ ن

للمزيد من مواضيعي

 

.
.
الحمد لله حتى يبلغ منتهاه
ولا إله إلا الله
بوركت يا رقيقة في هذا النصح
جزيل شكر

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

اسمح لي ابدي اعجابي بقلمك وتميزك واسلوبك الراقي وتالقك