الموضوع: حياة ميّتة
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 04-09-2021, 03:52 AM
وه
جابر محمد مدخلي غير متواجد حالياً
SMS ~ [ + ]

Awards Showcase
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 5
 تاريخ التسجيل : Sep 2020
 فترة الأقامة : 1327 يوم
 أخر زيارة : 04-05-2024 (09:49 AM)
 المشاركات : 38,522 [ + ]
 التقييم : 105964
 معدل التقييم : جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute جابر محمد مدخلي has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]


افتراضي حياة ميّتة












حياةٌ ميّتة

... معها كان النملُ يحملني كقطعة خبزٍ مبللةٍ بعسلٍ مُصفّى. والليل يحملني إلى حيثُ السهرات، والرقصات المقمرات على أحضان ضوء البَدر.
معها كنتُ نفيًا جميلاً لجزيرةٍ نائيةٍ لا أحد من كلينا يرغب بالعودة منها. معها كنتُ أنا، أنا وكانت هي معي هِيَ. كان الحلمُ يتحول لسردابٍ جميلٍ نخرجُ منه متى نشاء وندخله متى شئنا لا آيةَ كونيةً كنّا بحاجتها أو علامة أو معجزةٍ للخروج من مخابئنا. كانت المعجزةُ الحظ الذي جعلنا نُتشكّل كحلفٍ متماسكٍ، ومتزّنٍ في وجه عسس الليل الحالفين على ذبحنا إن وجدونا معًا بعد منتصف السهر. كنتُ معها تمامًا كما كانت معي. ربما خطفتني مرة أو مرارًا من غفواتي لو نازعني النعاس، أو طردت مني بلوحةٍ تمرر أناملها على جبهتي لترسمها بما تبقّى من أحمر شفاهها المتصبّب من آثر لعاب الضحكات المغشيّ عليها بيننا.
معها لم أشأ أن أتوسّل قطعةً من فرح، أو أدّخر فرصةً مواتيةً للطرَب في ميدان عينيها، أو أو استعراض قُوى مشاعري أمام جماهير أناملها وقدميها. في كل رقصة بوحٍ كانت تصفّق لي بانتظامٍ مرتكزةً على أطراف أنامل قدميها مرةً وعلى تسريحة شعرها الأمامي مرة أخرى وتخرج عينها الحوراء من بين أحضاني بعد أن توغلّت فيه بصدرها العاشق، وولها المتكوّر كحمامٍ حول حُبوبٍ جديدةٍ نثرها مُحسِنٍ ومضى.
كان العمرُ مصبّ نهرٍ في نفوسنا، نختار منه عذوبة الماء الذي نستقيه: رضابًا وريقًا وكرزاتٍ من حنانٍ فاضت عن مزارع الأثلاث الأخيرة لليالينا الجميلات.
لم يكن يدور بأخلادنا أننا سننهار ونسقط كقُرطٍ في أذن فاتنة ترقص على لحنٍ عذب. لم نتخيل لا أنا، ولا هِيَ ولا أختها أو أحد أفراد عائلتينا أنّ المآل عذابٌ جميل، والحلمُ أقصرُ من منهجنا الفيّاض، وخرائط جوعنا التي لم تلبث أن تكوّنت واتجهت صوب نبضاتٍ أفضل، وأحاسيس أكبرُ من حظّ كلينا. كانت الآيات والعِبر توحي بأنّ قصةً كاملةً ستبدأ، حتى المخرج الذي فكّر في جعل حياتنا فلمًا سينمائيًا كان تلك الليلة عاجز عن فعل شيء. لا أحد يحرّك ساكنه، لا أحد يجرؤ على إسداء إحسانٍ لأحد. تفتّت سهراتنا الأخيرة كحصوةٍ في المرارة غزاها منظار طبيبٍ ماهر. وحبسنا حابسٌ عند محبسٍ لا يمكن حلّها بغير المعجزات، أو صلوات الأعوام المستمرة. كانت هي المعجزة التي ظهرت في منتصف الخريف وبدأت تتراكم داخلي لعدة فصولٍ رغم حملها ذات الأسماء والمناخات إلا أنّها الأنثى التي لم تكن متشابهةً في كل فصولي، والمناخ المطير في كل سنوات الحضور والغياب، والاستسقاء والصمت. كانت تعي جيدًا أنني لم أقدِم عليها لغير قلبها .. ولغير طرقات (النرد) التي كانت تخاتلني لترميها في غفلةٍ إراديةٍ مني لتفوز وتحسم النتيجة. كنتُ معها أتصرّف بغباء إرادي، وأجمع لها الرِبح فيما أحصد أنا جميع الخسائر، والهزائم .. لم أتوقّع أنّها ستستغّل تغافلي لصالحها، أو ترتّب هزيمةً نكراء بغير إرداتها وبمساعدة الفجأة لتُحدث دويًّا للغياب المرهق لكل قبائل الحنين والوله في صدر الجميع بمقدار، وبصدري بمقدار الجميع.
ها أنذا الآن أتكوّم داخلي كما يفعلُ طفلٌ مريضٌ يلجأ إلى حضن أمّه. إنني بحاجة إلى حضنها. إلى الدفء الذي غمرتني به وتوقف لأجلٍ غير معلوم.
كيف لرجلٍ أن يبكي وهو قد أهداها دموعه كاملةً؟ كيف لقلبٍ أن يستوعب أنّه داخل صدري وهو مغمىً عليه داخل أركان مساحاتِ الغيب، والانتظارات المأمولة، والمألومة؟
ألم يئن للحياة أن تفرج عن أحلامنا، وطموحاتنا وتعيد الليل الذي وقّع على عهودنا ومواثيقنا؟، أن يعيد ما خطّه العُمر وشهد عليه الزمان والمكان وأبقى صدرين يلتحفان الأمل، وينتظران مجعزةً تهبط عليهما من السماء لتزرع أعضاء جديدة لحياةٍ تحت أغطيةٍ ملفوفةٍ بقماشٍ ينتظر المصير.
سأتوه، وويلي من التياه الحاسِم. بل قد تهتُ وأنا أتمرّد على عادات انتظاري، على سكوني وانشغالي، على أفعالي وذوباني في حركةٍ لا تستطيع أن تهبني حتى خطوةً للأمام .. كيف يمكن تفسير خطوات الوقوف؟ وكيف يمكنني السيطرة على تعبين في صدرٍ موكوث، أنهكته وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب؟ كيف لي أن أكون وأنا محاطٌ بها وهي في الرجاء الحاسِم لأن أتوازن في حياتي في ظل أن تقوم هي من غيابها وغيبها وتجيء لتسلّمني كل مفاتيح الحياة؟
بؤسٌ جديدٌ يمكنه أن يستغل حياتي الميّتة، وحياتي الغائبة!.

للمزيد من مواضيعي

 

الموضوع الأصلي : حياة ميّتة     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : جابر محمد مدخلي





 توقيع : جابر محمد مدخلي


إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة...

رد مع اقتباس
 
1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47