عرض مشاركة واحدة
قديم 05-15-2023, 10:43 AM   #16


الصورة الرمزية أحمد عدوان
أحمد عدوان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 99
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : 05-24-2024 (05:50 PM)
 المشاركات : 16,148 [ + ]
 التقييم :  37776
 SMS ~

لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة






صباحا بالدوام ، كان زياد يبدو متعبا ، كأنه لم يتم ليلته ، أحس سالم أن خطبًا ما يمر به زياد ، ولكنه حينما استفسر منه عن الأمر ، أخبره أنه مجرد أرق عابر أخذ أكثر من نصف ليلته .
بعد الظهر ، كعادته توجه سالم إلى والدته ، وكانت قد سبقته خلود وزوجها ، يبدو أن موعد خروجها قد اقترب ، الطبيبة أخبرته يومها أنها بالغد ستكتب لها إذن خروج ، وجلست مع سالم مطولا ، كانت تحدثه عن مواعيد الدواء ، عن النظام الغذائي ، والأهم أن تبتعد عن الإجهاد الكبير ، عن المشاكل وكل ما يرفع ضغطها ، وختمت حديثها : "أهم شي يا سالم ، لازم تسمع كلامها بكل شي" ، سألها سالم : هذا جزء من العلاج ؟ ـ
ــ ايه ، العلاج كله أنك ما تزعلها .
ــ إن شاء الله . المهم ترضى .
أخبرته أنها بالغد ستكتب له وصفة الدواء صالحة لمدة ثلاثة أشهر ، وأن يعاود بعدها لإجراء تحاليل جديدة ، ووصفة أخرى . وكان سالم يحدق بها ، كانت تبدو جميلة جدا ، متأنقة أكثر من أي يوم آخر ، حتى رائحة العطر تنبعث منها بقوة .
بالغد حضر سالم وزياد ومعتز ، وكذا خلود ، لمرافقة الحجة زينب إلى بيتها بعد غياب دام أسبوعين كاملين ،كان سالم خلالهما كاليتيم الذي فقد كل سند ، كانت شهرزاد في وداعها ، الغريب أنها بالممر ، المؤدي إلى المصعد ، لحقت بهم الطبيبة من أجل تقبيل الحجة زينب ، وناولت سالم وصفة الدواء ،
طوال الطريق كانت الحجة زينب تشيد بشهرزاد ، وكان سالم يبتسم ، ويحاول ألا يدع أحدا يلحظ ابتسامته تلك ، لأنه بدأ يدرك يقينا ما ترمي إليه والدته ، ولكن ما المانع ؟ شهرزاد جميلة جدا ، ومناسبة تماما ، مثقفة ، وتميل للأدب ، وذات مركز مرموق . طيب وما أدراك أنت أنّ قلبها فاضي ؟
انتهى حواره الداخلي مع وصولهما إلى البيت ، نزل الجميع وجهّزت لهم خلود قهوة وعصير وبقلاوة ،
رنَ هاتف زياد ، فجأة وقف من مكانه ، يبدو أن زهراء على وشك الولادة ، انطلق رفقة سالم مجددا إلى البيت ثم المستشفى ، نحو قسم الأمومة ، لم يطل انتظارهما ، نصف ساعة لا غير ، وحلّت بلقيس ضيفة عزيزة على قلبه وقلب والدته ، كانت فرحتهما تلك تعويضا مناسبا عن ذلك الفقد الذي حلّ بهما قبل ستة أشهر ، حضر جميع أفراد أسرة زهراء ، والدتها ووالدها ، أخواتها الثلاث ، وأخوها الأصغر ، كان سالم يكيل التهاني لزياد وزوجته ، وفي قرارة نفسه يدعو الله أن يؤلّف بين قلبيهما وينزع ما بينهما من خلاف ومن همّ .
عاد سالم إلى والدته بعد يوم حافل ، كانت المغرب تماما ، وجد والدته تعدّ وجبة العشاء ، بادرها سالم ألا تتعب نفسها كثيرًا ، لكن الحجة لا تفوّت فرصة كهذه :
ــ لو كان جيت تخمم عليا لو كان تزوجت .
كتم سالم ضحكنه وقال لها :
ــ كاش ما عندك عروسة غير الي نعرفهم ؟
ــ ايه كاين ، شهرزاد .
كان سالم يستدرج أمه لتحكي له كل شيء .. ولكنها فتاة غريبة لا نعرف عنها شيء ، ولا نعرف أهلها ، ربما هي مخطوبة أو تنوي الزواج من شخص آخر ؟
ــ والو مكانش ، راني عارفة ، هي قالتلي ، وباينة بنت حلال .
صمت سالم بعد أن عرف ما كان يريده ، وقام بتغيير الموضوع : المغرب أذّن يا أمي ، رايح أصلي .
خرج سالم للجامع القريب ، صلّى وعاد إلى غرفته ، يفكر بكلام أمه ، بدأت شهرزاد تستحوذ على جزء من تفكيره ، مع أنه كان دائما يستبعد الفكرة من رأسه ، فتح صفحة الفيسبوك ، وكتب عليها :
" السّلام على الذين لا يتوقعون شيئا من أحد، الذين لا يفرطون في حسن ظنهم ولا سوئه، الذين لا يثقون ولا يتوجسون، السلام على الذين ظلوا دائما خارج السرب "
كتبت له شهرزاد : السلام على قلبك يا سالم ، أنت خارج السرب دائما .
أسعده ذلك الرّد كثيرًا ، جميلٌ أن تراه خارج السّرب، أن تراه مختلفا ، لحظتها كان صوت أمه يناديه للعشاء ، قبل العشاء كانت للحجة زينب تجربتها الأول مع حقنة الأنسولين ، الأمر بسيط جدا ، تأخذين القلم ، تُديرين إلى الرقم عشرة تنظفين مكان الحقن بهذا الكحول ثم تحقنين نفسك . نجحت التجربة الأولى وبدأت الحجة زينب تعتاد على الأمر .. في السهرة بعدما اطمأن سالم أن والدته قد نامت فتح حسابه ليرد على شهرزاد ، كانت متصلة ، كتب لها على نافذة المسنجر:
ــ السلام على قلبك أيضا . ،
ــ وعليك السلام .. طمني كيف الوالدة .
ــ الحمد لله بخير . نامت من شوي .
ــ لله الحمد والشكر ،
دقيقة وأرسلت له أغنية "أنا بستناك" لنجاة ، وقالت ، كنت أسمعها وأحببت أن أشاركها معك .
ــ جميلة جدا .. غناها الكثير هذه الأغنية.
ــ لكني أحبها بصوت نجاة .
بقي سالم مدة طويلة يتحدث معها حول الأغاني، ويتبادلانها إلى أن أخبرته أن دوامها صباحا ولابد أن تنام .
أخرج سالم دفتره الأسود وشرع يكتب :
" ماذا لو أنها فرصتك الأخيرة لتقول لي شيئا وأفلتَّها ؟ ، ماذا لو كان بمقدورك أن تُقيم روحي التي تتداعى وأدرتَ ظهرك لها ؟ ، ثمَّ ماذا لو أنّك أردت أن تفعلَ كلَّ ذلك ووجدتَ أن الحياة قد أخذت تلك الفرصة منك ومنحتها لغيرك ؟ " .. هل تكون شهرزاد هي صاحبة الفرصة التي أهدرتها لولا ؟
في الغد ، لم يحضر زياد إلى الدوام ، اتصل به سالم ، وعرف منه أن بلقيس ليست على ما يرام ، باتت ليلتها الأولى داخل الحضَّانة ، يقول أن لديها ضيق بالتنفس ، ويجب أن تبقى هناك ليومين أيضا ، بعد الزوال ، توجه الصديقان إلى المستشفى ، وبالصدفة لمح شهرزاد ، ذهب للسلام عليها ، واستفسرت عن سبب وجوده ، ولما علمت بالموضوع ، رافقتهما إلى قسم الأمومة واطلعت على حالة بلقيس، وأخبرتهما أن كل شيء سيكون على ما يرام ، ولا داعي للقلق . كان زياد متوجسا فوق الحدّ ، زهراء أيضا ، ليس سهلا عليهما ما مرّ بهما طيلة الفترة الماضية ، والآن هذه بلقيس لم تجتز أول ليلة لها كما يجب .
أسند سالم رأسه على وسادة ، وأفكار عديدة تتصارع برأسه ، يشعر الليلة أنه مشتت ، كأنه ببحر هائج ، ماضٍ يطارده ، ويخرج له في كل مرة من حيث لا يحتسب ، و حاضر ضاغط على أعصابه ، وعلى خياراته ، وعُمر ينفلت من بين يديه كلما مرَّ يوم جديد ، مستقبل في كنف الغيب ، لا يظهر منه ما يطمئن .
ذاكرته الآن تستقر بذلك اليوم الذي حمل به جواز سفره و تكاليف الرحلة وأعطاهما لزياد لكي يقوم بكل ما يلزم ، عشرة أيام فقط ، ويكون بقلب القاهرة ،ليرى حبَّه الموعود ، لقد تدبّر سالم أمر والدته ، خلود ومعتز ، سوف يقيمان معها طيلة تلك الأيام ، هو يعلم جيدا أن والدته لا تحب أن تترك بيتها ، لقد اتفق معهما على ذلك ، وأخبر والدته برحلته تلك ، وطلب منها أن تجزل له من دعواتها . وقتها ، زهراء ذهبت إلى بيت أهلها ، كانت حاملا في شهرها السابع .
في اليوم الموعود حمل حقيبته الصغيرة ، واتصل بزياد ، قبّل جبين والدته ، وانطلق ، كانت الحافلة تنتظرهما ، بعد ساعات سيكونان بالجزائر العاصمة ، ومع الظهر ستنطلق الطائرة إلى القاهرة ، كان إحساسه لحظتها عجيبا ، لا يمكن وصفه ، كمن يتجه للقاء قدره ، كمن ينتظر نتيجة اختبار يتوقف عليه مصيره كاملا ، كمن ينبثق من رحم حياة ويدخل أخرى ، حينما ارتفعت الطائرة ، ألقى نظرة على مدينة الجزائر وكأنه يودّعها بلا رجعة ،كانت السماء صافية تماما ، والرؤية واضحة تماما .. كما بذهنه ، كان متيقنا مما يريده، ومما سيفعله. أربع ساعات أو أقل بقليل ، كانت مدة الرحلة ، ها هي القاهرة وذي أنوراها تملأ المدى ، كان الساعة قد تجاوزت الثامنة حينما خرج الجميع إلى الفندق . "يا الله .. أنا ولؤلؤة تضمنا مدينة واحدة لأول مرة ، " كان حدثا لا يمكن لذاكرته أن تتجاوزه ، تلك الذاكرة التي يمتلكها دائما تنحاز إلى لولا ، هي حبّ الذاكرة بلا ريب .
فجأة قفز سالم من قارب ذاكرته تلك، وأسرع إلى غرفة والدته، كان الضوء الخافت مشتعلا، أطل عليها، فوجد أنها مستغرقة بنوم عميق، عاد مجددا إلى غرفته ، فتح حسابه على تويتر وكتب عبارة لمحمود درويش : "هل بوسعي أن أختار أحلامي ، لئلا أحلم بما لا يتحقق"
ليتنا نستطيع أن نفعل، ربما كنا مددنا لحاف أحلامنا على قدر أرجلنا لا أكثر لئلا نتعثر ونقع .

**
يومان فقط وغادرت زهراء إلى بيت أهلها ، ومعها طير صغير من الجنة ،، تلك الطفلة جاءت بوقتها تماما ، كي تزيح من على كاهل زهراء ذلك الحزن الكبير ، كان زياد يزورها هناك كل يوم ، بعد أن تنتهي مواعيد عمله . وكان سالم لا يتوقف عن السؤال عنهم ،
يوما بعد يوم ، توطدت علاقة سلام بشهرزاد ، كانت المسافة بينهما تضيق ، وكان سالم يشعر بأنها تتسلل نحو قلبه ، تتسلل رغم أنّ عشقه القديم مازال راسخا بذلك القلب ، وذاك ما كان يفكر به على الدوام ، هل يمكن لقلب واحد أن يسع حُبّين ؟ ربما ليس حبًّا ؟ أنا فقط أحتاج من يملأ هذا الفراغ الذي خلّفته لولا. هو لا يجرؤ أن يقول أنه محتاج لمن يصلح هذا الخراب الذي خلّفته لولا بقلبه ، ظل ذاك الصراع ينمو ويكبر إلى أن ظهر بدفتره الأسود، حينما كتب ذات مساء :
"ما أشد حيرتي بينما أريد ، وما أستطيع" ذاك ما كتبه نجيب محفوظ في روايته حضرة المحترم ، وأنا الآن محتار بين ما أريد ، وما لا أستطيع ، ذلك المستحيل الذي أطارده ، وربما يطاردني ، صار يلتهم أيامي ، وينهش أعوامي ، ويحيلني ببطء إلى رجل مرهون بالكامل إلى قصة عشق أوصدت الحياة أبوابها جميعا ، وتركت منها بابا واحدا يتسلل إلى قلبه ، ذلك الباب الذي تسدّه لولا بكل ما أوتيت من دهشة. كما لو كنت مستعجلا ، وأقفلت أزرار قميصك وأنت نازلا على السلالم ، لتكتشف لاحقا أنك أخطأت بأول زر ، أو ينبهك أحدهم بمنتصف اللقاء للأمر ، تماما هكذا حينما تضطرك الحياة للاعتراف أن الخطأ كان استعجالك من البداية ، الأخطاء واردة ، حتى القلوب تخطئُ ، بل وكثيرًا ما تفعل ، وقد تخونها المشاعر ، ويُخلفها الحدس ، وأنا رجل مشنوقٌ من قلبه ، لكنه لم يمت ، بقي ينازع ، ويدعو من فعل ذلك أن يكمل المهمة "
بعد أسبوعين ، حضرت خلود لزيارة والدتها وأخيها ، كانت السعادة تتراقص بعينيها ، أخبرتهما أنها ستتوجه في الغد مع معتز إلى الجزائر ، لإجراء عملية تلقيح داخل الرحم ، الأمر بالنسبة لها مبعث فرح لا يوصف ، تمنى لها سالم النجاح ، وهو يقبّل نبراس حينا ، ويحادث شهرزاد حينا آخر ، أخبرها بتفاصيل حياته ، وبقصة أخته خلود ، كما حدّثته طويلا عن أهلها ، والدتها فطيمة التي تنحدر من وهران، ووالدها أحمد المتقاعد الذي كان يشتغل بمصفاة النفط بأرزيو ، أخوتها ، سيف الدين ، وكمال ، وشيماء آخر العنقود . حدّثته عن حياتها كلها ، عن دراستها ، .. وحتى عن قلبها الذي يتوق للحب الذي لم تعشه يومًا، تلك الجميلة التي بلغت من العمر ثمانية وعشرين عاما أقفلت قلبها تماما إلى أن أنهت دراستها وتوظفت وكما ينص قانون الخدمة المدنية فإنها كطبيبة ملزمة على العمل لسنوات في مناطق الجنوب والهضاب قبل أن تتمكن من العودة للعمل بمقر إقامتها . كان سالم قد بدأ يناديها شهرة، بدلا من شهرزاد، وهذا المتداول هنا ، أغلب الأسماء يتم تحويرها بما يناسب الدلال أو خفة النطق وسهولته ،


 
 توقيع : أحمد عدوان

حسابي على تويتر



رد مع اقتباس
 
1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47