منتديات مدائن البوح

منتديات مدائن البوح (https://www.boohalharf.com/vb/index.php)
-   سحرُ المدائن (https://www.boohalharf.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   حياة ميّتة (https://www.boohalharf.com/vb/showthread.php?t=3643)

جابر محمد مدخلي 04-09-2021 03:52 AM

حياة ميّتة
 

حياةٌ ميّتة

... معها كان النملُ يحملني كقطعة خبزٍ مبللةٍ بعسلٍ مُصفّى. والليل يحملني إلى حيثُ السهرات، والرقصات المقمرات على أحضان ضوء البَدر.
معها كنتُ نفيًا جميلاً لجزيرةٍ نائيةٍ لا أحد من كلينا يرغب بالعودة منها. معها كنتُ أنا، أنا وكانت هي معي هِيَ. كان الحلمُ يتحول لسردابٍ جميلٍ نخرجُ منه متى نشاء وندخله متى شئنا لا آيةَ كونيةً كنّا بحاجتها أو علامة أو معجزةٍ للخروج من مخابئنا. كانت المعجزةُ الحظ الذي جعلنا نُتشكّل كحلفٍ متماسكٍ، ومتزّنٍ في وجه عسس الليل الحالفين على ذبحنا إن وجدونا معًا بعد منتصف السهر. كنتُ معها تمامًا كما كانت معي. ربما خطفتني مرة أو مرارًا من غفواتي لو نازعني النعاس، أو طردت مني بلوحةٍ تمرر أناملها على جبهتي لترسمها بما تبقّى من أحمر شفاهها المتصبّب من آثر لعاب الضحكات المغشيّ عليها بيننا.
معها لم أشأ أن أتوسّل قطعةً من فرح، أو أدّخر فرصةً مواتيةً للطرَب في ميدان عينيها، أو أو استعراض قُوى مشاعري أمام جماهير أناملها وقدميها. في كل رقصة بوحٍ كانت تصفّق لي بانتظامٍ مرتكزةً على أطراف أنامل قدميها مرةً وعلى تسريحة شعرها الأمامي مرة أخرى وتخرج عينها الحوراء من بين أحضاني بعد أن توغلّت فيه بصدرها العاشق، وولها المتكوّر كحمامٍ حول حُبوبٍ جديدةٍ نثرها مُحسِنٍ ومضى.
كان العمرُ مصبّ نهرٍ في نفوسنا، نختار منه عذوبة الماء الذي نستقيه: رضابًا وريقًا وكرزاتٍ من حنانٍ فاضت عن مزارع الأثلاث الأخيرة لليالينا الجميلات.
لم يكن يدور بأخلادنا أننا سننهار ونسقط كقُرطٍ في أذن فاتنة ترقص على لحنٍ عذب. لم نتخيل لا أنا، ولا هِيَ ولا أختها أو أحد أفراد عائلتينا أنّ المآل عذابٌ جميل، والحلمُ أقصرُ من منهجنا الفيّاض، وخرائط جوعنا التي لم تلبث أن تكوّنت واتجهت صوب نبضاتٍ أفضل، وأحاسيس أكبرُ من حظّ كلينا. كانت الآيات والعِبر توحي بأنّ قصةً كاملةً ستبدأ، حتى المخرج الذي فكّر في جعل حياتنا فلمًا سينمائيًا كان تلك الليلة عاجز عن فعل شيء. لا أحد يحرّك ساكنه، لا أحد يجرؤ على إسداء إحسانٍ لأحد. تفتّت سهراتنا الأخيرة كحصوةٍ في المرارة غزاها منظار طبيبٍ ماهر. وحبسنا حابسٌ عند محبسٍ لا يمكن حلّها بغير المعجزات، أو صلوات الأعوام المستمرة. كانت هي المعجزة التي ظهرت في منتصف الخريف وبدأت تتراكم داخلي لعدة فصولٍ رغم حملها ذات الأسماء والمناخات إلا أنّها الأنثى التي لم تكن متشابهةً في كل فصولي، والمناخ المطير في كل سنوات الحضور والغياب، والاستسقاء والصمت. كانت تعي جيدًا أنني لم أقدِم عليها لغير قلبها .. ولغير طرقات (النرد) التي كانت تخاتلني لترميها في غفلةٍ إراديةٍ مني لتفوز وتحسم النتيجة. كنتُ معها أتصرّف بغباء إرادي، وأجمع لها الرِبح فيما أحصد أنا جميع الخسائر، والهزائم .. لم أتوقّع أنّها ستستغّل تغافلي لصالحها، أو ترتّب هزيمةً نكراء بغير إرداتها وبمساعدة الفجأة لتُحدث دويًّا للغياب المرهق لكل قبائل الحنين والوله في صدر الجميع بمقدار، وبصدري بمقدار الجميع.
ها أنذا الآن أتكوّم داخلي كما يفعلُ طفلٌ مريضٌ يلجأ إلى حضن أمّه. إنني بحاجة إلى حضنها. إلى الدفء الذي غمرتني به وتوقف لأجلٍ غير معلوم.
كيف لرجلٍ أن يبكي وهو قد أهداها دموعه كاملةً؟ كيف لقلبٍ أن يستوعب أنّه داخل صدري وهو مغمىً عليه داخل أركان مساحاتِ الغيب، والانتظارات المأمولة، والمألومة؟
ألم يئن للحياة أن تفرج عن أحلامنا، وطموحاتنا وتعيد الليل الذي وقّع على عهودنا ومواثيقنا؟، أن يعيد ما خطّه العُمر وشهد عليه الزمان والمكان وأبقى صدرين يلتحفان الأمل، وينتظران مجعزةً تهبط عليهما من السماء لتزرع أعضاء جديدة لحياةٍ تحت أغطيةٍ ملفوفةٍ بقماشٍ ينتظر المصير.
سأتوه، وويلي من التياه الحاسِم. بل قد تهتُ وأنا أتمرّد على عادات انتظاري، على سكوني وانشغالي، على أفعالي وذوباني في حركةٍ لا تستطيع أن تهبني حتى خطوةً للأمام .. كيف يمكن تفسير خطوات الوقوف؟ وكيف يمكنني السيطرة على تعبين في صدرٍ موكوث، أنهكته وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب؟ كيف لي أن أكون وأنا محاطٌ بها وهي في الرجاء الحاسِم لأن أتوازن في حياتي في ظل أن تقوم هي من غيابها وغيبها وتجيء لتسلّمني كل مفاتيح الحياة؟
بؤسٌ جديدٌ يمكنه أن يستغل حياتي الميّتة، وحياتي الغائبة!.


هادي علي مدخلي 04-09-2021 04:55 AM

رد: حياة ميّتة
 
وبعدما عقد الهوى
معك جدائله
وعانقك بكل ترف
في جزيرة هجرت كل شعرائها
وبقيت لكما تأتيكم ثمارها حين قطاف
وسولت لك نفسك أنها تنتظرك
حياة أجمل داخل الروايات
وخارج نطاق العقل والقلب
ولم تمنح لك حتى فرصة التفكير ....
وفي حين غفلة من الزمن
حُلمك تداعت عليه كل العواصف
وخر مغشياً عليه
مخاض أُجهض قبل اكتمال بدره
فصارت أكثر غلظة وغدراََ
لأنها عقيمة الندم
ولستُ أدري هل تقبل توبة
لجسد من طين فقد
أدنى درجات الإنسانية
جابر مدخلي
أفتقد مجابهة قليلك فكيف بكثيرك
وأشعر أن ذاكرتي في اللغة ضئيلة جداً
واتكأت علي معصم أصم
فكيف لي أن أخوض في حزن يحمل توقيعك
وربما أستعير مفرداتك لأخرج من الحرج
فقد وهبك المولى وعاء كلم
مُزج بألوان الحكمة والسكرة والهذيان
من أقترب منها فغرف غرفة بيده
أصابه لوثة من جنون ووقار من عقل ..
المدائن أحق بك يا جابر
لتنعم بفضيلة الأدب والانتماء
لقد سرقت كل حواسنا
في ساعة فجر متأخرة
وكأن قلبك ساعي البريد محمل
بعطر رسائل الحنين ووفاء الياسمين
شكري وتقديري مع مكافأة المنتدى

الوليد 04-09-2021 05:32 AM

رد: حياة ميّتة
 
(المال عذاب ٌ جميل )
وكان نصك أجمل
لتثبت أن دموع الرجل أغلى
فقط لمن تستحق
وياليتهم يعلمون
ويقرأون تلك الأسطر !
لك التقدير ولقلمك الجميل أخي جابر مدخلي

نبيل محمد 04-09-2021 08:08 AM

رد: حياة ميّتة
 
الرمال التي تمشي عليها

أصبحت في موسمِ الربيع ورود نادرةٍ

و في هذا المساء عندما تمر عليها ستطلبُ أن تعودَ معك

حتى تتغذى على أثرِ رائحتك

لله درك

جنّةٌ ثائرة..

ولَهَا زفَّةُ الياسمين
إعجابي ونجومي
>::>::>::

عُقدة 04-09-2021 11:09 AM

رد: حياة ميّتة
 

موضوعاً لا يمكن الرد عليه إلا بموضوع .!

http://www.boohalharf.com/vb/showthr...9107#post59107

محمد حجر 04-09-2021 11:13 AM

رد: حياة ميّتة
 
كان


دخول للقراءة فقط


ولك تعقيب لما قرأت


جمعتك سعادة ومغفرة ياصديقي

سليدا 04-09-2021 11:24 AM

رد: حياة ميّتة
 
جابر مدخلي

الحياة ميتة بافتقاد الأحبة

كل الدموع غالية ان ذرفت بصدق وحرارة

من رجل كان أو امرأة

ابدعت في طرحك سيدي

اعجابي وتقيمي

مع خالص الود والتقدير

نقاء الياسمين 04-09-2021 02:02 PM

رد: حياة ميّتة
 
. معها كان النملُ يحملني كقطعة خبزٍ مبللةٍ بعسلٍ مُصفّى
ما أجملها من صورة حية دالة على الخضوع اللذيذ ، والإستسلام المحبوب

نفيًا جميلاً لجزيرةٍ نائيةٍ لا أحد من كلينا يرغب بالعودة منها.
وكأن بلمسة منها قد تجعل من كل شيء قبيح حسن ، كتلك التي تلمس فيتحول كل ما تلمسه ذهب ، لذلك تحول المنفى الملئ بالغربة والوحشة ، إلى أنس وفرح وطمأنينة ، تشبيه عميق ورائع

معها لم أشأ أن أتوسّل قطعةً من فرح
الله الله ، معها يأتي الفرح أفواجا

لم يكن يدور بأخلادنا أننا سننهار ونسقط كقُرطٍ في أذن فاتنة ترقص على لحنٍ عذب.

صورة رائعة تدل على الثمالة التي كانت تغشى العاشقين

لتُحدث دويًّا للغياب المرهق لكل قبائل الحنين والوله في صدر الجميع بمقدار، وبصدري بمقدار الجميع.

يا الله كم هي عميقة هذه الكلمات ، أشعر بها تلفظ وجعها ، أشعر بمرارتها المتراكمة


الكاتب المبدع
جابر مدخلي

حرف نقش على جدار الروح ، وكأنها تلفظ أنفاس وجعها الأخيرة
على الورق
نص مليء بالصور المحبوكة بشكل عظيم
صور مليئة بالحياة ، نابضة وفياضة

أدامك الله

كراميل نور 04-09-2021 03:01 PM

رد: حياة ميّتة
 
على الأرائك متكئة .....أتنعم هنا ....في جنتي الخاصة

كم وددت أن احمل كل كتاب وكاتبات العالم نهرب لجزيرة بعيدا ......
لنصنع جنتنا الخاصة عليها بلا خدوش من الدنيا وتنغيصاتها

استاذي........ سلم الفكر والبنان والكيان والروح الطيبة

عصي الدمع 04-09-2021 07:38 PM

رد: حياة ميّتة
 
لعودة تليق ..
كان هنا ومضى


الساعة الآن 11:03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
مجتمع ريلاكس

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas
ط¯ط¹ظ… ظˆطھط·ظˆظٹط± ظ†ظˆط§ظپ ظƒظ„ظƒ ط؛ظ„ط§

1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47